الفصل، الثامن، عشر

فى الصباح جلست سارة بجوار والدها و قالت بخجل :
_ ابي لقد أديت صلاة الإستخارة و إستيقظت و أنا أشعر براحة كبيرة لموضوع زياد.
ربت رؤوف على كفها و قال بحنو:
_ معكِ حق.. فأنا كلما سألت عنه الجميع يؤكد أنه ذو أخلاق عالية و أن والده رجلاً محبوب للغاية و خيره على عالجميع و أن زياد لا يفرق شئ عن والده و الحمد لله.
فقالت لهما سهام بفرحة :
_ و أنا منذ رأيته و قد إرتاح قلبي له و كأنه إبني.. فلنتوكل على الله و نعطيه موافقتنا.
اكد مروان على حديث والدته قائلا :
_ صدقتي يا أمي فزياد شخصية ودودة و بسيطة و تدخل للقلب مباشرة.
ثم إلتفت ناحية رؤوف و سأله بتلهف:
_ هل ستخبرهم يا أبي كما قالت أمي؟!
أومأ رؤوف برأسه قائلا:
_ نعم.. سأهاتفه و أطلب منه أن يحدد يوم و يأتي هو و والده كي نتفق على كل شئ و بعدها نحدد ميعاد الخطبة و تلك الأمور و نقرأ الفاتحة...

•   * * * * *

كان يقود بسرعة جنونية كلما عادت كلمات أخته مريم لعقله عندما سألها عن امه و أخبرته أنها لم تحتمل إنزوائه و قلة حديثه معهم و حالة الإكتئاب التي إنتابته بعد تركه لچيلان ف كأى أم قررت التنازل من أجل سعادة إبنها و الذهاب إليها..
لعن عقله البائس و حزنه على من لا تستحق ليجبر والدته بعدها بالتنازل من أجله..
كانت ضرباته على مقود السيارة تزيد و تزيد و هو يطالع الطريق بنفاذ صبر...
دلفت أحلام لهذا القصر الكبير و هي تتنهد بأسي على ما دفعها إبنها لفعله.. ها هي على أعتاب إرجاع المياة بينه و بين چيلان التي طالما نبذتها و رأتها غير مناسبة له..
كانت تسير و الحزن على وجهها.. إستقبلها رجلاً من الذين يعملون بالمنزل و قال لها بترحاب كبير:
_ أنرتي القصر سيدتي هل تريدين مقابلة الآنسة چيلان؟!
إبتسمت إليه و قالت بود:
_ نعم أريد مقابلتها.
أشار لها بيده أن تتبعه و قال:
_ هل حازم باشا بخير لم أره منذ فترة؟!
اجابته احلام بتنهيدة مقتضبة:
_ بخير حال و الحمد لله.
وقف و قال لها بجدية:
_ إنها جالسة على المسبح مع صديقة لها تفضلي من هنا.
اومأت احلام برأسها و تابعت سيرها حتى جحظت عينيها و هي تراها ممدة على كرسي و عارية بلباس السباحة..
عضت على شفتها السفلي بإستحياء و أدارت وجهها عنها و هي تستغفر ربها بتمتمة خفيفة...
رأتها چيلان فوقفت مسرعة و التعجب مصيبها.. تطلعت صديقتها لخلفها لترى ما جذب أنظار چيلان حتى تطلعت لأحلام بإزدراء و قالت بسخرية:
_ من هذه اهي خادمة جديدة تعمل هنا يا چيچي ؟!
إتسعت عيني أحلام و تطلعت بچيلان تنتظر ردة فعلها.. فوجدتها تلف حجاب خفيف حول خصرها و تقترب منها قائلة بإندهاش:
_ خالتي احلام.. تفضلي للداخل.
و أشارت بيدها لداخل القصر.. طالعتها احلام بحدة و وزعت أنظارها بينها و بين الساقطة التي تتمدد بقلة حياء امامها و جسدها كله بكل تفاصيله تراه عيناها...
رفع أحلام حاجبها بإيباء و قالت بنبرة ثابتة:
_ ألن تخبريها يا چيلان من أنا؟!
إبتلعت چيلان ريقها بتوتر و قالت بإبتسامة مهتزة:
_ لا تعيريها إهتمام يا خالتي و لندخل للبيت تفضلي.
وقفت أحلام تتابعها بمجون و تقدمت ناحية صديقتها تلك و قالت بنظرات تحقيرية:
_ أنا لست خادمة و من المؤكد أن هيأتي المحتشمة المتقية لربي هي ما جعلتك تظنين بي ظنك هذا.. ففتاة مثلك تجود بجسدها للجميع دون إحترام أو ذرة خوف من الله لن تراني سوى خادمة.
إتسعت عيني چيلان و هي ترى صديقتها تلك تقف أمامها و قالت بغضب:
_ من انتِ كي تتحدثي معي بتلك الطريقة فأنا ستُكِ و تاج رأسك يا عديمة الأدب.
إشتعلت عيني احلام و هي تتابع تهكم تلك الساقطة عليها و چيلان تقف بينهما صامتة...
و لكن من العدم ظهر حازم الذى إرتسم على وجهه شر العالم كله و هو يجذب تلك الفتاة من ذراعها و يهوى على وجهها بصفعة جعلت الجميع يصرخ من الفزع....
رفعت الفتاة عيناها المشتعلتين ناحية حازم الذى يطالعها بغضب أسود و قالت له بنبرة عميقة:
_ هل جننت يا حازم؟؟! هل صفعتني.. أنا.. للتو؟!
لم تصمت و لم تكتفي و لكن صفعة أخرى على وجهها هي ما بترت حديثها و احلام تصرخ و تحاول جذبه و إبعاده عنها و چيلان تتابع الأمر بصدمة....
قربها حازم من وجهه و هدر بها بعصبية قائلا و هو يهزها بعنف مبالغ به كادت معه قبضته حول ذراعها أن تحطم عظامه:
_ لم تخلق حتي الآن من تهين أمي و أنا على قيد الحياة يا قذرة.
إبتلعت الفتاة ريقها بخوف و هي تتابع شراسته و قد قررت النجاة بحياتها لأنها لو تفوهت بشئ آخر امامه لربما قتلها بحالته تلك...
خلصتها چيلان من يده.. وصرخت به قائلة بحدة:
_ أنا سأحاول إقناعها بعدم إيذائك يا حازم فأنت تعلم من هو والدها جيداً و تعلم ما يمكنه فعله بك.
إبتسم بسخرية و قال وهو يطالعهما بنظرات إزدراء من هيأتهما المنفرة:
_ كان حرياً بوالدها تربيتها على إحترام الأكبر منها سناً بالبداية.. و لكن مع من أتحدث فأنتما اقل بكثير من أن تقف أمي بينكما.. فهي قد تتسخ.
إشتعلت عيني چيلان و قالت بنظرات قاتمة:
_ خذ أمك و غادرا من هنا حالا يا حازم... أنا ألعن نفسي في حين كنت أظن أنني بأمكاني ان أغيرك لكنك ستبقي كما أنت متخلف و رجعي و همجي كبيئتك المقرفة.
تعالت ضحكاته بشراسة و هو يصفع كفيه ببعضهما.. لتتوقف ضحكاته فجأة و هو يطالع جسدها كأنه يعريها تماما قائلا بإزدراء:
_ المقرفة هي من تأتي لمركز الشرطة إلي ملفوفة بملائة بعد ضبطها تعرض جسدها للرجال و تبيح له لمسها و تسمى ساقطة لأنها تخلت على آداب مجتمعها و دينها.. مثلك يا ساقطة أنتِ و هي.
كادت چيلان أن تصب غضبها على رأسه لكنه قاطعها قائلا بهدوء:
_ سأخرج لا تقلقي فأنا لا أرغب بحمل المزيد من الذنوب و أنا أطالع.. ساقطتين.. مثلكما.
إنحني وقبل كف والدته التي تتشبث به بخوف و كفف دمعاتها و قال بحنو:
_ لا تقلقي لا يمكنهما إيذائي.. أعتذر منكِ يا أمي فأنا لو سمعت حديثك منذ البداية لما وضعتك في هذا الموقف المنفر.. سامحيني حبيبتي.
ربتت علي كفه و جذبته ورائها و خرجا تحت أنظار چيلان التي تتوعده بشدة....

•   * * * * * *

في المساء هاتف رؤوف زياد وجاءوا لزيارتهم هو ووالده وإتفقوا على كل شئ و قابلت سارة والد زياد و إحبته بشدة من طيبة قلبه و إبتسامته الودودة.. و قرأوا الفاتحة و تعالت الزغاريد بالبيت....
خرجوا لشراء المصوغات الذهبية للخطبة وإختار لها طاقم ذهبى جميل وغالى جدا فرحت به سارة كثيرا.. و قد تقاربا بالحديث كلما سمحت لهما الفرصة..
و بساطة زياد و رقته جعلتها تتعلق به بوقت قصير..
حجزوا قاعة الخطبة وإختارت سارة فستانها الذى أُعجب به زياد بشدة من رقته التي تشبهها...

كانت آية تتجول بين الفساتين بحيرة و هي تطالعهم جميعهم بإعجاب... إنتبهت لصوت مروان من خلفها يقول بجدية:
_ أنا من سيختار لكِ فستانك يا صغيرتي.
إلتفتت آية و هي تشهق بذعر و طالعته مطولاً حتي إلتقطت أنفاسها و قالت بتعجب :
_ مروان!! ما الذي أتي بك إلي هنا؟!
رد عليها بصرامة و هو يعقد ذراعيه أمام صدره :
_ كما قلت لكِ أنا من سيختار فستانك تعلمين ذوقي الرائع.
هزت كتفيها بضيق وقالت بحدة :
_ لا لن تختار لي اي شئ فأنا أريد أن افاجأك به و أنت الآن تحرق لي مفاجئتي.
فقال لها مروان ساخرا وهو يمرر الفساتين أمامه و يطالعهم بتفكير:
_ اتفاجأ.. و حينها تختارين فستاناً ضيقاً و ملفت للجميع و أقف أنا طوال الخطبة أشتعل من غضبي كلما طالعك أحدهم.. لا لست أنا يا أمي سترتدين ما سأختاره أنا.
فقالت له آية بضيق و إنصياع :
_ حسناً.. لن أجادلك فأنت إتخذت قرارك و قضي الأمر.
ظلت ترتدى فى فساتين وهو يرفض و كلما إرتدت آخر يطالعها بإعجاب و إبتسامة متسعة من جمالها ثم يقتل إبتسامته تلك و يشير إليها بأن تخلعه.. فقدت الأمل في الشراء حتى إرتدت فستان أبيض واسع مطرز بالذهبى بدت به كملكة يونانية أحبت الفستان فقالت بإبتسامة و هي تدور حول نفسها بإعجاب:
_ هذا رائع.. واسع و أنيق و يليق بي جداً.
فقال لها بنظرة حادة :
_ لا لن نأخذه فهو رائع عليكي.. إنسي.
وقفت سارة بجوارهما بعدما ملت من الانتظار و قالت بنزق:
_ مروان اصحاب المحل سيطلبون لنا الشرطة إرحم من في الأرض.. هذا الفستان مستوفي كل شروطك و سنأخذه.
أيدتها آية قائلة بنفاذ صبر :
_ سارة معها حق أنا أيضا تعبت و سأشتريه.
وقف مروان بينهما و قال بعبوس:
_ تضعانني أمام الأمر الواقع إذا؟!
وقفت سارة قبالته و قالت بملل :
_ مروان يا حبيبي.. آية لو إرتدت فستان صنع من مناشف المطبخ ستبدو جميلة للغاية.. فوافق على الفستان قبل أن أرفض زياد و أنهي تلك الخطبة السوداء كي ترتاح.
زفر مروان بضيق وقال بحنق :
_ حسناً يكفي.. أنتما بلوتين لا بالا الله بكما أحد.. سنشتريه كي ترتاحوا.
أكملوا تسوقهم و إشترى مروان لآية سلسال ذهبي مناسب لفستانها قد إدخر أمواله بصعوبة كي يسعدها...
فرحت به آية كثيراً.. فربتت سارة على ذراع مروان و قالت بحنو:
_ سنشترى خواتم خطبتكما بأقرب وقت بإذن الله يا حبيبي.
وقف مروان يطالع آية التي تطالع سلسالها الجديد بفرحة و هو يملأ عينيه من هيأتها الشهية....
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي