2

و في المساء ، جلس الجميع في غرفة المعيشة ، و قد أخبر أليكس الأولاد عن عمل إيلا الجديد .

نظر الأولاد إلى والدتهم بإعجاب ، و بدا أنّ ليزلي تهتم بشيء غير الموضة و اخبار المشاهير لأول مرة ، " تهانينا ماما " ، و لم يُظهر آندر تعابير الملل و اللا مبالاة كالعادة ...
ابتسمت روز قائلة : إذاً لمَ لا نُتمُّ هذا بخير جميل آخر ؟
فتحلّقت انظارهم نحوها متسائلين ... !
فكان جوابها يطرح العديد من الأسئلة ، بدلاً من أن يكون رداً على سؤالهم .

" لقد طلب ليام يدي للزواج الأسبوع الفائت ، و أنا قد وافقت "
اتّسعت عينا إيلا ، و أشاحت بنظرها نحو أليكس ، و كأنها تطلب منه المساعدة لحلّ مُعضلة ما .
وضع أليكس فنجان قهوته ، و عقد حاجبيه مُبادلاً إيلا نظراتها ...
فأوجزت إيلا : صغيرتي ، لما هذا ؟

فردّت روز بامتعاض : ماما ، ما قصدك بلما هذا ؟!

إيلا : ما الذي يحدث يا ابنتي ، ظننت أنّك و ليام تتواعدان فقط ؟ ، ثم لا زال الوقت باكراً على اتخاذ قرارٍ كهذا ، أم أنّ هناك أمراً لا نعرفه .

و قد كان انفعال إيلا واضحاً ، مما جعل روز تغضب ، فهي كانت تنتظر مباركتهم و فرحهم لأجلها على الأقل .
روز : ماما ، ألم يخطر ببالك قط أنّني أحبّ ليام مثلاً ، و لا يمكنني الاستغناء عنه ، أنتِ حتى لم تسأليني عن شعوري .

و هنا تدخّل أليكس محاولاً تهدئة الجو قليلاٍ ، " روز ، أنا و أمكِ كنا سعيدين و مطمئنين لمواعدتكِ شاباً مثل ليام ، فهو لطيف و هادئ ، لكنّكِ يا عزيزتي أمام مُفترَقٍ لعدّة طرق ، و لم تتخرجي من الجامعة بعد ، و ربما يختلف تفكيرك بعد التخرّج .

بدت روز غير مُصغية لتبرير والدها ، و أصرّت على رغبتها  ، و قالت : بابا أنا اعرف ليام منذ أكثر من سبعة أشهر ، و أنا واثقة منه .

فهبّت إيلا ردّاً على روز : حبيبتي و هل تظنين أنّ سبعة أشهر أو ثمانية كافية لكي تعرفي رجلاً حق المعرفة .

آها ، إذاً سأسألكم سؤالاً واحداً ، لو لم يكن ليام من طائفة دينية مُختلفة هل كنتم ستمانعون من زواجي به حقاً .

حاولت ليزلي التدخل عندما قالت : لا بأس بأن أكون خالة في أقرب وقت ممكن ، أليس هذا لطيفاً ؟ .
لكنها أحسّت أنّها ستختنق بنظرات الجميع إليها ، فلازمت الصمت .

كلمات روز قد أزعجت أليكس نوعاً ما ، فهم لم ينشروا ظاهرة التعصّب من ناحية الأعراق و الأديان بين أبنائهم من قبل .

" أنظري إليّ يا ابنتي ، أن تكون شاباً يافعاً ، و أن تَعشق و تُعشق أمر رائع ، و أنا على علم بهذا حقاً ،

لكن زواجك من شحص على دين مختلف ، يعدّ مجازفة كبيرة حقاً ، و الحبّ شيء يأتي و يذهب ، لذا عليك اختيار رجل يكون زوجاً مناسباً و صالحاً ، و أباً جيداً لأطفالك "
هذا ما قالته إيلا لروز محاولةً إقناعها .

" هل تريدين جعلي مثلك ماما ، ربّة منزل بحياة روتينية بائسة ، بلا لون " ، خاطبت روز والدتها بحدّة على غير طبيعتها الهادئة و المسالمة .

فكرت إيلا بكلمات روز ، و أحسّت بشيء تحطّم في داخلها ، هل حياتها بائسة من منطور الجميع حقا ؟ ، حتى أليكس يراها هكذا ؟

و هنا قطع تفكير إيلا صوت أليكس ، عندما طلب من روز أن تهدأ ، و تعتذر من والدتها فوراً ، فقالت إيلا أن لا فائدة من اعتذارها .

نهضت روز مُسرعة خارج الغرفة ، و تبعها كلّ من ليزلي و آندر ، مُعبرين بذلك عن أمرين ، إما تضامنهم مع روز ، أو سأمهم من كلام الكبار ، و ما له من وجع للرأس .

تساءل أليكس موجهاً كلامه لإيلا ، " هل أفهم أنّك قد تزوجت من الرجل المناسب ، و لم تتزوجي من الرجل الذي أحببته ؟ "

إيلا : لا يا عزيزي ، لم أقصد هذا ، أنا حقاً أحببتك في ذلك الوقت .

أليكس : إذاً ، و الآن ، هل تحبينني ؟ .

ماذا عن الآن ؟ ، إيلا لم تستطع الإجابة ، لم تفكّر بهذا الأمر منذ زمن ، و تركت الأيام تجري هكذا ، مُنشغلةً بأمور أخرى ، هل هو خطؤها ؟

لسبب ما ، اغرورقت عينا إيلا بالدموع ، لكنّها تكره بشدّة إظهار ضعفها أمام أليكس ، ناهيك عن البكاء أمامه ، و لحسن حظّها أنقذتها رنّة الهاتف ، من الجو الذي كانت فيه .

أجاب أليكس ، و بعد محادثة قصيرة ناول السماعة لإيلا .

لقد كان السيد جول ، المسؤول عن إيلا في عملها الجديد .
"  بخصوص قراءة العمل الأدبيّ الذي كلّفتك به ، ما هو رأيك سيدة سميث ؟ "

لم تعرف إيلا بماذا تجيب ، حيث أنّها لم تطّلع على العمل الأدبيّ الذي وكِّلَتْ به بعد ، و لم ترد أن تقصّر في عملها من أول مهمة ، مع أنّ شعلة حماسها قد انطفأت بعد ما حدث .

و ربما كان جول من تلقّى هذا العمل من رئيسه ، لكنه لم يزعج نفسه في تدقيق رواية لكاتب أوربيّ غير معروف ، ولا ينوي المتابعة في الكتابة و نشر الروايات أصلاً .

" دعني أصارحكَ سيد جول ، في الحقيقة أنا لم أقرأ هذا العمل الأدبي ، و لا أظن أنّه يناسبني ، فهو من بيئة مغايرة تماماً ، ومن قارة أخرى ، و بذلك لن أستطيع القيام بعملي على أكمل وجه "

جول : سيدة سميث ، تريدين مني إعطائك عملاً بطبيعةٍ مألوفةٍ لديكِ إذاً ! ، و هكذا بإمكانك العمل كما ينبغي ؟
كلها أعمال أدبية يا سيدة ، و إن كنت ستعملين ، فلا يهم أصل هذا العمل الأدبي ...

فقاطعته إيلا قائلة : " لم أقصد هذا سيد جول ... "
و هنا أدركت إيلا أنّ هذا ما قالته لأليكس قبل قليل ، و شعرت بالإحراج من تكرار نفس الجملة لمرتين .

جول : استلمت منذ فترة رواية لكاتب من فنزويلا ، يتحدّث فيها عن تجربته ، حيث قام بأعمال غير قانونية ، بعد أن ورّطه مجموعة من الشباب الذين كانوا يدّعون صداقته .
فهل كان يفترض بي رفض هذا العمل ، لأنّي لم أعش في تلك الأجواء ، في ذلك البلد الغريب ؟

إيلا : أجل ، اعتقد أنّني قد فهمت ، و أنا آسفة ، أعدكَ أنّني سأُتمّ عملي قبل الموعد المحدد ، و دون تقصير .

جول : عظيم ، هذه هي الروح المطلوبة ، أتطلّع لعملكِ .

كانت كلمات جول لاذعة بأسلوب وقح ، لذا لم ترد إيلا سماع صوته ثانية ، ولامت نفسها  ، " ما كان عليَّ أن أشكو أصلاً " .

توجّهت إيلا نحو الشباك الزجاجي الكبير ، الذي اخترقته أشعة شمس الغروب ، و المقابل للبقعة المفضلة لديها من الحديقة ، حيث تكمن أجراس أزهار النرجس البرتقالية ، رمز التجديد و التشجيع و الأمل ، و التي كانت إيلا تنتظر تفتحها بفارغ الصبر بعد أن يهطل المطر .

و جلست على كرسيها الهزاز ، و سلسلة من الأحداث و الأفكار تتصارع في ذهنها ،
من عملها الجديد ، إلى موضوع روز ، و عادات ليزلي الغير سليمة بتناول الطعام ، و قلقها على مستقبل آندر ، و الجامعة التي سيرتادها مستقبلاً ، و نادي الطبخ الذي أصبح مجرّد مجلس للنميمة ، و مصدر للإزعاج ، ....
و أما امر أليكس و خليلاته فحدّث ولا حرج ، فهو لا يزال يعيش بكلّ أريحية و كأنّ حياته صفحة بيضاء لا تشوبها شائبة .

أغلقت إيلا باب هذه الأفكار ، و تناولت مخطوط الرواية ....

كل ما عرفته إيلا ، أن  هذه الرواية كتبها كاتب مغمور ، فهذه أول مرة ينشر فيها ، و قد تكون آخر مرة أيضاً ، فلا نيّة لديه بأن يصبح روائياً ذائع الصيت .

كانت الرواية مُرفققة ببطاقة بريدية ، و عليها صورة لطيفة لحقول التوليب الملونة بالأحمر و الأبيض و الأصفر ، كُتب فيها :
" تحياتي من بروكسيل ،
أرجوا أن تتكرموا بوقتكم لقراءة هذه الرواية .

لقد كتبتها من باب الإعجاب المَحض بالشاعر العظيم جلال الدين الرومي ، و مرآة روحه ، و شمسه ، و دليله ؛ شمس التبريزي ،
آملاً أن تنعموا جميعاً بالحب الخالص في حياتكم "
                                      . ز . ساراي
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي