34

و عند الغروب انخفضت درجات الحرارة لأدنى مستوى ،
و كانت قطع الجليد التي تشبه الخناجر ، تتدلّى من أسقف المنازل ،

و في بعض الأحياء ، وُجد بعض المتشرّدين ميّتين هناك من البرد القاسي ،
كانت هذه الأيام هي الأسوأ بالنسبة لورد ، التي قررت أن تترك منزل سيدتها ،

بعد أن تعرّضت للضرب الشديد ،
كانت السيدة قد طلبت من ورد أن تقضي ليلة مع تاجر اعتادت سيدتها أن تشتري منه بعض البضائع ،
و هنا جُنّ جنون ورد ،

فقد تحملت معاملة سيدتها لها كالحيوانات ،
و بقيت عندها ، فقط لكي تتجنّب مثل هذه الأمور ، و الآن تطلب منها أن تفعل ذلك ،
هذا أمر مستحيل بالنسبة لورد ،

لكن سيدتها اجبرتها على ان تدخل لغرفة ذلك الرجل في تلك الليلة المشؤومة ،

فبدأت روز بالصراخ و البكاء كالمجنونة ،

فحاول الرجل تهدأتها قليلاً ، لكن ذلك لم يجدي نفعاً ،

حتى أنها قد رمت ابريق الماء على ذلك الرجل و جرحت جبينه فقط عندما حاول لمس يدها ،

مما اثار حنون الرجل أيضاً ، فقام بضرب ورد في كل مكان من جسدها ،

و من شدة الضرب ، فقدت ورد احساسها بما حولها ، و لم تعد الآن تشعر بالألم ،
و رماها التاجر في النهاية على الأرض بجانب السرير ،

كان كل شيء حولها كالسراب ، لم تعد قادرة على إدراك ما حولها ابداً ،

و مع سوء حالتها ، لم تفقد شجاعتها بتاتاً ،

فنظرت إلى التاجر و ضحكت ، و قالت له :
" لا يهم ، لا يهمني أي شيء ،
المهم أنّكَ لم تحصل على ما ارته أيها الحيوان . "

و بعدها غابت ورد عن وعيها تماماً ، و بقيت هكذا لمدة يوم كامل .

عندما استيقظت ورد ،
كان كل إنش من جسدها يؤلمها بشدّة ،
و علمت ان سيدتها قد منعتها من الخروج من غرفتها لأيّ سبب ،
و في السابق كلّما حُبست ورد في غرفتها ، كانت تلتزم بما تقوله لها سيدتها ،
لكن الامر مختلف هذه المرة .

فقد جلست تتذكر كلام شمس ، عندما قال لها ، أنها سوف تغادر هذا المكان يوماً ،

لم تفكر روز في كلام شمس بعد ذلك اليوم إلّا الآن ،
و عقدت العزم على ترك هذا المكان ، بأي ثمن ،
ليس لأنها لم تعد قادرة على التحمّل ،
بل لأن هذا هو الصواب ،

و طالما ان سيدتها فعلت ذلك لها هذه المرة ،
فلا شيء يضمن عدم فعلها لذلك مرّة اخرى .

و لأن السيدة كانت تعلم بما مرّت به ورد ، و تعلم كم هي خائفة مما حدث معها في السابق ،
لذا لم يخطر في بالها ان ورد قد تترك المكان و تذهب يوماً ،

فحتى لو كان هذا المكان سيئاً ، فالخارج أسوأ بكثير ،
هذا ما كانت تقوله السيدة .

أما اليوم ، و عند الغروب ، حيث كانت السيدة تقفل على نفسها في غرفتها ،

جهّزت ورد نفسها للخروج ،
و حملت معها ما هو ضروري ، و تركت كل شيء آخر بقولها ان هذا المكان و ما فيه قذر ،
و لا ينتمي إلي ،

و بهدوء تام ، اتحهت روز الى الباب ، و كانت اصعب خطوة اقدمت عليها عندما غادرت بقدميها منزل سيدتها دون رجعة ،

و مع أنها كانت خائفة قليلاً من غول الحارة ، الذي سترسله السيدة خلفها بكل تأكيد ،
لكنها لم تتردد ابداً ،

و بعد أن ابتعدت عدة امتار عن المنزل بهدوء ،
بدأت بالركض بأقصى طاقة لديها ،
لكي لا يبقى اي خوف لديها من ان تراها سيدتها .
ثم توجهت إلى حمام للنساء في السوق ،

و اغتسلت ، ثم توجّهت لمسجد للنساء ، و صلّت لله و دعته كما لم تفعل من قبل .

.........

في صباح اليوم التالي وقفت فتاة عند باب منزل الروميّ ،
و بعد ان طرقت الباب ، خرجت كيرا بوجهها ،
تفاجأت كيرا عندما سالتها الفتاة عن شمس التبريزي ،

و تساءلت من تكون هذه الفتاة و ما علاقتها بشمس التبريزيّ ،
و قالت للفتاة مُعتذرة أن شمس غير موحود الآن ،
و طلبت منها العودة في وقت لاحق ،

لكن الفتاة قالت لها انه لا يوجد مكان لها لتذهب إليه ،
و أنها الآن في رحلة إلى الله ، و هي بحاجة لمقابلة ذمس ،
و رجتها أن تسمح لها بانتظاره في في الفناء ،

و على الرغم أن كيرا لم ترتح للأمر أبداً ،
لكن الصدق كان واضحاً على عيني تلك الفتاة ، و أحست كيرا بالشفقة عليها ،
و لم تستطع فعل شيء سوى السماح لها بانتظار شمس في الفناء ،

فجلست الفتاة على الأرض ، و اسندت ظهرها على حائط الفناء ،
و رفعت اللثام الذي كانت تضعه على وجهها ،

و كما اعتقدت كيرا كانت الفتاة في غاية الجمال ، فقد كان ذلك واضحاً من عينيها ،
و مع ان وجهها كان مليىاً ببقع زرقاء ، واضح أنها بسبب الضرب ،

لكن ذلك لم يُخفِ جمالها ،

و بعدة ساعتين ، عاد شمس و الرومي إلى المنزل ، و لما دخلا ، أخبرتهما كيرا بأمر تلك الفتاة ، و بأنها قالت انها في رحلة إلى الله .

فقال لها الرومي :
" و من قد تكون تلك الفتاة ؟
هل رأيتيها من قبل يا كيرا ؟ "

فأخبرته كيرا ، انها لم ترها من قبل .
و هنا تدخل شمس و قال بكل سرور :
" لا بد أنها ورد ، و لا احد غيرها ، ادخيليها يا كيرا ، لمَ تركتيها في الخارح ؟ . "

فترددت كيرا قليلاً ، و قالت له :
" إننا لا نعرف مَن قد تكون هذه المرأة ،
و لا اعرف ما قد يقوله الجيران عنا ، بعد دخول هذه المرأة لبيتنا . "

شمس :
" أوليس جميع الناس يعيشون تحت سماء واحدة و سقف واحد ، مهما كانوا ملوكاً أو عبيداً ؟ "

و كالعادة كانت ردود شمس جاهزة ، و لا يمكن لأحد أن يغلبه ،

فذهت كيرا و أدخلت ورد ، و عندما التفت ورد شمس ، بكت كثيراً ،
و شكرته على كلماته ، و كان شمس شديد السعادة برؤيتها أيضاً .

شمس :
" سمعتِ أنك الآن في رحلة إلى الله ، لا شكّ انكِ قد غادرتِ ذلك المكان بلا رجعة ، احسنتِ يا طفلتي . "

ورد :
" لكن سيدتي لن تتركني و شأني ، و سوف ترسل الغول خلفي ،
و أنتَ لا تعلم ما ..... "

شمس :
" لقد انتهت تلك الفترة من حياتك تماماً ، و اتمنى ان تلاقي ثمار رحلتك التي بدأتِ بها ،

و ليكن عقلك صافياً ،
إنّك تهدفين إلى بلوغ المرحلة الُعليا من العدم ،
عيشي هذه الحياة خفيفة و فارغة . "

و في المساء قامت كيرا بأخذ ورد إلى غرفة لترتاح فيها ،
فنامت ورد من فورها كطفل صغير بقي يركض طوال اليوم .

......
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي