38

لم يتجرّأ أحد ان يُصدر أي صوت ،
و خيّم صمت خانق بشكل مرعب على الجميع ،
و كان سلطان هو الأشد استغراباً و دهشاً و خوفاً بنفس الوقت ،
حتى أن وجهه قد شحب ، و كأن الدم قد توقف تماما في عروقه .

بعدها بدأ المطر يهطل بغزارة ، و قد ابتلّ جميع الحاضرين بالماء .
كانت أطراف الأمير تهتزّ من شدّة الغضب ، و قد عضّ على شفتاه متوعّداً ، ثم أمر حرّاسه و خدمه لكي يذهبوا....
" لنذهب الآن . "

خرج الأمير و تبعته حاشيته ، و هم يخطون بأقدامهم على النقود الذهبية المبعثرة ، و ما إن خرج الأمير حتى بدأ بعض الأشخاص يلتقطون تلك القطع الذهبية المبعثرة ،
و آخرون كانوا ما يزالون مذهولين مما حدث ، يهزّون رؤوسهم غير مصدقين .

" مَن يظنُّ نفسه شمسٌ هذا ؟ "

" كيف يجرؤ على معاملة أميرنا بهذا الشكل ؟ "

" سوف يعود وبال عمله على بلدتنا الآن . "

...........

في تلك الليلة ، بعدما سمع علاء الدين بما حصل من بعض أصدقاءه ، شعر بالخزي و الحرج الشديد ، هذا إلى جانب غضبه الذي لم ينقطع ،

فلم يعد إلى المنزل في تلك الليلة أيضاً ،
و ذهب ليبيت عند أحد أصدقاءه ، حيث اجتمعت عصبة منهم هناك.
و كانوا جميعاً يشاركونه ذات الاستياء من شمس .

" هذا الرجل قد تجاوز كل الحدود . "

" حتى أنه ادخل إلى منزلكم فتاة كافرة لا يُعرف أصلها . "

" انتَ وحدك مَن سوف يُصلح أحوال العائلة ، و يُنقذ اسمها يا علاء . "

و مضتْ تلك الليلة على علاء كالجمر ، ليعود في الصباح التالي إلى منزله محتقناً ، و لأوّل مرّة في حياته ، قد تمنّى لو يكون ابناً لرجل آخر .

و عندما دخل ، وجد شمس يجلس بقرب إحدى الأشجار مُديراً ظهره ، مُطأطئاً رأسه و يعزف على الناي .

عندها اقترب علاء بهدوء من شمس  يحاول تفحّصه .
و بعد لحظات ، توقّف شمس عن العزف ، و قال عدّة كلمات بهدوء و تعب ، و كأنّه رجل عجوز انهكته هذه الحياة ....

شمس : " السلام عليكَ يا علاء الدين . "

عندها لم يتفاجأ علاء من معرفة شمس بقربه ، فشمس يستطيع ان يرى مِن خلف الجدران ، لذا ليس من الغريب ان يعرف من يكون خلفه .

علاء الدين :
" لا سلام بيننا و لا كلام ، و أصلاً منذ أتيت إلينا لم نعرف السلام ،
فلمَ لا تغادر و تتركنا كما كنا يا هذا ؟
و حتى سُمعة والدي وصلت إلى الحضيض بسببك "

عندها استدار شمس إلى علاء ، و بدأ يرمقه بنظرات فاحصة .
كانت تلك النظرات مثل وخز الإبر بالنسبة لعلاء ، و لطالما كان يقول علاء أن شمس يستخدم السحر ، و يقرأ الأفكار بشكل عجيب .

شمس :
" هل أنتَ خائف على سُمعة والدك التي وصلت للحضيض ؟ أم أنك أصبحت خائفاً على نفسك ، و سُمعتك التي هي مِن سمعة أبيك ؟ "

عندها لم يكترث علاء لكلام شمس الجارح هذا ، فمهما قال و اعترض ، سوف يخرح له شمس بشيء ما ....

علاء الدين :
" لا شأن لك بي و بسُمتي الآن .
كل ما عليكَ فعله هو مغادرة منزلنا دون عودة . "

شمس :
" أعلم تماماً قدر كرهك لي يا علاء ، و لكني سأحكي لك قصة ما . "

عندها استشاط علاء غضباً :
" و ما حاجتي بقصصك الغريبة ، لا وقت لدي لها . "

عندها قال له شمس :
من لا وقت لديه للقصص ، لن يعتبر من اي شيء في حياته . "

و بعدها تابع شمس كلامه دون ان يلتفت لاعتراض علاء الدبن ،
و أخبره بقصّة حدثت مع أحد السمّانين .

كان هناك رجل يبيع السمن ، و يعمل لديه شخص يرى الأشياء مزدوجة ،
فيرى الباب بابين ، و يرى المفتاح مفتاحين ، و هكذا .

و ذات مرّة طلب السمّان من العامل أن يذهب إلى المخزن ، و يُحضر أكبر جرّة سمن .

ففعل العامل وذهب إلى المخزن ، و لكنه قد رأى جرّتين كبيرتين في المستودع .

فعاد ادراجه و قال للسمّان انَّ هناك جرّتين كبيرتين ، فأيّ واحدة عليه ان يُحضر .

عندها تنهّد السمّان ، و قال للعامل الذي لم يكن يصدّق يوماً أن هناك مرضاً فيه يجعله يرى الأشياء مزدوجة :
" أذهب و اكسر واحدة منهما ، و أحضر الأخرى . "

ففعل العامل كذلك ، و ذهب و كسر واحدة ، فاندهش ان الأخرى قد كُسرت أيضاً . "
.....

عندما روى شمس هذه الحكاية لعلاء الدين ، كان يتمنى لو يفهم علاء المغزى منها ، لكن علاء لم يفعل .

علاء الدين :
" ما يُثير جنوني فيك ايها الدرويش أنك تلف و تدور بكلامك ، ما المغزى من قصتك هذه ؟
لمَ لا تقول ما تريد قوله بشكل واضح ؟ "

شمس :
" آهٍ يا علاء ، ألم تفهم أنك ترى الأشياء مزدوحة مثل ذلك العامل تماماً ؟

فأنا و والدك واحد ،
إن كسرتني كسرته ، و إن آذيتني آذيته . "

عندها فهم علاء الدين أن شمس قد قرأ أفكاره بالكامل ،
فقد كان علاء ينوي أن يهجم على شمس ، و يبرّحه ضرباً ، ليشفي غليله .

و قبل أن يتابع علاء الدين جداله مع شمس ، الجدال الذي لم يكن سيتوقف بسهوله ربما ،

نظر علاء إلى جانب شمس ، فرأى كيميا تراقبهم من بعيد ، و علامات الخوف على وجهها من انفعال علاء الدين .

عندها قد توقف علاء كُرمة للفتاة التي يحبها " كيميا " و غادر المنزل ثانيةً ، و الغضب ما زال مُشتعلاً فيه .

فقد كان يحاول انتهاز الفرصة المناسبة لكي يتكلّم مع والده الرومي ،
و يخبره انه يريد الزواج من كيميا .

لكن بسبب كل تلك الفوضى التي حدثت مؤخراً ، لم يحصل له مجال لذلك .
و كان هذا سبباً من أسباب ثوران غضبه باستمرار .
لكن هناك شيء لم يكن يعرفه علاء الدين ،
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي