23
" شمس "
بعد أن أوصلني الفلاح إلى المدينة ، توجّهت مع حصاني إلى خانٍ لكي أستريح قليلاً ،
و من بين الغرف التي وجدتها شاغرة في الخان ، أخترت الغرفة الأقلّ أثاثاً ، و التي تطلُّ على معظم المدينة ، و بعض التلال التي في أطرافها .
لم يكن في الغرفة سوى حصيرة صغيرة ، و غطاءٍ
أكل عليه الدهر و شرب ،
بالإضافة لوسادة أشبه بقطعة حجر ، و فانوس صغير قد ينطفئ بأي لحظة .
و بعدها توجّهت إلى المدينة سيراً بين شوارعها ، و أزقّتها و أسواقها .
و مما أثار دهشتي ، ذلك الخليط المتنوّع ؛
لقد رأيت عرباً ، و أجانب ، و أتراكاً ، و أكراداً ، و روساً ، و غيرهم الكثير ، من مختلف الجنسيات و العروق ،
و رأيت تجاراً ، و عبيداً خلّفتهم حرب المغول ، و مسافرين قادمين بلدان بعيدة جداً ،
و كلّما ابتعدت إلى أطراف المدينة أكثر ، كلّما رأيت حزناً و بؤساً أكثر .
كان هناك بعض الأزقّة المليئة بالمشرّدين ، الذين كان واضحاً أنّهم هاربون من الحرب الصليبية البيزنطينية .
كما صادفتُ جوالين غرباء ، و سوقاً للجواري
، و رأيت سَحَرَة ، و حجاج يهوداً ، مُتجهين إلى القدس ،
و غجراً جوّالين يعزفون الموسيقى ، و بهلوانيين آسيويين ، و سحرة أفاعٍ هنوداً ، و مجموعة من الفلاسفة من اليونان ،
و كان هناك من يتكلّم الإيطالية ، و العبرية ، و الفرنسية ، و الكردية ، و الأرمنيّة ، و السكسونية ، و الفارسيّة ، و العبريّة ، و لهجات أخرى ، لم استطع معرفتها ،
و على الرغم من اختلافهم جميعاً ، و لختلاف مشاربهم و دياناتهم ، كان هناك شيء أكيد مُشترك بينهم ؛
لقد كان واضحاً أنَّ كلّاً منهم ينقصه شيء ما ،
شيءٌ من الكمال ؛
و في ظلّ كلّ هذه الفوضى ، و الحياة الصاخبة من حولي ،
جلست وحيداً في ركن هادئ يسوده الصمت .
رحت أفكّر ، و أفكّر ، غير مبالي بما يجري من حولي ،
و في الوقت ذاته ، تبادر إلى ذهني كلّ من يعاني في هذه الحياة ،
كل من يتألّم ، كلّ من فقد ، كلّ من ظُلم و صبر ، دون أن يلقى مقابلاً في هذه الحياة ......... ،
و كثير من أمثالهم ممن يكافح و يناضل ،
و أحسستُ بحبّ جارف لهم ، و شفقة تملأ قلبي عليهم ،
و في هذه اللحظة بالذات ، و بينما أنظر للناس و هم من حولي ،
تذكرتُ قاعدة أخرى من قواعدي :
" إنّه لمن اليَسير عليك أن تحبَّ إلهاً عظيماً ، يتّصف بالكمال ، و الكرم ، و جميع الفضائل ،
لكن و في الحقيقة ، من الصعب عليك أن تُحب إخوانك البشر ، بكلّ نقصهم ، و ضعفهم ، و عيوبهم ،
إنّ المرء لا يستطيع أن يحبَّ إنْ لم يعرف ! ،
و في الوقت ذاته الحكمة الناتجة عن المعرفة ، لا فائدة منها ، ما لم تكن ممزوجة بالحبّ ،
علينا أن نتعلّم لكي نُحبّ خلق الله ، و لن نستطيع أن نُحبّ حقاً إن لم نعرف الله ! . "
عدتُ اتجوّل في تلك الازقّة الضيّقة ، و أتوغّل فيها أكثر فأكثر .
و في أغلب الأماكن التي مررتُ بها ، سمعتُ كثيراً من الناس يتحدّثون عن جلال الدين الروميّ ،
فتساءلت ، كيف هو شعور الإنسان عندما يكون مشهوراً ؟ ،
و ما تأثير ذلك على شخصيّته و نفسه ؟ ،
و بينما أفكّر في كلّ هذا ، كان الطريق الذي سلكته معاكساً تماماً للطريق الذي يؤدي إلى المكان الذي يُلقي فيه الروميّ خطبته الآن ......
و شيئاً فشيئاً ، بدأ المكان من حولي يتغيّر أكثر ، عن الشوراع السابقة التي مررتُ بها ،
حتى الوجوه ، و الروائح بدأت تتغير ،
و كان الفقر و الحاجة واضحاً على تلك الوجوه ،
منازل قديمة رثّة ، و أسوار متداعية ، و أبواب على وشك السقوط ، و أطفال أكثر شغباً و صخباً ،
ثمَّ قادتني قدماي إلى بستان صغير و جميل ، تفوح منه رائحة مختلفة ، كان مملوءً بأزهار من كلّ الألوان و الأشكال ،
تساءلت من يعتني به في مكان هكذا ؟ ،
بقرب ذلك البستان الصغير الذي تبيّن أنّه مُلحق لأحد المنازل ، جلست مجموعة من النساء مع أطفالهنّ ،
لاحظتُ عيونهم تنظر إليَّ باستغراب ، فأنا غريب عن هذا المكان ،
و بعد أن اقتربتُ قليلاً ، أوقفتني امرأة بدينة ، قائلة :
" أنت أيّها الغريب ، ما الذي تريده ؟ ، لمَ اقتربت من بستاني ؟ ،
لا تقلْ لي أنّكَ طامع بفتاتي أيضاً ،
أنا لن أبيعها أبداً ، بأي ثمن ، لذا ارحل . "
كانت كلمات تلك المراة فَضّة جداً ،
لم أفهم ما كانت تقصده إلّا عندما رأيتُ فتاة بعينين لوزيتين ، و شعر عسليّ ، جميل منسدل يصل لنصف طولها ،
كانت جالسة تعتني ببستان الورود ذاك ، و في عينيها نظرة نادرة ، لا أراها في كثير من العيون ، و أحسستُ أنّها لن تمكث في هذا المكان لمدّة أطول بعد الآن .
بعد أن أمعنت المراة البدينة النظر فيَّ ، قالت :
" آآه ، أرى أنّكَ درويش ما ، و لستَ ذلك النوع من الأشخاص ، و لكنّي ما زلت أُحذّرك من التدخل . "
اقتربت منها أكثر ، و عرّفتها باسمي ، ثمّ سألتها عن اسمها لكنّها لم تّجب ، و لوّحت بيدها كأنّها تهشُّ ذبابة ما ، و قالت :
" أظن أن هذا المكان قذر بالمقارنة مع الأماكن التي يوجد بها الدراويش ، لذلك ارحل ، و لا شيء لتشاهده هنا . "
فقلت لها : إنَّ القذارة إن وُجدت ، فسوف تكون في الداخل ، لا في الخارج ، هكذا تقول القاعدة .
المرأة البدينة : " أيُّ قاعدة ؟ !! . "
فقلتُ لها :
القذارة الحقيقة ، مَحلُّها في الداخل ،
أما القذارة الخارجية ، فيمكن تنظيفها بالماء ،
يوجد نوع من القذارة لا يمكن تطهيره حتى بالماء النقيّ ، و هي الكراهية ، و الحقد ، و التعصّب الذي يلوّث أرواحنا ،
بإمكاننا تطهير أجسامنا بالزهد و الصيام ، لكن ما يطهّر القلب ، هو الحبُ وحده .
فقالت لي باستهتار :
" أنتم يا معشر الدراويش على وشك فقدان عقولكم ، هذا إن لم تفقدوها منذ زمن ،
رأيتُ كثيراً من الناس ، و لكنكم الأندر و الأغرب ،
و اقولها لك ثانية ، غادر فأنا لا أريد أن أُسيء إلى درويش أكثر ، و إلا حلَّ علي عذاب الله و سخطه . "
فقلت لها :
من أين جئتِ بفكرة سخيفة كهذه ، هل تظنين أنَّ الله يراقبنا لكي يسخط و يغضب علينا عبثاً ، كلّما ارتكبنا خطأً ما ؟
و لم تكفّ المراة البدينة عن النظر إليَّ بنظرة تشي بالشكّ و سوء الظنّ .
" لا تقلقي يا سيدة ، فأنا لم آتي إلى قرب منزلك سوى لبغية رؤية هذا البستان ، فقد جذبتني رائحة الورود لا أكثر . "
فقات لي :
" هكذا الأمر إذاً ، لا بأس .
لقد زرعتها الفتاة التي تعمل لديّ ، و هي مَنْ تعتني بها . "
فنظرت إلى الفتاة ، ثمَّ همست للمراة البدينة بقولي :
إن هذه الفتاة ستغادر هذا المكان يوماً ما ، في رحلة روحية طويلة ، لكي تبحث عن الله ، و عند حلول ذلك الوقت ، لا تقومي بمنعها . "
فنظرت المرأة إليَّ باستهجان و قالت :
" هل أنتَ مجنون أم ماذا ؟ ،
كيف تعرف ذلك أصلاً ؟ ،
ثمَّ مَنْ أنتَ حتى تُملي عليَّ ما يجب أن أفعله ، و ما لا يجب أن أفعله ؟ !
، أرحل و إلّا لن أتردد في استدعاء غول حارتنا ، ليتخلّص منك . "
فقلت لها : من هوَ ذاك ؟ .
فقالت لي : " لا أنصحك بمعرفته أبداً . "
شعرتُ بشغور غريب تجاه ذلك الاسم - الغول -
لكنّي لم أكترث للأمر ، و قلت لها :
سوف أُغادر الآن يا سيّدة ،
و لا تستغربي إن رأيتني في هذا المكان ثانيةً ،
فلا تظنّي أنّه بمجرّد كوني درويشاً ، فأنا أُمضي عمري على سجادة الصلاة ، أُصلّي و أقرأ القرآن ،
فأنا لستُ من أؤلئك الذين يغمضون عيونهم و قلوبهم عن العالم الخارجيّ ، بحجّة العبادة ،
و يهملون التفكّر ، و التأمّل بخلق الله ، و عظمته .
بعد أن أوصلني الفلاح إلى المدينة ، توجّهت مع حصاني إلى خانٍ لكي أستريح قليلاً ،
و من بين الغرف التي وجدتها شاغرة في الخان ، أخترت الغرفة الأقلّ أثاثاً ، و التي تطلُّ على معظم المدينة ، و بعض التلال التي في أطرافها .
لم يكن في الغرفة سوى حصيرة صغيرة ، و غطاءٍ
أكل عليه الدهر و شرب ،
بالإضافة لوسادة أشبه بقطعة حجر ، و فانوس صغير قد ينطفئ بأي لحظة .
و بعدها توجّهت إلى المدينة سيراً بين شوارعها ، و أزقّتها و أسواقها .
و مما أثار دهشتي ، ذلك الخليط المتنوّع ؛
لقد رأيت عرباً ، و أجانب ، و أتراكاً ، و أكراداً ، و روساً ، و غيرهم الكثير ، من مختلف الجنسيات و العروق ،
و رأيت تجاراً ، و عبيداً خلّفتهم حرب المغول ، و مسافرين قادمين بلدان بعيدة جداً ،
و كلّما ابتعدت إلى أطراف المدينة أكثر ، كلّما رأيت حزناً و بؤساً أكثر .
كان هناك بعض الأزقّة المليئة بالمشرّدين ، الذين كان واضحاً أنّهم هاربون من الحرب الصليبية البيزنطينية .
كما صادفتُ جوالين غرباء ، و سوقاً للجواري
، و رأيت سَحَرَة ، و حجاج يهوداً ، مُتجهين إلى القدس ،
و غجراً جوّالين يعزفون الموسيقى ، و بهلوانيين آسيويين ، و سحرة أفاعٍ هنوداً ، و مجموعة من الفلاسفة من اليونان ،
و كان هناك من يتكلّم الإيطالية ، و العبرية ، و الفرنسية ، و الكردية ، و الأرمنيّة ، و السكسونية ، و الفارسيّة ، و العبريّة ، و لهجات أخرى ، لم استطع معرفتها ،
و على الرغم من اختلافهم جميعاً ، و لختلاف مشاربهم و دياناتهم ، كان هناك شيء أكيد مُشترك بينهم ؛
لقد كان واضحاً أنَّ كلّاً منهم ينقصه شيء ما ،
شيءٌ من الكمال ؛
و في ظلّ كلّ هذه الفوضى ، و الحياة الصاخبة من حولي ،
جلست وحيداً في ركن هادئ يسوده الصمت .
رحت أفكّر ، و أفكّر ، غير مبالي بما يجري من حولي ،
و في الوقت ذاته ، تبادر إلى ذهني كلّ من يعاني في هذه الحياة ،
كل من يتألّم ، كلّ من فقد ، كلّ من ظُلم و صبر ، دون أن يلقى مقابلاً في هذه الحياة ......... ،
و كثير من أمثالهم ممن يكافح و يناضل ،
و أحسستُ بحبّ جارف لهم ، و شفقة تملأ قلبي عليهم ،
و في هذه اللحظة بالذات ، و بينما أنظر للناس و هم من حولي ،
تذكرتُ قاعدة أخرى من قواعدي :
" إنّه لمن اليَسير عليك أن تحبَّ إلهاً عظيماً ، يتّصف بالكمال ، و الكرم ، و جميع الفضائل ،
لكن و في الحقيقة ، من الصعب عليك أن تُحب إخوانك البشر ، بكلّ نقصهم ، و ضعفهم ، و عيوبهم ،
إنّ المرء لا يستطيع أن يحبَّ إنْ لم يعرف ! ،
و في الوقت ذاته الحكمة الناتجة عن المعرفة ، لا فائدة منها ، ما لم تكن ممزوجة بالحبّ ،
علينا أن نتعلّم لكي نُحبّ خلق الله ، و لن نستطيع أن نُحبّ حقاً إن لم نعرف الله ! . "
عدتُ اتجوّل في تلك الازقّة الضيّقة ، و أتوغّل فيها أكثر فأكثر .
و في أغلب الأماكن التي مررتُ بها ، سمعتُ كثيراً من الناس يتحدّثون عن جلال الدين الروميّ ،
فتساءلت ، كيف هو شعور الإنسان عندما يكون مشهوراً ؟ ،
و ما تأثير ذلك على شخصيّته و نفسه ؟ ،
و بينما أفكّر في كلّ هذا ، كان الطريق الذي سلكته معاكساً تماماً للطريق الذي يؤدي إلى المكان الذي يُلقي فيه الروميّ خطبته الآن ......
و شيئاً فشيئاً ، بدأ المكان من حولي يتغيّر أكثر ، عن الشوراع السابقة التي مررتُ بها ،
حتى الوجوه ، و الروائح بدأت تتغير ،
و كان الفقر و الحاجة واضحاً على تلك الوجوه ،
منازل قديمة رثّة ، و أسوار متداعية ، و أبواب على وشك السقوط ، و أطفال أكثر شغباً و صخباً ،
ثمَّ قادتني قدماي إلى بستان صغير و جميل ، تفوح منه رائحة مختلفة ، كان مملوءً بأزهار من كلّ الألوان و الأشكال ،
تساءلت من يعتني به في مكان هكذا ؟ ،
بقرب ذلك البستان الصغير الذي تبيّن أنّه مُلحق لأحد المنازل ، جلست مجموعة من النساء مع أطفالهنّ ،
لاحظتُ عيونهم تنظر إليَّ باستغراب ، فأنا غريب عن هذا المكان ،
و بعد أن اقتربتُ قليلاً ، أوقفتني امرأة بدينة ، قائلة :
" أنت أيّها الغريب ، ما الذي تريده ؟ ، لمَ اقتربت من بستاني ؟ ،
لا تقلْ لي أنّكَ طامع بفتاتي أيضاً ،
أنا لن أبيعها أبداً ، بأي ثمن ، لذا ارحل . "
كانت كلمات تلك المراة فَضّة جداً ،
لم أفهم ما كانت تقصده إلّا عندما رأيتُ فتاة بعينين لوزيتين ، و شعر عسليّ ، جميل منسدل يصل لنصف طولها ،
كانت جالسة تعتني ببستان الورود ذاك ، و في عينيها نظرة نادرة ، لا أراها في كثير من العيون ، و أحسستُ أنّها لن تمكث في هذا المكان لمدّة أطول بعد الآن .
بعد أن أمعنت المراة البدينة النظر فيَّ ، قالت :
" آآه ، أرى أنّكَ درويش ما ، و لستَ ذلك النوع من الأشخاص ، و لكنّي ما زلت أُحذّرك من التدخل . "
اقتربت منها أكثر ، و عرّفتها باسمي ، ثمّ سألتها عن اسمها لكنّها لم تّجب ، و لوّحت بيدها كأنّها تهشُّ ذبابة ما ، و قالت :
" أظن أن هذا المكان قذر بالمقارنة مع الأماكن التي يوجد بها الدراويش ، لذلك ارحل ، و لا شيء لتشاهده هنا . "
فقلت لها : إنَّ القذارة إن وُجدت ، فسوف تكون في الداخل ، لا في الخارج ، هكذا تقول القاعدة .
المرأة البدينة : " أيُّ قاعدة ؟ !! . "
فقلتُ لها :
القذارة الحقيقة ، مَحلُّها في الداخل ،
أما القذارة الخارجية ، فيمكن تنظيفها بالماء ،
يوجد نوع من القذارة لا يمكن تطهيره حتى بالماء النقيّ ، و هي الكراهية ، و الحقد ، و التعصّب الذي يلوّث أرواحنا ،
بإمكاننا تطهير أجسامنا بالزهد و الصيام ، لكن ما يطهّر القلب ، هو الحبُ وحده .
فقالت لي باستهتار :
" أنتم يا معشر الدراويش على وشك فقدان عقولكم ، هذا إن لم تفقدوها منذ زمن ،
رأيتُ كثيراً من الناس ، و لكنكم الأندر و الأغرب ،
و اقولها لك ثانية ، غادر فأنا لا أريد أن أُسيء إلى درويش أكثر ، و إلا حلَّ علي عذاب الله و سخطه . "
فقلت لها :
من أين جئتِ بفكرة سخيفة كهذه ، هل تظنين أنَّ الله يراقبنا لكي يسخط و يغضب علينا عبثاً ، كلّما ارتكبنا خطأً ما ؟
و لم تكفّ المراة البدينة عن النظر إليَّ بنظرة تشي بالشكّ و سوء الظنّ .
" لا تقلقي يا سيدة ، فأنا لم آتي إلى قرب منزلك سوى لبغية رؤية هذا البستان ، فقد جذبتني رائحة الورود لا أكثر . "
فقات لي :
" هكذا الأمر إذاً ، لا بأس .
لقد زرعتها الفتاة التي تعمل لديّ ، و هي مَنْ تعتني بها . "
فنظرت إلى الفتاة ، ثمَّ همست للمراة البدينة بقولي :
إن هذه الفتاة ستغادر هذا المكان يوماً ما ، في رحلة روحية طويلة ، لكي تبحث عن الله ، و عند حلول ذلك الوقت ، لا تقومي بمنعها . "
فنظرت المرأة إليَّ باستهجان و قالت :
" هل أنتَ مجنون أم ماذا ؟ ،
كيف تعرف ذلك أصلاً ؟ ،
ثمَّ مَنْ أنتَ حتى تُملي عليَّ ما يجب أن أفعله ، و ما لا يجب أن أفعله ؟ !
، أرحل و إلّا لن أتردد في استدعاء غول حارتنا ، ليتخلّص منك . "
فقلت لها : من هوَ ذاك ؟ .
فقالت لي : " لا أنصحك بمعرفته أبداً . "
شعرتُ بشغور غريب تجاه ذلك الاسم - الغول -
لكنّي لم أكترث للأمر ، و قلت لها :
سوف أُغادر الآن يا سيّدة ،
و لا تستغربي إن رأيتني في هذا المكان ثانيةً ،
فلا تظنّي أنّه بمجرّد كوني درويشاً ، فأنا أُمضي عمري على سجادة الصلاة ، أُصلّي و أقرأ القرآن ،
فأنا لستُ من أؤلئك الذين يغمضون عيونهم و قلوبهم عن العالم الخارجيّ ، بحجّة العبادة ،
و يهملون التفكّر ، و التأمّل بخلق الله ، و عظمته .