12
" أصبح قلبي مثل أمواج البحر الهائجة ، التي لا تستطيع السكون ، و أنا و الدرويش عبد الله نعلم جيداً أنّ هذا هو السبب الأساسي، لقدومي إلى هذا المكان في المقام الأول ، فهل يريد أن يُبعدني عن قدري ؟ ! ،
و قبل أن يوشك الدرويش عبد الله على الخروج ، قلت له :
و لمَ علينا الانتظار حتى الربيع يا سيدي ؟ ،
أنا و الآن مستعدّ و أستطيع الذهاب ، أريد منك أن تخبرني باسم ذلك العالم ، و المكان الذي يكون فيه فقط ، و سوف أنطلق من فوري . "
فردّ عليّ بنبرة باردة ، لم يحدثني بها من قبل :
لم يعد هناك ما يتمُّ نقاشه ، بإمكان الجميع الانصراف لعمله الآن ،
لقد انتهى الاجتماع .
........
لقد كان شتاءً طويلاً و قاسياً ، و قد تجمّدت الأشجار بفعل الثلج ، و أصبح البستان كأنه جثة في عيني شمس ،
بعد ذلك اليوم بقي شمس صامتاً ، و لم ينطق بحرف واحد ،
و كان يخرج كل يوم ، و يمشي لمسافات طويلة ، و بعيدة عن التكية ، و هو يبحث عن أي أثر للزهور ، أو الأشجار المثمرة ، فهي دليل قدوم الربيع ، لكن بلا جدوى ،
فيوماً بعد يوم ، كان تساقط الثلج يزداد غزارة ، مُخفياً آثار الحياة تقريباً ....
و بالرغم من تعكّر مزاج شمس ، كما هو حال الحو في الخارج ، إلّا أنّه بقي ممتناً و متفائلاً في داخله ،
و تذكّر واحدة من قواعده :
مهما أصبحت الظرف في حياتك ، و مهما بدت لك الأشياء مزعجة ،
فلا تدخل في ربوع اليأس ، و حتى لو أُغلقت كل الأبواب ، و بقيت موصدة ، فإن الله سيفتح لك باباً و درباً جديداً في كلّ مرّة ،
فاحمد الله ، ليس فقط عندما عندما يكون كلّ شيء على ما يرام ، فمن السهل أن تحمده عند العطاء ، لكن عليك أن تحمده عند المنع ، و الحرمان أيضاً ، فكلّ شيء مقدّر لك ، هو خير لك .
......
" شمس "
و في صباح أحد الأيام ، رأيت شيئاً يبرز من تحت الثلج المتراكم ،
لقد كانت برعماً في غاية الصغر ، لزهرة من أزهار الخزامى الجميلة ، و الذي ملأ قلبي بهجة ،
و عندما عدت إلى التكية ، رأيت التلميذ الشابّ ، ذو الشعر الأحمر ، فألقيت عليها بسرور ،
لقد تفاجأ بشكل واصح ، حتى أنّه فتح فمه ، لأنه قد اعتاد على رؤيتي صامتاً لا أنطق ببنت شفة ، و كأن لا أحد من حولي في العالم .
فرفعت صوتي قائلاً له : ابتسم ، أنّه الربيع يا الفتى ، ألا ترى ؟ ! .
و من حينها بدأت المناظر تتبدّل ، و الألوان تتنوّع
من البياض الناصع ، إلى ألوان الزهور الباهية ، و الأشجار ذات الخضرة ،
بدأت نمنمة العصافير تملأ المكان ، و انتشرت روائح خفيفة بشكل جميل ، تشبه رائحة التوابل .....
و مرة ثانية ، عقد درويش التكية عبد الله اجتماعاً ، حضر إليه الجميع ،
فتحدّث ثانية عن العالم الجليل ، الذي يعرف عن كل شيء ، ما عدا علامات الحبّ .
و مرّة ثانية أيضاً ، لم يتطوّع أحد غيري .
فقال بحدّة : أرى أن لا أحد من الدراويش تطوّع غير شمس ! .
لكني لن أتخذ قراري الآن ، بل سأنتظر إلى الخريف ..... .
صُعقت و لم أكد أصدّق أنّ هذا يحدث ، فقد انتظرت ثلاثة أشهر طالت كأنها عُمر ، و الآن يطلب مني تأجيل الأمر ! .
حاولت و احتججت و اشتكيت ، لكي أعدله عن رأيه ، و رجوته أن يخبرني باسم العالم و مكانه ، لكن بلا فائدة ، فقد رفض بإصرار .
هذه المرّة سيكون الانتظار أكثر سهولة بالتأكيد ، لأنه لن يكون هناك تأجيل بعد هذا ،
فمثلما تحملت من الشتاء إلى الربيع ، سأكابد النار المستعرة فيَّ من الربيع حتى الخريف ...
ولم أفقد عزيمتي أبداً بل ارتفعت معنوياتي ، و ازددت تصميماً على تصميم ،
فواحدة من القواعد الأربعين تقول :
الصبر لا يعني ان عليك تحمّل المصاعب بشكل سلبيّ ، بل يعني أن يكون نظرك بعيد المدى إلى ما حيث النتيجة النهائية التي تنتظرها ،
هل تعلم ما معنى الصبر ؟
أن تنظر إلى الشوكة فترى الوردة ، و أن تنظر إلى ظلام الليل فترى بزوغ الفجر ،
أما عندما ينفد صبرك ، فهذا يعني أنك شخص قصير النظر ، و قد لا تتمكن من رؤية النتيجة ،
إن عُشاق الله لا ينفد صبرهم أبداً ، فهم على دراية أنّ الهلال ليصبح بدراً ، يحتاج إلى الوقت ...
و حالما عُقد الاجتماع للمرة الثالثة في الخريف ، حضرت و وانا واثق من ان الأمور سوف تجري على خير ما يرام ،
و كان الشحوب ظاهراً على الدرويش عبد الله ، أكثر من ذي قبل ، و كأنه قد فقد طاقته بالكامل .
و لمّا رفعت يدي للمرّة الثالثة ، لم يُشح بنظره ، و لم يتجاهلني ، بل سلّمَ بالأمر .
درويش التكية :
حسناً يا شمس ، لا شكَّ بأنّك أنت الشخص المنشود ، الذي سينطلق في هذه الرحلة ، و ستغادر غداً إن شاء الله إلى طريق ؛
على بركة الله .
قبّلت يد الدرويش عبد الله .
و أخيراً سوف ألتقي بذلك الرفيق .
ابتسم لي الدرويش ابتسامة حنونة حقاً ، و كأنّي ابنه الوحيد العزيز ، الذي يودّعه و هو ذاهب إلى معركة ما .
ثم أعطاني رسالة مختومة بختم شمعيّ ، و غادر دون قول أيّ شيء ، و تبعه البقيّة بصمت ،
و بعد أن بقيت بمفردي ، فتحت الختم لأرى ما فيها ؛
لقد كان فيها معلومتان فقط ، قد كتبتا بخط جميل جداً ، الأولى اسم المدينة التي سوف أذهب إليها ، و الثانية هي اسم العالم الذي سألتقيه .
سوف أذهب إلى قونيا ، و أرافق العالم جلال الدين الروميّ .
بدأ قلبي يخفق بسرعة ، " الرومي " ، لا بدَّ أنّه عالم مشهور ، لكنّي لا اعرف شيئاً ، فهو كاللغز بالنسبة لي .
رحت اردد أحرف اسمه حرفاً حرفاً ،
حرف الراء ، و هو القوي و المشرق ،
حرف الواو المخملي ، و حرف الميم ، و هو الشجاع المقدام ، و الواثق من نفسه ، ثمَّ الياء ، الغامض الذي يحتاج للبحث لمعرفته .
جمعت حروف اسمه ثانيةً ، و رحت أرددها و أرددها ، حتى أصبحت مالوفة لديّ ، كما اعرف اسمي .
و قبل أن يوشك الدرويش عبد الله على الخروج ، قلت له :
و لمَ علينا الانتظار حتى الربيع يا سيدي ؟ ،
أنا و الآن مستعدّ و أستطيع الذهاب ، أريد منك أن تخبرني باسم ذلك العالم ، و المكان الذي يكون فيه فقط ، و سوف أنطلق من فوري . "
فردّ عليّ بنبرة باردة ، لم يحدثني بها من قبل :
لم يعد هناك ما يتمُّ نقاشه ، بإمكان الجميع الانصراف لعمله الآن ،
لقد انتهى الاجتماع .
........
لقد كان شتاءً طويلاً و قاسياً ، و قد تجمّدت الأشجار بفعل الثلج ، و أصبح البستان كأنه جثة في عيني شمس ،
بعد ذلك اليوم بقي شمس صامتاً ، و لم ينطق بحرف واحد ،
و كان يخرج كل يوم ، و يمشي لمسافات طويلة ، و بعيدة عن التكية ، و هو يبحث عن أي أثر للزهور ، أو الأشجار المثمرة ، فهي دليل قدوم الربيع ، لكن بلا جدوى ،
فيوماً بعد يوم ، كان تساقط الثلج يزداد غزارة ، مُخفياً آثار الحياة تقريباً ....
و بالرغم من تعكّر مزاج شمس ، كما هو حال الحو في الخارج ، إلّا أنّه بقي ممتناً و متفائلاً في داخله ،
و تذكّر واحدة من قواعده :
مهما أصبحت الظرف في حياتك ، و مهما بدت لك الأشياء مزعجة ،
فلا تدخل في ربوع اليأس ، و حتى لو أُغلقت كل الأبواب ، و بقيت موصدة ، فإن الله سيفتح لك باباً و درباً جديداً في كلّ مرّة ،
فاحمد الله ، ليس فقط عندما عندما يكون كلّ شيء على ما يرام ، فمن السهل أن تحمده عند العطاء ، لكن عليك أن تحمده عند المنع ، و الحرمان أيضاً ، فكلّ شيء مقدّر لك ، هو خير لك .
......
" شمس "
و في صباح أحد الأيام ، رأيت شيئاً يبرز من تحت الثلج المتراكم ،
لقد كانت برعماً في غاية الصغر ، لزهرة من أزهار الخزامى الجميلة ، و الذي ملأ قلبي بهجة ،
و عندما عدت إلى التكية ، رأيت التلميذ الشابّ ، ذو الشعر الأحمر ، فألقيت عليها بسرور ،
لقد تفاجأ بشكل واصح ، حتى أنّه فتح فمه ، لأنه قد اعتاد على رؤيتي صامتاً لا أنطق ببنت شفة ، و كأن لا أحد من حولي في العالم .
فرفعت صوتي قائلاً له : ابتسم ، أنّه الربيع يا الفتى ، ألا ترى ؟ ! .
و من حينها بدأت المناظر تتبدّل ، و الألوان تتنوّع
من البياض الناصع ، إلى ألوان الزهور الباهية ، و الأشجار ذات الخضرة ،
بدأت نمنمة العصافير تملأ المكان ، و انتشرت روائح خفيفة بشكل جميل ، تشبه رائحة التوابل .....
و مرة ثانية ، عقد درويش التكية عبد الله اجتماعاً ، حضر إليه الجميع ،
فتحدّث ثانية عن العالم الجليل ، الذي يعرف عن كل شيء ، ما عدا علامات الحبّ .
و مرّة ثانية أيضاً ، لم يتطوّع أحد غيري .
فقال بحدّة : أرى أن لا أحد من الدراويش تطوّع غير شمس ! .
لكني لن أتخذ قراري الآن ، بل سأنتظر إلى الخريف ..... .
صُعقت و لم أكد أصدّق أنّ هذا يحدث ، فقد انتظرت ثلاثة أشهر طالت كأنها عُمر ، و الآن يطلب مني تأجيل الأمر ! .
حاولت و احتججت و اشتكيت ، لكي أعدله عن رأيه ، و رجوته أن يخبرني باسم العالم و مكانه ، لكن بلا فائدة ، فقد رفض بإصرار .
هذه المرّة سيكون الانتظار أكثر سهولة بالتأكيد ، لأنه لن يكون هناك تأجيل بعد هذا ،
فمثلما تحملت من الشتاء إلى الربيع ، سأكابد النار المستعرة فيَّ من الربيع حتى الخريف ...
ولم أفقد عزيمتي أبداً بل ارتفعت معنوياتي ، و ازددت تصميماً على تصميم ،
فواحدة من القواعد الأربعين تقول :
الصبر لا يعني ان عليك تحمّل المصاعب بشكل سلبيّ ، بل يعني أن يكون نظرك بعيد المدى إلى ما حيث النتيجة النهائية التي تنتظرها ،
هل تعلم ما معنى الصبر ؟
أن تنظر إلى الشوكة فترى الوردة ، و أن تنظر إلى ظلام الليل فترى بزوغ الفجر ،
أما عندما ينفد صبرك ، فهذا يعني أنك شخص قصير النظر ، و قد لا تتمكن من رؤية النتيجة ،
إن عُشاق الله لا ينفد صبرهم أبداً ، فهم على دراية أنّ الهلال ليصبح بدراً ، يحتاج إلى الوقت ...
و حالما عُقد الاجتماع للمرة الثالثة في الخريف ، حضرت و وانا واثق من ان الأمور سوف تجري على خير ما يرام ،
و كان الشحوب ظاهراً على الدرويش عبد الله ، أكثر من ذي قبل ، و كأنه قد فقد طاقته بالكامل .
و لمّا رفعت يدي للمرّة الثالثة ، لم يُشح بنظره ، و لم يتجاهلني ، بل سلّمَ بالأمر .
درويش التكية :
حسناً يا شمس ، لا شكَّ بأنّك أنت الشخص المنشود ، الذي سينطلق في هذه الرحلة ، و ستغادر غداً إن شاء الله إلى طريق ؛
على بركة الله .
قبّلت يد الدرويش عبد الله .
و أخيراً سوف ألتقي بذلك الرفيق .
ابتسم لي الدرويش ابتسامة حنونة حقاً ، و كأنّي ابنه الوحيد العزيز ، الذي يودّعه و هو ذاهب إلى معركة ما .
ثم أعطاني رسالة مختومة بختم شمعيّ ، و غادر دون قول أيّ شيء ، و تبعه البقيّة بصمت ،
و بعد أن بقيت بمفردي ، فتحت الختم لأرى ما فيها ؛
لقد كان فيها معلومتان فقط ، قد كتبتا بخط جميل جداً ، الأولى اسم المدينة التي سوف أذهب إليها ، و الثانية هي اسم العالم الذي سألتقيه .
سوف أذهب إلى قونيا ، و أرافق العالم جلال الدين الروميّ .
بدأ قلبي يخفق بسرعة ، " الرومي " ، لا بدَّ أنّه عالم مشهور ، لكنّي لا اعرف شيئاً ، فهو كاللغز بالنسبة لي .
رحت اردد أحرف اسمه حرفاً حرفاً ،
حرف الراء ، و هو القوي و المشرق ،
حرف الواو المخملي ، و حرف الميم ، و هو الشجاع المقدام ، و الواثق من نفسه ، ثمَّ الياء ، الغامض الذي يحتاج للبحث لمعرفته .
جمعت حروف اسمه ثانيةً ، و رحت أرددها و أرددها ، حتى أصبحت مالوفة لديّ ، كما اعرف اسمي .