الفصلالرابععشر

من درس نجا و من قصر دنا....
بدأت الاختبارات و المعسكرات الدراسية وابتعدت آية عن إيساف قدر إمكانها بحجة الامتحانات وهذا ما جعله غاضبا طوال الوقت و أفكاره تأخذه و تتقاذفه .. وما يطمئنه بعض الشئ أنه يراها فى الجامعه ....
توالت أيامهم و كان التوتر و القلق مصيب الجميع.. و كأنها إختبارات في الحياة.. و ما أدراكم ما إختباراتُ الحياة...
إنتهت الإختبارات اخيراً.. و خرجت الفتيات من مدرجهم و هم يزفرون براحة... فقالت لهم سارة بسعادة :
_ نحمد الله أننا إنتهينا أخيراً.
اجابتها غادة و هي تعبث بهاتفها بشرود :
_ رغم أننا مازلنا بالسنة الاولي لنا بالكلية و لكنها كانت طويلة جدا.
تنهدت آية بأسي و هي تحتضن دفاترها و زمت شفتيها قائلة بحزن:
_ سوف نشتاق لجمعنا هذا بالعطلة لقد تعودت عليكم.
أجابتها سارة ببديهية قائلة :
_ بإمكاننا ان نجتمع بأى مكان خارج الجامعة و بأي وقت فقط نتفق.
إقترب منهم مروان وسألهم بقلق :
_ ماذا فعلتم يا بنات هل كان الاختبار سهلاً عليكم؟!
أجابته سارة بثقة :
_ أحمد الله فأنا علي يقين من أنني سأحصل على تقدير جيد جداً بإذن الله.
إقترب مروان من غادة وغمز بعينه وقال لها مغازلا :
_ و أنتِ يا قمر علي يقين أيضاً مثلها.
ضحكت غادة ضحكة عالية.. فقال لها مروان بمزاح :
-  أموت أنا .
نظرت له آية بحزن.. وقد أصبحت علي يقين أنه لن يتغير فحبه للبنات من سمات شخصيته التى تكرهها و لن يغيرها...
اجابته غادة بنبرة لعوب :
_ أنا يقيني انني سأحصل على مقبول و هذا سيريحني للغاية.
إقترب منها مروان أكثر و قال بإبتسامه ذات مغزى :
_ مقبول لو يعلم انه يقينك لأراحكِ منذ زمن يا قمر.
ضحكت غادة مرة أخرى فصاحت بهم آية قائلة بغضب و هي تنصرف :
_ امامى يا سارة فانا أشعر بألم في رأسي.
تبعتها سارة وهى تنظر لمروان بإستياء و تهز رأسها بيأس.. فقالت لهما غادة مسرعة :
_ إنتظروني سآتي معكم.
إلتفتت إليها آية و قالت بغضب ساخر :
_ فلتبقى كي تتابعوا حديثكم سوياً و نحن سنغادر.
نظر لها مروان بهدوء وعلى ثغره إبتسامة خبيثة فهى حتي بغضبها أصبحت جميلة جدا.. و غيرتها عليه اجمل بكثير .

عادت آية لمنزلها وهى تشتاط غضبا .... دخلت غرفتها قذفت حقيبتها على الأرض وقالت بحنق موجهة حديثها لسارة :
_ اخيكِ هذا لا فائدة ترجو منه و لن يتغير مهما حدث.. كما يقولون ذيل الكلب.
إمتعض وجه سارة و قالت بغضب :
_ آية إنتبهي لحديثك فمن تتحدثين عنه هذا أخي الكبير و لا أقبل عليه الاهانة.
خلعت آية حجابها و قالت بإندفاع:
_ سارة من فضلك إتركيني بمفردى فأنا لا أرغب بالحديث.
رفعت سارة حاجبيها بصدمة و قالت بضيق:
_ كما تشائين يا آية.
و خرجت مسرعةً... أغمضت آية عيناها و إستندت على مكتبها بكلتا يديها و هى منكسة رأسها بحزن تاركة لعبراتها العنان...

•   * * * *


مع مرور الوقت دخلت آية فى حالة إكتئاب رغم نجاحها بتقدير جيد جدا ، ولكن نجاحها لم يخرجها من حالتها تلك .
لم يتركها إيساف وظل على حالته يهاتفها يومياً.. ولم يمل فشوقه لها يصيبه بالجنون رغم كل محاولاتها لإقناعه بالبعد عنها ورفضها الرد عليه ولكنه إستمر فى محاولاته حتى أجابته صاغرة .
رفعت الهاتف على أذنها وقالت بضيق :
-  ألو .
أجابها إيساف بعصبية :
-  آية ... أخيرا أجبتني ألم تشفقى عليٰ كنت أموت من قلقي عليكِ .
صمتت قليلاً ثم خرج صوتها باهت لا حياة فيه و هي تقول بترفق:
_ إيساف لقد طلبت منك أكثر من مرة أن تبتعد عني و ألا تهاتفني فقط إحترم رغبتي.
فقال لها بأسى :
_ ليتني أستطيع يا آية.. أنتِ تعلمين أنني أعشقكِ بجنون.
زفرت بضيق وقالت بجدية :
_ ارجوك هذا يكفي لا أريد أن أستمع لكلماتك تلك.
فقال لها بمرارة و قد تبعثرت أنفاسه بألم :
_ فعلت كل ما بوسعي كي تصدقيني.. تركت كل الفتيات اللاتي كنت أصادقها من أجلكِ أنتِ تغيرت كلياً من أجلكِ أنتِ.
أغمضت آية عيناها و هي تتعذب من صدق كلماته و قالت برجاء :
_ ارجوك يا إيساف لم أعد أحتمل ضغطك عليٰ أكثر من ذلك إتركني بحالي.
وصلها صوته و هو يرد عليها بقوة وإصرار :
_ أنا أعلم السبيل لتصديقكِ لي و سأبذل كل جهدى لأن تكوني لي.. كوني على ثقة من ذلك.
صاحت به آية بضيق :
_ انت لا تفهمني و أنا بحالة نفسية لا تسمح لي بإيذاءٌ نفسي أخر.. عامة إفعل ما شئت.. السلام عليك.
أغلقت هاتفها ونزعت منه بطاقة الاتصال وكسرتها وظلت تبكى و تبكي لأنها تحب من لا يحبها وتترك من يحبها بصدق....
زادت حالتها سوءا على حال إيساف الذى تعلق بها وهى السبب بذلك..
فرغم محاولات أهلها ومروان أيضا إلا أن ثقتها به قد إهتزت و سارت سراباً وفى كل من حولها أيضاً للأسف ..
قررت الإنعزال والعيش مع نفسها فقط حتى جدتها لاحظت إنطوائها لأنها كانت تغلق عليها غرفتها بالساعات .. و مهما حاولت كي تثنيها عن ذلك كانت كل محاولاتها تبوء بالفشل...
وقفت سارة تطالع شرودها بأسي فآية مرت بتلك الحالة و هي صغيرة حين تركها والدها و توفت والدتها.. فخشيت عليها أن يتطور الأمر ..
دلفت لغرفتها و إرتمت بجسدها على فراش آية و جذبتها من قميصها قائلة بمزاح:
_ آية لقد مللت بمفردى هلا أتيتِ معي لشقتنا فانا اريد أن أريكِ الأشياء الجديدة التي إشتريتها لأغيظكِ.
لم تلتفت ناحيتها و قالت ببرود:
_ لا أريد سوى أن أبقي بمفردى يا سارة.
جذبتها سارة من ذراعها و قالت بإصرار:
_ لن اترككِ.. و إن رفضتي و غلاوتك عندى يا آية لن أتحدث معكِ مجدداً.
وقفت آية بتثاقل و إرتدت إسدالها و قالت بحنق:
_ سآتي معكِ كي ترتاحي.
و صعدا لشقتها.. ما ان رأتها سهام امامها حتي إحتضنتها بسعادة.. بعدها دلفا لغرفة سارة...
عاد مروان لشقته فوجد والده ووالدته يتحدثون فاقترب منهم وقال بمكر عابث :
_ اعرف تلك الجلسة جيداً دائما ما تكون نتيجتها كارثة ما تتحدثون بها و ارجو ألا أكون أنا سببها.
أجابه رؤوف بحماس و هو يبتسم بسعادة قائلا :
_ معك حق و لكنها ليست كارثة كما قلت بل خبرٌ سعيد.
ضيقت سهام عيناها و قالت ببديهية و هي تناوله طبق الفاكهة :
_ ما رأيك يا رؤوف أن نسأل مروان عن هذا العريس ربما يعرفه فهو زميله بالجامعة.
قطب مروان حاجبه بعدم فهم و قال متعجبا :
_ عريس؟!! و زميلي.. أنا لا افهم شئ مما تقولون.
أشار له رؤوف بيده أن يجلس أمامه و قال بفرحة :
_ هناك شاب تقدم للخطبة من كليتك و والده غني جداً و له إسمه و عائلته ذات سيط واسع.. إسمه.. إيساف الزناتي.
إتسعت عيناه وسقطت مفاتيحه من يده و قال بدهشة :
_ من؟! إيساف.
صمت للحظات مستوعباً ما يقال أمامه ثم قال بنبرة عميقة سوداء :
_ لمن تقدم؟!
كانت سهام تطالعه بريبة من تصرفاته و لكنها أجابته بإبتسامة فرحة :
_ تقدم لخطبة آية.. أنا سعيدة جداً من أجلها فهي صبرت كثيراً و تحملت أكثر تعلم ان........ .
بتر مروان إسترسالها الذى صعقه وقال بغضب :
_ من المؤكد أننا لن نوافق أن نعطيها لشاب مثله.. مستحيل.
تطلع كلاً من رؤوف و سهام ببعضهما ليقول الأول بإندهاش جلي على ملامحه:
_ لماذا.. ما به يا مروان أخبرني من المؤكد أنك تعرفه جيداً.
جلس مروان بجواره و عيونه تشع ناراً من غضبه و قال بإشمئزاز:
_ إنه شاب مستهتر لا يهمه إلا صيد الفتيات و مصادقاتهن و يعتمد على أموال والده بكل شئ.
مطت سهام شفتيها بتبرم وقالت بسخرية ممصمة شفتيها :
_ مثلك هكذا... لا آراها مشكلة فأنت بيوم من الأيام ستخطب رغم موبيقاتك تلك اتحللها لنفسك و تحرمها عليه.
زفر مروان بضيق وقال مسرعاً :
_ أنتم لا تفهمون شيئاً.. و هي لن تتزوجه مهما حدث الأمر منتهي.
إستشف رؤوف غيرته بحديثه فإبتسم بمكر و سأله بفضول مصطنع :
_ ما لا أفهمه هو إصرارك الشديد ذاك على عدم الموافقة.. مروان..... هل هناك شئ تود قوله لنا؟!
هل سيخسرها.. ستذهب لغيره بتلك البساطة.. و غيره ما هو إلا إيساف غريمه.. لم يشعر مروان بنفسه و قال بصوت عالى :
-  لأنى أحب آية وأنا الذى سيتزوجها هل تسمعونني؟!
وهنا سمعوا شيئا يرتطم بالأرض إلتفتوا لمصدر الصوت ... وجدوا آية ممددة على الأرض ومغشى عليها .....
ركضت سارة ناحيتها و حملت رأسها على ساقيها وقالت بقلق :
_ آية.. لعنكِ الله.. إستيقظي يا فتاة لا تقلقيني عليكِ.
ركض مروان هو الآخر ناحيتها وقال بخوف و هو يطرق بأنامله على وجهها بصفعات خافتة كي ينبهها :
_ آية هل تسمعينني.. أجيبيني من فضلك.
ثم رفع رأسه ناحية سارة و سألها بتوجس:
_ ما بها يا سارة كي تسقط من طولها بهذا الشكل المقلق؟!
طالعته عابسة بعيناها و قالت بنفور:
_ بسببك أنت.. سمعتك تقول أنك تحبها و تريد الزواج منها لم تحتمل و سقطت هكذا كما ترى.
نثرت سهام قطرات من الماء على وجهها و مروان يتابع صفعه قائلا بإبتسامة متسعة:
_ آية.. أنتِ يا فتاة إستيقظى فأنا وربي أحبك كثيراً.. ناوليني عطر يا سارة بسرعة.
تركتها سارة و همت واقفة فحمل مروان رأسها على ساقيه وسهام و رؤوف يحاولون إفاقتها ولكن دون جدوى .
شممها مروان العطر فبدأت تململ في نومتها متأوهة.. مسدت ذراعها الذى آلمها من سقطتها تلك و بدأت تستفيق...
فتحت عيونها بتثاقل وقالت بتعجب :
_ أين أنا؟!
أجابها مروان بحب و هو يملس على رأسها :
_ أنتِ بحضني يا صغيرتي.
فضربه والده على ظهره قائلا بتحذير :
_ فلتحترم وجودنا يا عديم الأدب أنت.
أجابه مروان و هو يشدد على كل حرف قائلا بحنق :
_ أنا قُلت لكما أنني أحبها و سأتزوجها عندما تنتهي دراستي من فورى.
شهقت آية شهقة طويلة و هي تسمعه فما سمعته منذ قليل لم يكن أحد أحلامها الغبية.. فقالت له بدهشة :
_ أقسم أنك تقول الحق؟!
تعالت ضحكات مروان و قال مازحا :
_ الا ترون تلك الجميلة الواقعة بحبي.. نعم يا آية أنا اموت بكِ عشقاً لا أحبك فقط.
ذابت مع نظراته و انفاسه التى تقص لها رواية عشقه بسخونة لذيذة تداعب وجهها.. و هو مستمتع بتحديقها به لأول مرة فسابقاً لم يجد له سبب..
و الآن يبادلها إياه.. بنهم أكثر...
إستشفت سهام حديثهما الصامت فقالت بضيق و هي تجذب آية لتجلس :
_ إبتعد عنها يا غراب أنت.. إنهضي يا آية هيا.
أجلستها على مقعد قريب.. و ناولتها سارة كوباً من الماء شربت منه رشفة بسيطة ولملمت أعصابها وهمت واقفة وقالت بخجل :
_ أنا سأعود لجدتي.. بعد إذنكم.
و إبتعدت و هي تتعثر بإسدالها الطويل.. تبعها مروان فقال له والده بجدية :
_ إلى أين يا باش مهندس.
رفع مروان حاجبيه وعاد إليه وهو يقول بصوت ساخر :
_ نعم يا بابا الحاج.. أعني يا الله.
ضحكت سهام على مزحته فقال لها رؤوف بنظرات تحذيرية :
_ اصمتي لو سمحتِ.. تعال يا سبب تعبي بهذه الحياة اعد ما قلته كي أستمع بوضوح.
أجابه مروان بقوة و هو يطالعه بثبات :
_ قلت انني أحبها و سأتزوجها.. هل بها شيئاً جملتي؟!
فقال له رؤوف بملامح مندهشة :
_ أنت جاد بما تقوله؟!
صفع مروان كفيه ببعضهما و قال بتذمر:
_نعم و ربي جاد.. لماذا لا تصدقونني؟!
فسألته سهام ببديهية :
_ هل ستترك الفتيات اللاتي تصادقهن من أجلها.
أومأ برأسه و قال بجدية:
_ لقد أنهيتُ كل علاقاتي السابقة من فترة و تبت إلى الله.. سأذهب لأتحدث مع آية قليلاً.
أوقفه رؤوف قائلا بصرامة قاطعة:
_ لا يا حبيبي بعد ما قلته.. لا يجوز ان تخطلتا ببعض كما السابق من دون وجود أمك أو أختك معكما.
زم مروان شفتيه بتبرم وجلس بجواره قائلا:
_ أنا ما فعلت هذا بنفسي.. حسناً يا أبي أيوجد قواعد آخرى جديدة؟!
فسألته سهام و هي تجلس بجواره و السعادة مرتسمة على محياها بشدة :
_ و متي ستخطبها؟!
أجابها و هو يلتفت بجسده ناحيتها قائلا بحماس:
_ من المؤكد في أقرب وقت.. أنا عندى شقتي التي فوقكم و جاهزة للفرش.. و الباقي سأشتريه من تلك الأموال التي أودعها بالبنك منذ سنوات.
فقال له رؤوف مازحا و هو يصفعه على ظهره مجدداً :
_ منذ متى و أنت تدخر قرشاً واحداً.. إنها أموالي أنا.
إلتفت مروان ناحيته و هو يمسد ظهره غامزاً له بعينه و يقول ببساطة:
_ و هل هناك فرق بيني وبينك و أنت وضعتهم من أجل زواجي و ها أنا سأتزوج و إعتبرهم ديناً عليٰ سأرده عندما أعمل بشهادتي.
قالت له سهام مؤكده بفرحة :
_ وعملك ينتظرك و الحمد لله لن تتعب بشئ يا بني.
نظر لها رؤوف شرزاً وقال بجدية :
_ سهام ما بك؟ هل ستعومين على عومه أنتِ الأخرى؟!
فقال له مروان بضيق وهو ينتصب في وقفته قائلا:
_ اقسم لك يا أبي أنني أتحدث بجدية و انني أحبها.. فقط سألبسها خاتمي أمام الجميع بحفل خطبة كي لا يتقدم لها أحد مرة أخرى.
فكر رؤوف قليلاً ثم سأله ببديهية:
_ ذكرتني.. بمناسبة التقدم ماذا سنقول لإيساف ذاك الذي تقدم قبلك لخطبتها.
إبتسم مروان بخبث وقال بنبرة حادة :
_ إترك ذلك الأمر علي.. إنه صديقي و أنا سأُحلها بطريقتي.
كل هذا و سارة جالسة معهم تتابع حوارهم بصمت هادئ.. تعلم أخاها جيداً و تعلم آية جيداً و ترى المستقبل بينهما بوضوح...
تمتمت بخفوت قائلة:
_ جل ما أرجوه منك يا ربِ أن تكذب حدسي.


طلب مروان من سارة أن ترافقه لعند آية كما إشترط والده عليه و وافقت..
بالأسفل طرق مروان الباب و إنتظرها حتي فتحت له طالعها بقوة و هو يسألها بغضب حذر:
_ آية لآخر مرة سأسألكِ.. هل هناك علاقة بينكِ و بين إيساف؟!
إبتلعت ريقها وقالت بتوتر وهي تعدل من وضع حجابها بإرتباك :
_ لا.. لا يوجد شيئا بيننا.
فسألها مجدداً بشك :
_ لماذا غيرتي بطاقة إتصال هاتفكِ إذا؟!
ردت بتلعثم من خوفها :
_ لأنني عندما كنت أضع بطاقة التخزين اضعت بطاقة الاتصال و لم أجدها فإشتريت أخرى جديدة.
فقال لها مروان بقلق :
_ سأصدقكِ رغم شكي يا آية.
إبتسمت له بإمتنان.. فطاف على ملامحها البريئة و هو يتأملها بحب.. و أخيراً تحقق حلمه و أصبحت تلك الوردة البيضاء ملكه..
أما هي فكانت تتلقف نظراته برضا نفسٍ تعذبت كثيراً حتى وصلت لتلك المرحلة و ها هي تقف الآن أمامه و هو يطالعها بحب كما كانت تفعل هي سابقاً...
وزعت سارة انظارها بينهما ثم رفعت عيناها بملل و قالت بغضب مفتعل :
_ اشعر اننى قدم مقعد تقف بينكما.. فلتنتبهوا لوجودى قليلاً و تحترما أنفسكما.
نظر لها مروان بضيق من قطعها لحالة الحب تلك... فأردفت قائلة بجدية :
_ فلتذهب لمشوارك انا قدماي باتت تؤلمنى من الوقوف بينكما و نحن فقط بالبداية و القادم كثيراً على ما أظن.
صفعها على مؤخرة رأسها و هو يوبخها قائلا بصياح حانق:
_ و ما الذى تريدينه منا يا سخيفة لتقفي هكذا؟!
تأوهت من صفعته.. بينما غمز هو لآية بعينه و تركهما و إنصرف و هو يشعر بنشوة متخيلاً شكل إيساف.. غريمه.. و هو يخبره بأمر رفضه و قبوله هو....


•   * * * * * *
تقضي عمرك كله على قناعة لأمر ما حتى يأتي شخص و يدمر تلك القناعة بمنتهي البساطة..
و أي شخص.. فهي بالنهاية تشبه أوراق الشجر ناعمة و رقيقة و بأول خريف لها جاهزة للسقوط بمنتهي الضعف...
كانت رائحة عطرها تغزو أنفه و كيانه كله و كأنه لأول مرة يتنفس و يستمتع بلذة انفاسه تلك.. ملمس شعراتها على وجهه له شأن خاص لم يرى بحياته شعرات كستنائية شديدة اللمعة كشعراتها.. بالبداية ظن أنه مجرد لون قد صبغت به شعراتها حتي سألها بيوم و أخبرته أن أمها كانت كذلك و هي قد ورثت شعراتها منها....
ألا يكفي كل هذا ليدخل بعالمها السحرى.. لا فبقاؤها مستندة على صدره بظهرها هكذا فترة أطول سيطيح به لمنطقة يخشاها...
مد ذراعها أمامها أكثر و هو يقول بهمس خافت:
_ تطَلعي من تلك الفتحة الصغيرة و صوبيها على أسفل الزجاجة قبل ان تطلقي رصاصتك كوني ثابتة و واثقة.
رفعت راما عينيها بملل عن أى ثقة و ثبات يتحدث و هي تستمتع بضمته لها و فقط..
كانت تخطأ بكل مرة التصويب كي يحاوطها بذراعيه و تستمتع بقربه لهذا الحد...
ضيقت عيناها و كالعادة بإبتسامة ماكرة اخطأت الهدف.
تركها غنام و هو يخبط ساقيه بذراعيه ممتعضاً.. فإلتفتت إليه راما و سألته بفضول:
_ ألن تخبرني من أين لك بهذا السلاح يا غنام.
ملس غنام على شعرات ذقنه و قال ببديهية:
_ من المؤكد أنني لن اخبرك.. و لكن منذ كشفتي لي السر وراء وجودك هنا و عن الخطر الذى يحيطك و أنا اخشي عليك و أريدك أن تتعلمي الدفاع عن نفسك.
هزت كتفيها و قالت وهي تطالعه بثقة:
_ و لكنك بجوارى دائماً فلماذا تخشى عليٰ؟!
وضع غنام كفيه بجيبي بنطاله و قال بهدوء:
_ و لكنني لا أكون بجوارك دائماً.. اخشى أن يصيبك مكروه و أنا لستُ بجوارك.
إقتربت منه راما و هي تتعمق بعينيه و سألته بمكر:
_ و لم تخشى عليٰ لهذا الحد يا غنام؟!
تصنع التفكير و هو يستند بظهره على سيارتها و قال ببساطة:
_ تعودت على ذلك فصداقتنا قد قاربت على العام حالياً و من واجبي كصديق ان أحافظ عليكِ .. أليس كذلك؟!
تبلدت ملامحها و هي تطالعه بخيبة أمل.. بعد كل هذا الوقت و نظراته التي ليس لها تفسير سوى أنه عشقها.. و تلك اللوحات التي اصبحت تحيطها بكل مكان ببيتها لوجهه و هو مازال على عناده و يراها صديقته...
إبتلعت ريقها بثبات و قالت له بحدة:
_ و أنا لا أريد حمايتك لي فأنا قادرة على حماية نفسي.
يستطيع تفسير كل حركة و إيماءة و نفس يخرج منها.. حتي صمتها يترجمه بسهولة.. فهو لم يقل لها سابقاً أنه بات يخشى عليها حتى من نفسه..
ببرود متمرس أجابها:
_ ثقتك بنفسك تزداد و هذا ما أريده و ما عملتُ عليه كل هذه الفترة الطويلة بيننا.. أريد منك أن تصبحي قوية و غير قابلة للخدش و ليس الكسر.
قبضت على المسدس بشدة و هي تقول له بقوة إنبعثت من عيناها:
_ صدقني يا غنام أنا لا أجد حولي ما يستحق أن أُخدش من أجله سوى والدى.
لم تغفل على رمشة عينيه السريعة و تحرك حلقه و صدمته المخفية من حديثها.. ساد الصمت بينهما لثواني و هو يطالعها بنظرات غريبة لم تلاحظها عليه من قبل..
نظرات الألم...
لعق شفتيه اللاتي قد جفتا من آثر كلماتها القاسية و قال بإبتسامة خافتة:
_ أحسنتِ يا راما هكذا أريدك دائماً.
إحتدت نظراتها و صاحت به بعصبية هادرة:
_ أنا كذلك لأنني أريد ذلك.. و ليس لأنك تريده هل فهمت؟!
إعتدل في وقفته و تقدم نحوها و هو يقول بعقلانية بعدما لاحظ إنفعالها و تسلل القلق لقلبه عليها:
_ حسناً أنتِ على صواب و لن أجادلك.. فمن أنا بالنهاية لأريد أو لا أريد أى شئ له علاقة بكِ.
رفع ذراعها و قال بجدية:
_ لنكمل تدريبنا.
دفعت ذراعه و قالت بنظرات تحدى حازمة:
_ حتى تدريبك لم أعد بحاجة إليه.
و إلتفتت مسرعة و مدت ذراعها و ضيقت عيناها متطلعة بفتحة سلاحها و تركت لطلقتها العنان لتقطع المسافة و تصيب الزجاجة بمنتصفها و تحولها لقطع متناثرة....
عادت بعينيها إليه و بها كل القسوة و الحنق و أردفت حديثها قائلة بسخرية:
_ أرأيت.... ياااا صديقي.
سارت نحوه و رفعت كفه و وضعت به السلاح و طالعته مطولاً بنظرات مشتعلة و تركته و عادت لسيارتها.. قادتها مسرعة و إبتعدت و هو مازال واقفاً يتابع إنصرافها بصدمة...
أغمض غنام عينيه و سحب نفساً طويلا وهو يتحكم في ضعفه و الذي لا يسمح له بالطفو أو الظهور أمامها...
و ذلك لمصلحتها حتى لو لم تدرك هي ذلك.....

•   * * * * *

دلف مروان للمقهي الذي يعلم أن إيساف دائم السهر به.. سأل النادل فقال له أنه سوف يأتى خلال ساعه ، ظل ينتظره على نار حتى رأه يدخل و معه كريم فوقف بهدوء ...
رآه إيساف واقفاً يطالعه و كأنه ينتظره إبتعد كريم عنهما وجلس على طاولة أخرى بعيدة، فاقترب منه إيساف وقال بإبتسامة واثقة :
_ بما أنك هنا إذا فطلبي قد وصلكم أليس كذلك؟!
أومأ مروان برأسه و قال بإبتسامة هادئة :
_ نعم لقد وصلنا طلبك كما قلت و أنا قد أتيت بالرد إليك.
فقال له إيساف بهدوء و هو يشير له بيده :
_ تفضل بالجلوس هل سنتحدث و نحن واقفون؟!
جلس مروان مكانه ونظر له بثقة حتي جلس إيساف هو الآخر وقال بجدية قاطعة :
-  طلبك مرفوض يا إيساف .
صعق إيساف مما سمعه وإبتلع ريقه بصعوبه وقال بتلعثم:
_ لماذا رفضتموني فأنتم لم تأخذوا الوقت الكافي لتفكروا على الأقل؟!
أجابه مروان بخبث و هو يبتسم بإنتشاء من حالته المنهارة :
_ عمن تتحدث؟!.. فأنا هو من رفضك و أنا من يخبرك الآن.
إحتدت نظرات إيساف من نظراته الشامتة به و هدر به بصياح غاضب:
_ وما شأنك أنت أنا لا افهم اتعتبر نفسك ولي أمرها؟!
طالعه مروان بحدة من صياحه وقال ببرود :
_ ما تفعله الآن لا يصح عندما تتحدث معي تخفض من صوتك.. و عامة أنا من رفضك لأنه ببديهية و ببساطة هي خطيبتي أنا و حبيبتي أنا.. هل عرفت ما شأني بها؟
قهقه إيساف ضاحكاً بسخرية و هو يقول :
_ منذ متي؟!! فأنت حتى الأمس تحب رقية و هبة و نسمة و إلخ من قائمة فتياتك.. شعرت بحبك الكبير هذا لآية فجأة.
إبتسم مروان إبتسامة متسعة وقال له ليزيد من حنقه :
_ هذه أمورى الشخصية و لا شأن لك بها.
طالعه إيساف بنظرة تحدى بعدما إشتعل من غضبه وقال بشراسة :
_ ولكنني لن أتركها لك.. لن أتركها لك يا مروان.
ضحك مروان ضحكة عالية وقال و هو يقف منتصباً و يطالعه بإزدراء :
_ أعلى ما في خيلك إركبه.. مع السلامة يا... عريس.
تركه مروان وخرج ونيران الغيرة تأكله ، إقترب منه كريم وقال له بضيق :
_ ما بك يا إيساف؟! هل ضايقك بشئ ما؟
ضرب إيساف الطاولة بيده وقال بغضب من بين أسنانه:
_ سيأخد آية مني يا كريم.. أنا أعلمه جيداً إنه لا يفكر سوى بنفسه و لن يحبها كما أحبها أنا.. و لكنني لن أتركها له و لو كان عقابه مني أنني سأقتل فرحته بها بأي شكل.
ضيق كريم عينيه و سأله بقلق:
_ ماذا ستفعل يا إيساف اخشي عليك من نفسك؟!
كان يطالع اللاشئ بنبرات ثاقبة و هو يتوعده بشدة .....
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي