الفصل السابع

كلما تعمق بعمله إنشغل باله قليلاً عن الصدمات السائدة بين أمه و چيلان.. الأمور بينهما لم و لن تلتقي عند نقطة واحدة و كلما مرت الأيام تأكد حدسه بأن الأمر بات صعباً للغاية...

إنتبه على طرقات علي باب مكتبه فرفع رأسه و قال:

_ تفضل.

دلف آسر لمكتبه مبتسماً و قال بمزاح:

_ زوما القناص.

وقف حازم مسرعا و لف حول مكتبه و ضمه إليه و قال بشوق:

_ إشتقت إليك كثيراً يا آسر و أخيراً إنتهت مهمتك.

ربت آسر على ظهره و قال براحة:

_ نعم و إنتهت المهمة بنجاح و الفضل للتحريات الدقيقة التي قدمتها للقادة يا حازم.

إبتعد عنه حازم و أشار له بالجلوس و هو يسأله بتلهف:

_ هل تعلم شيئاً عن زيد فأنا لم أعرف شيئاً عنه منذ شهر تقريباً.

جلس آسر و هو يقول ببديهية:

_ من المؤكد أنه قد كلف بمهمة هو الآخر و إلا ما إختفي هكذا أرجو من الله أن يعود سالماً.

إلتف حازم حول مكتبه و جلس على مقعده قائلاً:

_ تعلم أنا أريده تلك الأيام و بشدة لأن في خفة ظله و إحتوائه لنا ما ينسينا همومنا بتلك الحياة.

زم آسر شفتيه و هز رأسه بتفهم و هو يقول:

_ من جديد چيلان و أمك هكذا الأمر.

التقط حازم قلمه و أخذ يدور به بين أنامله و هو يجيبه بشرود:

_ لم أستطع حتى الآن تقريب المسافات بينهن الأمر بات مرهقا لي و لا تشعرن إحداهن بي و بالدوامة التي تسحبني مشاكلهن بها.

رد عليه آسر بإبتسامة خافتة:

_ هكذا الحال السائد بين أي حماة و زوجة إبنها.

ثم أردف قائلا بتلهف و نظرات زائغة:

_ كيف حال والدتك و سجدة و........ ومريم.

فطن حازم لما يدور برأسه فقال و هو يطالعه بإشفاق:

_ الجميع بخير حمدا لله.

اجابه آسر بخفوت:

_ الحمد لله.

إستند حازم على ضهر مقعده بضهره و هو يطالع شروده و الذي يعلم سببه جيداً.. فآسر يعشق مريم أخت حازم و هي تهتم بدراستها و أبحاثها و مشاريعها المستقبلية أكثر من أي شئ و رفضت الإرتباط بآسر و بغيره...

حالة صديقه لم تكن أفضل حالا منه تطلع من شرفة مكتبه و هو يقول بنفسه:

_ أين أنت الآن يا زيد؟!

...........................................................................

.................



بعد يومٍ طويلٍ شاق أخذ حماستهن و إنبهارهن و بضربهم بعرض الحائط أنهت الفتاتين يومهما كالتائهتين فى متاهة كبيرة لها أول و ليس لها آخر فقالت سارة بإنهاك :

_ دعينا نبحث عن كافيتريا لنجلس بها كي نتناول فطورنا فأنا أحتاج كوباً من الشاي حالا رأسي يؤلمنى من الصداع.

آجابتها آية بتعب :

_ أتمني فقدماى باتت تؤلمني.

ذهبوا إلى الكافتيريا بعد سؤال أحد زميلاتهم ، جلسوا على طاولة فأخرجت آية شطائرها المعدة بالمنزل لتجد مروان من خلفها يقول بسخرية :

_ ماذا تفعلين يا بلهاء أتظنين نفسك مازلتي بالمدرسة و أحضرتي معكِ شطائرك.. و عندما أقول عليك صغيرتي تزمين فمكِ هكذا و تعترضين.

أومات سارة برأسها وقالت مؤكدة :

_ مروان معه حق يا آية فهنا يمكنك شراء أي شئ.

لم تكترث لسخريتهم عليها و ردت ببرود :

_ أنا لا أتناول طعاماً من خارج المنزل أحضروا أنتما شيئاً لتتناولوه و أنا سآكل شطائرى و لن أعطيكما منها واحداً.

فقال مروان مبتسما وهو يستمتع بطفولتها البريئة :

_ ستظلين حياتك كلها صغيرة و لن تنضجي أبدا.



تركهم وذهب وعيونها تأبى أن تتركه ، و كيف لها الفكاك من إتباعه و هو أمر قاطع من قلبها و عقلها.. تلعن بؤسهما و ضعفهما و لكنها تتبعهما ببلاهة.. تناولت فطورها هى وسارة ...

و بعد قليل ذهبت سارة لإحضار كوبين من الشاى لهما ...

جلست آية بمفردها تتطلع حولها ليقف أمامها شاب طويل يبدو من هيأته كأنه أحد لاعبى الكرة فى قصة شعره العصرية حتى ذقنه المهندمة بدقة و ملابسه الرائعة.. تطلعت له ولوسامته وأطرقت رأسها هاربة من نظراته الجريئة ..

إقترب منها أكثر وقال مرحباً :

-  مرحبا .. أنا إيساف .

نظرت له آية بتعجب وقالت ببديهية :

_ و ماذا إذاً؟!

ضحك ضحكة زادته وسامة وقال بهدوء يليق به :

_ و لا شئ فقط أردت التعرف عليكي.

رفعت حاجبها بغرور وردت عليه بنبرة قاطعة :

_ و أنا لا أريد.

دنا منها قليلاً و هو يسألها سابراً لأغوارها بنظراته العميقة الجذابة:

_ لماذا؟! علي الأقل عرفيني بإسمك.

فقالت وهي تطالعه بغضب :

_ و أنا لا أريد فإبتعد و إبحث عن غيري لتتعرف عليها.

تعمق بعينيها البنية أكثر و قال بثقة :

_ و أنا لا أريد سواكي.

نظرت له آية شرزاً من وقاحته وقالت بحدة :

_ هل جننت!! تفضل و إمشي من أمامي الآن افضلُ لك.

عادت سارة تحمل بيدها كوبين من الورق بهما الشاي تطلعت نحو آية بتعجب و هي تتسائل بداخلها عن هذا الذى يقف أمامها وضعت الاكواب على الطاولة و هي تطالعهما بدهشة وقالت :

_ من أنت، و ماذا تريد منها؟!

طالعها إيساف بنظرة جانبية و عاد بعينيه لآية.. فتابعت سارة قائلة:

_ هل تعرفين هذا الشخص يا آية.

إبتسم إيساف إبتسامة نصر وقال بمداعبة :

_ آية!! يلائمك هذا الإسم فأنتِ آية من آيات الجمال.

فقالت سارة بنبرة ساخرة :

_ هل تظن أنك ظريفاً.. لو سمحت أرنا جمال خطوتك و إبتعد عنا.

إقترب مروان و هو يصك أسنانه بغضب حتى وقف يتطلع إليهم بحدة وقال بضيق :

_ إيساف!! لماذا تضايقهما؟!

إلتفت إليه إيساف برأسه وقال متعجبا :

_ و ما دخلك أنت يا مروان.. أنا فقط أتعرف عليها.

رفع مروان حاجبه بإستنكار و هو يقول بقوة:

_ لا هاتين الإثنتان هما كل دخلي.. إنهن إخوتى.

نظر إيساف لآية بإعجاب و تنهد قائلا:

_ كم أنت محظوظ.

زفر مروان بنفاذ صبر و هو يقول بتحذير :

_ إيساف إبتعد عنى الآن فأنا لا أريد أن افقد صبري عليك أكثر.. اليوم هو أول يوم لنا بالجامعة و لا أريد أن نبتدأها بمشاكل.

نظر إيساف لآية نظرة أخيرة و طالع مروان بنظرات تحدى و إرتدى نظراته الشمسية ومضى ، فسألهما مروان بقلق :

_ هل تعرض لإحداكن؟!

اجابته سارة بتلقائية :

_ كان يغازل آية و يريد التعرف عليها.

رفع مروان حاجبه متعجبا وقال بصياح :

_ من؟! آية!!! و لكن كيف؟!

فقالت له سارة بغضب و هي تجلس بجوار آية التي ترتشف مشروبها بلامبالاة :

_ و لم العجب فآية كالقمر و جمالها يلحظه أى أعمي و هو معه حق صراحةً.

فقالت لهما آية ببراءة :

_ و لكنني لم أسكت له فقط أعطيته فوق رأسه و لم أخشاه.

شرد مروان قليلا و قال بتفكير :

_ إنهضوا و غادوا إلي البيت حالا.

وقفت آية على الفور و قالت بنبرة حاسمة و هي تلمم أشيائها :

_ حسناً... هيا يا سارة .

زفرت سارة بضيق وقالت بحنق من إنصياع آية الدائم لأى أمر من مروان :

_ تفضلي امامي يا مطيعة هانم.

جلس مروان مكانهما يفكر بغضب من تصرف إيساف فهو يعرفه جيدا يصطاد فريسته لكل عام أول يوم دراسه .... ويجب أن تكون من المستجدين كما يفعل مروان أيضاً فهما الإثنان أوسم شابان فى الجامعة ودائما ما يتنافسون على الفتيات وهو الآن متأكد أن آية أصبحت فى حساباته ... إن لم تكن الأهم.



جلس إيساف مع أصدقائه وقال بشغف :

_ لم أرى بحياتي فتاة بجمالها.. فريدة و مميزة بشكل جذاب عيونها السوداء الساحرة بلمعتها و جسدها المرسوم بدقة.. تشتهيها الأنفس قبل العيون.

فقال له كريم صديقه محذرا إياه :

_ أعرفك جيداً و أعرف أنك إذا وضعتها برأسك لن تخرجها إلا إذا ملكتها.. و لكن هل تستطيع مواجهة مروان حينها.

لمعت عيني إيساف و هو يقول بتنهيدة حارة:

_ مروان يعلمني جيدا و ربما أكثر منك و تلك الفتاة أصبحت ملكي من اليوم و بأي طريقة.

زم كريم شفتيه و قال بقلق نافساً معه دخان سيجارته :

-  ربنا يستر .



......................................................................

...................



عادت الفتيات للمنزل مرهقتان و عقل آية يفكر و يفكر دون توقف.. هل أعجبت ذلك الشاب حقاً.. لقد كان وسيماً و جميلاً بشكل ملفت و لكن ما الملفت فيها هي كي يستثنيها عن باقي بنات الجامعة.. إذا فهي جميلة و جذابة و بإستطاعتها جذب أي شاب لها.. و لكن مروان لا يراها من الأساس كي تجذبه...



إستقبلتهم سهام علي الدرج وقالت بفضول :

_ حمداً لله علي سلامتكن.

دلفتا الفتاتين إلى الشقة و إستلقيتا على أقرب أريكة بإنهاك.. فأرفت سهام قائلة بقلق:

_ أخبراني ماذا فعلتما اليوم؟!

أجابتها سارة بسخط و هي تخلع حجابها :

_ يا أمي يا حبيبتي هل تعتقدين أننا مازلنا بالمدرسة.. أخرج لك دفاتر الواجب المنزلي لتراجعيه.

أسرعت آية قائلة بإبتسامة حانية و هي تخلع سترتها :

_ إتركيها في حالها يا خالتي لقد كان يوماً شاقاً و متعباً حتى إعتدنا الأجواء و أنهينا محاضراتنا و فهمنا ما يدور حولنا.

ثم وقفت و سارت حتى جدتها و قالت بشوق:

_ جدتي حبيبتي إشتقت إليكِ كثيراً.

و إحتضنتها فبادلتها الجدة ضمتها و قالت بإشفاق:

_ و أنتِ أيضاً حبيبتي.. تبدين منهكة لقد أعدت خالتك الغداء إغتسلى و بدلي ملابسك و تناولى غذائك و إستلقي قليلاً.

إبتعدت عنها آية قليلاً و قالت بإنصياع:

_ حسناً فأنا بأشد الحاجة لأن أستلقي ساعتين.. كل عظمة بجسدى تستغيث بوزير الصحة.

إقتربت منهما سارة و قالت و هي ترتدى حقيبة يدها:

_ و أنا أيضاً أحتاج لأن أغتسل بمياه ساخنة و أتناول عشائي و غذائي وجبة واحدة و أنام حتى الصباح.

ضحكت سهام علي هياتها المذرية و قالت بمزاح ساخر:

_ أنصحك بعدم تناول أى وجبات توفيراً و نامي خفيفة.

حكت سارة فروة رأسها و سألتها بفضول:

_ هذا يتوقف على نوع الأكل المطهو اليوم.. فماذا سنأكل؟!

أجابتها سهام مسرعةً:

_ لا تقلقي طهيت لكم اليوم دجاج.

تنهدت سارة براحة و قالت:

_ الحمد لله خشيت أن يكون سمكاً.. سأسبقكِ للأعلي يا أمى، تصبحون على خير مبكراً.

تعالت ضحكاتهم على حالتها و آية مازلت شاردة و شعور من الثقة و الإنتشاء يتملكها و يزيد من لمعة عيناها.. تعلم أنها لن تتعلق سوى بمروان و قلبها أولاً و آخراً معه.. و مع ذلك هي الآن بأسعد أوقاتها لأنها و لثانية شعرت بغيرته عليها..



.................................................................

............



كان يقود سيارته و هو تتقاذفه أفكاره ما بين أن يبدأ و يصالحها هو أو أن يتركها كي تشعر بغلطتها و تجاوزها معه.. و لكنه يعلمها جيداً لن تتنازل و تكلمه و تعتذر.. فأدار مقود سيارته و إتجه نحو بيتها مسرعاً..



دلف حازم بسيارته لحديقة ذلك القصر الكبير و صفها أمامه و ترجل من السيارة و صعد الدرجات الرخامية و ضغط زر الباب و إنتظر قليلاً حتى فتحت له الباب أحد العاملات بالبيت و قالت بإبتسامة ودودة:

_ تفضل يا حازم باشا تفضل.

دلف للداخل و هو يتطلع حوله و سألها ببديهية:

_ عمى غريب موجود الآن أليس كذلك؟!

أومأت برأسها و قالت مؤكدةً:

_ نعم إنه بغرفة مكتبه.. تفضل بالجلوس و سأخبره حالا.

جلس على أحد الأرائك حتى خرج له رجل في عقده الخامس ودوداً يبتسم بهدوء و إقترب منه و صافحه قائلا:

_ أهلا يا حازم كيف حالك.

وقف حازم منتفضاً و صافحه مجيباً بإبتسامة خفيفة:

_ انا بخير يا عمي.. آسف على زيارتي المفاجأة و لكن چيلان لا تجيب هاتفها فقررت أن آتي لمقابلتها.

ضيق فؤاد عينيه و قال:

_ و لكنها بالخارج ستسهر الليلة مع أصدقائها.

وقف حازم أمامه مشدوهاً لا يصدق ما قاله.. كان يعتقد أنها الآن حزينة و تنتظره لأن يصالحها و ها هي بلامبالاة تستمتع بوقتها مع رفقائها دون الإعتبار لأخذ إذنه على الأقل..

أومأ حازم برأسه و قال بملامح متجهمة:

_ حسناً.. أستأذنك فقد تأخرت على والدتي.

طالع فؤاد ساعة معصمه و قال متعجباً:

_ مازال الوقت مبكراً فالساعة لم تصل للحادية عشر.

إبتسم حازم بسخرية و اجابه بتعقل:

_ انت تعرف طبيعة عملي يجب علي الاستيقاظ عند السادسة صباحاً.. أستأذنك بالإنصراف.

اجابه فؤاد قائلا:

_ لا تتأخر عليٰ بالسؤال يا حازم أنت تعلم غلاوتك عندى.

أومأ له حازم برأسه و هو يكظم غضبه قائلا:

_ متبادلة.. السلام عليكم.

_وعليكم السلام.

خرج مسرعاً و هو يلعن عقله البائس و قلبه الضعيف لقدومه إليها و هي لا تعير مشاعره أي إهتمام...



...............................................................



فى اليوم التالى ذهبت آية وسارة للكلية بمفردهما بعدما رغبت آية بذلك فهي لم تنتوى أن تراه مع غيرها مجدداً.. بما أنه لايراعي وجودها فلتبقي علي ما تبقى من أعصابها....

قالت سارة وهى تتطلع لساعتها براحة :

_ حمداً لله أننا وصلنا مبكراً.. أمامنا نصف ساعة عن أول محاضرة.

أجابتها آية وهى تطلع حولها باحثة عن مكان ليجلسان عليه :

_ حسناً فلنجلس هناك بهذا المقعد الفارغ.

جلسوا قليلا وأخذهم الحديث فوجدوا إيساف يقف أمامهما مبتسماً بود و يطالع آية بشوق.. عدلت آية من حجابها بخجل و هي تطالع سارة أن تتصرف هي...

إبتسم إيساف لآية وقال بصوتٍ حانِ :

_صباح الخير يا آية.. كيف حالك؟!

فقالت له آية بتعجب و هي تتصنع القوة :

_ أنت ثانيةً.. لا فائدة منك.. إذا سمحت إتركني بحالي أهذا صعب عليك؟!

ربتت سارة على كفها لتطمأنها و قالت بهدوء :

_ إبتعد عنا يا إبن الناس فنحن مختلفون عن نوعية البنات التي تعرفها و تعبث معها.

تطلع إيساف بآية بهيام متجاهلا سارة و حديثها و هو يقول :

_انا فقط أريد أن نصبح أصدقاء.

فقالت له سارة بضيق وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها بتحدى :

_ أولا نحن لا نقبل صدقات احد.. ثانياً أنا لست زميل لنا بقسمنا.. فإبتعد أفضل لك فقد ضاق صدرى منك.

تطلع ناحية سارة بغضب ثم وجه حديثه لآية مجدداً وقال :

_ أراكِ وقتاً آخر يا آية.

إبتسم إليها و هو يطوف على وجهها وإرتدى نظارته الشمسية ومضى ، فقالت "سارة" بتنهيدة حارة :

_ يا إلهي إنه قمر و ساحر .. كيف جذبتيه إليكِ يا داهية.

فقالت لها آية ساخرة :

_ جذبت من؟!! إن دمه ثقيل.

إتسعت عيني سارة و قالت بصياح:

_دمه ثقيل!!! يا غبية إنه كما يقول مروان دائما، اموت أنا.

تنهدت آية فور سماع إسم مروان و تطلعت أمامها بشرود حالم.. لاحظتها سارة فمطت شفتيها بتبرم وقالت :

_ لنذهب للمحاضرة أفضل.. هيا.

ظلا هكذا لفترة و إيساف لا يترك أى فرصة لمخاطبة

آية التى تعلق بها جدا ... فلم تصده فتاه مثلما فعلت هي.....



........................................................................

..............





كعادتها كل يوم صباحاً تجمع أدواتها و تجهز نفسها لتذهب لقناة السويس لمباشرة رسوماتها التي كانت من أجمل ما رسمت.. و لسبب جديد عليها أيضاً.. فهي لا تذهب بمفردها و لكن صداقة غريبة قد نشأت بينها و بين غنام...

إبتسمت راما بخفوت و هي تتذكر أول يوم ذهب معها لأنه خشي أن تذهب إلي هناك بمفردها.. و عرض عليها أن يصطحبها لهناك و منذ ذلك اليوم و هو لا يتركها بل توطدت صداقتهم و أصبحا يخرجان سوياً للتنزه بأوقات فراغهما..

لم ترتبط بأحد هكذا منذ زمن فهى آثرت وحدتها و فقط..

هبطت الدرج وتوجهت ناحية سيارتها فوجدته جالساً على مقدمتها ببنطاله المهترئ و سترته الرياضية و حذائه الرياضي شارداً بالبعيد...

دقات قلبها تلك تتمرد عليها بشكل مقلق.. و شعور الآمان و الفرحة المرتبطين برؤيته يؤرقوها مما تخشى منه أى فتاة...

ما أن رآها تتقدم نحوه حتي قفز على ساقيه و تقدم ناحيتها و حمل عنها اشيائها و هو يقول بمرح:

_ هناك غرامة تأخير ستقع عليكِ يا راما.

إبتسمت و قالت بسخرية:

_ انا فتاة و التأخير من أهم صفاتنا فلتتعود أفضل لك.

وضع المعدات بحقيبة السيارة وهو يقول:

_ لا لن أتعود فلتتغيري انتِ أفضل لكِ.. يا راما.

صعدت السيارة و صعد هو خلف المقود و قاد مباشرة.. طوال الطريق وهي تختلس النظرات إليه.. بينما هو يتحدث و يتحدث بقصصاً لتسليتها..

وصلا للمكان التي ترسم به فصف السيارة وساعدها بنصب لوحتها و مدد كرسياً و جلس عليه مبتعداً عنها ليترك لها مساحة لتعمل براحة...

كانت تترك العنان لفرشاتها ان تتحرك بأمر من عقلها و أناملها حتى وجدت الصورة تتضح أمامها.. إبتسمت بخفوت و هي تطالع شرود غنام قد إنطبع على لوحتها..

فتركت فرشاتها و صاحت به قائلة:

_ غنام إقترب من فضلك.

القي بالعصا التب يحملها بيده و تقدم نحوها فأشارت له بعينها على اللوحة.. تطلع ناحيتها لتتسع عينيه و وصلها صوت شهقته المندهشة.. عاد بعينيه ناحيتها و قال بتعجب:

_ هذا أنا؟!!

أومأت برأسها مؤكدة و قالت بتنهيدة خافتة:

_ نعم هذا أنت.. لربما تلك اللوحة تذكرني بكَ عند عودتي لبيتي.

عاد بعينيه للوحة و صمت قليلاً قبل أن يقول بخفوت:

_ أنا لا أحتاج لشئ ليذكرني بكِ يا راما فأنتِ أصبحتي شيئاً غالياً عليٰ.

و بدأ في تجميع أدواتها و هي تتطالعه بصدمة من كلماته التى آثرتها و أعلنت حبها له.. المستحيل...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي