3

" أنعم بالحب الخالص " رددت إيلا هذه الكلمات في نفسها ، و بَدت كحلم بعيد المنال ، و قد تضايقت منها نوعاً ما .

ثم بدأت بقراءة رواية " البحث عن الشمس التي لا تغيب "

ثم ألقت نظرة على مقدمة الكتاب ، و التي كُتب فيها شيء عن حياة الكاتب ، الذي يعيش في بلجيكا ، مع كتبه و حيواتانه الأليفة ، هذا عندما لا يكون مسافراً .

و خلال قرائتها للرواية ، وقعت عيناها على الجملة التالية : " و بالرغم مما يعتقده الكثير من الناس ، فإن العشق ليس مجرّد شعور يأتي و يذهب ، بل هو أثمن من ذلك بكثير ؛ لا بل هو شيء مُقدّس ، فلربما يكون هو الفاصل بين النعيم و الجحيم . "

تسمّرت إيلا في مكانها ، و اقشعرّ بدنها ، أليس هذا الكلام نقيض ما قالته لروز ، و أحسّت أن هذا الكاتب كان يقصدها بكلامه دون سواها ، و أنّه كان يعلم أنّها ستقرأ هذه العبارة بعد الحوار الذي دار بينها وبين ابنتها ،
" هل يعرفني ؟
، أو هو يراقبني ؟
، كلا ما هذا الجنون ، غير ممكن ، أنّى له معرفتي ؟
، فنحن غرباء و مختلفون كاختلاف الليل و النهار ! . "

إيلا لم تملك فكرة أنّ هذه الرواية هي الحدّ الفاصل الذي سوف يعيد كتابة قصة حياتها بالكامل .

تبدأ احداث الرواية ، عندما يكون شمس جالساً في العليّة وحيداً ، يتأمل خلق الله ، و يتفكّر فيه ،
و فجأة جاءته رؤيا ، لقد رأى نفس الرجل ثانية ، رجل ينتظر قدومه و يتطلّع إليه ،

لم يعرف شمس من يكون هذا ، فهو لم يره من قبل ، إلا في رؤياه ، و هو لا يعرفه ، لكنّه متأكد من أنّه شخص بحاجة إليه .
و بقي على هذا الحال مدّة من الزمن ....

تابعت إيلا القراءة ، مع أنّها أرادت للمرة الثانية أن ترفض العمل ، لكنّها كابرت و حاولت أن تكون عند وعدها للسيد جول ،
و لم تعلم كم مرّ من الوقت إلا عندما شعرت بالإرهاق ، فقد مرت عدة ساعات ، فقررت التوقف ،
و ذهبت إلى فراشها ،

لكنّها لم تتوقف عن التفكير بأحداث هذه الرواية الإسلامية ، فهي غير كلّ ما قرأته سابقاً ، أما شخصية شمس الغامضة التي لم تستطع إيلا تحديد ماهيتها أو ما الذي تفكّر به ، فقد كان لها أثر غريب في نفسها ، لم تعرف ما هو ؟

و في اليوم التالي ، تناول الجميع الإفطار الذي أعدّته إيلا بكلّ عناية ، لكي يحوي على أكبر قدر ممكن من العناصر الغذائية ، فأمامهم يوم طويل ،

و لم ينطق أحد منهم بكلمة ، عدا آندر الذي قال بأنّه يشعر بالجوع الشديد ، و أنّ شهيته مفتوحة لتناول كل شيء ، فملأ طبقه عدة مرات .

و بعد أن ذهب كلٌّ في طريقه ، خطرت لإيلا فكرة ما ، و عزمت على تنفيذها في الحال ، ظناً منها أنّها ستعيد الأمور لنصابها ، و أنّ كل شيء سيكون بخير ، غير مُدركة أنّها - ولا أحد غيرها - من سيكسر سداً تم بناءه على مدار سنوات زواجها ، من المشاعر السلبية و المشاكل و النزاعات التي كانت مكنونة حتى الآن .

توجهّت إيلا نحو الهاتف و قامت بإجراء مكالمة ،

" إيلا : مرحباً ليام ، أنا والدة روز ، كيف حالك ؟ "

" ليام : أوه ، سيدة سميث ... أنا كيف استطيع مساعدتك ؟ "

حاولت إيلا أن تبدو طبيعية تماماً ، و كأنها تتكلم مع شخص اعتادت على الحديث معه كل يوم ، لكن ليام قد ارتبك قليلاً من اتصالها .

" إيلا : لعلّك تعرف سبب اتصالي ، سأدخل بصلب الموضوع فوراً ، أرجو أن تترك فكرة الزواج من روز ،
ليس لدي شيء ضدّك شخصياً ، لكن أنت و هي ما زلتما صغاراً على اتخاذ قرار كهذا ،

و انظر ... انا متأكدة من أنك ستشكرني يوماً ما ،
فليس من الغريب أن تتغير أمور كثيرة في حياتكما مستقبلاً ، و ربما ستجد فتاة أخرى ، من يدري ؟ "

" ليام : هل تطلبين مني ترك روز ، لأني قد أحب فتاة أخرى في المستقبل المجهول سيدتي ؟ ،

ما هو مفهوم الحب لديكِ ، إن كان أمراً بهذه البساطة والسهولة إذاً ... لا عجب أن تحبي شخصاً آخر أنت أيضاً ... "
و قد حاول ليام أن يتكلم بتهذيب ، و بطريقة حضارية ، على الرغم من انزعاجه .

" إيلا : ما الذي تتفوه به يا بني ؟
أنا و زوجي قد اخترنا خيار عمرنا ، و هذا ما أريد إخبارك به بالضبط ، أنّ الزواج قرار جديّ و يحتاج لدراسة و اختيار بعناية "

" ليام : أنا و روز أحببنا بعضنا ، و أمر كهذا عائد لنا ، أرجو أن تتفهمي هذا على الأقل . "

أخيراً انتهت محادثتهم عند هذا الحد ، بعد أن طلبت إيلا منه ألّا يخبر روز بأمر هذا الاتصال ، و أن يفكر بالموضوع .

ثم ذهبت إلى المطبخ لتحضير بعض المعجنات ، فهي من أكثر الطرق التي تستخدمها إيلا لإفراغ طاقتها السلبية ، و نسيان همومها ، لاسيّما عندما تنجح بصنع وصفة جديدة بنكهة مثالية و شكل جميل .

هذا عندما اتصل بها أليكس ، و قد بدا منزعجاً و مضطرباً ....

أليكس : ما الذي فعلته ؟ ، أكاد لا أصدق أنك اتصلت بليام ، و طلبت منه ترك روز !

تفاجأة إيلا و أجابته لاهثة :

لا بدّ أنّه قد اتصل بك ، دعني أشرح لك الأمر ..

أليكس : قومي بالشرح لروز و ليس لي ، فأنا قد علمت منها ، بعد أن أخبرها ليام بأمر باتصالك ، و بشدّة ،
وهي الآن عند صديقتها ولن تعود للمنزل ، و قد قالت أنّها لم تعد ترغب برؤيتك ..

ثم دمدم أليكس بصوت منخفض " و أنا لا ألومها على فعلها " ...

إيلا : يا إلهي ! ، لم يكن هذا ما قصدته ...

أليكس : أصبحت تقولين و تفعلين كثير من الأشياء عن غير قصد ، عزيزتي ! .

لم تعرف إيلا ماذا ستفعل ، و قد أصابها وابل من الهمّ ثانية ، ثم تابعت إعداد الغداء على أمل أن تجد حلاً ما مع أليكس عند عودته للمنزل ،

لكنّه و قبل موعد العشاء بنصف ساعة ، أرسل لها رسالة يدّعي فيها أنّه قد طرأ لديه عمل عاجل و لن يعود للمنزل اليوم ، و قد لا يعود في الصباح أيضاً .

علمت إيلا في الحال أنّه على موعد مع إحدى نسائه من رسالته الغامضة و مزاجه على الهاتف عندما كلمته ،
لكن حتى مع علاقاته التي كانت إيلا على علم تام بها ، فهو لم يكن يبيت خارج المنزل لغير العمل في المستشفى ، وكان يأخذ مكانه على مائدة الأسرة دوماً ،

و يتناول الطعام الذي تعدّه مهما كان نوعه أو كميّته ، و عندما ينتهي من تناول الطعام ، لم ينسَ أن يشكرها بامتنان - وكأنّه يشعر بالذنب جرّاء خيانته لها - و هي كانت تغفر له و تتغاضى عن الأمر باستمرار .

أحسّت إيلا أنّها وحيدة تماماً ، حتى عندما عاد آندر و ليزلي ، و تصرّفا بشكل طبيعي تماماً ، و بدأ آندر يتذمّر من الطعام ، قائلاً أنّه يريد طلب البيتزا ،

أما ليزلي فقد كانت تريد تخطي الوجبة كالعادة للحفاظ على رشاقتها كما تظن ، لكن إيلا تماسكت و جعلتهما يتناولان الطعام المؤلف من السمك مع الصلصة و الخضر المشوية و شيء من الحلوى التي أعدّتها ، و هكذا أنهوا وجبتهم .

" أنا منذ متى فقدت الطمأنينة بهذا المنزل و بتُّ وحيدة أرتكب الأخطاء ، و أفتعل المشاكل "

كان شعور اليأس يتدفق منها عندما كانت جالسة في المطبخ بفردها ، و سكون ثقيل يغمرها ،

و فكرت للحظة أن كل ما قامت به اليوم من جهد لتحضير مائدة يجتمع الجميع حولها ، و التعب الذي تعبته قد كان بلا معنى ،

و اعتراها شعور آخر باليأس ، فهي في الأربعينيات من عمرها و لم تحقق إنجازات ذات قيمة في حياتها ، بل استمرّت بمنح الحب لعائلتها دوماً دون طلب أو مقابل ،
فذهب بها فكرها إلى رواية " البحث عن الشمس .. "
و عادت تفكر بشخصية شمس التي جُذبت لها ، و تمنت لو أنّه كان معها ، بشخصيته الفريدة ، و كلماته التي كانت في الظاهر شيء ، و في حقيقتها و باطنها شيء آخر أعمق بكثير ، ثم همّت بمتابعة القراءة .

ففي ذات مرة عندما كان شمس مسافراً ، حلّ عليه الظلام فاستلقى تحت شجرة ما على قارعة طريق خالٍ من المنازل ، لا بل من الحياة تقريباً ، و عاد للتأمل و التفكّر في أي إشارة إلهية ربما قد أتته دون أن يلحظها بعجلته .
لم يأكل أو يشرب منذ يومين ، و هذا كان حاله منذ طفولته ، و كان يسمع و يرى أشياء لا يدركها أحد غيره من حوله ،
و اعتاد على الأمر ، و لم يشعر بالخوف ، و تعلّم على مدى الأيام ألّا يذكر هذه الأشياء لأي شخص كان ، قائلاً أنّ البشر يميلون دائماً للاستخفاف بما لا يمكنهم فهمه ؛
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي