الفصل الرابع والثلاثون

مد يده بكوب العصير الذي أمامه ناظرًا إليها وهو يشخص بنظره إلى الكوب لتلقفه لكنها ظلت ثابتة لا تدرك ما يدور حولها، إلى أن ناداها باسمها ثم أشار إلى الكوب الذي بيده قائلًا: اتفضلي!
شبح ابتسامة ظهر على جانب ثغرها وبيد مرتعشة من شدة ما كانت تمر به في عقلها من كثرة ما يحدث به الآن التقطته لكنها اسقطته من يدها، نظرت إليه بأسف قائلة بصوت مبحبوح: آسفة!
لم يعلم ما عليه فعله فقط نظر إليها دون حراك ولكنه للمرة الأولى الذي يشعر بذاك الشعور، شعور الضعف، الإذلال، الخذلان، لا يعلم لكنها مشاعر متداخلة لا يستطيع تحديد ماهيتها فقط يريد أن يقوم من مكانه يأخذها بين أحضانه يخبرها أنه هنا، ليست وحدها هو الأمل الذي فقدته في حياة لا تلعم معنى الإنسانية فقدت مشاعرها في سبيل السعي وراء أوراق ملونة لتضعها في المقدمة وكل ما يخص الإنسانية موجود في الخلف
قام من مكانه ثم أخرج بضع وريقات واضعًا إياها علة الطاولة، جاذبًا إياها من مكانها: يلا
نظرت إليه دون استيعاب لكنه ابتسم قائلًا: قومي معايا
قامت من مكانها دون نقاش، وفي الحقيقة لم ترد التحدث فقدت ذهبت بعيدًا تهرب من مشاعر طاردتها عمرًا
وبالضغط ولجت داخل سياته، نظرت إليه دون فهم لكنه ابتسم قائلًا: سيبيلي نفسك بقى النهاردة وهبهرك
لم تعلم ما الذي عليه قوله لكنه خدمها عندما قال: ومافيش مجال للرفض ومش لازم تتكلمي جاهرز، يلا بينا
وفي ثانية كانت السيارة تنطلق بسرعة وهي تبتسم سيعدة بما يحدث، تعلم حق المعرفة أنه لا تعلم عنه شيئا لكنها تريد أن تعش يومًا واحدًا دون التفكير
********************************************************************************************************************************************لللمللمرة التي لا يعلم عددها أخبره أن تجلس في مكان ما لكنها نظرت إليه قائلة دون الإلتفات لما أخبرها إليه للتو: يعني دلوقتي هي عامل ايه؟ عايزة حصل ايه ليهم؟ والحيوان ده قالها ايه
أنا عرفاه ده ماعندوش مشاعر ده حيوان حيوان
جذبها من ذراعها جابرًا إياها أن تجلس بجانبه ثم أخبرها بأن تأخذ شهيق وتزفره بإريحية، كانت على وشك التحدث إلا أنه أجبرها على فعل ما أراده: ها.. أحسن
هزت رأسها إيجابًا: أحسن، بس قلقانة عليها
أجابها بهدوء: ما تقلقيش عليها طول ما عمران معاها
هاجر: ده اللي قاقلني أكتر
سُهيل: تقصدي ايه؟
هاجر: ماقصدش حاجة وحشة والله أنا كل اللي أقصده انهم كل ما بيشوفوا بعض بيتخانقوا وممكن يقلبوا على بعض، خصوصا أنها كانت خارجة متعصبة أوي وأخوك كمان ماكنش أقل منها عصبية مع أنه كان بيبين غير ده
التفت ليواجهها وعيناه تلمعان بشدة قائلًا: صدقيني يا حبيبتي عُمران مش متسرع ومادام قرر قرار زي ده يبقى هو فاهم هيعمل ايه، دلوقتي بقى يلا نروح عشان ماحدش يقلق عليكِ في البيت
هزت رأسها إيجابًا ثم قامت مرضخة لما قاله
*************************************************************************************************************************************
ها يا جويرية، عرفتي هتعملي ايه؟
أجابتها بتلقائية: طبعا، هسأله وأقوله من الآخر يا أبيه كده أنت بتحب حور ولا لا؟
ضربت ديمة كف يدها بجبهتها قائلة بتذمر: الله يخربيتك يا شيخة، أنتِ يا بت غبية؟
أجابتها بعدم فهم: ليه بتقولي كده؟
جريرية: يا بنتي احنا بقالنا ساعة بخنخطط، هو ده اتفقنا
جويرية: ما بصراحة أنا نسيت
قامت ديمة من مكانها بعصبية: تصدقي أنا غلطانه إني اعتمد عليكِ، قومي خلينا نروح من هنا قبل ما ارتكب فيكِ جريمة
جذبتها جويرية من ذراعها: استني بس، تعالي وفهميني بالراحة
أخرجت زفير في محاولة منها أن تهدأ نفسها: اسمعي يا جوري، عُمران أخوكي بيحب حور اللي هي أختي يعني
جويرية بغباء: اه
حدثت ديمة نفسها: اهدي ما تتعصبيش هي غبية اه بس طيبة واحنا هنحاول نتخطى ده تمام، تمام
لكزتها جويرية على كتفها: أنتِ بتكلمي مين؟
ديمة/ مش مهم، خلينا في اللي احنا فيه
جويرية: تمام
ديمة: بصي بقى هتعملي ايه مع أخوكي، هتروحي بكل بساطة تقوليله تصدق يا أبيه دي حور متقدملها عريس، ومش بس كده دي مامتها موافقة ومرحبة جدا، طبعا هيسألك ليه
نظرت إليها بغباء قائلة بهدوء قاتل: صحيح ليه يا ديمة مامتك موافقة
ديمة بغضب: يا صبر أيوب، وهو في عريس من أصله
بغباء اجابتها: الله، مش أنتِ اللي لسة قايلة
ديمة: لا كده كتير بجد كتير، اتصليلي بأخوكي هو هيتصرف
ضحكت جويرية قائلة: خلاص والله أنا كنت بهزر معاكيديمة: يا ست وهو ده وقت هزار
ديمة: آسفة بس كان شكلك مسخرة
ديمة: المهم، هتعملي ايه؟
جويرية: بصي يا ستي، هقوله أن حور اتقدملها عريس من قرايبهم ومامتها مرحبة جدا وهو انسان كويس ومستقبله كويس خصوصا أنه مسافر برا مصر وهيستقر هناك وحور هتقدر تتقدم في حياتها وتشوف نفسها بعيد عنكم
ديمة: برافو عليكِ
جويرية: طب وأنتِ؟
ديمة: لا حور حوار طويل بس هظبطها
ابتسم اثنتاهما لبعض البعض داعين من داخلهم أن ينجحوا فيما يفعلونه
********************************************************************************************************************************
في المساء..............
قامت جويرية بعدما أغلقت الهاتف مع صديقتها، وهي تردد ما عليها فعله الآن
ذهبت إلى غرفة شقيقها وهي تحضر نفسها لما عليها فعله لكنها لم تجد رد، فتحت الباب بهدوء لتجد شقيقها سرحًا في أفكاره مبتسمًا للاشيء
كان في عالمه الخاص يتذكر ما حدث عندما شاهدت نفسها بمدينة الملاهي التي طالما خططت للذهاب إليها لكنها لم تجد فراغ كافٍ لنفسها، نظرت إليه بأعين دامعة قائلة بشكر حقيقي: أنا متشكرة
هز رأسه قائلًا: يلا بينا
حور: عرفت منين؟
عُمران: مش محتاجة أعرف كلنا نفسنا في يوم نرجع فيه أطفال، يلا بينا
حور بإبتسامة: يلا بينا
بدأوا بالألعاب الخفيفة التي لا تحتاج إلى مجهود مثل لعبة السيارات أو الدولاب الفاف
لكن وقت حضر لعبة قطر الموت وقفت أمامها بتوجس قائلة: مش لاعبة
عُمران: ايه حركات الأطفال دي بقى مش أنتِ اللي كان نفسك تركبيها
حور: نفسي اه، لكن اركبها لا ماليش فيه
عُمرات: يا ستي أنا قطعت التذاكر
حور: والله لو قطعت مليون تذكرة ما هلعبها
عُمران: طب أنا نفسي اركبها
حور: اركبها وأنا هشجعك من هنا
ضحك عُمران ثم جذبها من يدها غصبًا قائلا: يلا بقى، هي مش هتيجي غير كده
ركبت معه راضخة لرغبته لكن ما أن تحركت اللعبة حتى بدأت في الصراخ، ثم بعدها بدأت في جذب عمران من رقبته بهسترية دون أن تشعر وهي تصرخ: يا عم وقف أنا غلطانة، أنا عيلة صغيرة نزلوني
حاول الفرار منها مرددًا بألم: طب سيبيني
حور: مش سيباك أنت السبب في اللي احنا فيه ثم صرخت مرة ثانية: نزلني
عُمران: انزلك ازاي يعني بالبرشوت
حور: منك لله يا عُمران، حسبي الله ونعم الوكيل
عمران بألم وهو يجيبها بصوت عالي: دي أخرتها يا جزمة، أنا اللي غلطان عشان كنت عايز أروق عليكِ
حور: تروق عليا ولا تخلص عليا، طب كنت قولي كنت انتحرت وريحتك
عُمران: احنا فيها نطي
وقتها فقط بدأت اللعبة أن تبطء من حركتها ثم وقفت بين ضحكات من كان قريب منهم، وقت أن شعرت بأن اللعبة توقفت عن الحراك، بدأت أن تستعيد شتات نفسها مرة أخرى وهي تردد الشهادة من بين شفتاها، لكناه وقتها أدركت ما فعلته به، لذلك قالت: آسفة
عُمران: هش، خليني ارتب نفسي الأول، ثم قام من مكانه بهدوءدون أن ينطق ببنس شفة، قامت وهي تجري خلفه لكنها توقفت فجأة عندما نظر إليها: تفتكري أن مجرد أسفك على الهباب اللي عملتيه جه هينفع؟
بللت شفتها السفلية بطرف لسانها: أنا.. صدقني والله.. بس أنا حذرتك.. هو لكن بدأ صوتها في التشنج: آسفة معلش
اقترب منها سريعًا عندما شعر بتحشرج صوتها: حور، حور بصيلي والله أنا بهزر آسف، ماتعيطيش
حور: يعني بجد مش زعلان
عُمران: لا طبعا أنا كنت بهزر، مع أنك بهدلتي أهلي
مسحت دموعها بكف يدها: ما أنا قولتلك بلاش
عُمران: بس خلاص الغدا على حسابك بقى
حور: موافقة.. يلا بينا

فاق من ذكريات يومه على صوت شقيقته ولكزاتها الوراء بعضها البعض: أبيه، يا أبيه
عُمران بضيق: ايه في ايه؟
جويرية: في ايه بس بقالي ساعة بكلم حضرتك
عُمران: وماخبطيش ليه؟
جويرية: خبط والله بس حضرتك ماسمعتش تقريبًا، هو أنت اضايقت
عُمران: لا يا حبيبتي أنا بس اللي سرحت شوية، كنتِ عايزة حاجة؟
فكرت جويرية فيما ستخبره به وما سبب دخولها إلى غرفته قالت في نفسها: يلا يا جويرية فكري.. فكري
انتبهت على صوت شقيقها المنادي باسمها: جويرية في ايه؟
نظرت إليه بابتسامة: ولا حاجة يا أبيه كل الموضوع اني محتاجة 300 جنية عشان في كتاب لازم اشترية وملزمة
عُمران: بس كده أنتِ تؤمري يا قلبي، ثم قام من مكانه ليحضر محفظة نقوده ليخرج منها بضع وريقات، مادًا يده بإبتسامة: خدي يا حبيبتي
أخدتها منه جويرية ثم قالت: بس دول 600 جنية
عُمران: عشان لو محتاجة حاجة تانية وكسوفة تقولي
رمت نفسها بين أحضانه وهي تشكره وقبل أن تخرج وقفت قائة بلؤم: صحيح يا أبيه هو حضرتك جيبت الميك آب من محل حور
توترت ملامحه: وأنتِ تعرفي حور منين؟
جويرية: أصل أختها ديمة معايا في الكلية وفي نفس سني شوفت الصدفة
عُمران: فعلًا
جويرية: اه حتى كنت قاعدة مع ديمة النهاردة وقالتلي أن حور متقدملها عريس يجنن
انتفض عُمران وقتما سمع عن ذلك العريس مرددًا كلمتها: عريس!
نظرت إلى ملامح شقيقها المتوترة وابتسمت عالمة أن شقيقها قد ابتلع الطُعم لتكمل: آه بتقولي عريس زي القمر طول بعرض وملامح شرقية جميلة وعيون ملونة
قاطعها بغضب: في ايه يا جويرية هو أنتِ بتوصفي صحبتك؟
جويرية: يا أبية مش بقولك اللي أختها قالتهولي
عُمران بتوتر: وحور موافقة بقى على كده؟
حاولت أن تخفي ابتسامتها عن شقيقها قدر الإمكان: حور ماتعرفش
عُمران: ماتعرفش ازاي وهو العريس ده متقدم مثلا لمامتها
جويرية: لا مامتها طلبت من ديمة انها ماتقولش ليها وتستنى لما تقولها وماجاش وقت امبارح تقولها عشان كانت تعبانة، وعشان كده قرروا يقوللها النهاردة
عُمران: ومامتها موافقة بقى
جويرية: طبعا، أصله قريبهم وكمان بيشتغل مهندس في تركيا ومستقر هناك ومامتها شافت أن دي فرصة كويسة عشان تخلي حور تبدأ من جديد بقى
عُمران: من جديد اللي هو ازاي يعني؟
جويرية: على أساس أنها اللي كانت شايلة البيت وكده وتستحق تشوف نفسها شوية
هز رأسه بتفهم ثم أمرها بأن تذهب خارج الغرفة ليستريح قليلًا
خرجت ثم أخذت اتفها فور أن دلفت إلى غرفتها تخابر صديقتها: ديموو الخطة نجحت
ديمة: وعندي أنا كمان؟
جويرية: بسرعة احكيلي
ديمة: بصي يا ستي
نظرت إلى شقيقتها المبتسمة منذ أن دلخت من باب الشقة قائلة: صحيح يا حور، هو أنتِ ترعفي حد اسمه عُمران؟
توترت ملامحها: تعرفيه منين؟
ديمة: ده أخو جويرية اللي اشترى ليها الهدية، وجويرية صحبتي في الكلية
هدأت قليلًا: بجد، وايه عجبتها الهدية
ديمة: جدًا
حور: طب الحمد لله
ديمة: بس اسكتي بتقولي بقى ان عُمران عنده حتة سكرتيرة قمر
سيطرت مشاعر الغيرة عليها: بجد والله، طب وايه المشكلة
اقتربت منها ثم جلست على فراشها: بتقولي عينيها منه، ومامتهم مرحبة أوي
حور: يا سلام
ديمة: لا ومش بس كده ده كمان قريبتهم عينيها عليه
حور: وهو عارف بقى
ديمة: البت جوري بتقولي عامل فيها مش واخد باله بس الظاره كده انه بيحب جديد وبتاع
حور: اه فعلا
ديمة: مش عارفة بقى
ديمة: وبس يا ستي سبتها وهي بتاكل في نفسها ربنا يسترها على أخوكي بقى
ضحكت الإثنتان وهم لا يعلمون أن كلا من اشقائهم على وشك الدخول في حياة جديدة لا يعلموا هل ستداوي ما مر به أم ستكون بداية كارثة حقيقة

يتبع
رحاب_قابيل
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي