11
و لولا أنّه عاد و كرر عليّ الموضوع ، لكنت نسيته ، و تجاهلته ،
فعندما كنت عازماً على السفر إلى القيصرية ، جاء إليّ يخبرني أنّه يرى حلماً يأرّقه ، و قد تكرر هذا الحلم عدّة مرّات ، ....
لقد قال لي ، أنّه يبحث في حلمه عن شخص يعيش في مدينة كبيرة ، تضجّ بالحياة ، و فيها الكثير من الناس ، في أرض بيعيدة ؛
رأى كلمات باللغة العربية ، و غروب شمس مثير ، يبعث الراحة و الطمأنينة ، ....
كما رأى أشجار توت ، و دود قزّ ، ينتظر في شرانقه إلى حين موعد خروجه إلى العالم ، ...
ثمَّ عاد و رأى نفسه في فناء بيته ، جالساً بالقرب من البئر العميقة ، يحمل قنديلاً بيده ، و يجحش بالبكاء دون توقف .... .
لم تكن لديّ فكرة عن الشخص ، أو المكان الذي ذكره لي .
لكن بعد ذلك بفترة تلقيت منديلاً من الحرير - الذي تصنعه دودة القزّ - هديّة ، تذكّرت و في الحال تكيتك ، و خطر لي أنّ المكان الذي ذكره لي الرومي ، لم يكن إلّا تكية الدراويش التي أنشأتها أنت ،
الخُلاصة يا أخي ، هل يعيش رفيق جلال الدين الروميّ عندك ، و تحت سقف تكيتك ؟
و إذا كان الأمر كذلك ، فإني سوف أترك لك أمر إخبار ذلك الرفيق بالموضوع .
و إنّي أتمنى ان نتمكّن أنا و أنت ، من توحيد مجرى نهرين ، لكي يصبح مصبّهما في محيط العشق الإلهي ، و يكون مجراهما واحد ،
و إذا كان بوسعنا مساعدة صديقين طيبين على الالتقاء ، فإنّي أعتبر ذلك بركة من الله عليّ .
لكن يوجد شيء مهم عليّ اخبارك به أيضاً ، قد يكون الروميّ رجلاً مؤثراً ، و له محبّين ، لكن هذا لا يعني أنّه لا يملك منتقدين أيضاً ، فهم موجودون في الحقيقة ،
و إن سيرهما في طريق واحد معاً ، قد يولّد كثيراً من الاستياء ، و المعارضة ،
و قد يسبب نزاعات ، و خصومات حتى في اسرته ، بسبب تعلّق الرفيقين أحدهما بالآخر ،
فشخص مثل الرومي يحظى بالإعجاب ، و الحب ، و احترام الكثير من الناس ،
لا بدَّ أن يكون محطّ أنظار الحاسدين ، و الحاقدين ،
مما سيجعل رفيقه في خطر مُحدق ، لا يستطيع أحد توقعه ، ....
ما اقصده ، أن ذلك الشخص إن ذهب إلى قونيا ، لمرافقة الروميّ ، قد لا يمكنه العودة أبداً ،
قبل أن تعرض الأمر على ذلك الرفيق ، عليك ان تفكّر جيداً ،
و أنا أعتذر إن وضعتك بموقف صعب ، فكما تعلم ، لا يكلّف الله نفساً إلّا وسعها .
و أنا أنتظر رداً منك ، و أدعو أن لا يتوقف نور الإيمان عن الضياء ، في طريقك أنتَ و دراويشك .
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سعيد برهان الدين .
..........
و بعد أيام طلب درويش التكية عبد الله ، من جميع الدراويش ، الاجتماع بشكل عاجل ، و قد كان ذلك بعد صلاة العصر مباشرة ،
حضر الجميع في القاعة الرئيسة ، من التلاميذ الصغار ، إلى الدراويش الكبار ، و اجتمعوا متحلّقين ، و من بينهم شمس التبريزيّ . ...
جلس درويش التكية أمامهم ، و صمت لبعض الوقت ،
كان يبدو عليه الشحوب ، و التعب ، و قد ازداد نحافة ، و كأنه قد كبر عدّة سنوات في هذه الأيام فقط ...
ثم بدأ حديثه بعد برهة :
" بسم الله ،
بالتأكيد أنتم تتساءلون عن سبب الاجتماع اليوم ،
إنّه حول الرسالة التي وردتني منذ أيام ،
و ليس من المهمّ من أين جاءت ، لكنّ المهم أنّها تذكر موضوعاً له أهميّة كبيرة .....
يعيش عالم جليل ، متبحّر في العلم في مدينة ليست ببعيدة ، و له آلاف المعجبين ، و المحبّين ، و لأسباب تتجاوزني ، و تتجاوزكم ، على أحد الدراويش من تكيتنا أن يذهب إلى هناك ، لكي يلتقي به و يرافقه . "
.....
انقبض قلب شمس ، و توقفت أنفاسه ، و تذكّر إحدى قواعده الأربعين ، عن أنّك لن تستطيع أن ترى نفسك حقاً ، إلّا في قلب شخص آخر ، و بوجود الإيمان بداخلك ،
" فالمؤمن مرآة المؤمن " .
كلمات شمس هذه كانت شبيهة بكلام سعيد برهان الدين التي قالها للروميّ .
تابع الدرويش عبد الله كلامه قائلاً :
لقد جمعتكم هنا اليوم ، لكي أعلم إن كان أحد منكم يرغب بالذهاب ،
و انا كنت استطيع تكليف أحدكم بالمهمة ، و إرساله دون أخذ رأي أحد ،
لكن الوضع هذه المرّة مختلف فمن يريد الذهاب ، فعليه أن يذهب بإرادته ، فهذه رحلة روحية ، لا تتمُ إلّا بدافع الحبّ .
.....
طلب واحد من الدراويش إذناً للتكلّم ، ثم وجّه كلامه الدرويش عبد الله متسائلاً :
" هل لنا أن نعلم من هو هذا العالم يا معلّمنا ؟ . "
درويش التكية : " لا يمكنني الإفصاح عن اسمه ، إلّا للشخص الذي سوف يذهب إليه . "
ثم بعد ذلك ، رفع بضعة دراويش أيديهم متلهفين لهذه المهمة ، و من بينهم شمس ، الذي كان يشعُّ و يتوهّج .
فأشار إليهم الدرويش عبد الله أن ينتظرو حتى يتابع حديثه ..
" عليكم أن تعلموا أمراً ، قبل أن تقرروا ،
لقد علمت أنّ هذه الرحلة سوف تكون محفوفة بالمشاق ، و المخاطر التي لا أمان منها إلّا بإذن الله ."
و مباشرة أنزل الجميع أيديهم ، و لم يبقى إلّا شمس ، رافعاً يده بثبات ، و تصميم ،
نظر الدرويش عبد الله إلى عيني شمس ، مباشرة و لأول مرّة منذ فترة طويلة .
ثم ردد اسم شمس ببطء ، و حزم ، لكن بدا أن الأمر لم يعجبه أبداً ، و يبدو أن اسم شمس قد ترك مرارة علقة في فمه .
" شمس التبريزيّ ...... ، أنا أقدّر إصرارك ، و لكنّك عضو مهم لدينا ، كما أنّك ضيف في تكيتنا "
شمس : " لا أفهم كيف يمكن لذلك أن يكون مشكلة ! . "
صمت الدرويش لمدّة طويلة ، و من ثمَّ و على نحو مفاجئ ، وقف بسرعة و قال :
لندع هذا الموضوع الآن ، و لنناقش الأمر عند حلول الربيع .
فعندما كنت عازماً على السفر إلى القيصرية ، جاء إليّ يخبرني أنّه يرى حلماً يأرّقه ، و قد تكرر هذا الحلم عدّة مرّات ، ....
لقد قال لي ، أنّه يبحث في حلمه عن شخص يعيش في مدينة كبيرة ، تضجّ بالحياة ، و فيها الكثير من الناس ، في أرض بيعيدة ؛
رأى كلمات باللغة العربية ، و غروب شمس مثير ، يبعث الراحة و الطمأنينة ، ....
كما رأى أشجار توت ، و دود قزّ ، ينتظر في شرانقه إلى حين موعد خروجه إلى العالم ، ...
ثمَّ عاد و رأى نفسه في فناء بيته ، جالساً بالقرب من البئر العميقة ، يحمل قنديلاً بيده ، و يجحش بالبكاء دون توقف .... .
لم تكن لديّ فكرة عن الشخص ، أو المكان الذي ذكره لي .
لكن بعد ذلك بفترة تلقيت منديلاً من الحرير - الذي تصنعه دودة القزّ - هديّة ، تذكّرت و في الحال تكيتك ، و خطر لي أنّ المكان الذي ذكره لي الرومي ، لم يكن إلّا تكية الدراويش التي أنشأتها أنت ،
الخُلاصة يا أخي ، هل يعيش رفيق جلال الدين الروميّ عندك ، و تحت سقف تكيتك ؟
و إذا كان الأمر كذلك ، فإني سوف أترك لك أمر إخبار ذلك الرفيق بالموضوع .
و إنّي أتمنى ان نتمكّن أنا و أنت ، من توحيد مجرى نهرين ، لكي يصبح مصبّهما في محيط العشق الإلهي ، و يكون مجراهما واحد ،
و إذا كان بوسعنا مساعدة صديقين طيبين على الالتقاء ، فإنّي أعتبر ذلك بركة من الله عليّ .
لكن يوجد شيء مهم عليّ اخبارك به أيضاً ، قد يكون الروميّ رجلاً مؤثراً ، و له محبّين ، لكن هذا لا يعني أنّه لا يملك منتقدين أيضاً ، فهم موجودون في الحقيقة ،
و إن سيرهما في طريق واحد معاً ، قد يولّد كثيراً من الاستياء ، و المعارضة ،
و قد يسبب نزاعات ، و خصومات حتى في اسرته ، بسبب تعلّق الرفيقين أحدهما بالآخر ،
فشخص مثل الرومي يحظى بالإعجاب ، و الحب ، و احترام الكثير من الناس ،
لا بدَّ أن يكون محطّ أنظار الحاسدين ، و الحاقدين ،
مما سيجعل رفيقه في خطر مُحدق ، لا يستطيع أحد توقعه ، ....
ما اقصده ، أن ذلك الشخص إن ذهب إلى قونيا ، لمرافقة الروميّ ، قد لا يمكنه العودة أبداً ،
قبل أن تعرض الأمر على ذلك الرفيق ، عليك ان تفكّر جيداً ،
و أنا أعتذر إن وضعتك بموقف صعب ، فكما تعلم ، لا يكلّف الله نفساً إلّا وسعها .
و أنا أنتظر رداً منك ، و أدعو أن لا يتوقف نور الإيمان عن الضياء ، في طريقك أنتَ و دراويشك .
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سعيد برهان الدين .
..........
و بعد أيام طلب درويش التكية عبد الله ، من جميع الدراويش ، الاجتماع بشكل عاجل ، و قد كان ذلك بعد صلاة العصر مباشرة ،
حضر الجميع في القاعة الرئيسة ، من التلاميذ الصغار ، إلى الدراويش الكبار ، و اجتمعوا متحلّقين ، و من بينهم شمس التبريزيّ . ...
جلس درويش التكية أمامهم ، و صمت لبعض الوقت ،
كان يبدو عليه الشحوب ، و التعب ، و قد ازداد نحافة ، و كأنه قد كبر عدّة سنوات في هذه الأيام فقط ...
ثم بدأ حديثه بعد برهة :
" بسم الله ،
بالتأكيد أنتم تتساءلون عن سبب الاجتماع اليوم ،
إنّه حول الرسالة التي وردتني منذ أيام ،
و ليس من المهمّ من أين جاءت ، لكنّ المهم أنّها تذكر موضوعاً له أهميّة كبيرة .....
يعيش عالم جليل ، متبحّر في العلم في مدينة ليست ببعيدة ، و له آلاف المعجبين ، و المحبّين ، و لأسباب تتجاوزني ، و تتجاوزكم ، على أحد الدراويش من تكيتنا أن يذهب إلى هناك ، لكي يلتقي به و يرافقه . "
.....
انقبض قلب شمس ، و توقفت أنفاسه ، و تذكّر إحدى قواعده الأربعين ، عن أنّك لن تستطيع أن ترى نفسك حقاً ، إلّا في قلب شخص آخر ، و بوجود الإيمان بداخلك ،
" فالمؤمن مرآة المؤمن " .
كلمات شمس هذه كانت شبيهة بكلام سعيد برهان الدين التي قالها للروميّ .
تابع الدرويش عبد الله كلامه قائلاً :
لقد جمعتكم هنا اليوم ، لكي أعلم إن كان أحد منكم يرغب بالذهاب ،
و انا كنت استطيع تكليف أحدكم بالمهمة ، و إرساله دون أخذ رأي أحد ،
لكن الوضع هذه المرّة مختلف فمن يريد الذهاب ، فعليه أن يذهب بإرادته ، فهذه رحلة روحية ، لا تتمُ إلّا بدافع الحبّ .
.....
طلب واحد من الدراويش إذناً للتكلّم ، ثم وجّه كلامه الدرويش عبد الله متسائلاً :
" هل لنا أن نعلم من هو هذا العالم يا معلّمنا ؟ . "
درويش التكية : " لا يمكنني الإفصاح عن اسمه ، إلّا للشخص الذي سوف يذهب إليه . "
ثم بعد ذلك ، رفع بضعة دراويش أيديهم متلهفين لهذه المهمة ، و من بينهم شمس ، الذي كان يشعُّ و يتوهّج .
فأشار إليهم الدرويش عبد الله أن ينتظرو حتى يتابع حديثه ..
" عليكم أن تعلموا أمراً ، قبل أن تقرروا ،
لقد علمت أنّ هذه الرحلة سوف تكون محفوفة بالمشاق ، و المخاطر التي لا أمان منها إلّا بإذن الله ."
و مباشرة أنزل الجميع أيديهم ، و لم يبقى إلّا شمس ، رافعاً يده بثبات ، و تصميم ،
نظر الدرويش عبد الله إلى عيني شمس ، مباشرة و لأول مرّة منذ فترة طويلة .
ثم ردد اسم شمس ببطء ، و حزم ، لكن بدا أن الأمر لم يعجبه أبداً ، و يبدو أن اسم شمس قد ترك مرارة علقة في فمه .
" شمس التبريزيّ ...... ، أنا أقدّر إصرارك ، و لكنّك عضو مهم لدينا ، كما أنّك ضيف في تكيتنا "
شمس : " لا أفهم كيف يمكن لذلك أن يكون مشكلة ! . "
صمت الدرويش لمدّة طويلة ، و من ثمَّ و على نحو مفاجئ ، وقف بسرعة و قال :
لندع هذا الموضوع الآن ، و لنناقش الأمر عند حلول الربيع .