الفصل، الثالث، والثلاثون

عاد مروان لمنزله ليجد باب شقة جدته مفتوح وهناك أصوات عالية تخرج منه... دلف إليهم مسرعا ليجد والده ينقض عليه ممسكا بتلابيبه قائلا بغضب أعمي :
_ لمتى بالله عليك لمتي ستظل هكذا عديم للمسئولية و الإحساس.. لماذا هاتفك اللعين هذا مغلق حتي الآن يا مروان؟!
فقال له مروان بدهشة وهو يخلص قميصه من قبضته :
_ لقد نفذ شحن بطاريتي لا أكثر.. ما سبب صياحكم هذا؟!
فقالت له سهام بدموعها :
_ آية يا مروان.. آية.
رفع عينيه بملل و قد تأكد حدسه.. فمن المؤكد ان آية قد اخبرتهم بما حدث بينهما.. فسألها بضيق:
_ ما بها آية مجددا؟!
كففت عبراتها بيدها و وقفت قائلة بعويل:
_ لقد اختفت.. هذه المرة ضاعت منا ماذا ساقول لأمها التي اودعتها امانة برقبتي قبل موتها.
إنتزع قلبه من مكانه واتسعت عينيه و هو يقول بقلق :
_ الم تعد حتي الآن للبيت؟!
لاحظت سارة حقيبتها التى بيده مع الحقائب التي بها طلبات البيت فقالت بتعجب وهي تشير اليهم :
_ أليست تلك حقيبة آية؟! هل رأيتها يا مروان اخبرني اين هيبالله عليك فقد قتلنا القلق و انتما معا ؟!
فقالت له الجدة بنفاذ صبر :
_ أرجوك يا حبيبي طمأني عليها فقلبي يعتصره الألم علي تأخرها رضى الله عليك.
فقال لها بخوف و قد بدأ التلعثم في حديثه :
_ نعم لقد رأيتها.. و لكن....... .
لاحظ رؤوف إرتباكه فقال بنفاذ صبر :
_ ماذا حدث بينكما و لماذا اشيائها معك.. هل تشاجرتما ام ماذا؟! انطق يا مروان و اخبرنا بالحقيقة كي نتصرف مبكرا.
شعر مروان أن قدميه لم تعد تحمله فجلس وهو يسأل نفسه الا اين قد تكون ذهبت بحالتها تلك.. رفع عينيه ناحيتهم ثم قال بتوجس قلق :
_ صراحةً.. لقد تشاجرنا اليوم وغضبت مني و بعدها تركتني و انصرفت و لم تخبرني الا اين ستذهب اعتقدتها ستعود للبيت لم اكن اتخيل انها ستترك البيت بهذه البساطة.
سألته سهام بعدم فهم وقد اقتربت منه خطوتين :
_ تشاجرتما ؟! لماذا؟ اكمل حديثك يا مروان افضل من جو التشويق هذا فأعصابنا لا تحتمل يا ابني.
وقف صامتا يفكر أين ذهبت وتركته فقالت له سارة بصياح:
_ متأكدة من انها قد رأتك مع واحدة من فتياتك اليس كذلك يا مروان؟! انت لن تتغير ستظل مقرفا و عار علينا.
أطرق مروان رأسه بخجل فأردفت سارة قائلة وهي تضربه علي كتفيه:
_ أخبرني أين ذهبت أختي يا مروان يا حقير و الا سأقتلك.
صفعت الجدة رأسها بيديها وقالت بأسى وعويل :
_ لقد ضاعت البنت.. يا حبيبتي يا آية.. انا المخطأة بموافقتي علي خطبتكما الفاشلة تلك.. انت لست رجلا كي أئتمنك عليها من البداية... اين ذهب عقلي حينها؟! البنت قاست ما قاست و انت لم تترأف بها يا ليتك تركتها مبكرا.
وقفت سارة أمامه وهي تطالعه شرزا وقالت بحزن :
_ لقد اخبرتك سابقا ان أذيت آية يا مروان سأعتبرك ميت و بتُ وحيدة من اليوم حتي عودة آية مجددا.. ولن اسامحك مهما حييت.
تركتهم وصعدت شقتها تبكى على فراق تتمنى ألا يطول مع نصفها الآخر.. اغلقت باب الشقة عليها واخرجت هاتفها من جيب منامتها و هاتفت زياد الذى اجابها بحب:
_ حبيبتي اشتقت اليك كثيرا.. ان لم تهاتفيني الآن كنت سأهاتفك انا لقد تأخرتِ علي بالاتصال و اصابني القلق عليكِ يا سارة.
وصله تقطع انفاسها وصوت بكاؤها فسألها مسرعا بتوجس:
_ حبيبتي لماذا تبكين؟! أءنت بخير؟!
خرج صوتها متحشرجا و هي تقول بحزن:
_ انا بخير حال و الحمد لله لا تقلق و لكن آية تشاجرت مع مروان و تركت البيت و لم تعد من الظهيرة حتي الآن.
جائها صوته قائلا بتعجب:
_ ماذا؟! تركت البيت.. انا لا افهم شيئا اهدأى حبيبتي و أخبريني ماذا حدث بهدوء كي نفكر سويا بعقلانية.
قصت له سارة ما تعرفه و هو كان يسمعها في ذهول....
قطع رؤوف صمتهم وقال بحدة :
_ هل سنظل علي حالة النواح و البكاء تلك و نتركها هكذا دون ان نعرف ماذا حدث معها.
دفع مروان من كتفه ليوقفه و قال بغضب:
_ تفضل امامي لنبحث عنها و نجد حلا لتلك المشكلة.
اوقفته سهام قائلة برجاء:
_ ارجوك يا رؤوف اذا وجدتها او علمت شيئا عنها طمأني كي ارتاح.
اومأ رؤوف برأسه و خرج و هو لا يعرف من أين يبدأ او ماذا حدث بينها وبين مروان دفع آية للهروب منهم....

•   * * * * *

نزل السائق من سيارته مفزوعا ليطمئن على الفتاه التى صدمها دون قصد فوجدها غارقة فى دمائها إقتربت منها سيدتان وقالت إحداهن بصراخ :
_ يا حبيبتي.. البنت تنزف بشكل كبير فلتستدعوا الاسعاف لكي ننجدها قبل ان يتصفي دمها و تموت.
اقتربت منها امراة أخرى و قالت بصياح:
_ ابتعدوا قليلا كي تتنفس فهذا الزحام خطى عليها و لينزع لها احد حجابها لكي لا تختنق.
نزعوا عنها حجابها وسترتها التى كانت ترتديهم لأنهم إمتلأوا بدمائها والقوهم بعيدا لكى تتنفس أفضل وحاولوا إفاقتها ولكن دون جدوى ...
جاءت سيارة الإسعاف وحملوها وتوجهت بها إلى المشفى مباشرة... حاولوا الأطباء إسعافها حتى وقف نزيف رأسها وعالجوا الكدمات والكسور ....
إنتظروا لكى يأتى لها أحد يسأل عنها فلم يجدوا... بحثوا معها عن أي شئ يدل على شخصيتها او هويتها ولم يجدوا أيضا ...

............................................
..........

تدثر زيد جيدا بفراش راما بمنزل والدها ورائحة شعرها تفوح من الفراش بأكمله.. حاول جاهدا الا يتشتت ويخرج عن تركيزه.. وبعد دقائق شعر بحركة بشرفة الغرفة.. و ما هي الا ثواني وقد غزا الضوء ظلام الغرفة..
ازاح الغطاء عن رأسه وصوب سلاحه امامه فوجد اثنين ملثمين يقفان ويرفعان ذراعيهما بجوار راسيهما و قد تجمع العديد من رجاله بالغرفة...
وقف زيد مسرعاً و توجه ناحيتهما و هو يقول بإنتشاء:
_ لقد وقعتم بالفخ و هذه المرة لن تنجو بحياتكم.. الا اذا اخبرتونا بمن دفعكم للقدوم لهنا لقتل الآنسة راما.
تطلع الرجلان ببعضهما وقال احدهما بدهاء:
_ نحن هنا للسرقة عن اي قتل تتحدثون و لا يوجد من دفعنا للقدوم الا هنا.
ابتسم زيد بسخرية و دار حوله و هو يقول بهدوء:
_ لا يوجد من دفعكم أليس كذلك؟!
توقف أمامهما و قال بتسليم:
_ لدى طرقي و سنرى بعدها هل انتما لصين فقط ام هناك امرٌ آخر و حينها لن تنالكم شفاعة احد لذا من البداية تكلما.
لم ينطقا بحرف.. بينما دلف فؤاد عليهم الغرفة و اخذ يكيل اليهم الضربات هادرا بعصبية:
_ ماذا تريدون من بنتي ايها الوغدان و من دفعكم اعترفا؟!
وقف زيد إمامه و حاول تهدأته قائلا بعملية:
_ لا تقلق لن اتركهما الا تذا اعترفا بهوية المحرض.. اهدأ.
طالعه فؤاد براحة و قال:
_ وأنا أثق بك.. فقط اعتراف صغير منهم بإسمه و بعدها سأمحوه و امحي اسمه من الوجود.
ربت زيد علي ذراعه و قال مؤكدا:
_ معك حق لن نتركه لقد تجاوز كل الحدود هذه المرة و لولا تحرياتي و مراقبتي لها لكنا..... .
بتر زيد كلماته و التف لجنوده قائلا بحزم:
_ خذوهما علي قسم الشرطة و جهزوهما حتي عودتي.
اومأ له كبيرهم و قال برسمية:
_ حسنا يا سيدى أوامرك.
كبلوا معصميهما سويا و سحبوهما الي سيارة الشرطة.. و انطلقا بهما..
ربت فؤاد علي ظهر زيد و قال بإمتنان:
_ لقد سخرك الله لحماية ابنتي يا زيد جزاك الله خيراً وبارك فيك.
ابتسم زيد بخفوت و قال:
_ هذا عملي و لهذا خلقت أنا.. اللهم احفظها وبارك لك فيها.
اتسعت ابتسامة فؤاد و هو يطالعه بنظرات ذات مغزى و قال:
_ يبارك لنا فيها.. انا لن اجد لإبنتي رجلا مثلك يا زيد.
اختفي الوقار و التحفظ و الهيبة ايضا و تمسك زيد بذراعيه و قال بفرحة:
_ هل قصدت ما فهمته ام انني خيل لي ما قلته؟!
تعالت ضحكات فؤاد و قال براحة:
_ نعم انا اقصد كل حرف.. بقي عليك ان تردها انت اليك فالامر صعب علي ما يبدو.
شرد زيد بالبعيد و قال بثقة:
_ نعم الأمر يبدو صعبا و لكنني لن امل و ساسعي علي عودتها لي بأى ثمن.


بعد أيام عادت آية لوعيها.. فتحت عينيها بتثاقل فسمعت صوت الممرضة تقول بفرحة :

_ و اخيرا إستجبتي.. هل تريني حبيبتي ؟!
فتحت آية عيونها ببطء لترى أنوار شديدة اخترقت عيناها فاغلقتهما مجددا و بعد قليل فتحتهما ببطء أكثر و نظرت للممرضة بوهن فقالت لها بحماس :
_ سأذهب لإستدعاء الطبيب كي يعاينك و سآتي اليكِ حالا.
ظلت تنظر حولها بتعجب للغرفة الباردة البيضاء.. دلف عليها الطبيب وقال بسعادة :
_ حمدا لله علي سلامتك.. لقد تأخرتي بالإفاقة وقلقتني عليكِ.
طالعته بنظرات وهنة بينما حرك هو كفه امام عينيها و قال بتوجس :
_ هل تريني بشكل جيد ام هناك مشاكل؟!
اغلقت عينيها و فتحتهما دليل علي استجابتها فتنهد براحة و قال بإبتسامة متسعة:
_ حمدا لله.. انا لا اصدق انكِ قد عدتي معنا مجددا.. فحالتك كانت معقدة بعض الشئ.
اقتربت منها الممرضة و ربتت علي كفها و قالت بهدوء:
_ هل تعرفين رقم احد من أهلك كي نهاتفه لياتي اليكِ.. منذ دخلتي الي هنا و لم يأتِ احد لزيارتك او للسؤال عنكِ.
ضيقت آية عينيها ولم ترد عليه فقال لها الطبيب :
_ ما اسمك كي نكتبه بمحضر الشرطة؟!
لم ترد عليه مجددا فأعاد سؤاله بقلق :
_ هل تسمعينني يا آنستي؟! لماذا لا تجيبي علي اسألتي؟!
بلعت ريقها لتجلي بها حلقها الجاف وقالت بصوت غير مسموع :
_ نعم أسمعك.
ارتاحت ملامحه و سالها مجددا:
_ حمدا لله.. و الآن ما إسمك؟!
صمتت قليلا وقطبت جبينها وقالت بنظرات خاوية :
_ لا اعرف.
نظر الطبيب للممرضة وقال بدهشة :
_ لا تعرفين ما هو اسمك؟!
حركت راسها فتألمت.. ثم تاوهت بصوت عالِ وقالت بضعف :
_ انا لا أتذكر شئ سوى انني فتحت عيناي فوجدت نفسي هنا.
فسألها بجدية :
_ انتِ تقصدين انكِ لا تتذكرين إسمك و هويتك؟!
تمسكت برأسها بعدما زاد ألمها و قالت بألم:
_ رأسي يؤلمني.. انا لا اتذكر اي شئ؟! ماذا يحدث معي؟! ماذا اصابني اخبرني ارجوك؟!
وأخذت تصرخ وتصرخ وتقول بهيستيرية وهي تعتصر عقلها علها تتذكر اي شى :
_ من أنا؟! لماذا لا أتذكر شئ ورأسي لماذا يؤلمني؟! فليجيبني أحد.
ظلت تصفع رأسها بيدها وهى تبكى وتقول بنحيب :
_ لا أستطيع تذكر اي شئ.. اي شئ.
إقترب منها الطبيب وحاول تهدئتها بينما كبلت الممرضة ذراعيها و هي تهداها بحنو.. هز الطبيب رأسه بعدم فهم و قال ببديهية و هو يتوقع الأسوء:
_ لا تقلقي و إهدأى قليلا.. سنخضعك لعمل أشعة علي رأسك كي نطمئن عليكِ و ستصبحين بخير بإذن الله.. فقط اهدأى و ثقي بي.. اتفقنا.
هدأت قليلا بعد سماع كلماته.. فربما هناك أمل لتتذكر من هى و من تكون....
تم عمل الأشعة لها وإجتمع الأطباء يتشاورون فى أمرها فقال أحدهم :
_ أرى ان الأشعة جيدة و لا اجد شيئا محددا لفقدان ذاكرتها كما تدعي و لا اجد سببا علميا أيضا.
وقال الآخر وهو يجلس علي اقرب مقعد بثقة :
_ فقدان الذاكرة ذاك يسمي فقدان ذاكرة نفسي.. من الواضح بل الأكيد أنها تعرضت لصدمة عصبية شديدة كانت هي السبب الرئيسي لحالتها و الحادث الذي وقع لها ما هو سوى بوابة اتخذها عقلها ليمحو ذكرياته المؤلمة ليس الا.
فقال طبيبها بأسى :
_ لقد قرأت كثيرا بهذا الموضوع و لم ارى بحياتي حالة كحالتها انها بحالة سيئة للأسف و تضغط علي عقلها طوال الوقت لتتذكر من هي.
طالع الأشعة للمرة الأخيرة بتمعن و قال بتسليم و بديهية:
_ لا اجد حلا سوى ابلاغ السرطة بحالتها و أوصافها ربما يبحث عنها اهلها بيوم.

وقف عسكرى أمام باب غرفة آية وسأل الممرضة بعملية :
_ هل هذه المريضة و التي فقدت ذاكرتها؟!
اجابته الممرضة و هي تهمس بحذر:
_ أخفض من صوتك لقد تعبت حتي استسلمت للنوم حالتها تدمي القلب و تجعل اي احد يشفق عليها.
رفع العسكرى عينيه بملل و اعاد سؤاله بهمس:
_ حسنا فهمت هلا اخبرتني بمواصفاتها او اي بيانات عنها.
اجابته الممرضة بجدية:
_ مواصفاتها عادية.. ليست محجبة و كانت ترتدى بنطال جنزي و بلوفر بيچ طولها متوسط.. بيضاء البشرة ولكن وجهها ليست له ملامح محددة من الكدمات و الجروح والتي سببها الحادث.
دون العسكرى كل ما قالته بمحضر رسمي و رفع رأسه اليها قائلا بإمتنان:
_ حسنا.. شكرا جزيلا سيدتي.
وتركها و إنصرف لتعود الممرضة عند آية و هي تطالعها بإشفاق و قالت بحزن:
_ يارب ردها لأهلها سالمة غانمة لانه ينفطر قلبي عليها و علي حالتها و اشفق علي اهلها من المؤكد يبحثون عنها بكل مكان.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي