18
خلال هذه الفترة ، لم تفعل إيلا شيئاً غير قراءة الرواية ، و تبادل الرسائل مع عزيز ساراي فقط ،
مرتين ، أو ثلاثة مرّات في اليوم ، و ربما أكثر أحياناً ،
أصبحت إيلا تتحدّث له عن كل شيء تقريباً ،
ما يحدث معها خلال اليوم ، أو ما تشعر به ،
و أصبحت تتحدّث له عن ما ارادته ، و ما لم ترده في حياتها ، و كان يردّ عليها من فوره في كلّ مرّة .
، فتساءلت كيف لشخص كثير الترحال مثله ، أن يستطيع الردّ عليها مباشرة ، حيث أنّ الأنترنت ليس متوفراً بكلّ مكان من الأمكنة التي يذهب إليها ، كما أنّه يجب أن يكون مشغولاً في الغالب و لا وقت لديه !
لكن كان ذلك شيئاً يريحها و يطمئنها ...
كانت تتفقد بريدها الالكترونيّ دائماً ، فأول شيء تفعله عندما تستيقظ صباحاً ، هو التأكد إذا ما كان قد بعث لها عزيز بأي رسالة ... ، و ليس في الصباح فقط ، بل في أغلب أوقاتها ،
بعد أن تعود من التسوّق ، و إذا ما صادفت مقهى انترنت في طريقها ، فهي تتوقف به قليلاً ،
و عندما تكون في نادي الطهو ، و عندما تحضّر الطعام ، و عندما تخرج إلى الحديقة ،
مع أنّها أصبحت لا تحبّ الخروج إليها كثيراً ، لأنّها تتذكر كلبها جون ، الذي كان يركض في أنحاءها دائماً .
و عندما تشاهد التلفاز ، و حتى عندما تتحدّث مع أولادها فهي تبقي حاسوبها المحمول مفتوحاً ، و تراقب بريدها باستمرار إذا ما بعث لها بأي رسالة فجأة .
و عندما لا يكون هنالك أي رسائل جديدة من عزيز ، فهي تقوم بقراءة الرسائل السابقة له ،
و تتأمّلها ، و كان ذلك يمنحها دفعة من الطاقة و التفاؤل ، حيث أنّها تجد شيئاً مما ينقصها في كلامه في كل جملة يكتبها .
و كلّ ما تلقّتْ رسالة جديدة منه كانت الابتسامة تغلب عليها رغماً عنها .
تبادل الرسائل مع عزيز جعل حياة إيلا الملوّنة بالرماديّ ، و البنيّ ، تتلوّن بلون آخر ...
لونٌ سري زاهي و جميل ، لم يعلم به أحد ، يجعل إيلا تشعر بالإحراج أحياناً .
......
" إيلا "
كانت شخصية عزيز قوية ، و رزينة ، لم يكن يتحدّث عن أشياء مثل ماذا أكل ، أو ماذا شرب ، أو ما هو برنامج التلفزيوني المفضّل مثلاً ،
بل كان يتحدّث عن أشياء أكبر من ذلك ، كالحياة و الموت ، و بالأخصّ " الحبّ " ،
لقد كان الحبّ شيئاً مقدّساً عنده ، و كان يعتقد أنّه شيء يُلزم به كل البشر ، تماماً كما يتّبعُ دوّار الشمس نورَ الشمس ؛
و كان يقول أن القلب الخالي من الحبّ ، قلبٌ خالٍ من الحياة ،
لم يكن يقصد الحب بتلك الطريقة الرومانسية الشائعة التي اعتدنا عليها ، بل هو مقام من الحبّ أعلى من ذلك بكثير .
على ما فهمت منه ، أنّه يقصد الفناء في حب الله ، و أحبّاءه .
اتساءل ما أكون بالنسبة له كوني قلت له سابقاً أني لا اقدّر شيئا كالحب كثيراً ؟ .
كانت إيلا تعتقد أن عزيز يكون ذلك النوع النادر من الرجال الذي يمكن أن تكون المرأة برفقته دون أن تشعر بالإهانة يوماً و هي معه ،
لن تكون مضطرة للتخلي عن كرامتها أو أن تقلل من احترام نفسها ، بل العكس تماماً .
.........
عزيزي عزيز
قلتَ لي في واحدة من رسائلك ، أنّه من الممكن للإنسان أن يتحكم بمجرى الأمور التي تجري في حياته ، إذا اتخذ قرارات عقلانية
، فكرت في كلامك هذا ، لكني أرى أنّه من المستحيل لسمكة أن تتحكّم في محيط ! ،
و دعني أخبرك أن نزعة التحكّم و السيطرة من سِماتي بالفعل ، و أنتَ أوّل من أعترف له بهذا ، و حتى فترة ليست ببعيدة ، كنت أماً صارمة ، لها قواعد صارمة أيضاً
، و صدقني هي ليست بحمال قواعدك أبداً ،
و هذا ما سيؤكّده لك مَنْ هم مِنْ حولي ، و لم أكن أقبل نقاشاً في قواعدي تلك ، و ذات مرّة أخبرني أحد أولادي ، أنني أتصرّف مثل رجال العصابات ،
و اتدخّل في صميم حياتهم ، و أحاول التقاط أصغر التفاصيل ، و أنّي لا أسمح لهم بالخوض في عالمهم الخاصّ لوحدهم ، دون أن أتدخل فيهم .
هناك عبارة كان يرددها البعض ، " ليكن ما يكون " ، غير أنّها تثير حنقي ، لا أستطيع أن أُجاري التيار بهذه البساطة ، و أن اتصرّف كما يتصرّف غيري ، بلا مبالاة ! ،
عندما كنت في الجامعة ، لم أكن كبقيّة زملائي ، و لم أتصرّف مثلهم أبداً ، لذا لم تكن هناك شعبيّة لي بينهم ، و كانوا يرون أنّي أُضيّع شبابي سُدا كما يقولون ،
لكني لم أكن أهتمّ لكلامهم ، بل بقيت محافظة على مبادئي حتى النهاية ،
أظنّ أنّي أخبرتك عن حادثة والدي ، عندما كنت صغيرة ، و التي جعلتني على خلاف كبير مع والدتي ، لكن الأمور أصبحت الآن أفضل على ما أعتقد .
تلك الحادثة كانت أكبر مسبب لمبادئي التي كنت أمشي حذوها لسنوات طويلة - و لكني الآن لم أعد أعلم أما زلت أتبعها - .
منذ يومين توجهت بالدعاء لإلهي ، و هو شيء لم أفعل مند سنوات حقاً ، أظنُّ أن بعض التغييرات قد بدأت تحدث لي ، و احزر من كان له الدور في ذلك ! .
مع أحرّ تحياتي .
إيلا .
.........
العزيرة إيلا ، محاربة العصابات القوية ،
اقرأ رسالتك الآن و أنا أتهيأ للسفر من بروكسيل إلى واحدة من قرى الهند ، فقد كُلّفت بالتقاط صور هناك ، حيث تنتشر ظاهرة البطالة ، و الفقر في ذلك المكان ، بالإضافة لوجود شائعات بانتشار وباء ما هناك .
و سوف أعود بعد عدّة أيّام إن جرت الأمور على ما يرام معي .
هل أستطيع أن آمل العودة سالماً ؟ نعم .
و هل أستطيع أن أتحكّم بذلك ؟ لا .
كلّ ما أستطيع فعله هو أن آخذ حاسوبي معي ، و أجد وصلة جيدة بالنترنت ، و أن أقوم بعملي على أكمل وجه ، و ما يتبقى فليس في يدي ،
أنا لا أؤمن بالتقاعس أبداً ، لقد وعدت الله أن أفعل كلّ ما بمقدرتي في كلّ شيء ، و أن أترك الباقي له ، و له وحده فقط ، إذ لا يمكنني أن أتحكّم بكلّ شيء .
مرتين ، أو ثلاثة مرّات في اليوم ، و ربما أكثر أحياناً ،
أصبحت إيلا تتحدّث له عن كل شيء تقريباً ،
ما يحدث معها خلال اليوم ، أو ما تشعر به ،
و أصبحت تتحدّث له عن ما ارادته ، و ما لم ترده في حياتها ، و كان يردّ عليها من فوره في كلّ مرّة .
، فتساءلت كيف لشخص كثير الترحال مثله ، أن يستطيع الردّ عليها مباشرة ، حيث أنّ الأنترنت ليس متوفراً بكلّ مكان من الأمكنة التي يذهب إليها ، كما أنّه يجب أن يكون مشغولاً في الغالب و لا وقت لديه !
لكن كان ذلك شيئاً يريحها و يطمئنها ...
كانت تتفقد بريدها الالكترونيّ دائماً ، فأول شيء تفعله عندما تستيقظ صباحاً ، هو التأكد إذا ما كان قد بعث لها عزيز بأي رسالة ... ، و ليس في الصباح فقط ، بل في أغلب أوقاتها ،
بعد أن تعود من التسوّق ، و إذا ما صادفت مقهى انترنت في طريقها ، فهي تتوقف به قليلاً ،
و عندما تكون في نادي الطهو ، و عندما تحضّر الطعام ، و عندما تخرج إلى الحديقة ،
مع أنّها أصبحت لا تحبّ الخروج إليها كثيراً ، لأنّها تتذكر كلبها جون ، الذي كان يركض في أنحاءها دائماً .
و عندما تشاهد التلفاز ، و حتى عندما تتحدّث مع أولادها فهي تبقي حاسوبها المحمول مفتوحاً ، و تراقب بريدها باستمرار إذا ما بعث لها بأي رسالة فجأة .
و عندما لا يكون هنالك أي رسائل جديدة من عزيز ، فهي تقوم بقراءة الرسائل السابقة له ،
و تتأمّلها ، و كان ذلك يمنحها دفعة من الطاقة و التفاؤل ، حيث أنّها تجد شيئاً مما ينقصها في كلامه في كل جملة يكتبها .
و كلّ ما تلقّتْ رسالة جديدة منه كانت الابتسامة تغلب عليها رغماً عنها .
تبادل الرسائل مع عزيز جعل حياة إيلا الملوّنة بالرماديّ ، و البنيّ ، تتلوّن بلون آخر ...
لونٌ سري زاهي و جميل ، لم يعلم به أحد ، يجعل إيلا تشعر بالإحراج أحياناً .
......
" إيلا "
كانت شخصية عزيز قوية ، و رزينة ، لم يكن يتحدّث عن أشياء مثل ماذا أكل ، أو ماذا شرب ، أو ما هو برنامج التلفزيوني المفضّل مثلاً ،
بل كان يتحدّث عن أشياء أكبر من ذلك ، كالحياة و الموت ، و بالأخصّ " الحبّ " ،
لقد كان الحبّ شيئاً مقدّساً عنده ، و كان يعتقد أنّه شيء يُلزم به كل البشر ، تماماً كما يتّبعُ دوّار الشمس نورَ الشمس ؛
و كان يقول أن القلب الخالي من الحبّ ، قلبٌ خالٍ من الحياة ،
لم يكن يقصد الحب بتلك الطريقة الرومانسية الشائعة التي اعتدنا عليها ، بل هو مقام من الحبّ أعلى من ذلك بكثير .
على ما فهمت منه ، أنّه يقصد الفناء في حب الله ، و أحبّاءه .
اتساءل ما أكون بالنسبة له كوني قلت له سابقاً أني لا اقدّر شيئا كالحب كثيراً ؟ .
كانت إيلا تعتقد أن عزيز يكون ذلك النوع النادر من الرجال الذي يمكن أن تكون المرأة برفقته دون أن تشعر بالإهانة يوماً و هي معه ،
لن تكون مضطرة للتخلي عن كرامتها أو أن تقلل من احترام نفسها ، بل العكس تماماً .
.........
عزيزي عزيز
قلتَ لي في واحدة من رسائلك ، أنّه من الممكن للإنسان أن يتحكم بمجرى الأمور التي تجري في حياته ، إذا اتخذ قرارات عقلانية
، فكرت في كلامك هذا ، لكني أرى أنّه من المستحيل لسمكة أن تتحكّم في محيط ! ،
و دعني أخبرك أن نزعة التحكّم و السيطرة من سِماتي بالفعل ، و أنتَ أوّل من أعترف له بهذا ، و حتى فترة ليست ببعيدة ، كنت أماً صارمة ، لها قواعد صارمة أيضاً
، و صدقني هي ليست بحمال قواعدك أبداً ،
و هذا ما سيؤكّده لك مَنْ هم مِنْ حولي ، و لم أكن أقبل نقاشاً في قواعدي تلك ، و ذات مرّة أخبرني أحد أولادي ، أنني أتصرّف مثل رجال العصابات ،
و اتدخّل في صميم حياتهم ، و أحاول التقاط أصغر التفاصيل ، و أنّي لا أسمح لهم بالخوض في عالمهم الخاصّ لوحدهم ، دون أن أتدخل فيهم .
هناك عبارة كان يرددها البعض ، " ليكن ما يكون " ، غير أنّها تثير حنقي ، لا أستطيع أن أُجاري التيار بهذه البساطة ، و أن اتصرّف كما يتصرّف غيري ، بلا مبالاة ! ،
عندما كنت في الجامعة ، لم أكن كبقيّة زملائي ، و لم أتصرّف مثلهم أبداً ، لذا لم تكن هناك شعبيّة لي بينهم ، و كانوا يرون أنّي أُضيّع شبابي سُدا كما يقولون ،
لكني لم أكن أهتمّ لكلامهم ، بل بقيت محافظة على مبادئي حتى النهاية ،
أظنّ أنّي أخبرتك عن حادثة والدي ، عندما كنت صغيرة ، و التي جعلتني على خلاف كبير مع والدتي ، لكن الأمور أصبحت الآن أفضل على ما أعتقد .
تلك الحادثة كانت أكبر مسبب لمبادئي التي كنت أمشي حذوها لسنوات طويلة - و لكني الآن لم أعد أعلم أما زلت أتبعها - .
منذ يومين توجهت بالدعاء لإلهي ، و هو شيء لم أفعل مند سنوات حقاً ، أظنُّ أن بعض التغييرات قد بدأت تحدث لي ، و احزر من كان له الدور في ذلك ! .
مع أحرّ تحياتي .
إيلا .
.........
العزيرة إيلا ، محاربة العصابات القوية ،
اقرأ رسالتك الآن و أنا أتهيأ للسفر من بروكسيل إلى واحدة من قرى الهند ، فقد كُلّفت بالتقاط صور هناك ، حيث تنتشر ظاهرة البطالة ، و الفقر في ذلك المكان ، بالإضافة لوجود شائعات بانتشار وباء ما هناك .
و سوف أعود بعد عدّة أيّام إن جرت الأمور على ما يرام معي .
هل أستطيع أن آمل العودة سالماً ؟ نعم .
و هل أستطيع أن أتحكّم بذلك ؟ لا .
كلّ ما أستطيع فعله هو أن آخذ حاسوبي معي ، و أجد وصلة جيدة بالنترنت ، و أن أقوم بعملي على أكمل وجه ، و ما يتبقى فليس في يدي ،
أنا لا أؤمن بالتقاعس أبداً ، لقد وعدت الله أن أفعل كلّ ما بمقدرتي في كلّ شيء ، و أن أترك الباقي له ، و له وحده فقط ، إذ لا يمكنني أن أتحكّم بكلّ شيء .