الفصل، الواحد، والثلاثون

مرت أيام آية عادية، ذهاب للكلية ثم دراسة ثم نوم ثم كلية ... وهكذا...
لاحظ الجميع إنطوائها على نفسها .... فخافت عليها سهام من أن تسوء حالتها النفسية مرة أخرى
دخلت غرفتها ومعها سارة وطالعها بإشفاق علي ضعفها و وهنها اقتربت منها سهام وقالت بقلق :
_ آية حبيبتي منذ متي و أنتِ تجلسين بمفردك و تتركينا بغرفة أمي ولا تجلسين معنا كالسابق.
لم ترفع آية عينها عن الأوراق أمامها وقالت ببرود :
_ لا يوجد شئ يدعو للتساؤل يا خالتي انا بخير فقط أدرس قليلا ولا شئ آخر.
جلست سارة بجوارها وملست علي شعراتها بحنو و هي تبتسم اليها بود و قالت بنبرة تحمل كل الألم والقلق عليها :
_ حبيبتي انا صديقتك و اختك ان لم تتحدثي معي عما يضايقك مع من ستتحدثين الم تقولي دائما انني نصفك الآخر و اقرب سخص اليكِ ، حتي انك ربطتي مستقبلك ودراستك بي اليس كذلك؟!
لم تجيبها آية و لم ترفع رأسها حتي عن أوراقها و هي تكظم ألمها بداخلها و خيانته لا تترك عقلها و لا عينيها رغم تهاون قلبها معه المؤسف..
اردفت سارة قائلة بجدية:
_ ما رأيك أن تذهبي للطبيبة و تتحدثي معها قليلا كي تخرجي ما تكتميه عنا و لا اجد سببا لعدم ثقتك بي و هذا يؤلمني.
تركت آية قلمها و طالعتهما بوهن مؤيدة كلام سارة وقالت بتأكيد :
_ معكِ حق يا سارة فأنا أحتاج ان أذهب اليها و اتحدث معها كي لا تنتكس حالتي مجددا اريد ان ابقي قوية امام اي شئ.
نظرت لها سهام نظرة حانية وجلست امامها وقالت بإصرار قوى :
_ كما تريدين يا حبيبتي و لكن اريد ان اعرف سبب حالتك الا يحق لي كأمك علي الأقل و مسئولة عنكِ بكل شئ السئ قبل الجيد ان تقولي لي ما بداخلك و لا تخجلي مني.
فكرت آية قليلا و هي محتارة بين امرين ان تخبرها بما فعله ابنها مروان او ان تستر عليه ربما يهديه الله بيوم و يبتعد عن هذا العالم المظلم..
سحبت آية نفساً طويلا وزفرته مرة واحدة وقد قررت التحدث عما يؤلمها فاعتدلت فى جلستها وطالعت سهام بقوة وقالت بألم :
_ سأخبرك بكل شئ يا خالتي و لكن كل ما اطلبه منك ان تتعاملي مع الموضوع كأن سارة هي من تخبرك بهذا الأمر حينها هل ستتقبلين من زياد امر كهذا او لا اتفقنا.
هزت سهام رأسها بعدما تأكد حسدها بأن مروان هو السبب خاصة بعدما ساءت حالته وعاد لسهره و نومه خارج المنزل فحثتها علي المتابعة قائلة بتوجس:
_ كنت اعلم انه السبب و اعدك انني ساتعامل مع كلامك كأم لك و ليس له لا تقلقي.
لعقت آية شفتيها بتوتر و هي تقول بحزن ارتسم علي ملامحها البريئة:
_ لقد رأيت مروان من شرفة غرفتي و هو يترجل من سيارة أحداهن بعد آذان الفجر و التف حول السيارة و دنا منها و قبلها بشفتيها و انا متأكدة انهما كانا بمكان خاص وبعدما انتهيا اوصلته للبيت، لقد واجهته بما رأيته كذبني و اتهمني بالتوهم.. لقد يأست منه يا خالتي.
أطرقت سهام رأسها بخجل وقالت بضيق:
_ وانا ايضا يأست منه و من أفعاله ، ادعوا الله اليه كثيرا ان يهديه و كما قلت لك انتِ ک سارة و إذا رغبتي بفك خطبتكما و كنتِ متأكدة من رأيك لن امانع مع انني موقنة من عشقه لكِ رغم كل مساوءه.
مررت آية أناملها فى شعرها الناعم الطويل وهي تبعده عن وجهها وقالت بألم :
_ المشكلة عندى انني لا أستطيع تركه او الانفصال عنه فروحي معلقة به رغم كل ما يفعله و اعرفه عنه و انا ايضا ادعو له الله ان يهديه لي.
زفرت سارة بضيق وقالت بهدوء متزن :
_ لا تقلقي يا حبيبتي أنا سأتحدث معه رغم رفضي لافعاله و التي لن أقبلها علي نفسي و لكن طالما رغبتك التمسك به فأنا سافعل ما بوسعي لكي يعود لكِ لانني ايضا متأكدة من عشقه لكِ.
اجابتها آية بنبرة مختنقة وهي تكظم زمام دموعها:
_ انا اعلم جيدا انه يحبني و انا احبه بجنون و لكن لن احتمل طريقته تلك يجب ان يتغير من أجلي فأنا لم اعد اقوى علي احتمال اي شئ جديد فما عانيته يكفيني الا يترفق بحالي.
طالعت سهام سارة و هما حزينتان علي حالها فلو بيدهم لكانوا عاقبوه بحرمانه منها و لكنها تقيد ايديهم...

تركتها سارة و صعدت لشقتها للحاق به قبل ان يخرج كعادته كل يوم ولن تقابله سوى اليوم التالي...
طرقت سارة باب غرفته ودخلت فوجدته جالس على مكتبه يتابع بعض كتبه بشرود.. فجلست أمامه وقالت بهدوء :
_اشتاق اليك رغم اننا نعيش بنفس الشقة.. كيف حالك يا مارو.
اجابها مروان ببرود قاسِ :
_ أنا بخير ماذا تريدين يا سارة؟!
تغاضت عن طريقته الجافة و قالت بإبتسامة خافتة:
_ لا شئ فقط أردت الإطمئنان عليك و التحدث معك قليلا الا يحق لي؟!
ابتسم مروان بسخرية وقال ببديهية:
_ اعلم تلك البداية جيدا.. تريدين التحدث بموضوع آية اليس كذلك؟!
أومأت برأسها نافية وقالت بحزن بادى بنبرتها و وجهها :
_ لا لن اتحدث بموضوت آية و لكنني سأتحدث بموضوع مروان.
اجابها بابتسامة مصطنعه و هو يغلق كتابه ملتفتا لها بجسده :
_ اي موضوع؟! فأنا بخير حال.
تنفست سارة مطولا وقالت بأسى :
_ لا انت لست بافضل حال كما تقول يا مروان و انا الوحيدة التي تشعر بك من ملامحك و اشعر بما يدور بداخلك.
ضحك ضحكة عالية وقال ساخرا :
_ اصبحتي طبيبة نفسية يا سارة.. اتردين مني التمدد علي فراشي كي اقص لك قصة حياتي وطفولتي علي انغام موسيقي هادئة كما يفعلون بالافلام القديمة.
طالعته سارة مطولا في صمت ثم قالت بهدوء متزن:
_ أنا لست بحاجة لان اكون طبيبة نفسية لكي أفهم اخي الوحيد و افهم ما يدور بخلده من مشاعر متناقضة.
استند مروان بمرفقيه علي مكتبه وقال ببرود:
_ ماذا فهمتي مما يدور بداخلي يا بروفسيرة عصرك و أوانك؟!
طالعته بنظرات ثاقبة و ثابتة وكأنها تقرأ كل ما يدور بعقله ويترجمه لسانها قائلة بحزن:
_ من يوم حادثة آية و لقد ذهب اخي الوحيد مع الريح و لم يعد، انت شخصا اخر غير مروان الذى اعرفه تتظاهر دائما بأنك تخطيت الحادث و ما اصاب آية و لم تعد تتذكره ولا يؤثر بك .. و لكنك كما الفحم المشتعل و قد كساه الرماد فيظن البعض انه انطفأ وخبا وهجه و لكنك لو نثرت عليه قطرات ماء ستجده مازال مشتعلا ويأكل نفسه في صمت مؤلم.
ارتفع حاجبي مروان بتعجب من وصفها و كأنها تخترقه و تترجم ما يخبئه عن الجميع بصدره المشتعل.. متسائلا هل اخته الصغيرة قريبة منه لهذا الحد هل تفهمه بسهولة ويسر كما قالت...
تنهد مروان طويلا بأسى فأردفت سارة قائلة برجاء :
_ لن تجد غيري لان تخرج معه كل ما يعتمره صدرك يا مروان اخرجه علك ترتاح قليلا.
رد مروان بتعب أنهكهه وأتعبه وأذابه كالحديد المنصهر :
_ لقد تعبت يا سارة و لم اعد احتمل التظاهر بالقوة أكثر و لا اجد من يشعر بي و بما مررت به.. كلما تطلعت بوجه آية أتذكر يوم الحادثة عندما دخلت غرفتها لأجدها مقيدة من ذراعيها و ساقيها عارية سابحة بدمائها.
تحشرج صوته بعدما تساقطت عبراته و اردف قائلا وهو يكفف دموعه بقوة كانه يرفض ضعفه:
_ حسبي الله و نعم الوكيل فيه لانه لم ينتقم مني بل قتلني دون رحمة او شفقة.. اقسم لكِ انني احبها و لكنني أعاقب نفسي علي شئ ليس له علاقة بي.
قطبت سارة حاجبيها بتعجب و هي تتابع احمرار عينيه و وجهه وقالت بأسى :
_ يا الهي هل تكتم كل هذا بداخلك.. انا اقترح عليك ان تذهب لطبيبة اية فهي من ستساعدك و هي علي دراية بكل الامور.
فقال لها مروان ضاحكا :
_ يكفيني أنتِ يا طبيبتي التي تفهمني من قلبها.
فقالت له سارة بغرور مداعبة إياه وهي تعدل من ياقة قميص وهمية :
_ معك حق يا فتي فأنا بالفعل طبيبة علي مستوى عالي جدا يشهد له الجميع ولكن بمجالي الصيدلة وفقط .
صمتت قليلا وأردفت قائلة بقوة :
_ مروان آية ليست مذنبة بشئ مما حدث فلا تحملها فوق طاقتها فرغم كل ما تفعله و ستفعله تسامحك بحب فلا تستغل حبها و تظنه ضعفا لتستمر في ايذائها.
اومأ برأسه متفهما لما قالته و قال بضيق:
_ اعلم ذلك جيدا كل ما احتاجه بعض الوقت كي اعود كما كنت فالامر ليس بهذه البساطة يا سارة.
وقفت ونظرت له بحزم وقالت بنبرة محتدة و بها تحذير قوى :
_ لو أذيت آية مجددا لن اسامحك بحياتي كلها يا مروان و ساعتبر انه كان لي بيوم اخ... و مات.
خرجت وتركته يصارع افكاره المتخبطة ، بدل ملابسه وخرج وهو شارد بكلامها الصادم ....


انتفض زيد واقفا و هو يستمع لكلمات الضابط المساعد له و قد اتسعت عينيه بذعر و قال بغضب اعمي:
_ اعد ما قلته مجددا.
تنفس الضابط بلهاث من ركضه و قال بنبرة مختنقة:
_ لقد رصدنا مكالمة بأنه سيتم اغتيال الانسة راما ابنة رجل الاعمال فؤاد و التي كنا مكلفين بحراستها في تمام الساعة التاسعة مساءً يا سيدى بمنزلها.
حمل زيد سلاحه و ركض قائلا بصرامة:
_ اخبر اللواء بما حدث و اطلب منه ان يخبر والدها بالامر و انني سأذهب اليها بمفردى استطيع الدخول لبيتها دون ان يراني احد و اكد عليهم الا يتدخل احد من المؤكد انها مراقبة انا سأخرجها من البيت بنفسي و اخفيها اتفقنا.
اومأ له الضابط برأسه و قال مؤكدا:
_ معك حق بالفعل البيت مراقب و امامنا اثني عشر ساعة حتي المساء.
توقف زيد مكانه و قال بعد تفكير حذر:
_ اخبره ايضا اننا سنشكل كمين لتلك العصابة كي نستطيع الايقاع بالمحرض الرئيسي، انا ساخفي راما بعيدا و اعود سريعا اتفقنا.
اجابه مسرعا:
_ اتفقنا لا تقلق وفقك الله.
ركض زيد خارجا من مركز الشرطة و هو يصطدم بكل من يقابله حتي وصل لسيارته صعدها و ادارها و اخرج هاتفه و عبث بشاشته قليلا و انتظر حتي اجابه فقال مندفعا:
_ حازم انا احتاجك بشدة.
وصله صوت حازم قائلا:
_ زيد.. ما بك هل انت بخير؟!
انطلق زيد بسيارته و قال مسرعاً:
_ راما مازالت في خطر و انا سأذهب لبيتها لتهريبها و لا اجد مكانا اخر لإخفاؤها و اكون مطمئن عليها سوى عندك فالجميع يعلم انني اريد ان اتزوجها و بديهي بيتي سيكون مراقب.
اجابه حازم بنبرة هادئة:
_ معك حق انا سأهاتف أمي لاخبرها كي تستعد لاستقبالها لا تقلق و سأضع بعض المخبرين لحراسة منزلي رغم تأكدى من انك ستهرب من الملاحقة ببراعة يا صديقي.
تنفس زيد براحة و قال له بقلق:
_ اموت من رعبي عليها يا حازم فإن مسها سوء لن احتمل ثانية بعدها.
تعالت ضحكات حازم و قال ساخرا:
_ لا تقلق ستكون بخير و لن يصيبها مكروه الاهم ان تكون مقدرة لتعبك و الا تخذلك بيوم يا زيد
طالع زيد الطريق المزدحم بنفاذ صبر و هو يقول:
_ عامة ستبقى عندكم فترة حينها ستتأكد ان كانت كما تظن ام تستحق حبي و عشقي لها.
تنهد حازم بأسي و قال:
_ المهم الآن ان تهدأ كي لا تخطأ لو شعروا انك ستهربها سيقتلوها فورا وانت تعلم ذلك جيدا.
اجابه زيد قاىلا بتذمر:
_ شكرا جزيلا علي طاقتك الايجابية يا حازم كنت احتاجها.. عامة سابقى على اتصال معك.
و اغلق الهاتف و تابع طريقه حتي وصل لبيت راما وقف خلفه بمكان منزوى بسيارته..
و سار قليلا حتي بيت جيرانهم وقفز علي سور قصير و دلف للداخل ببطء شديد.. سار به حتي وصل للسور الفاصل بينه و بين بيت راما و تسلقه حتى اصبح فوقه و ارتمي بجسده داخل الحديقة متأوها...
التفتت راما علي صوت ارتطامه وصرخت بفزع.. وقف زيد مسرعا وتقدم نحوها راكضا و كمم فمها بكفه و هو يقول بهمس:
_ اخفضي من صوتك يا مجنونة انا زيد.
اومأت برأسها فأزال كفه ببطء.. فقالت له بقلق:
_ ماذا تريد مني؟! وكيف دخلت الا هنا؟!
تطلع حوله بقلق و قال هامسا:
_ سأخبرك بكل شئ ولكن اولا ستأتين معي الان دون نقاش.
عقدت ذراعيها أمامها و قالت بإبتسامة ساخرة:
_ آتي معك بهذه البساطة.. معجبة بثقتك بنفسك يا غنام.
رفع زيد عينيه بملل و قال:
_ زيد اسمي زيد لا وجود لغنام ذاك انا زيد هل حفظته؟!
تركت الفرشاة من يدها وحملت منشفتها لازالة الالوان من كفيها و قالت بلامبالاة:
_ اية كان لا فرق لدى و الان غادر قبل ان يأتي ابي حينها ستتأذي.
جذبها من ذراعها و قال بصرامة حازمة:
_ راما انا هنا لحمايتك و ستأتين معي لانه مازال هناك خطرا علي حياتك.
تعالت ضحكاتها و هي تقول بسخرية:
_ بعدما يأست من رفض ابي ورفضي اخترعت تلك الحجة كي تقابلني اليس كذلك؟!
صفع زيد رأسه و قال بضيق:
_ ماذا فعلت بحياتي كي تبتليني يا رب بتلك المصيبة؟!
احتدت نظرات راما و قالت بغضب ارتسم على ملامحها:
_ انا مصيبة؟!! وانت معدوم الذوق و انا لا اريد رؤيتك مجددا يا غنام اخرج كما دخلت كي لا اجعل الحراس يخرجوك بطريقتهم.
هدأ من انفعاله و اقترب منها قائلا و هو ينفذ لعقلها عن طريق عبنيها علها تصدقه:
_ جائتني اخبارية منذ قليل بأنك بخطر و ان لم نخرج حالا من هنا ستموتين و حينها سأرتاح منك للابد.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي