الفصل السادس والاربعون

مرت أيامهم سريعة وقد أعلنت آية حظر التجوال بالمنزل كلما إقترب ميعاد حضوره أو أثناء نومه حتى إشتعلت نار الشوق بهما ولكنها لم تضعف وقاومت شوقها بنظرات خاطفة له من وراء باب غرفتها ..
كما انه كان يتعمد ان يعود بأوقات غريبة ربما يراها و لو بنظرة خاطفة لكنه لم يعلم انها كانت تسمع صوت خطواته فتختفي بغرفتها علي الفور..
و هو ايضا كان يعلم انها تقف خلف الباب و تراقبه خيالها فضحها أكثر من مرة...
إنتهت الإمتحانات وتفرغت الفتيات لآية بعدما تحولت شفقتهم على حالتها لحب أخوى ولكن ليس كحبه هو فكبريائه منعه من أن يروى شوقه لها أو هى لم تعطه هذه الفرصة.. بعدما لعبت بمكر معه..
تنهدت أحلام بسعادة وقالت :
_ حازم تفرغ من اجلي غدا كي نذهب و نشترى حاجيات رمضان قبل الزحام.
ارتشف حازم من كوب الشاي خاصته و قال بتعجب:
_ دائما تخرجين لشراء لوازمك بمفردك لماذا تحتاجيني غدا تحديدا؟!
اجابته احلام ببديهية:
_ لانها ستكون كثيرة للغاية هل يرضيك ان انتقل من مكان لمكان حاملة للكثير من الحقائب و ابني لديه سيارة.
اقترب منها حازم بجسده و قال بغمزة من عينه بمداعبة:
_ السيارة و صاحبها تحت امرك يا حبيبة قلبي انتِ تأمرى و انا اقول سمعا و طاعة يا مولاتي.
طالعتهما مريم بسعادة ثم قالت بابتسامة :
_ انا سعيدة للغاية.. فأيام رمضان هي الأفضل طوال السنة انتظرها كل عام بلهفة الطفلة التي صامت لاول يوم بحياتها.
قالت لها سجدة مؤكدة :
_ اكيد الافضل.. صلاة التراويح و الصيام و الياميش و المكسرات و الحلويات و المسلسلات.. جو رائع.
هز حازم راسه و قال مقهقها:
_ تافهه لا يهمها سوى الأكل و المسلسلات و فقط.
إكتفت آية بمتابعة حديثهم الممتع عن هذا الشهر الجميل من خلف بابها كالعادة و قد انتقلت سعادتهم اليها و حب هذا الشهر انتقل لقلبها و هي تنتظره اكثر منهم كي ترى ما الفرق بينه و بين ايامهم العادية

* * * * *

اقترب المغرب و استنفر البيت بأكمله.. وقفت راما تتابع تحضير كل شئ أعدته هي بيدها.. فدروس احلام لها جعلتها تتعلم الطهي و زادتها من رمزية..
ثم اقتربت من والدها و زيد و قالت بسعادة:
_ لقد اعددت السفرة اعدكم انكم ستأكلون اصابعكم.
اجابها زيد بمزاح:
_ من الندم أكيد.
تعالت ضحكاته هو و فؤاد.. فوضعت راما ذراعيها بخصرعا و قالت بضيق :
_ سأءكل بمفردى انا و رمزية و لن تأكلون معي فمن الافضل لكما ان تبدئان في البحث عن مكان لتأكلون به من الآن.
وقف زيد أمامها و قال بهدوء:
_ انني امزح.. حبيبتي لو تطهين لي سما سأكله و أتلذذ بطعمه.
ابتسمت راما بخجل و أطرقت رأسها قائلة بإستحياء :
_ اللهم اني صائمة.. انا لا اريد ان اخسر صيامؤ بمداعبتك يا زيد .
ثم رفعت رأسها و قالت له بحزن:
_ جمعتنا تلك ينقصها والدتك.. انا احببتها للغاية و هي تعاملني علي انني ابنتها و تدللني كثيرا .
اجابها زيد قائلا براحة :
_ نعم دائما ما تتحدث عنكِ و عن سؤالك الدائم عليها خاصة امام العائلة.. و اليوم هو اول يوم تجتمع جميع العائلة و انا الوحيد الذي تخلف.. غدا سآخذك اليها لتمضين اليوم معها بعد اذن بابا أكيد.
اومأ فؤاد براسه موافقا و قال بثقة:
_ كما اثق بإبنتي أثق بك يا زيد و من حق والدتك ان تذهب راما اليها و تقضي اليوم معها.. اللهم اشفها و ارزقها الصحة و العافية.
تنهد زيد مطولا و قال:
_ اللهم آمين .. عمي اريد ان نحدد موعد للخطبة فقراءة الفاتحة التي بيننا لا تكفي اريد ان نمضي بخطوات رسمية كي أطمأن فإبنتك لا تؤتمن علي كلمة.
ابتسم فؤاد و قال له بجدية:
_ حددا الوقت المناسب لكما و انا موافق مقدما.
تنحنح زيد بخجل و قال:
_ اريد ان اطمع في كرم اخلاقك يا عمي و اطلب منك ان تكون خطبة و كتب كتاب.
فكر فؤاد قليلا و قال:
_ موافق لو وافقت راما.
تطلعا الاثنان براما التي قالت بإبتسامة مشعة:
_ موافقة طبعا هذا هو الأفضل لنا فانا لا اريد ان اغضب ربي بأي فعل.
طالعها زيد بفخر.. بينما اقتربت منهم رمزية و قالت المدفع سينطلق هيا الا السفرة لنستعد.
توجهوا جميعا للطاولة و جلسوا حولها و هم يسخرون من طهي راما......

.........................................................
...............

رتبت آية المعالق و الشوك و صاحت قائلة بفرحة رغم الم بطنها من الجوع:
_ اسرعي يا أمي فحازم علي وصول لقد انهي المسجد صلاة المغرب.
اجابتها أحلام بنبرة عالية من المطبخ :
_ حسنا يا حبيبتي ساحضر العصير و الخُشاف و سآتي حالا.
سحبت سجدة كرسيها و جلست و هي تقول بضحكة شريرة :
_ و اخيرا ستلتقيان انتي و حازم يا آيات.. سأسميها فترة الهدنة.
ثم تطلعت للماكولات التي تراصت علي الطاولة و قالت بجوع:
_ الاكل يبدو شهيا و خاصة الرقاق فانا اعشقه هو و المحشي و لا اشعر باول يوم في رمضان سوى بوجودهما علي الطاولة.
ضحكت مريم وقالت :
_ استوقفتني كلمة الهدنة بينهما.. اصبتي التعبير يا سجدة و ربي.. اما انا فالبط هو الأساس .
انتبهوا علي دلوف حازم للبيت فإرتبكت آية و شددت من حجابها.. بينما اقترب هو منهم و قال:
_ السلام عليكم .
ليرد عليه الجميع :
_ وعليكم السلام .
نظرت له آيه بشوق وأطرقت رأسها بسرعة ، تنفس براحة بعدما رآها اخيرا فغض بصره مسرعا مستغفرا ربه... كان حاملا ثلاث هدايا إقترب أولا من سجدة قبلها وإحتضنها وأعطاها هديتها وقال :
_ كل عام وإنتِ حبيبتى .
لترد سجدة بطفولية و هي تلتقط منه هديتها :
_ وانت طيب يا حزومى ، الفانوس.
تركها وإقترب من مريم قبلها وإحتضنها وأعطاها هديتها وقال :
_ كل عام وإنتِ طيبة يا مريومة .
اخذت هديتها و قالت بفرحة:
_ حبيبي.. لم تنسي و لا مرة واحدة الفانوس.. ادامك الله بحياتي يا اخي.
ظلت آية تتابعهم بسعادة حتى وجدته يقترب منها فأجفلت بعينيها بخوف.. جعله يندم علي كل لحظة قسي عليها بها.. وقف قبالتها ومد يده لها بالهدية الثالثة وقال بنظرات ودودة جديدة عليها كليا :
_ كل عام و انتِ بخير يا آيات... أعاده الله عليكي بالخير.
إختفت إبتسامتها ووقفت تنظر له ثم أخذت الهدية وقالت بإمتنان :
_ و انت بخير يا حازم شكرا جزيلا لك.
فتحت الهدية لتجدها عروسة مرتدية فستان أبيض جالسة على أرجوحة.. طالعتها بإعجاب و عيونها لمعت من الفرحة..
إقترب منها حازم وأدار لها مفتاح التشغيل لتتأرجح وتغنى.. اتسعت ابتسامة آية و هي تتاملها و وقفت تنظر لها بفرحة وقالت :
_ جميلة جدا جدا.. و فستانها رائع الجمال.
ثم اقتربت من احلام التي انضمت اليهم و جلست علي مقعدها و قالت لها:
_ امي لقد احضر لي حازم هذه العروسة انها تضئ و تغني و ترقص ايضا.
إبتسمت أحلام وقالت :
_ جميلة يا حبيبتي.. ادامك الله بحياتنا يا ابني و جبر بخاطرك.
نظرت آية لحازم بسعادة وسعادتها جعلته طائر أسطورى بسماء الحب بجناحين من شوق يدور حول قصر عالى تسكنه أميرته الجميلة ذات الشعر الأسود الطويل وعيون سوداء ساحرة ورموش تقتل كل من يتجرأ و يقترب منها.. وبياض مشع فى ليل قلبه المعتم .
لاحظ الجميع نظراتهم لتقول سجدة بتعجب :
_ ما بك يا حازم يا حبيبي اجلس مكانك كي نبدأ أكل.
إنتبه لها فجلس قائلا بخجل :
_ معكِ حق.. لقد تذكرت الفوازير القديمة لهذا شردت.

**********************

جلست سارة تنظر للطعام وهى تحاول التماسك وتمنع دموعها من الإنهمار... تفتقدها و تفتقد نصفها الآخر.. مال عليها زياد وقال بتعجب :
_ ما بكٌ يا سارة.. ألن تفطرى معنا يا حبيبتي.
اجابته سارة متصنعة الهدوء و التماسك:
_ انا بخير و أءكل لا تقلق يا زياد.
هز راسه نافيا و قال بإشفاق:
_ لا انتِ لا تأكلين و لا تتكلمين و لا تضحكين.. حبيبتي انا اخشي عليكي من المرض هذا لا يصح.
لم تستطع سارة التماسك و ردت عليه بدموعها :
_ رمضان بدون آية صعب للغاية يا زياد.. لا أستطيع التكيف و التعود.. ينقصني شئ كبير جدا كي أشعر بفرحته و بهجته.
وضعت سهام ملعقتها بجوار الطبق و عقدت ذراعيها علي الطاولة وقالت بحزن :
_ لماذا تبكين يا سارة؟! حرام عليكي لماذا ذكرتنا بآلامنا.. من سيستطيع بلع لقمة بعد ما قلته.
فقال لها رؤوف بحزن و هو يتنهد بأسي :
_ نحن لم ننسي آية لحظة واحدة يا سهام كي نتذكرها الآن.. يعلم الله انني ابحث عنها بكل مكان كالمجنون و كأنها ابنتي مثلها مثل سارة.
بكت سهام وقالت بنحيب و قد نكست رأسها :
_ اين انتي يا حبيبة قلبي؟! هل يا ترى بخير و سعيدة ام حزينة؟! هل يا تري تأكل و تشرب و تشعر بالآمان؟!
كففت سارة دموعها و قالت بصوت متحشرج:
_ في الفترة الاخيرة يسيطر علي هاجس واحد.. انها ربما تكون قد.. .
قاطعها زياد قائلا بنبرة قاطعة:
_ لا هي بخير و ستعود بيوم ما انا متأكد.. فقط ادعي لها بدلا من توقع الاسوء.
اكد رؤوف علي كلماته و قال:
_ و انا ايضا اشعر انها بخير و لهذا لا اتوانى عن البحث عنها و سأجدها بإذن الله.
إلتفت زياد حوله وقال بتعجب :
_ أين مروان؟! انا لم أره منذ فترة طويلة و اعتقدت انني سآراه اليوم بما اننا اول يوم بالشهر الكريم.
امتعض وجه سارة و قالت بعصبية:
_ لا اريد ان اسمع اسمه.. فهو سبب ما نحن فيه الآن بحبه لذاته و انانيته.. اصبحت ابغضه.
اسرعت سهام قائلة بحزن:
_ لا تقولين انكِ تبغضيه امامي يا سارة.. بالنهاية هذا ابني و اخوكي الوحيد يا حبيبتي.. و كلماتك تلك تقتلني و انا بداخلي ما يكفيني.
ابتسمت سارة بسخرية وقالت:
_ اخي !! لا يا امي انا وحيدة من بعد آية و هذا معناه انني ليس لدى اخوة.. فهي كانت تعشقه بجنون و انتظرته سنوات حتي شعر بها و مع غدر صاحبه و الذى لا يختلف عنه كثيرا باعها و عاقبها علي شئ ليس لها دخل به و تأتين بالآخر و تقولين أخي.
ربت زياد علي كفها لتهدئتها قائلا:
_ انتِ تتحاملين على امك كثيرا يا سارة.. حبيبتي اما تقولين شيئا جميلا او تصمتي علي الاقل.
اومات سارة بإنصياع.. بينما قال رؤوف:
_ انا احسد والدك عليك يا زياد.. كما احمد الله علي انه رزق ابنتي برجل مثلك.. و سأجيب علي سؤالك انا.. مروان بشقة جدته بالأسفل يتناول فطوره معها ربما ترضي عنه.. و قد قرر ان يعيش معها كي يتفادى الصدام معنا...

إقترب مروان من جدته قبلها وقال معتذرا :
_ سامحيني يا جدتي ارجوكي.. فغضبك مني يقتلني قد احتمله من اي شخص غيرك و لكن انتِ لا استطيع تخطيه فارجوكي سامحيني.
لم تجيبه و التزمت الصمت و هي تتطلع الناحية الآخرى.. ملأ ملعقتها بالطعام و قربها من فمها قائلا برجاء قوى:
_ اسمحيلي انا اطعمك بيدي و لن يلبي اي شخص طلبا لكِ منذ الآن سوا انا يا غالية.
ازاحت يده من امام وجهها و قالت بحدة:
_ انا لا اريد منك شيئا و لا اريد رؤيتك حتي تعود حفيدى الذي افتقده منذ شهور.
عاد بالمعلقة للصينية و هو يقول بحزن:
_ لماذا لاتأكلين لقد ضعف جسدك؟!! علي الاقل من اجل خاطر آية عندك.
طالعته بشوق و همست قائلة:
_ آية!!
اومأ برأسه و قال مؤكدا:
_ نعم آية.. هل تريدين ان تراكي عند عودتها بضعفك و وهنك هذين و تغضب منكِ؟!
إنهمرت دموعها وقالت بشوق قاتل و مؤلم:
_ اشعر انني اموت من غيرها.. يا مروان يا ابني اعدها الي.. كما بعدتها اعدها لو تعلم اي شئ عنها فقط اخبرنا كي نرتاح الا تشفق علي حالتي؟
تركها وهو يبكى و دخل غرفة آية وأغلقها عليه فلقد أصبحت غرفته بعدما عادت سارة لشقتهم لمساعدة والدتها بعمل البيت و المطبخ في رمضان.. ظل يعبث بأشيائها وتطلع إلى صورهما معا و هو يطالع فرحتها و انطلاقها و نظراتها الهائمة اليه وقال بدموعه :
_ اشتقت اليكِ يا عمرى.. اين انتي يا آية؟! ارجوكي عودى لي.. عودى لنا جميعا و سأعمل جاهدا علي تعويضك عن كل شئ قاسيته و ستسامحينني لأنك تحبيني.. اخبريني كيف ساتابع ايامي بدونك يا حبيبتي كيف؟!
وإحتضن صورتهما معا ونام فى فراشها باكيا.. حتي غفا...

*******************
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي