8

بدأ ظلام الليل يزداد حلكة ، و أصبح ضوء القمر واضحاً من النافذة ،
أنا واثق من أن الطاهي يبحث عني ، و هو غاضب مني بشدّة الآن ،
و لكن هذا لا يهمني ، لأنه و لأول مرة أنا أشعر بالنشوة ، لأني خالفت قواعد التكية و تمردت عليها .

درويش التكية : " أنا الآن لا أعلم بمَ أجيبك يا شمس ، فلو كان ما تريده مني مدوّناً في كتب ، أو في مخطوطات ، فسوف أستطيع إيجاده لك بكلّ تأكيد ،
و لكني لا أعرف شيئاً عن هذا الشخص الذي تقصده في الوقت الحاضر،

لذا حتى ذلك الحين ، من الأفضل أن تبقى ضيفاً عندنا .

انحنى شمس انحناءة أنقية ، و مؤدبة ، احتراماً للمعلم ، و شكراً ...

جلست على الأرض ، و توقفت عن النظر من الشقّ ، و اكتفيت بالسماع ، فأنا متعب بعض الشيء ،
لكن الفضول انتابني ثانية ، عندما سأل المعلم شمساً التبريزي سؤالاً ، انتظرت إجابته بفارغ الصبر .

درويش التكية : " قلتَ لي يا شمس أنّك مستعدٌّ لنقل كامل معرفتك إلى ذلك الرفيق ، في حال وجدته ، و هو شخص معيّن حسب ما فهمت منك ، أليس كذلك ؟

لكن انتَ تعلم أنّ لكلّ شيء ثمن ،
فمَ الثمن الذي ستدقدّمه ، مقابل استقبتال ذلك الرفيق لتلك المعرفة ؟ ،
و لا سيّما أنّها حمل ثقيل ، و ليست بالشيء الهيّن و السهل ، و سوف تواجهك صعوبات جمّة في أثناء ذلك ، و لا شكّ . "

شمس : " أنا مستعدّ لتقديم رأسي . "

أجفلني كلام شمس هذا ، و سَرت رعدة في عظامي ،
ما هذا الجنون ؟ ! ،

كانت إجابته سريعة ، و دون تفكير ، و كأنّه على علمٍ يقين بما ينتظره تماماً ، إنّه الموت ! ،
و هو مستعدّ له في سبيل ذلك أيضاً ! ،
هل هذا الرجل مجنون ؟ ، عقلي لا يستوعب ! .

عدت و اختلست النظر من شقّ الباب ، و قد كان يبدو على معلمي أنه متفاجئ كذلك .

درويش التكية : " حسناً ، في الواقع لقد تحدثنا بما فيه الكفاية لليوم ،
و أنتَ بالتأكيد متعب الآن يا سمش ، فلما لا تذهب و ترتاح  ؟ ،

سوف أستدعي التلميذ الشابّ ، لكي يرافقك إلى فراشك ، و يُقدّم لك غطاءً مناسباً ، و قليل من الطعام الدافئ ،
و هذه المرّة أنا لن أقبل رفضك ، فأنت لم تتناول شيئاً قط . "

فردّ عليه شمس بنبرة عالية ، لكي يُسمعني جيداً على الأغلب :
" لا داعي لمناداته ، فأنا اشعر أنّه قريب منّا ، لا بل كان يستمع إلينا ربما . "

استدار شمس ناحية الباب ثانية .... ،

لقد عاد يحدّق فيّ ،

جحظت عيناي ، و تسارعت أنفاسي هذه المرّة ،
و قد أثار الذعر في نفسي بكلماته ،
أطلقت شهقة سمعها أهل بغداد ربما ،

و بهلع تام ، وقفت على قدميَّ ، و رحت أركض باتجاه الحديقة الكبيرة ، التي يغمرها الظلام ،
فلا ضوء فيها الآن غير ضوء القمر ،

أردت الاختباء منه في أي مكان ، حتى لو في قبر ،

و لحظي الجيد و كالعادة ، و جدت الطاهي في وجهي ، و يبحث عني و هو غاضب ،

صاح عليّ محاولاً إمساكي ، و ضربي بالمكنسة التي يحملها بيده ، فتمكنت من تجنّب ضربته في آخر لحظة ، فلا وقت لديّ لأتعامل معه و مع غضبه الآن ،

لأن نظرات شمس التي كانت تخترقني ، ما زالت ماثلة أمام عيني ،

و رحت أجري و أجري دون توقف  ، على الطريق المتعرجة ، التي تصل التكية بتقاطع الشوارع الرئيسة ،

و حتى مع ابتعادي كثيراً عن التكية ، تابعت الجري لا إيرادياً ، حتى شعرت أن ركبتاي سوف تنكسر ، و قدماي أصبحت ترتجف ، فتوقفت ، و التقطت أنفاسي ،

حسناً لننظر إلى الجانب المشرق ، فهذه المرة تعبت من الجري ، و ليس من العمل و التنظيف ، و توبيخ الطاهي لي على الأقل ،

لكني ما زلت أتساءل ، ما الذي كان سيفعله بي شمس ، لو أمسك بي ؟

أريد أن أعرف حقاً ،

يا إلهي ! ، لابدّ أنني قد عشت كثيراً ، حتى أريد الموت بهذه السرعة ،

أعترف أنّ الطاهي كان على حق في تلك المرّة ، عندما قال لي أنني أحمق بلا عقل ، لن ألومه بعد الآن ، فكلمةالحق تُقال .     *

.........

قررت إيلا دعوة العمة آستر ، بدلاً من ان تذهب إليها ، فقد كانت متعبة بالكامل ، لأنّها لم تنم الليل - الذي قضاه أليكس ثانية خارج المنزل - ، بسبب ألم رأسها الفظيع ، و كان حلقها ملتهباً قليلاً ، لكنها ناضلت في الصباح ، و نهضت لتحضّر الفطور قبل مغادرة الجميع ،

و على الرغم من أنّ كل واحد منهم يمتلك ذوقاً مختلفاً في الطعام ، لكن إيلا كانت تعدّ طعام لكل واحد منهم ، و ذلك لكي لا يضطروا لتناول طعام غير صحيّ خارج المنزل .

بينما كانت إيلا تنصت إلى ليزلي و آندر ، حيث يستثير أحدهما الآخر بغية إغاظته ، كان كلّ همّها أن تعود إلى فراشها و تستلقي ، لأن ألمها لم يتوقف ، حتى بعد أن تناولت بعض الفيتامينات ، و شربت القهوة ،

و بعد أن اوصلت زوجها و طفليها إلى الباب ، و تمنّت لهم يوماً جميلاً ، عادت إلى المطبخ ، الذي بدا و كأنّه تعرّض لغزو ما ،

الأطباق النصف فارغة على المائدة ، و قشور البيض على الرّف ، و الخلاط المتّسخ من بقايا القصير فيه ، و بقايا الخبز المحمّص ، كل شيء في فوضى ،

و كلبها جون يركض في أنحاء المطبخ ، مُنتظراً من إيلا أن تخرجه إلى نزهة ،

لكن التعب قد نال من إيلا حقاً ، فلم تستطع إلا أن تخرج لبضع دقائق مع جون إلى الحديقة ، ثم عادت على جناح السرعة .

فنظرت إلى ضوء الهاتف الأحمر ، الذي كان يرمش ، مُخبراً أنّ هناك رسالة صوتية قد وصلت .... ،

و يا لسعادة إيلا عندما علمت أنّها رسالة من روز ،

عندما سمعت إيلا صوت روز الرقيق ، و الذي بدا كنغمة على الهاتف ، غمرت الدموع عينيها ، فرحة بذلك ، ....

" اممم ، مرحباً ماما ، انتِ لم تجيبي عليّ ، لذا أظنُّ أنّك لستِ بالمنزل ، و اعتقد أنّ الجميع قد خرج أيضاً ،
حسناً ، أنا آسفة ، لقد قلتُ أنني لم أعد أريد رؤية وجهكِ بعد الآن ، و أني كرهتكِ ، و ذلك لأني كنت غاضبة ، لكن هذا لا يعني بأنّك لم تخطئي ،

لكني تفهّمت الأمر فيما بعد ، لأني أعلم أنكِ لم تريدي إيذائي ، بل فعلتِ ذلك بدافع خوفكِ عليّ .

و مع هذا لم يكن عليكِ الاتصال بليام في ذلك اليوم ....
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي