الفصل الخامس

إتسعت عيني سارة و تحولت ناحية مروان الذى وقف يطالعها بشك .. إنتبهت آية لخطأها و تسرعها فعضت على باطن فمها و هى تلعن غبائها و أجابتها قائلة بمزاح متخبط :



_ أقصد أننى كما الفريك لا أقبل شريك .



فقال لها مروان ساخرا لإغاظتها :



_ و من هذا الذي سيتزوج صغيرة مثلك .. من المؤكد أن أسرته بالكامل قد دعت عليه بليلة القدر .



طالعته شرزاً و عادت بعيناها لسارة التي تكظم ضحكاتها بصعوبة و قالت لها بنبرة قاطعة :



_ شأتي أم أبيتي سألتحق بكلية الصيدلة يا سارة هذا أمرٌ منتهي و هذه رغبتي ليس تقليداً لكِ.



فقال لها مروان بيأس و هو يشيح بذراعيه بضيق :



-  أنتى حرة .... فوحدك انتى الخسرانة .



وتركهما وغادر لاعناً غباؤها و غباؤه هو بأن إعتقد و لو للحظات أنها قد نضجت و أصبحت فتاة ذات شأن .. أكثر ما يبغضه بأى فتاة هو ضعفها و هوانها ..



فلتحتمل فهو لن يهتم بأمورها مرة أخرى.. طالما دفعها الجميع للإعتماد على نفسها و نبذ إستسلامها ذاك و لكن دون جدوى.. شعور الضعف عندها نابع من إحساسها انها دخيلة عليهم و ربما عالة و ثقل على كاهلهم لذلك فهي تأبي أن تصبح بيوم ثقل عليهم كما كانت على والدها....



يعلم ذلك و لكنهم لم يشعروها و لو لثانية بأنها كذلك بالعكس تماماً الجميع يتفنن في دلالها و تلبية طلباتها و من الواضح أن ذلك السبب وراء إحساسها بأنها يُعطف عليها من الجميع...



كانت تحزم حقائبها بشرود ف مع مرور الأيام لم تستطع إقناعه بالبقاء بجواره.. كانت تعلم ذلك منذ البداية ومع ذلك حاولت إثنائه عن رأيه بأي شكل...



لم تبتعد عنه من قبل و لم تصدق أنه بهذه البساطة سيتركها بمكان لا تعرفه و لم تزره من قبل بمفردها.. نعم ستأتي معها رمزية آخر ما تبقي من رائحة والدتها..



فرمزية ليست مجرد عاملة بمنزلهم و لكنها كانت الشخص الوحيد التى وثقت بها والدتها و كانت على علم بكل شئ حتى يل مرض راما السابق..



و حين إلتزمت والدتها فراش الموت اوصت رمزية على راما و هي لم تقصر و أفنت حياتها لتنفيذ تلك الوصية ورفضت الزواج وفضلت أن تبقي بجوار راما للأبد..



ليس وفاءً لذكرى متوفية وثقت بها و لكن لأن أفضال والدة راما كانت كثيرة جداً عليها و علي أسرتها بالكامل...



كانت تنتقي ملابس مناسبة للمكان فتبتعد عن كل ما هو قصير و عارى بعض الشئ إلا القليل.. و عقلها مازال يدور و يدور و يدور في فلك الأسئلة المرهق...



إتكأت راما بكلتا يديها على حقيبتها الكبيرة و هي تتنفس بصعوبة من ألم رأسها وتشنج جسدها فالتفكير لا يرحمها...



وقف فؤاد علي باب غرفتها يتطلع إليها بإشفاق.. وقلبه يطرق بقوة و هو يراها بتلك الحالة...



لم يكن أمر إبعادها بيده بل لأنه تم تهديده بحياتها إن لم يتراجع عن إتمام صفقته.. لم يهتم بالصفقة و لا بعمله بأكمله و لكن أن يفكر أحد بإيذائها هذا ما يجعله يريد الفتك به و يستطيع فعل ذلك و لكنه يمتثل للقانون و لا يريد أن يحيد عنه و إلا ما الفرق بينه و بين ذلك المختل...



إنتبهت راما لوقفته فطالعته بعينين مظلمتين و عادت لحقيبتها واضعة تلك الأغراض بترتيب كما فعلت بالحقيبتين الآخريتين..



سار فؤاد بضع خطوات ناحيتها و قال بهدوء:



_ هل ينقصكِ شئ حبيبتي؟!



إبتسمت بسخرية و هي تقول بنفسها.. ينقصني!!!



فتاة مثلي ستسافر لبلد غريب لا تعلم به شيئاً و لا تعرف به أحد و بمفردها و هي تخشى كل شئ و يسألها بمنتهي الهظوء المستفز.. هل ينقصكِ شئ؟



أغمضت عيناها متحكمة في إنفعالاتها متمتة بكلمات مبهمة.. فضيق فؤاد عينيه و هو يستشف الغضب بملامحها فسحب نفساً طويلاً و أردف قائلا بنبرة ثابتة و ملامح مجمدة:



_ لقد إشتريت لكِ شقة مقابلة للبحر في منطقة هادئة كي تستطيعي الرسم كما يحلو لكِ.



تمتمت بخفوت ساخر و هي مازالت مطأطأة رأسها متابعةً لترتيبها قائلة:



_ و أخيراً سمعت كلمة "ما يحلو لي" فكل الأمور هنا باتت تسير كما يحلو لك أنت.



جلس على أحد المقاعد و وضع ساقاً فوق الآخرى و هو يتابع همهمتها ثم قال بجدية:



_ لم أسمعكِ اعيدي ما قولتيه بنبرة عالية يا راما.



اغلقت الحقيبة و سحبت سحابها و إستدارت إليه بحركة مفاجئة و هي تقول بتذمر و بنبرة عالية كما رغب:



_ أنا مشتتة و لا أفهم شئ مما يحدث حولي و كل ما يدور بداخلي أنك تتحكم بي و تتلذذ بذلك دون التفكير و لو لثانية واحدة بما أرغبه أنا.



بإمكانه الإفصاح لها عن سبب إبعادها و وضعها بمكان آمن بعيد عن مشاكل عمله التي لا دخل لها بها سوى أنها إبنته..



و لكن إن تملك الخوف منها ربما تمرض أو تدخل بإحدى نوبات ذعرها..



عند هذه النقطة هرج صوته محتد و قاطع و هو يطالعها بثبات قائلا:



_ كلامكِ ينافي المنطق و الواقع و انتِ تعلمين ذلك.



نعم تعلم ذلك جيداً و لكنها تضغط عليه بكل الوسائل كي تفهم ما يحدث.. ربما ما يخفيه عنها أمر جلل.. و ربما هو نفسه بخطر و يخفي عنها ذلك..



جلست على فراشها و تمسكت بطرفه بكلتا يديها مطأطأة رأسها و قد غمرت شعراتها الصفراء وجهها و هي تقول بوجوم:



_ نعم أعلم و لكنني أريد أن أفهم ليس إلا.



كانت هيأتها قد زادت إزدراءً فوقف مسرعا و سار ناحيتها حتي أصبح قبالتها.. إنتظر لثواني كي ترفع رأسها ناحيته و لكنها لم تفعل..



فتمسك بذقنها و رفع وجهها ناحيته متفرساً في عينيها العسليتين و التي ملأهما القلق و الخوف و قال بتعقل متمرس يليق به:



_ انا لا أريد أن أعرضكِ للخطر حبيبتي.



وقفت مشدوهة و قد تأكد حدسها و هي تقول بذعر متسعة العينين:



_ إذا فالخطر يحوم حولك أبي.. كنت اعلم هذا.



أسرع قائلا لطمأنتها بعدما لاحظ ملامحها التي كساها الذعر:



_ لا أنا لا يحوم حولي الخطر و لا شئ و لكن بعالم الاعمال و البيزنس نتوقع أن يتم الضغط علينا عن طريق ما يؤلمنا و الجميع يعلم أنكِ انتِ نقطة ضعفي.



لم تتبدل ملامحها فأردف قائلا بهدوء و هو يطالعها بحنو:



_ إعتبريها عطلة حبيبتي و انا لكي أثبت لكِ أنكِ بخير لن أرسل معكِ أي حرس أو مرافقين سوى رمزية.. مجرد فترة قصيرة و بمجرد القبض على هذا الشخص سنعود لطبيعتنا.



أشاحت بعينيها عنه و توجهت لمرآتها و وقفت قبالتها و هي تقول بإنصياع:



_ لن أجادلك سأنفذ ما ترغب به و أنا فعلا أحتاج لأن أكون بمفردى فترة.



كانت كلماتها الأخيرة تتردد برأسها دون توقف.. عن أى فرصة للإنفراد بنفسها تريد..



فهي دائما بمفردها ليست لها صديقة مقربة أو أختاً أو أخاً أو حتي حبيباً.. بلغت الثالثة و العشرون و لم تجد شخصاً يستحق قلبها..



رغم جمالها الطاغي و رقتها الحالمة.. لم تجد فارساً ينتشلها من حياة البؤس تلك و المطلية باللون الأبيض لحياة جديدة مليئة بالألوان و المشاعر...



ربت فؤاد على ظهرها و هو يقول براحة:



_ جيد أنكِ تفهمتني أخيراً حبيبتي.. سأنتظرك بالأسفل لنتناول غدائنا.



وقبل مقدمة رأسها و طالعها بإبتسامة هادئة و تركها و إبتعد.. لتعود لشرودها و تساؤلاتها و قلقها....







...........................................................



...........







طرقات متتالية علي باب الشقة و هي تتطلع حولها بأن تظهر إحداهما و تفتح ذلك الباب اللعين.. و لكن لا خياة لمن تنادر.. فوقفت أحلام بتثاقل و هي تهتف بحدة:



_ هل أصبكما الصمم و لظ تستمع إحداكن لطرقات الباب.



أجابتها مريم من غرفتها:



_ معي مكالمة مع صديقتي يا أمي سامحيني.



سارت أحلام على مضض ناحية الباب و سحبت غطاء رأسها و وضعته ثم فتحت الباب لتتفاجئ بچيلان أمامها.. طالعتها بنظرة شمولية من سروالها الجلدى الضيق و سترتها القصيرة و بلوزتها الأقصر و التي تظهر القليل من صدرها ختي توقفت انام وجهها المبتسم لها و تلك الحقائب البلاستيكية التي تحملها و قالت بنبرةفاترة:



_ أهلا يا چيلان تفضلي.



و إبتعدت عن الباب لتفسح لها مجالاً للدخول فدخلت قائلة بإبتسامتها الهادئة:



_ كيف حالك يا خالتي؟!



أغلقت أحلام الباب و هي تطالعها من ظهرها و قد أطبق السروال الضيق علي جسدها بطريقة منفرة فأشاحت بعينيها عنها و قالت ببرود مستغفرة ربها بداخلها:



_ بخير حال الحمد لله.



خرجت سجدة من الغرفة و هي تقول بفرحة:



_ مرحبا چيلان لقد إشتقت إليكِ.



وضعت الحقائب من ردها على منضدة أمامها و إستقبلت سجدة بحضنها و هي تقول:



_ و أنا إشتقت إليك يا صغيرة و إشتقت لشغبك و شقاوتكِ.



خرجت مريم أيضاً من غرفتها بملامح أهدأ و بترحاب أهدأ من سجدة و إقتربت منها قائلة بعملية أكثر:



_ انرتي المنزل يا چيلان كيف حالك؟!



إقتربت منها چيلان و إحتضنتها رغم معاملتها الجافة و هي تقول بود:



_ أنا بخير حبيبتي.



إبتعدت و سألتها كي تطيل معها بالحوار:



_ هل انتي مستعدة لعودة الجامعة أعلم ان دراستك هي كل شئ بالنسبة لكِ.



أشارت لها مريم بالجلوس و هي تقول بجدية:



_ نعم مستعدة فبدراستي سأحقق ذاتي و أحلامي و هذا ما أصبو إليه هذه الفترة.



جلست چيلان و جلست بجوارها سجدة التي قالت بمرح:



_ سيفرح حازم كثيراً عند علمه بقدومك لنا اليوم.



طافت چيلان بعيناها على ملامحهم جميعا مستشفة خنقة أحلام و برود مريم و سعادة سجدة...



حضورها اليوم لهم بناء علي طلب حازم لها لتقريب المسافات بينهم كما قال..



و لكنها دائماً ما تلفظ تلك الزيارات فهي تحب حازم و تحبه كثيراً جداً و ترى أن أسرته من مستوى لا يليق بها..



تصرفاتهم.. طريقتهم بكل شئ بالاكل و الحديث و الملابس.. فهي لا تقوى حتى على دعوتهم لأى إحتفال بمنزلها فإن رآهم أحد أصدقائها أو عائلتها ستكون محض سخرية من الجميع..



و من أجل حازم يهون كل شئ.. فبمجرد إتمام زواجهما ستجعله يترك تلك الحياة البسيطة و ترفعه لعالمها البراق و الفخم..



تصنعت الإبتسام و قالت بنبرة ودودة:



_ نعم سيفرح كثيراً لأنه لا يعلم بأمر قدومي اليوم لكم.



تغاضت أحلام عن كذبها و قالت بهدوء:



_ هذا بيتك و يحق لكِ بأى وقت أن تأتي إليه حبيبتي.



وضعت حقيبتها بجوارها و قالت مسرعة:



_ شكراً لكِ خالتي.



ثم إنحنت و حملت أحد الحقائب و ناولتها لسجدة قائلة:



_ لقد إشتريت لكِ هاتفاً جديداً بمناسبة عودتك للمدرسة حبيبتي.



إلتقطته سجدة مسرعة و قد لمعت عيناها بفرحة و قالت و هي تقفز مكانها بسعادة:



_ شكراً جزيلاً لكِ يا حبيبتي أنتِ.



حملت حقيبة أخرى و مدت يدها بها ناحية مريم و هي تقول بإبتسامة شبه موئودة:



_ تفضلي يا مريم لقد أحضرت لكِ حاسوبا محمولا هدية قد يساعدك في أبحاثك و دراساتك.



تطلعت مريم ليدها بنظرة مطولة و قالت بهدوء:



_ لماذا كلفتي نفسك.. فأنا عندى الحاسوب خاصتي.



شعرت چيلان بالإحراج فوضعت الحقيبة بجوار مريم و هي تقول بهدوء متحكمة بإنفعالاتها:



_ لكن هذا الحاسوب حديث و به إمكانيات متطورة ظننت أنكِ ستفرحين به.



تطلعت أحلام لمريم بلوم على إحراجها فأسرعت مريم قائلة بخفوت:



_ شكراً لكِ هدية مقبولة.



إعتدلت أحلام في جلستها و قالت بإمتنان:



_ شكراً لكِ يا چيلان.



أخفضت رأسها و قالت بهدوء:



_ عفواً فأنا أعتبرهم أخوتي و هذا واجبي بحكم أنني الكبيرة.



إلتفتت إليها سجدة و قالت:



_ ستتناولين معنا الغداء اليوم لا أعذار.



قطبت چيلان حاجبيها و هي تقول مسرعة:



_ لا أستطيع فأبي ينتظرني لأتناول معه الغذاء.



تنهدت أحلام بأسي و قالت بسخرية:



_ لا تقلقي فأنا و الحمد لله نظيفة و صحوني معقمة و طعامي أطهوه بعناية من أجل سلامة أولادى.



إنتبهت چيلان لخطأها فقالت بتسرع خاطئ:



_ أنا لم أقصد و لكن يا خالتي أنا ملتزمة بنوع طعام معين كي لا يزيد وزني.



رفعت مريم حاجبها بإستنكار و قالت بتذمر:



_ و هل تبدو لكِ إحدانا سمينة فنحن نحافظ على نظامنا الغذائي جيدا و نهتم لهيأتنا كثيراً.



هزت چيلان رأسها و ما ان فتحت فمها لتوضح حتي بترت أحلام حديثها و هي تقول بنبرة قاطعة:



_ أتركاها على راحتها يا فتيات.. كيف حال والدك سيادة المستشار.



أعادت چيلان شعراتها الطويلة للخلف و هي تقول بهدوء:



_ بخير الحمد لله.



شعرت أنها اشعلت الاجواء من حولها و أزادت من حدة الفجوات بينهم فوقفت و قالت بإبتسامة باهتة:



_ أستاذنكم فعندى ميعاد مع طبيب الاسنان.



وقفت أحلام مسرعة و قالت بإبتسامة متسعة:



_ شفاكي الله و عفاكي حبيبتي لا تتأخرى بالزيارة مجدداً.



حملت چيلان حقيبتها و هي تقول بنبرة باردة:



_ اكيد خالتي لن أتأخر أراكم بخير.



إبتسمت لها مريم ببرود بينما ودعتها سجدة بإبتسامة متسعة و هي تقول:



_ سأهاتفكِ لأطمأن عليكِ أختي چيلان .



خرجت و اغلقت ورائها الباب و هر تزفر بحدة و تتمتم بغضب.. لولا حازم ما دخلت هذا المنزل من الأساس..



نثرت شعراتها بخيلاء و هي تتابع همهمتها بضيق:



_ الغريب أنهم هم من يطالعونني بإزدراء.. فقط يصبح حازم ملكي و حينها سأمحيهم من حياتنا للأبد.



هبطت الدرج و هي تعبث بهاتفها و ترسل رسائل لأصدقائها للإتفاق على سهرة الليلة..



كانت سجدة تطالع تليفونها الجديد بسعادة لأنه حلم لولا چيلان ما تحقق.. بينما تنهدت مريم بأسى و هي تطالع والدتها التي دلفت لغرفتها مطأطأة رأسها و يبدو عليها الوجوم...



وقفت و سارت ناحية غرفة أمها لتجدها جالسة على مقعدها تمرر حبات مسبحتها و هي تتمتم بالإستغفار بعيون زائغة و ملامح باهتة..



لم تقطع حالتها تلك بل تركتها و عادت لغرفتها فهي تعلم كل ما يدور بخلد والدتها و تتفق معها بكل شئ..



فچيلان لا تناسب حازم و لا تناسب طبيعة حياتهم المتدينة و التي تنتمى للأصول و العادات كما أغلب البيوت المصرية فتنهدت بأسي و فتحت هاتفها تقلب به علها تنشغل قليلاً..



فرغبة حازم بإتمام هذا الإرتباط و حبه لها يقتلان أى حديث أو نصائح فلتتركها للأيام وسهم القدر سيصيب لا محالة سواء بإرتباطهما أو إنفصالهما...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي