الفصلالثالثعشر

ابتسم ابتسامة دهشة وهو يتطلع إليها من فتحة صغيرة للباب وقال مسحورا :
_ يا إلهي!! كم تبدو رائعة الجمال بل آية بالجمال و أنا دائماً ما أنعتها بصغيرتي لقد نضجت و طابت و جاهزة للأكل.
عاد بعينيه لليل شعراتها الطويل ك لياليه الباردة و قال بإعجاب:
_ أنا أتذكر أن شعرها دائماً ما كان طويلاً بطفولتها و لم أتوقع على الإطلاق أن يكون قد تضاعف طوله هكذا أما عن سواده الفاحم ذاك مع بياضها قصة أخرى.
ابتسم بسخرية و هو يهز رأسه لاعناً غباؤه متذكراً كلمات أصدقائه عن جمالها و أنهم قد افتتنوا به و قال بمزاح:
_ كان مع أصدقائي كل الحق في الإعجاب بها فأنا لم أتخيل يوم أن تكون آية قد كبرت كما رأيتها الآن.. واضح أنني كنت أرتدى نظارة شمسية كي لا أرى ذلك الشعاع المضيء.. خسئت يا مروان على تلك الغفلة.
ظل على وقفته تلك ينظر لها بنهم إلا أن شعر بحركة سارة فخرج من الشقة مسرعاً وأغلق ورائه الباب.. ثم طرق الباب مجدداً لتفتح له سارة قائلة بضيق :
_ لماذا تأخرت ف تيتة بانتظارك لساعات ألا يوجد لديك أي إحساس بالمسئولية.
زفر بضيق و ملل و سألها بفتور قائلا :
_ انتهيتي يا سارةُ.. والآن أخبريني إذاً ماذا تفعلان؟!
أجابته ببديهية:
_ ماذا سنفعل بمثل هذا الوقت.. بالطبع ندرس قليلاً.. ادخل لجدتي غرفتها هيا أسرع.
سار أمامها قائلا بخبث:
_ أين هي آية لا أراها؟!
ردت عليه بجدية قائلة:
_ بغرفتها و نحن الاثنان مشغولتان للغاية إذا أردت شيء افعله لنفسك لو سمحت و ما أن تنتهي فغادر بصمت.
مر بغرفتها ليجد الباب قد أغلق وقد حرم من رؤيتها هكذا مرة أخرى فتهدل وجهه بحزن...
دخل لجدته وجلس معها قليلا وحملها ومددها في سريرها وتركها وصعد شقته.. دخل لغرفته أطفأ الأنوار و استلقى على فراشه و آية لا تفارق عينيه فهي كانت الأنثى التي كان يريدها ويبحث عنها ولم يتوقع أنها أمامه طوال الوقت وهو لم يرها .
فابتسم وقال بخبث :
_ أموت أنا.... أنا بالضبط حالتي الآن تشبه الاغنية القديمة التي تقول " أنا من ضيع بالأوهام عمره ".. فكل الفتيات اللاتي صادقتهن كنت أبحث فيهن عن فتاة بمواصفات معينة و هي معي طوال الوقت.
تنهد مطولا و هو يقول بابتسامة شيطانية أنارت عينيه بالظلام كما القطط:
_ أصبحت كحبة بندق مغطاه بالكراميل عليها شوكولاتة قد غمست بمسحوق الفستق اللذيذ و تستحق الاكل.
استغرب من طريقته فى الكلام فقال بتعجب :
_ ما هذا الذى أقوله.. هل أشعر بالجوع؟!
وقف مسرعاً و هو يقول بهدوء:
_ لنرى ماذا حضرت أمي لنا علي العشاء فأنا بالفعل جائع للغاية.


•   * * * * *


فى اليوم التالي كانت مريم تلتهم كتبها بنهم و قد أغلقت عليها غرفتها لتدرس بهدوء...

دلفت سجدة إليها و وضعت كوب الشاي الساخن على مكتبها و ارتمت بعدها على فراشها قائلة بسخرية:
_ ما كل هذا التركيز يا مريم فأنا هي التي بالمرحلة الثانوية لا أنتِ.. إرحمِ نفسكِ قليلاً.
أجابتها مريم و هي ما زالت تطالع أوراقها بتركيز شديد:
_ اصمتي يا فاشلة و لا تقطعي تركيزي و إلا قطعت رأسكِ لأرتاح منكِ.
ضحكت سجدة ضحكة مقتضبة و قالت لها:
_ حسناً.. هل وصلك شجار أمي و حازم اليوم.
ردت عليها بخفوت:
_ لا لم يصلني.. ماذا حدث يا رويتر المنزل.
اعتدلت سجدة بجلستها و عقدت ساقيها و قالت بحماس:
_ لقد تشاجرا بخصوص چيلان مجدداً.. لقد عثرت أمي على صور لچيلان و حازم بهاتفه و كانت ترتدى اللاشئ بجواره و ما أن رأتها أمكِ حتي استشاطت غضبا.
تركت مريم القلم من يدها و تطلعت حولها بخواء قائلة بنبرة قاطعة:
_ حازم سيكتشف خطأ اختياره بيوم ما من من المؤكد.. لأن چيلان لا تشبهه و لن يستطيع تغيرها فقط لو تتحلي أمي بالصبر قليلاً.
هزت سجدة كتفيها بتسليم قائلة:
_ هو يحبها و الذي يحب لا يلتمس أي خطأ بمن يحبه.. كما يحبكِ آسر و ينتظركِ بلهفة أن تنهي دراستكِ رغم جفاؤكِ.
تنهدت مريم بأسى و أغمضت عيناها و قالت بحزن:
_ لدى أسبابي للجفاء ذاك كما قلتِ.. فأنا أخشي أن أهمل دراستي و تتراجع علاماتي فهذا أولاً و أخيراً مستقبلي يا سجدة.
قالت لها سجدة بتفهم:
_ نعم أعرف ذلك و لكن هل تحبيه من الأساس.. ام تعليقيه بكِ و بعد ذلك ستحبِ غيره.
تنهدت مريم مطولاً و قالت بهمس خافت:
_ لا أعلم و لكن مجرد أن يذكر اسمه أمامي أشعر بقشعريرة خافتة تسرى بجسدي و دقات قلبي تزداد و ترتسم صورته أمام عيني من فورها.
ابتسمت سجدة بخفوت و هي تتابع لمعة عينيها و قالت بسخرية:
_ هذه ليست أعراض حب يا جميلة إنها أعراض جنون.
عادت إليها مريم بعينها و هي تطالعها بسخط قائلة:
_ أنا مجنونة يا مختلة.. ثم ما شأنكِ أنتِ بالحب و أموره كي تتحدثي به بوقاحة هكذا.. إذهبِ لغرفتك حالا و إلا سأقول لأمي أنكِ قد وشيتِ بأمر شجارهم لي.
وقفت سجدة مسرعة و هي ترفع ذراعيها باستسلام قائلة:
_ لا سأذهب لغرفتي شكراً لكِ.
و خرجت في صمت.. حملت مريم قلمها و عادت لدفاترها قائلة بشوق:
_آسر.

•   * * * * * *


اتفقت الفتيات على عدم الذهاب للكلية لإنهاء دراستهم لأطول وقت ممكن ، بدأت آية يومها بالصلاة وتناولت فطورها هي وجدتها حتي نزلت لهم سهام و سارة وجلستا معهما

بعد قليل طرق مروان باب الشقة ففتحت له آية الباب لتجده واقف أمامها ينظر لها وابتسامة غريبة على ثغره..
فقالت له بدهشة :
_ ما بك هل ستظل واقف هكذا كثيراً ام ستدخل؟!
اقترب منها و هو يغوص بعينيها وقال مازحاً :
-  يا صباح الورد والفل والياسمين على عيونك أيها الوحش اللذيذ .
تعجبت منه آية ونظرت بجانبيها و كأنها تبحث عن شيء ثم عادت له بعينيها وقالت بتعجب:
_ هل تقصدني أنا؟!! هل حديثك ذاك عني؟!
غمز لها مروان بعينه وقال بلهفة :
_ و إن لم أوجه حديثي لكِ أنتِ لمن سأوجهه.. و أيضاً يا صباح التي تغني.
ابتسمت له بخجل وقالت بتعجب :
_ ما بك اليوم هل جننت يا مروان؟!
فرد ذراعيه نافشاً جسده العريض و هو يقول بهدوء:
_ ما بي فأنا على ما يرام كما ترين.
ضحكت آية ضحكة عالية على مزحته وقالت :
_ حسنا ادخل كي لا تتأخر على تيتة.
اقترب منها أكثر وقال بهمس ساخن :
_ لا أريد البقاء هنا معكِ فأنا أشعر بالراحة هكذا جدا.
ونظر لعيونها بهيام تائهاً بعتمتهم.. فأتاه صوت سهام من الداخل تقول بصياح :
_ ماذا تفعل عندك يا مروان تعال أسرع.
زفر بضيق وقال لها :
_ حسناً يا أمي أنا آتِ إليك لا تقلقي.
غمز لها بعينه و هو يطالعها بنهم ودخل و تركها مشدوهة خلفة بدهشة...
وقفت آية مذهولة مما حدث و من نظراته الجديدة وقالت بتعجب :
_ ما به اليوم.. يبدو غريباً.
لاحظ مروان بعد فترة أن سارة و آية لم يرتدوا ملابسهما للذهاب للجامعة
فسأل سارة بقلق :
_ لماذا لم تبدلي ملابسكِ يا سارة ستتأخرون على الجامعة.
فردت عليه سارة بكسل :
_ لا تقلق فنحن لن نذهب اليوم سنظل بالمنزل لندرس مازال ورائنا الكثير و لن نضيع وقتاً.
فقال لها مروان و هو يطالع شاشة هاتفه :
_ معكما حق.. أنا أيضاً كنت أنتوى ألا أذهب سأبقي لأدرس.
فسألته سارة بخبث و هي تطالع هندامه :
_ لمن إذا ارتديت ملابسك تلك.. هل لتبقى معنا.
شعر بالخجل من كلماتها فقال مسرعاً:
_ ماذا؟! لا هذا لأنني ربما أذهب لقضاء حاجة لي مسرعاً و سأدرس بعدها معكما.
ضحكت سارة ضحكة شريرة وقالت بعدما لاحظت نظراته المتابعة لآية :
_ كيف لك أن تدرس معنا نحن كلية صيدلة و أنت هندسة وضح لي عن كيفية تلك الدراسة الجماعية .
فقال بتفكير بعدما احرجته مجدداً:
_ يا ذكية أقصد انني سأبقي هنا و أدرس بجوار تيتة.. و معكم بنفس الشقة.
فردت سارة عليه بابتسامة خبيثة محركة كتفيها بتسليم :
_كما تريد.

ظلت الفتاتان في غرفة آية حتى الظهيرة
إعتدلت آية بجلستها و قالت بتعب و هي تطأطأ عظام رقبتها بإرهاق :
_ احتاج وقتاً مستقطع فظهرى بات يؤلمني بشدة.
وضعت سارة القلم من يدها و قالت بهدوء :
_ وماذا سنفعل إذا بهذا الوقت؟!
لمعت عيني آية و قالت بحماس:
_ ما رأيك أن ندخل للمطبخ و نعد غداءً شهياً لنا؟!
ابتسمت سارة وسألتها بمزاح ساخر :
_ و ما هي قائمة الطعام لليوم يا شيف آية.
وقفت آية تفكر بتركيز وقالت مسرعةً :
-  سنطهو الدجاج البانيه ومعكرونة و أصابع البطاطس المحمرة .
اتسعت ابتسامة سارة وقالت بمكر عابث و هي تقف امامها عاقدة ذراعيها :
_ أها.. هذه هي الوجبة المفضلة عند مروان.. يا خبيثة.
فقالت لها آية بخجل و هي ترفع سبابتها على شفتيها بمزاح :
_ ارجو ألا تفهمينني صح.
دلفا للمطبخ سوياً لإعداد وجبتهم.. فشعر مروان بدخولهم فدلف ورائهم وقال بنبرة جادة :
-  سارة تيته تريدك للحظات .
اجابته سارة بتعجب و هي تقشر البطاطس بتركيز :
_ لم أسمعها تصيح بإسمي.
طالعها بقوة وقال بغيظ من بين أسنانه :
_ إذهبي إليها يا سارة ربما تحتاجك.
فنظرت له و لآية المتابعة عملها وقالت بمزاح :
_ حسناً.. سأذهب إليها.. ربما.. تحتاجني.
فابتسمت آية بخجل وتابعت عملها بسعادة... لدرجة أنه لو وزعت فرحتها على الكرة الأرضية لكفت ووفت... فبقائها بجانبه كل هذه المدة أقصى أحلامها فاقترب منها مروان وقال و هو يسحب نفساً طويلا :
_ أشم رائحة شهية.
ردت آية عليه وقالت مع إلتفافه من رأسها ناحيته :
_ أُعد الغداء هل ستأكل معنا فالطعام شكله شهي للغاية.
إستند بضهره على حائط المطبخ حتي اصبح مقابل لها و قال و هو يلتهمها بعينيه:
_ نعم سآكل معكم اريد أن أجرب طهوكِ.. ربما يكون كما قلتي شهي.. كحالك.
إحمرت وجنتاها فاقترب منها أكثر.. لتزداد دقات قلبها بقوة فقال مترفقاً بحالتها و هي تنتظر منه كلمة جميلة حالمة ككلماته طوال اليوم :
_ دعي الصلصة خارجاً و أنا سأضعها على المعكرونة.
نظرت له بغضب وقد تلاشت إبتسامتها وقالت بحدة :
-  صلصة ... ومعكرونة ! لو سمحت غادر المطبخ في الحال فأنا لا أحتملك و لا أحتمل وجودك حولي.
اخفي إبتسامته وقال ساخرا و هو ينصرف :
_ سأغادر و لكن اسرعي فأنا جائع للغاية أمي لا تتأخر هكذا بإعداد الطعام.
نظرت له بغضب فغمز لها بعينه وإبتسم بمكر ليجعلها تستشيط غضبا ...تطلعت لآثره وقالت بتعجب :
_ هل يتعاطى شيئاً ام أنه قد مسه جن و العياذ بالله.. لا ينقصني إلا هو.
بعدما إنتهت جلسوا ثلاثتهم على السفرة يتناولون طعامهم فقال لها مروان وهو يأكل بنهم :
_ سلمت يداكِ فالطعام فعلا شهي و لذيذ.
فردت عليه آية بفرحة :
-  بالهناء والشفاء.. صحتين على قلبك .
لاك ما في فمه و قال بإعجاب:
_ أصبحتِ طاهية ماهرة لم اتوقع منكِ هذا المستوى الرائع.
تطلعت بطبقها و قالت بهدوء:
_ التعود و برامج التلفاز.. و لا أنسي فضل خالتي فهي لم تبخل عليٰ بأية معلومة.
تابع مروان حديثه وهو يأكل قائلا :
_ حسناً أصبحتِ مطالبة بأنه كل يوم عطلة من الجامعة ستعدين لي الطعام كما اليوم.. إتفقنا.
اومأت برأسها و قالت بسعادة:
_ إتفقنا أكيد.
ظلت سارة على حالتها تنظر إليهم وهم يتحدثون و تتنقل ببصرها بينهم وقد نسوها تماماً.. فقالت بحنق :
_ حمداً لله لقد شبعت و الطعام رائع يا آية سلمت يداكِ.
إنتبه لها الإثنان فقال لها مروان بضيق من وجودها :
_ أنتِ هنا.. إذهبِ لعند جدتي ربما تحتاجك.
زفرت سارة و قالت له بضيق عاقدة ذراعيها امام صدرها بحنق :
_ هذا يكفي بدأت أُضيق صدراً من أفعالك يا مروان.
نظر لها بحدة وقال بنبرة محذرة :
_ حبيبتي يومٌ لكِ.. و يومٍ عليكِ و كل لبيب بالإشارة يفهمُ.
وقفت سارة مشدوهة بعدما خشيت من تهديده وقالت بمزاح ساخر :
_ حسناً يا جدتي سآتي إليكِ حالاً.
نظر مروان لأية بهيام وقال بهدوء :
_ لقد إستغلت أمي الموقف و اعدت غداءً رومانسياً لها و لوالدي و سيشعلون الشموع و يأكلون على أضوائها الخافتة مع موسيقي هادئة و رقصة رومانسية و أبي شقي لن يمررها مرور الكرام أعرفه.
نظرت له آية بتعجب وقالت :
_ وما شأني أنا بقصتك الطويلة تلك.
غمز لها بعينه و قال بتنهيدة ساخنة:
_ ألا تشبه جلستنا تلك جلستهم.. فقط ينقصنا الشموع و الموسيقي الهادئة و نرقص على أنغامها و أبقي في قمة سعادتي.
إبتسمت آية بخجل من كلامه الوقح مثله وقالت متصنعه الجدية :
_ انا لا افهم تصرفاتك اليوم صراحة.. هل تريد قول شئ محدد؟!
فجلس بجوارها وإقترب منها وقال بهيام :
_ عطركِ رائع.
زاد إحمرار وجنتيها و عدلت من وضع حجابها بإرتباك.. فأردف قائلا بمزاح :
_ و لكن رائحة الدجاج البانيه أكثر روعة ناهيكِ عن طعمه خيال يا آية خيال.
نظرت له بتعجب وهمت واقفة وإبتسمت له إبتسامة مصطنعه وتركته ودخلت المطبخ و هي تسبه بحنق و هو يضحك على حالتها...
بعد قليل سمع مروان صوت تكسير الأوانى والأطباق
فإزدادت ضحكاته عليها ودخل لجدته جذب سارة من يدها ودخل بها غرفة آية وأغلق ورائه الباب فسألته سارة بتعجب و هي تمسد ذراعها بألم :
_ ماذا بك؟! ولماذا تسحبني ورائك هكذا ذراعي آلمني.
رفع سبابته أمام وجهها وقال محذرا :
_ سارة سأسألك سؤال و إن لم تجاوبيني بصراحة سأضعك برأسي و حينها سأحيل حياتكِ جحيماً.
اسرعت قائلة بخوف وهي تجلس امامه بإنصياع :
_ لا سأقول بصراحة و لن أكذب.. و لكن اين السؤال؟!
نظر لها مطولا وقال متسائلا :
_ آية تحبني أليس كذلك؟!
إندهشت سارة من سؤاله ووضعت قدم فوق الأخرى وقالت بغرور :
_ بماذا تشعر أنت و جعلك تسألني هذا السؤال؟!
أنزل قدمها بيده وقال بغضب مقرباً وجهه من وجهها :
_ انصحك ألا تتبعي معي نظرية خبث الفلاحين تلك افضل لكِ و أجيبي على سؤالي.
طالعته بخوف و قالت مسرعة:
_ اخبرني أولا ما هو سبب سؤالك؟
رفع حاجبه وقال بهدوء :
_ حسناً كما تشائين و لكن لا تندمي مما سافعله بكِ يا خبيثة.
وقفت سارة أمامه و قالت بخوف :
_ لا سأخبرك بكل شئ فأنت غليظ.. آية تحبك يا مروان بل تعشقك.. منذ نعومة أظافرها لا ترى سواك و لا تتمني غيرك.
أخذ يعبث بحاجيات آية وهو مبتسم براحة... قرب عطرها من أنفه واشتمه فدق قلبه دقات جديدة عليه كلياً ...
وقفت سارة امامه تطالعه بتعجب و قالت بخوف :
_ مروان آية تحبك بجنون أحذرك من أن تؤذيها بيوم من الأيام حينها لن أسامحك.
أخذ يفكر ويفكر وهو لا يعلم سر إنجذابه المفاجئ لآية... فهل ما يشعر به الآن هو ذلك الشعور الذى لم يشعر به من قبل رغم علاقاته الكثيرة ...
هل هو مستعد للتخلي عن كل شئ و عن صداقاته لأجلها.. هل تستحق....
لاحظت سارة شروده فقالت بتساؤل حذر :
-  هل تحبها يا مروان ؟!
فكر قليلا ثم قال بجدية :
_ ما قلة الحياء تلك يا فتاة انتِ مازلتِ صغيرة على هذا الكلام و تفضلي اخرج حالا من الغرفة.
مطت شفتيها وقالت بتبرم :
_ اننا بغرفة آية لا يحق لك طردى منها تفضل أنت امامى و أخرج حالا.
إلتفت حوله فوجد نفسه بغرفة آية فقال بإحراج ساخر :
_ نعم معكِ حق.. فلتخرجي حالا مجدداً و أنا ساخرج معكِ.
ظل معهم باقى اليوم وفى المساء إستعد للنزول .. و وقف امام المرآة بغرفة جدته يضبط هندامه...
فسألته آية بحزن :
_ إلا أين يا مروان هل إنتهيت من الدراسة؟!
إقترب منها وقال بهدوء:
_ لا لم أنتهي و لكنني سأذهب للمقهي لمشاهدة مباراة الليڤر مع أصدقائي.
لمعت عيناها ببريق خاطف وقالت بحماس :
_ معك حق فالمو صلاح يترك من أجله أى شئ.
نظر لها بغضب وقال بإمتعاض:
_ إحترمي نفسك يا آية أفضل لكِ.
لاحظت غيرته فقررت العبث قليلاً و قالت بخبث :
_ و هل أنا وحدى من أحبه فمصر بأكملها تعشقه و تفخر به.
رمقها بنظرات نارية وقال من بين اسنانه :
_ احبكِ برص يا آية.. سأذهب من هنا قبل أن أرتكب جريمة.
نظر لها بغضب وصفع الباب خلفه ونزل ، أخذت تقفز وتصرخ وهى تقول :
_ هذه الغيرة انا اعرفها جيداً.. مروان يشعر بالغيرة نحوى .
خرجت سارة من غرفة الجدة و طالعتها بتعجب ثم قالت بسخرية :
_ كملك الله بتخلفكِ يا آية.. إهدأي قليلا تيتة ستسمعك يا مجنونة.
وضعت آية يديها على قلبها وقالت بتنهيدة حالمة :
_ أنا بأسعد لحظات حياتي يا سارة.. أتمني من الله أن يهديه لحُبي و يعشقني نصف عشقي له.
إبتسمت سارة على سعادتها وسألتها بحنو :
_ ألهذا الحد يبلغ عشقكِ له يا آية؟!
تنهدت آية مطولا وقالت بإبتسامة خافتة :
_ مروان هو الدنيا كلها بالنسبة لي.. إذا ضحك ضحكت الدنيا لي.. و إن عبس بوجهه عبست الدنيا لي.. من دونه لا طعم لحياتي و لا غاية.
اسبلت سارة بعينيها و قالت بسعادة:
_ يا حظك يا مروان فأنا اتمني أن أجد ما يحبني ربع حبكِ له.
إنتهى يومهم وآية لا تفارق تفكير مروان وهو لا يعلم لماذا ؟ حاول أن ينام فلم يستطع ...
مرت عليه تلك الليلة بصعوبة وهو يتحدث مع نفسه كالمجنون...


•   * * * * * *

مرت الأيام سريعة علي البعض و بطيئة علي البعض الآخر...

فحازم و چيلان يجهزان لعرسهما بعد موافقته على الزواج في منزل والدها الذى لا يرغب ببعد إبنته عنه و كي تبقى في نفس المستوى الإجتماعي التي نشأت به...
لم توافق أمه بتلك الخطوة و لطالما تشاجرت معه على موافقته تلك و التي سيدفع ثمنها مع أول شجار بينه و بين چيلان حينها سيطرد من منزلها أقسي طردة...
و هو يثق بچيلان ثقة عمياء خاصة بعدما تغيرت ذلك التغير الملحوظ و الملموس له...
منذ شهور طويلة لم يقابل صديقه زيد.. و قد ترك رسالة لوالدته أن تخبره بضرورة رؤيته له بأى شكل...
و قد وصلت الرسالة لزيد الذي اخبر أمه أن تهاتف حازم و تطلب منه الذهاب لمكانهم المعتاد....
و بالدور هاتف حازم آسر ليذهب معه لذلك المطعم فهو أيضاً يفتقد زيد و يحتاج الإطمئنان عليه و لكي يجدو حلاً في مشكلة حازم الشديدة...
تطلع آسر بساعة معصمه و هو يرتشف من كوب قهوته السريعة و قال بفقدان صبر:
_ زيد تأخر ربما اخطأت والدته بنقل رسالته لك و هو لن يأتي.
رفع حازم عينيه بملل و قال بضيق:
_ يا ليتي ما اخبرتك بأمر قدومه.. فقد جلبتُ لنفسي وجع رأسي بيدى.
أتتهم ضحكة من خلفهم ساخرة من زيد الذى قال:
_ الصبر و آسر وجهان لعملة واحدة و لن يلتقيا أبداً.
إلتفت حازم و آسر إليه و وقف حازم مسرعا و هو يقول بإبتسامة متسعة:
_ زيد إشتقتك كثيراً.
إحتضنه زيد و قال:
_ حبيبي يا حازومة و انا أيضا إشتقتك و إشتقت مشاكلك المستمرة.
وقف آسر بدوره و قال مازحاً:
_ ما تلك الهيأة المذرية يا زيد اخشي ان اضمك فتتسخ ملابسي.
لكمه زيد بكتفه و قال بحنق:
_ اسخف خلق الله هو أنت يا آسر.. و تلك الملابس هي لوازم مهمتي يا ذكي فنحن لنا المهمات و انتم المكاتب.
اشار له حازم أن يجلس فسحب كرسياً و جلس امامها و قال بإبتسامة رائقة:
_ ماذا ينتظرني بعد هذا الغياب الطويل تحدثا؟!
أشار آسر بعينه ناحية حازم فهز زيد رأسه بتفهم و سأله بتوجس:
_ ومازالت الحرب دائرة ما بين أمك و خطيبتك تلك.. اليس كذلك؟!
رفع حازم حاجبه بضيق و قال بحدة:
_ إسمها چيلان و أشعر في نبرتك بالتقليل و السخرية و أنا لن أقبلها حتى و لو كانت منك أنت يا زيد.
مرر زيد أنامله في شعراته الطويلة المجعدة و قال بتأسف:
_ أنت تعرفني جيداً أكثر من نفسي و أنا لن أقلل من أي شخص بحياتي و لكنني اعتبرها و ستظل فقط خطيبتك لأني و بصراحة لا أراها زوجة لك أنتما مختلفان كلياً.
زم آسر شفتيه بإمتعاض و قال بمزاح:
_ جبتُكَ يا عبد المعين كي تعينني.. شكراً لدعمك يا زيد.
قال زيد بهدوء بعدما إستشعر غضب حازم:
_ حازم اعلم أن ميعاد زواجكما قد إقترب.. و أنك ستتزوج ببيت والدها.. انت تعرف أننا مهما كبرنا في عملنا و وصلنا لأعلي الرتب و المنازل سنظل أولاد بلد من طين هذه الأرض و من شيمنا ألا نضع أنفسنا عرضة لتحكم النساء بنا.
اومأ حازم برأسه متفهما و عقد ذراعيه قائلا بثبات:
_ وجهة نظرك و تحترم و أمي أيضا تقول ذلك.. و من حقكما لأنكما لا تعرفان چيلان كما اعرفها أنا.
إبتسم زيد بسخرية و قال بنبرته العميقة:
_ انت ضابط مباحث و تعلم جيداً أنه لا توجد حقيقة واحدة بنسبة مائة بالمائة ستبقي الإحتمالات لها اليد العليا.. ضع و لو إحتمال واحد بالمائة أنه زواجك بهذا الشكل سيضر بك و يقلل من شأنك.
خرج آسر عن صمته و قال موافقاً ما قاله زيد:
_ معه حق يا حازم.. فأنت عندك شقتك ببيت والدك.. لما لا تأتي و تعيش معك بها كأى زوجة.
اسرع زيد قائلا بتأكيد:
_ هذا هو.. لو تحبك چيلان كما تقول ستأتي معك و لو لآخر الدنيا و لكنها ترى منزلكم لا يليق بها فإبنة المستشار إبنة القصور لن تتنازل و تسكن شقة بسيطة من أجل حبها.
اجابهم حازم بقوة:
_ هذا رأي و طلب والدها و هي لا شأن لها و أنا وافقت كي لا تتركه چيلان بمفرده بعد هذا العمر.
اغلق زيد عينيه زافراً بقوة و ضرب الطاولة امامهم و فتح عينيه متطلعاً به شرزاً و هو يقول بغضب:
_ تخشي على والدها من الوحدة بعد هذا العمر بكل الحرس القابع حول منزله و لا تخشي على أمك و إخوتك البنات من العيش ببيت في منطقة شعبية بمفردهم يا سيد الرجال.
تطلع آسر حوله بإحراج بعدما إلتفت إليهم جميع من بالمطعم يطالعونهم بقلق.. بينما نكس حازم رأسه و آسَر الصمت..
سحب زيد نفساً طويلا مهدئاً من إنفعاله و قال بهدوء متزن و هو يطالعه بإشفاق:
_ حازم.. الحب يعمى عينيك يا صديقي.. و لتعلم جدياً أمك و أختيك بعيني لو ذهبت لآخر العالم لكن تعب أمك عليكم و تربيتها لكم بعد وفاة والدك لا يكون جزاؤها الوحدة التي تخشي على حماك منها.
أومأ حازم برأسه موافقاً فما قاله زيد نزل على وجهه كلطمة قوية جعلته يفيق من غفلته..
قرر آسر أن يخرجهما من ذلك الجو المشحون و قال لزيد مازحاً:
_ متى ستنتهي مهمتك تلك فاللواء اخبرنا أنك لا تريد لتلك المهمة أن تنتهي.
إبتسم زيد و قال بتنهيدة قصيرة:
_ يا ليتها تطول حتي آخر عمرى.
وخز آسر حازم بذراعه و قال وهو يغمز له بعينه بمكر تابث:
_ اترى تنهيدته تلك.. أقسم بربي أنه ورائها فتاة.
تطلع حازم بزيد و ساله بفضول حذر:
_ هل ما يقوله هذا التافه حقيقي.
حرك زيد كتفيه و قال بشرود:
_ نعم... فحالي ليس بافضل منكم يا حازم أنت و آسر يبدو انه كتب علينا الشقاء بالحب.
ضيق حازم عينيه وسأله بعدم فهم:
_ انا لا أفهم منك شيئاً.. وضح لي ببساطة بدلاً من ألغازك تلك.
وقف زيد مسرعاً وقال بجدية:
_ لقد تأخرت فطريقي طويل.. اراكما على خير يا شباب لا تنسوا السؤال عن أمي في غيابي.
وقفا الإثنان ليقول حازم بلوم:
_ هل تهذى والدتك بعيننا و انت تعلم أننا لا نتركها و دائمي السؤال عنها.. إهتم بحالك و لا تقلق.
ودعهما قائلا بإبتسامته الرائقة:
_ أراكما على خير يا شباب.
و تركهما و إبتعد... تطلعا الإثنان ببعضهما ليقول آسر بتعجب:
_ زيد...... يحب؟!!!
اخرج حازم نقوداً ورقية من جيب بنطاله و وضعهما على الطاولة و قال ببديهية:
_ يبدو كذلك ألم ترى لمعة عينيه.. هيا بنا لنغادر.
خرجا و حازم كلمات زيد تخترق رأسه.. و هو يسب نفسه و يلعن رأسه المتحجر.. كيف غفل عن أمر والدته وأختيه الذين لا يملكون بهذا العالم شخصاً سواه...
يبدو أن الأمر يزداد تعقيداً و يحتاج تفكير عميق قبل إتخاذ قراره.

•   * * * * * *
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي