6

كانت هناك عدّة رسائل ، و كانت تتمنى أن تكون رسالة من روز مع هذه الرسائل ، لكن لم يكن الأمر كذلك ،

كانت هناك رسالة السيد جول ، يسألها بها عن الرواية ، و كيف تجري أمور تدقيقها معها ،
و أخرى من العمة آستر ، تدعوها فيها لزيارتها ، أو أّنها ستأتي إليهم لتسألهم عن أحوالهم ، قائلة أنّهم لم يلتقو منذ مدة ...

لم تكن إيلا ترغب بهذا اللقاء كثيراً ، لانه سيكون عبارة عن تحقيق في وضعهم العائلي الحاليّ في الغالب ...

و عندما نهضت إيلا و ارادت إطفاء حاسوبها ، اتسعت عيناها ...

فقد جاءتها رسالة من عزيز ، و على الفور قامت بفتحها ....

إلى العزيزة إيلا ،
لقد قرأت رسالتك الإلكترونية ، و منذ ذلك الحين و أنا ادعو أن يتمّ حل سوء الفهم بينكِ ، و بين ابنتكِ ..

إنّ أصغر ذرة حب في الحياة يا سيدتي ، تستحق الاهتمام و التقدير ، فالحب و كما قال جلال الدين الروميّ ، هو ماء الحياة ، أي لا غنى عنه .

و هناك أمر آخر أردت إخبارك به ، عن تجربة شخصية لي في الماضي ، و قد أفادني ذلك  في الكف عن التفكير و التدخل بشؤون الآخرين ممن هم مِن حولي ، سواءً كنت على خطأ أو صواب ،

و هو شعوري بالإحباط ، و أنّني لن أستطيع تغيير رأيهم مهما حاولت ، فلما لا أُذعن لهم و حسب ؟ ، لأنّي بتطفلي عليهم سوف أزيد الطين بلة ، و هم لن يصغوا إليّ على كل حال ،

إن البعض يعتبر الإذعان ضعفاً ، و هذا خطأ ، فهما شيئان مختلفان ، حيث أنّ الإذعان شكل من أشكال تقبّل  الأمور كما هي ، أو ترك شيء لا نفهمه حالياً ،
أتمنى أن تكوني قد فهمتِ قصدي ...

أنا الآن مسافر كما قلتِ ، و تحديداً أُقيم في فندق ميامي في فلوريدا ، و إنْ قُدّر لي يوماً أحبُّ أن ألقاكِ أيضاً .
تحياتي سيدة إيلا
المخلص :
عزيز     .

كانت إيلا سعيدة جداً بهذه الرسالة ، و بفكرة أنّ هناك أحداً غريباً في مكان بعيد يدعو لها ، و يهتمّ لأمرها كشخص قريب منها .



فتحت إيلا كتاب الطهو الذي اعتادت أن تحضّر وصفاتها منه ، و أرادت أن تتأكّد من المكونات التي تحتاجها ، قبل أن تذهب لمحلّ البقالة ،

لدى إيلا عدّة أسباب جعلتها تحبّ الطهو ، فهو يريح أعصابها ، لأن المطبخ هو المكان الوحيد في حياتها ، حيث يمكنها تجنّب ضجيج العالم بأكمله ، فتتوقف عن التفكير بأيّ شيء آخر .

لم تكن إيلا تحبّ كلمة " تجريب " أبداً ،
كما هو حال بعض فناني الطبخ الذي يقومون بابتكار وصفاتهم ، و إبداعاتهم الخاصة أحياناً ،
- فقد كان هاجسها أن تقع بالإخفاق و الفشل - ،

و كانت تقول باستمرار ، أن لا بأس بالوصفات التقليدية ، مع انّه في الوقت الحاضر قد قلَّ الاهتمام بكل ما هو تقليدي ، لكن لا ضير في ذلك ،
فلندع التجريب و الابتكار لهم إذاً ....

لقد قررت اليوم أن تُعدَّ حساء البنطليوس ، و الفاصولياء مع الخبز البنيّ ، الذي أعدته منزلياً ،
و طبق المحّار الخام ، و اعشاب طازجة ، و كعكة الشكلاتة بالبندق ، و حلى كانولس ....

و قامت بتزيين المائدة بالشموع العطرية ، و مناديل مزخرفة ، و أزهار ملونة ...

و عندما حلّ المساء ، كانت منهكة بالكامل ، لكن ذلك يستحق العناء ، لتجهيز مائدة رائعة كهذه ..

و بينما كانوا يتناول الطعام ، و حتى مع غياب روز عن المائدة ، كانت ثرثرة ليزلي و آندر عن الأحداث التي جرت معهم اليوم خلال المدرسة و بعدها ، تملأ المكان ، و قد شعرت إيلا بالامتنان لذلك ، فقد حطّما الهدوء الثقيل ، الذي كان سيحلُّ بينها و بين أليكس ..




* و بعد فترة وصل شمس لبغداد ، لم يكن يعرف أحداً هناك أبداً ،
لكنّه كان يعرف أنّه من هنا سيتعرّف على شريكه في الطريق إلى الله .

و حال وصوله توجّه إلى التكية ، بعد أن تجوّل في شوراع بغداد ، محاولاً التعرف على احوال أهلها ، و كيف هو معدنهم ...

و عندما دخل إلى التكية ، ألقى التحية على التلميذ الذي استقبله ، و كان شاباً صغيراً بشعر أحمر فاتح ،

طلب سمش من التلميذ أن يأخذه إلى الدرويش المسؤول عن التكية ، فأخبره التلميذ أنّ لدى الدرويش ضيف في الوقت الحاضر ، و طلب منه الانتظار ،

لكن شمس ظلّ مُصرّاً على مقابلته في الحال ، فطلب منه التلميذ أن ينتظر قليلاً حتى يخبر الدرويش بأمره ....

كان الدرويش جالساً مع أحد القضاة ذوي النفوذ ، الذي أتى للزيارة ، و في الحقيقة السبب الباطني لزيارته هو لتحذير دراويش التكية ، أنّهم تحت المراقبة و أنّ عينه عليهم ، فهو لم يكن يحبّ التكية و من فيها ،
بل كان يقتنع بسلطته فقط ،

و عندما دخل التلميذ على أستاذه الدرويش ،
انحنى قليلاً ، و همس يخبره أن درويشاً جوالاً قد قدِم حديثاً إلى بعداد يُصرّ على مقابلته ...

في العادة يتمّ استضافة المسافرين و الترحيب بهم في مكان مخصص ، و يُقدَم لهم الطعام الساخن ، ريثما يقابلهم أحد الدراويش ،

لكن الدرويش كان يريد من أي أحد أن يقطع محادثته السقيمة مع القاضي المتبجح ، لذا طلب من تلميذه أن يُدخل الزائر .

" بعد أن أصبح الجوّ متوتراً بيني و بين القاضي ، كنت آمل أن يغير الدرويش الجوال من هذا الجو بيننا ، بقصصه من كل مكان ، فلا شكّ أنّه قد زار أماكن كثيرة ،

و بعد لحظات ، دخل ذلك الدرويش ، ذو العيون السوداء العميقة ، و الشعر الأسود المنسدل على عينيه و حتى ، و العباءة السوداء الطويلة ،

باختصار هو كان مُتشحاً بالسواد بالكامل ،
و في الحال علمت أنه من النوع الذي لن يعير أي اهتمام لرأي الناس فيه ،

فمن يراه نحيفاً ، بثياب كتلك سيظنّ أنّه مجرّد متسول ، و لم يبدو أن هذا الأمر قد يزعجه ...


أهلاً بك أيها الدرويش ، قلت و قد طلبت منه أن يجلس قُبالتي ...

و بعد أن حيّانا بشكل أنيق و مُهذّب ، جلس حيث طلبت منه ،

فقدمت له بعض من ثمرات التين و التمر و اللبن ،
لكنه رفض ذلك بكلّ أدب ،
و عندما سألته عن اسمه ، عرّف عنه بالتبريزيّ ،
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي