الفصل، التاسع، والعشرون

جلس زيد بمكان تجمعهم المعتاد شارد يطفئ سيجارة ليشعل غيرها.. عاد من شروده على صوت حازم الذى قال بتعجب:
_ لا تخبرني أنك من اشعل الكمية الكبيرة تلك من السجائر.
التفت اليه زيد قائلا بضيق:
_ انا اشتعل من الداخل أكثر لذلك لا اشعر بضيق من سجائرى.
سحب حازم كرسيا و قال بتنهيدة ساخرة:
_ الا زالت حبيبتك تلك ترفض مقابلتك او الرد على مهاتفاتك؟!
أومأ زيد برأسه و قال بضيق:
_ نعم لم اترك وسيلة لأراها بها الا ورفضتها.. لم اتوقع منها ردة الفعل تلك.
مرر حازم انامله بشعراته الطويلة و قال محذرا بنبرة منكسرة:
_ ابتعد عنها كي لا يكون مصيرك كمصيري.. المنفي.. هؤلاء الأغنياء متشابهون لا تقع بنفس الخطأ الذى وقعت به قبلك.
اجابه زيد مسرعا بثقة عمياء:
_ لا يا حازم الوضع هنا مختلف فراما ليست چيلان على الاطلاق.
ضحك حازم ضحكة عالية و قال بسخرية سوداء:
_ منذ اشهر كنت اجلس انا مكانك اقول نفس الكلمات و بنفس الثقة و انظر الي الآن.. جئت كي أودعك قبل سفرى من هنا.
دعس زيد سيجارته بالمطفأة الممتلئة عن آخرها و قال موضحا:
_ راما كانت تريد ان نتزوج و هي تظنني مجرد سايس سيارات.. كانت على اتم استعداد لأن تعيش معي بأى مكان.. المهم ان نكون سويا.. فهمت الفرق يا حازم.
إبتسم حازم ابتسامة جانبية وقال ببرود:
_ كلهن متشابهات لا فرق صدقني.
تنهد زيد بحزن على حالته و قال بتساؤل حزين:
_ هل ستغادروا اليوم لبيتكم الجديد؟!
اومأ حازم برأسه و قال:
_ نعم.. حزمنا كل أغراضنا و سنترك القاهرة اليوم.
ربت زيد على كفه و قال بإبتسامة حزينة:
_ سأفتقدك يا حازم.. كنت اظن ان مهمتي انتهت و سنعود لجمعنا لتغادرني انت و من قبلك آسر.
بادلة حازم ابتسامته و قال بهدوء:
_ المسافة بيننا ليست كبيرة فقط بضع ساعات و نكون مع بعضنا على الاقل مرتين بالشهر.
عاد زيد بظهره لكرسيه و قال مؤكدا:
_ معك حق.. سأحادثك يوميا بالفيديو كي أطمئن عليك.
سحب حازم نفسا طويلا و قال بجدية:
_ اكيد.. سأتركك الآن لأن امي بإنتظارى سنغادر مبكرا كي نصل بالنهار لوجهتنا.
و وقف.. وقف زيد أمامه و ضمه لصدره قائلا بحنو:
_ إن احتجت اى شئ هاتفني وستجدني امامك بإذن الله اسرع مما تتخيل يا حبيبي.
ربت حازم على ظهره و هو يقول:
_ اعلم ذلك جيدا.
ابتعد عنه زيد و تطلع داخل عينيه و قال:
_ اتمني لك التوفيق و السداد بوجهتك الجديدة يا حبيبي و أعلم أنك ستتقدم بعملك هناك اسرع مما كنت هنا.
اومأ حازم برأسه و قال براحة:
_ أثق أن ما عند الله خير و أبقي، واحمده علي الضراء قبل السراء.
ثم ابتلع ريقه بتوتر و بنبرة متحشرجة قال:
_ استودعك الله الذى لا تضيع ودائعه يا زيد.
_ في آمان الله يا صديقي.
طالعه حازم مطولا و تركه و ابتعد و زيد يتابع انصرافه بألم..
جلس مجددا و سحب سيجارة جديدة اشعلها و نفث دخانها بضيق و حزن..
علي حازم الذى تأذى دون ذنب منه..
علي حاله المشتاق و هي لا تترفق به و تتابع عنادها ظنا منها انه خدعها والان يستغل حبها..
تطلع البعيد وهو يقول بداخله:
_ لن أتركك يا راما ستعودين لي بأي ثمن يا غبية.



مرت الأيام وعاد الجميع لجامعتهم مرة أخرى فى البداية كانت آية لديها رهبة من الزحام ونظرات الجميع لها ولكنها إعتادت وإمتثلت لأوامر الطبيبة بأن تثق فى نفسها .
جلسوا بمكانهم المعتاد فدنت سارة من آية وسألتها بتعجب:
_هل لاحظتِ هروب غادة المتكرر منا.. لا افهمها.
تنهدت آية بألم وقالت بنبرة منكسرة و مهزومة:
_ ربما.. فأنا أصبحت شيئا سئ لا يليق بها الاقتراب منه بعد.. اتركيها وشأنها فأنا ما بداخلي يكفيني.
اعتدلت سارة بجلستها ناحيتها و قالت بإشفاق:
_ أصبحتِ حساسة أكثر من اللازم يا آية.
فقالت لها آية ببرود و هي تتطلع حولها :
_ لا بل اتحدث بواقعية ان اعترفت بها لن تؤلمني مجددا فهمتي يا سارة.
وجدت مروان يقف مع أصدقائه ووقفت معهم فتاة تضحك معهم.. فاقتربت منهم بعصبية، رأها مروان تتقدم نحوهم و عيناها مشتعلتان بالغضب.. فاقترب منها بإبتسامة هادئة لتقف امامه هي وقالت بغضب :
_ من هذه الفتاة التي تقف معكم بأريحية كبيرة؟!
أجابها بإبتسامة هادئة :
_ انها سماح زميلتنا.. تعالي معي كي اعرفك عليها حبيبتي.
طالعتها آية بنفور و عادت إليه وعيونها تشع نارا قائلة :
_ لا لن اتعرف علي أحد.. يكفيها أنت يا مروان.
تركته ومضت و سارة تركض ورائها.. وقف مذهول من ردة فعلها فهو لم يفعل شئ لتغضب بهذا الشكل العجيب...
إقترب منه محمد وسأله بفضول قلِق :
_ ما بك تقف هكذا؟! هل حدث شيئا بينكما او تشاجرتما؟!
تنهد مروان بأسى وقال :
_ لا امورنا بخير لا تقلق.
أومأ محمد برأسه و قال بتفهم:
_ لاحظت نظراتها ناحية سماح.. يبدو انها غارت منها.
شرد مروان بالبعيد وقد انتابه القلق من القادم بينهما...
عادت آية لمنزلها ونيران الغيرة تلتهمها وتؤلمها إستوقفتها سارة قائلة بضيق:
_ آية أنا لا افهمك.. إهدأى قليلا الامر ابسط من ذلك.
ردت عليها آية بغضب:
_ ابسط!! الم تشاهديه و هو يقف يضحك مع البنت و لا كأنه إرتبط و خاتمي بيده.
مسدت سارة اعلي انفها بإرهاق و قالت متعجبة من مبدأها الواهي:
_ يا آية يا حبيبتي.. انها لم تكن تقف معه بمفرده و هي زميلته و لا يوجد شئ بينهما.
إحتدت نظرات آية ناحيتها و قالت بعصبية:
_ ولكنها إختصته هو بضحكاتها الم تلحظِ ذلك؟!
تأففت سارة بضيق و هي تقول:
_ لقد أصبحتِ صعبة المراس يا آية و غيرتك اصعب.
و تركتها وصعدت لشقتها..
مرت أيامها وهو لا يتحدث معها وهذا أكثر ما يتعبها وهو يعلم ، بعد إنتهاء روتينه اليومى مع جدته جلست آية تنتظره بالخارج ..
خرج مروان من غرفة جدته فوجد آية امامه و تطالعه بنظرات خجلة و قالت مسرعة:
_ مروان هل لي ببعض دقائق من وقتك؟!
زم شفتيه و قال بحزم مفتعل رغم انه يشتاق لها بقوة :
_ انا مشغول الآن اجليها لوقت آخر.
فقالت بطريقتها الطفولية التى تعلم أنه يعشقها ويعشق دلالها بها :
_ مشغول بشئ اهم مني.. كما شئت.
تركته و جلست علي اقرب اريكة و هي مطأطأة رأسها بحزن.. وقف يتطلع إليها بشوق ثم تقدم ناحيتها وجلس بجوارها وأشاح بصره عنها
فقالت بدلال زائد و إبتسامة خافتة :
_ اسفة.. سامحني ارجوك.
إبتسم لها رغما عنه وقال بهدوء:
_ و هل عندى خيار آخر فأنا أحبك يا مجنونة ماذا بيدى لأفعل؟!
زادت فى دلالها أكثر وأكثر وقالت :
_ و أنا ايضا احبك كثيرا و ذلك سبب جنوني و غيرتي عليك.
إتسعت عيناه وزادت إبتسامته وقال بإندهاش شديد :
_ آية انها المرة الاولي التي قلتِ بها انك تحبيني!!
تنهدت مطولا و هي تطالعه بقوة:
_ ولكنتي قلتها كثيرا بعيني و قلبي.
إقترب منها أكثر وعيونه تلتهمها فدلالها هذا يثيره وقال هامسا :
_ لقد زاد جمالك تلك الفترة كثيرا حبيبتي.
شعرت بالخجل من إقترابه منها لهذه الدرجة فقالت بتوتر :
_ مروان ابتعد هذا لا يصح.
دخلت سارة غرفة جدتها وقالت بابتسامة متسعة :
_ حمدا لله تصالحا اخيرا.
فقالت الجدة براحة :
_ اللهم لك الحمد.. تابعيهم ثانية يا سارة كي لا يتشاجروا مجددا.
تنحنحت سارة وهي تبتسم بمكر وقالت بخجل :
_ لا لن اخرج انا لا شأن لي بهما.
إتسعت عينى سهام وقالت بقلق :
_ و لكنه شأني إبتعدى عن وجهي حالا لأرى ما يحدث بنفسي.
خرجت سهام إليهما وقالت مسرعة :
_ مروان الم تقل انك مشغول؟!
زفر بضيق وقال بتذمر :
_ وقت قدومك سئ يا امي فنحن مازلنا نتناقش بأمورنا.
مصمصت سهام شفتيها و قالت بسخرية مازحة:
_ بل انه الوقت الصحيح فلتذهب لوجهتك كي لا تتأخر.
وقفت آية وقالت بخجل :
_ أنا بالمطبخ يا خالتي لو إحتجتني.
نظر لها وهى تبتعد بضيق ثم عاد بعينيه لسهام و هو يطالعها بغضب وقال :
_ امي لقد أحرجتنا فنحن لم نفعل شيئا يستحق هجومك المفاجئ ذلك.
طالته نظرات سهام اليه وقالت بنبرة آمرة :
_ هكذا انا وسأظل حتي تصبح آية زوجتك ما يحدث مع زياد سيحدث معك.. اتفقنا.
هم واقفا وقال بضيق :
_ سأنصرف كي ترتاحين.. انا لا اعلم هل انتِ أمي ام حماتي.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي