الفصل الرابع والخمسون

تعبير بالحقد والإشمئزاز يعلو وجهه الوسيم وهو ينظر إلي الصورة التي علقها للتو،وهو يضع علامات الإكس عليهم ،وعلى وجهه إبتسامة جانبية تعتلى وجهه وشرر من الحقد يتطاير من خلال عيناه الرماديتين ،وبنبرة غليظة قال:
-قريب أوي هنتقابل..ولعبة إنتقامي ليكم بدأت..قريب!
**************************************************************
تعدو سريعا ،وهى تمر بجانب الطريق دون أن تعطى إهتمام لتنظر إلي ما حولها.
فتحت حقيبة يدها وهى تحاول أن تخرج جوالها الذى يعلوا رنينه،ولكن صوت فرمال سيارة أشبه بالزأير جعلها تنظر إلي الطريق بخوف مجمدة وهى ترفع يدها لأعلى بطريقة مسرحية:
لا إله إلا الله
-أنا كنت نازل على أساس اتخانق
لم تجيبه..لم تنفعل علي غير طبيعتها المتسرعة..حتي إنها لم تنزل يدها..بل ظلت تنظر إلى الواقف أمامها بتقاطيع وجهه الرجولية وأنفه الإرستقراطي وطول قامته ..لم يكن وسيم كثيرا ،ولكن لديه جاذبيه من نوع خاص..تجعلك تنجذب إليه دون إرادة منك ،وأنت سرح في عيناه الرمادية.
فاقت من شرودها علي نبرة صوته الرجولية قائلا:
-وهتفضلى رافعة إيدك في الهوا كده؟
صبا:
ها!
نظر لها بتأفف وعدم إهتمام قائلا:
أرجوكى ابقي بوصى للطريق وانتي بتعدى..عن إذنك بقى علشان أتأخرت عن شغلى
بنبرة سريعة أوقفته:
استني عندك هنا
نظر لها ببرود وهو يردد جملتها بنبرة متسائلة:
استني عندك هنا؟ أنا يتقلي استنى عندك هنا؟!
بخوف أجابته:
أ..أيـ..أيوة طبعا
-تمام..هعديها علشان انتي ماتعرفنيش وشكلك لسه طفلة مش مستوعبة التعامل مع الأشخاص يبقي إزاي؟..اتفضلي سامعك!
تخطت نبرة تهكمه:
-مش المفروض تسألنى لو كان جرالى حاجة ،وتشلنى ،وتودينى المستشفى ،وتطمن عليا وكده
ضرب كف فوق كف وهو يخرج نظارة الشمس من جيب بنطاله،ليضعها فوق وجهه لتزيده جاذبية قائلا:
-إنتي بتتفرجى على مسلسلات تركى أو كورى صح؟
صبا ببلاهه:
-أيوة كتير
ببرود أجابها:
ماتبقيش تتفرجى تانى
ثم ابعدها عن الطريق ليدلف إلى سيارته ..تاركا إياها،وهى تنظر بهيام :
-قمر إبن اللذينة..قمر
أخرجها من هيامها صوت رنين جوالها مرة ثانية لتجذبه من حقيبتها،ابعدت جوالها عن أذنها عندما تهادى صوت صديقتها ياسمين:
-انتي فين يا حيوانة؟بقالى ساعة مستنياكى،وكمان متأخرة أول يوم
صبا:
-معلش معلش...أنا في الطريق أهو
ياسمين:
اخلصى يا صبا بقي..عندنا محاضرة أصلا
صبا بصدمه:
نعم؟من أول يوم!
ياسمين:
وانتي مفكرة نفسك لسة فى المدرسة
صبا:
خلاص..خلاص ..حاضر جاية أهو
*********************************************************
لم تعى ما تفوه به للتو..ماذا ؟..ماذا قال؟!..من أنا؟
أجابته:
-أنت..أنا..أروى... مراتك يا حبيبى!
ومدت يدها لتضعها على وجهه،ولكنه أبعد نفسه:
-مراتى منين؟..وإزاى؟!..أنا أساسا مش متجوز!
وقف جميع من بالغرفة كأن علي رؤوسهم الطير..كانت أعين الجميع تتفرس فيه حتي كادتا تخرجان من محجريهما:
قطع "آدهم"الصمت قائلا بصوت متعب:
أنتم واقفين كده ليه؟ وإيه....
صداع مؤلم إجتاحه ليرفع يده واضعا إياها علي موضع الألم:
ااااه...
فاقت من شرودها عندما رأته يتألم متغاضية عما قاله للتو..ذهبت سريعا إلي الطبيب ،الذى ما أن شاهد "أروى"بتلك الحالة ذهب خلفها سريعا ليدلف إلي الغرفة.
أمر الطبيب الممرضة أن تحقنه بمهدئ ليرتاح قليلا ..أمرا الجميع بالخروج
أسئلة كثيرة تبادرت في ذهنها،ولكنها لم تستطع التحدث،إلا أن عمر قاطع تساؤلاتها التي تروادها ،وهو يوجه سؤاله إلى الطبيب قائلا:
دكتور ده ما أفتكرش مراته؟
الطبيب:
الخبطة إللي في دماغه كانت جامدة ،وده شئ وارد حدوثه
عمر:
مش فاهم..ممكن حضرتك توضح
الطبيب:
الخبطة إللي اتخبطها في دماغه في الحادثة أثرت علي مركز الذاكرة،وده بيبقي حاجة نادرة بس ممكن يحصل
عمر:
يعنى؟!
الطبيب:
يعنى باشمهندس "آدهم"جاله فقدان ذاكرة مؤقت
عمر:
يعنى ممكن ينسى بعض الأشخاص
الطبيب:
أيوة
عمر بتساؤل:
والفترة دي ممكن تبقى أد إيه بالظبط؟
الطبيب:
ممكن تبقى أسبوع
إحساس بالراحة إجتاحها وهى تحاول طمئنت نفسها ،ولكن..
الطبيب:
وممكن تبقى أطول ما قدرش أحدد الوقت
نظرت "أروى"إلى الطبيب قائلة بصوت متقطع:
يعنى...يعنى هو...ممكن..
أكمل جملتها:
مايفتكركيش
هزت رأسها إيجابا،ليسترسل في حديثه:
ماقدرش أجذم..بس من خلال المتابعة هنقدر نحدد..دلوقتى عن إذنكم
ثم تركهم لتتهاوى هى أرضا،تضم يديها بشدة إلى وجهها:
ممكن مايفتكرنيش يارحاب
جلست بجانبها ،تبعد يداها من أمام وجهها ،ناظرة إليها بأعين دامعة ،تحاول منعها من السقوط:
-بس أقله فاق..وبقى معاكى،وإنتى ماينفعش تستسلمى
أروي:
وافردي ما أفتكرنيش
رحاب:
هيفتكرك يلا قومى ،وأرجعى أروي القوية إللى عمرها ما فقدت الأمل
أرتمت بأحضان صديقتها وهى تشدد من قبضتها تستمد منها الأمان.
حول عيناه عنهم ناظرا إلى صديقه..الذى إرتسمت علي ثغره إبتسامة جانبية ،وهو ينظر إليها بجنون قاتل
أنت بتضحك علي إيه يا عبد الرحمن؟
خرج من شروده على صوت صديقه:
ها!..هضحك علي إيه يعنى يا عمر؟هو في حاجة تضحك؟
عمر بشك:
ما تقول لنفسك
عبد الرحمن بتلجلج:
أنت..أنت..بس هتلاقيك بيتهيألك حاجات

أنقذه صوت الممرضة القائلة:
باشمهندس آدهم فاق!
قفزت من مكانها قائلة:
وهو إيه أخباره دلوقتى؟ينفع أدخل أشوفه؟
الممرضة:
لا ..هو طالب يشوف باشمهندس عمر وباشمهندس عبد الرحمن
بس ياريت ماطولولش جوا علشان يقدر يرتاح..عن إذنكم
***************************************************************
في الجامعة وبالأخص في كلية العلوم...
ياسمين:صبا ... صبا
انتبهت لها الأخيرة وذهبت إلى صديقتها تجلس بجوارها:
-قلبى اللي بحبه قد البحر وسمكاته
ياسمين:
ولو..ولو..مش مسمحاكى ماتحاوليش
صبا:
ماخلاص بقى وإنتى زى القمر النهاردة كده
ياسمين:
بردوا لا
صبا:
كك نيلة فى شكلك وانتى حلوة كده..أنا عارفة انتي هتيجى بإية
ياسمين وهى تنظر لها بطرف عيناها:
إيه؟!
صبا:
بدى..أخرجت من حقيبة يدها قالب حلوى لتأخذه ياسمين من يدها سريعا:
لا..لالا..ماتقوليش ..الله الشيكولاتة البيضا بتاعة سويسرا
صبا:
علشان ننول الرضى يا جميل، ومش بس كده ده أنا أخدتها من بوق الأسد
ياسمين:
رحاب؟
صبا:
لا مريم
سكتت عن الحديث عندما نغزتها صديقتها لتنتبه الاخيرة وتنظر أمامها قائلة:
مش معقول!...الصاروخ ؟!
عقدت حاجبيها قائلة بإستفهام:
صاروخ إيه؟
صبا:
هششششش ...استنى هقولك بعدين...علشان شكله هيتكلم!..
-السلام عليكم أنا دكتور سراج العوضى هدرسلكم الكيميا...والنهاردة بما إنه أول يوم فممكن أقولكم الأساسيات،ونخليه يوم خفيف بدل ما تدعوا عليا وأنا الحقيقة مش ناقص
ضحك كل من في المدرج علي تعليقه الساخر إلا هى كانت تنظر له بهيام ملاحظة إياها صديقة دراستها:
صبا:
هيييييييييييييييح...صارووخ
ياسمين مقلده إياها:
هييييييييييييح،وصاروخ...لا وربنا لازم أعرف
صبا:
هحكيلك أصل...
قاطع حديثها صوته الجهورى قائلا:
الآنسة اللي بترغى ورا..
لم تعر إنتباها كثيرا لكلمته إلا أن صديقتها نظرت لها وهى تحاول أن تنبهها قائلة بهمس:
بيقولك إنتى!
صبا بسعادة:
بجد؟
ياسمين بإستغراب:
إنتى فرحانة؟!مكملة جملتها بفزع وهى تتذكر ما كانت تفتعله بمدرسيها
لا لا..استنى، لا...
صبا بسعادة:
آه...أتفرجى ثم قفزت من مكانها:
أيوة؟ ...أفندم؟
سراج:
كنت بقول إيه؟
صبا بمشاكستها المعتادة:
لا والله ما أخدتش بالى...بس فى حاجة ممكن نقدر نعملها تخلينا نعرف!
سراج بإستغراب:
إللى هى إيه؟
صبا:
حضرتك تعيد اللى قولته وأنا أقولك ...شوفت سهلة أهية بس أنتوا اللي بتعقدوها ياجودعان
سراج بغضب:
إنتى جاية تستظرفى؟
صبا:
لا أهرء...كركركركركركركر
ليضحك كل من بالمدرج علي دعابتها
وضعت ياسمين يدها فوق رأسها بيأس قائلة في سرها:
كنت عارفة أقسم بالله..فصلنا علي إيدك يا صبا
سراج:
تعرفى إني لولا مش عايز أأذى حد كان زمانى واخد اسمك ومشيلك المادة
صبا:
الاهى تنستر
سراج:
بس هطردك برا محاضرتى علشان تتعلمى الأدب..
صبا بهمس:
إلاهى تنفضح
انتى واللى جنبك على فكرة
قفزت ياسمين من مجلسها:
طب وأنا ذنبى إية؟
سراج ببرود:
علشان كنتى بتتكلمى معاها..يلا اتفضلوا أنتوا الإتنين برا
إلتقطت حقيبتها بإبتسامة على غرار صديقتها التى كانت على وشك الإنفجار من شدة الإحراج قائلة لها بهمس:
منك لله يا صبا
صبا:
يصبر عليا هو لسة شاف حاجة
ياسمين:
طب يلا ياختى يلا
ولكنها قبل أن تذهب للخارج نظرت له هامسة:
متشكرين يا ذوق
رسمت على ثغره إبتسامة سرعان ما سحبها..وهو يدير وجهه عنها ليكمل ما بدأه منذ قليل
****************************************************************
فى المشفى....
عمر بإبتسامة:حمد الله علي سلامتك يا ديمو
أجابه وهو يحاول الإعتدال ، إنتبه له "عمر"ليقوم بمساعدته وهو يضع وسادة خلف ظهره:
آدهم:ايه اللى حصل بالظبط؟
عبد الرحمن وهو يجلس أمامه:إحنا اللى عايزين نعرف إيه اللى حصلك!
آدهم بعدم فهم:إللى هو إزاى؟
عمر :ناس شافوك على الطريق وأنت مسافر مقلوب بالعربية بتاعتك واتصلوا أممم بيا وقالولى إنك عملت حاثة
تفادى "عمر" ذكر "أروى"متذكرا كلام الطبيب له
(فلاش باك)
الطبيب بتحذير:ماتجيبوش سيرة مراته قدامه نهائى
عمر:ليه؟
الطبيب:ممكن يحصلوا إنتكاسة ويرجع للغيبوبة تانى ،وساعتها مش هنقدر نعمله حاجة
خرج من شروده على صوت صديقهم الثالث"عبد الرحمن"
أنت ليه سافرت في اليوم ده يا آدهم؟
عمر:فعلا ليه يا آدهم؟!
أجابهم غير متذكر أى أحداث تذكر:مش عارف ومش فاهم حاجة؟ ليتذكر شئ هام:صحيح مين اللى كانت واقفة دى وبتقول إنها مراتى
نظر الإثنان إلى بعضهم البعض ليقول له "عمر" أول ما تبادر فى ذهنه:
سكرتيرتك
آدهم:
سكرتيرتى؟!
عبد الرحمن:
أيوة طبعا..شغلتها قبل سفرك بشهر
آدهم:مش فاكر خالص
عمر:ماتضغطش على أعصابك وده شئ عادى الدكتور قلنا عليه لحد ما فقدان الذاكرة المؤقت يعدى
آدهم:تمام
***********************************************************
أشار لها بالدخول وهو يكرر عليها نفس حديثه الذى قاله لها منذ قليل:
-أروى ..إنتى دلوقتى..سكرتيرته،إنتي ايه؟
نظرت له وهى تحاول إقناع نفسها مرددة:
سكرتيرته..أنا سكرتيرته..سكرتيرته
-إنتى بتقولى ايه؟
ألتفتت خلفها لتجده واقفا بشموخ ينظر لها بدهشة..يا الله كم اشتاقت له..تريد أن ترتمى بين أحضانه الأن لتخرج كل ألم مرت به منذ غيابه عنها
أخرجها من شرودها طقطقة أصابعه أمام عينيها :
انتى بتقولى ايه؟
أجابته ببلاهة؟
أنا مراتك مش سكرتيرتك
-أفندم!
-لالا..أقصد أنا سكرتيرتك مش مراتك
-أنا يستحيل أكون شغلت عندى سكرتية بالغباء ده
أجابته بنيران سوداء داخل عيونها:
-مين دى اللى غبية؟
بعدم إهتمام:
-بقولك ايه..روحى شوفيلى حاجة أشربها يلا
كانت على وشك الرد إلا أن نظرة من "عمر"أوقفتها لتشيح بنظرها بعيدا عنه وهى تدلف خارج الغرفة بهدوء يختلف عن ما تشعر به داخلها الآن ..لذلك لم تعر إنتباه لتلك الإبتسامة التى أرتسمت على فاه صديقه
****************************************************************
فى أحد المطاعم بولاية نيو جيرسيى التابعة للولايات المتحدة الأمريكية فتاة في الثامن والعشرون من عمرها تمتلك عيون زرقاء وشعر كخيوط الشمس ذات بشرة بيضاء ناصعة كالثلج ووجنتان متوردان فارعة الطول ذو جسد ممشوق
ممسكة بكتاب تنظر إليه بعدم إهتمام تأخذها أفكارها بعيدا لليوم الذى أعترف به بعشقه لها أمام جميع من بالجامعة ..كانت آن ذاك في عمر العشرون تدرس إدارة الأعمال والأشهر بكليتها بجمالها الطبيعى الذي يلفت جميع انظار من بالجامعة..
فى هذا اليوم ..كانت واقفة بجانب صديقتها عندما آتى شاب فارع الطول يرتدى قميصا وبنطال من فترة الستينيات يعتلى وجهه نظارة سميكة للنظر .
عند النظر اليه تعلم انه ليس حلم أى فتاة ولكنه يملك قلبا من ذهب يحمل به حب العالم أجمع لتلك التى آثرت قلبه منذ الوهلة الأولى التى وقعت عيناه عليها
كانت هى في سنتها الأولى وهو فى سنته الأخيرة من نفس القسم حاول مرارا وتكرارا الأعتراف بعشقه لها،بالأخص عندما عاملته بلطف منذ أول يوم لها بالجامعة..لم تكن ذو طابع متكبر فالبرغم من أنها تنتمى لعائلة ثرية إلا أنها لم تتعامل مع أحد بغرور
وفي صباح أحد الأيام أخبره صديقا له أن يستجمع شجاعته ويذهب إلى وسط الجامعة وهو بيده ميكروفون ليصرح بحبه لها ،مخبرا إياه أن الفتيات تعشق الرجل الشجاع
أنا بحبك..بحبك من أول يوم شوفتك فيه..ماحبتكيش علشان انتي أجمل بنت فى الجامعة أو علشان مثلا فلوسك أو مركزك الإجتماعى..لا انا حبيت فيكى برائتك..عدم تكبرك ..بحبك علشان أنا بحبك ومش هلاقى كلام يوصف حبى ليكى
ألتف كل طلبة الجامعة حوله يتهامسون فيما بينهم..وبالأخص الفتيات فمن منهن هى الفتاة التى يصرح بحبه لها وهن يضحكون ويتغامزون فيما بينهن فمن هى تعيسة الحظ التى وقع إختياره عليها ليجيب على تساؤلاتهم عندما صرح بإسمها قائلا:
بحبك يا خديجة
وقف الكل مصدوم عندما قال اسمها ..لم تستوعب ما قيل للتو أحقا قال اسمها ولكن عندما استفاقت ذهبت إليه مسرعة تشد منه الميكروفون لتجيبه قائلة:
لو أنت آخر راجل فى العالم ..ولو كان ليا عشر قلوب عمرى ما هديك واحد منهم ثم ألقت ما بيدها ذاهبة مسرعة من أمامه تاركة كل هذا وراءها لتذهب تستكمل دراستها خارج البلاد
مسحت دمعة هاربة من عينها عندما شاهدت ذلك الشخص وهو يبحث بعيونه عن ضالته التى أشارت إليه لتلفت نظره إليها.
تقدم إليها وهو يرفع يده ملوحا لها فى خطوات ثابتة
كان شاب في الثالثة والثلاثون من عمره ذو جسد رياضى ممشوق أنيقا يرتدى سروالا وقميص أبيض التى زينته ربطة عنق قاتمة على صدره القوى العريض تحت سترة مخملية سوداء.
جلس أمامها ناظرا إليها بعيونه رمادية اللون قائلا:
أخيرا خلصت كل حاجة هنا
خديجة:
-وهننزل مصر امتى؟
أجابها:
-إن شاء الله كمان يومين..لم تعقب لذلك استمر في حديثه: بقيتي أحسن
نظرت له بأعين فارغة:الحمدلله
-طب لما انتي بتحبيه كل الحب ده ،ليه قولتيله كده؟
-أجابته بأعين دامعة :علشان بحبه،وماكنش ينفع اخليه يعرف الحقيقة
أشاح بنظره بعيدا عنها غير مدرك ما تفوهت به للتو
****************************************************************
بعد مرور يومان على تلك الأحداث ...
تسير فى رواق المشفى وهى تحمل كل الملفات التى طلبها منها حتى يراجع كل ما فاته بسبب مكوثه فى المشفى..تسير بخطى واسعة وهى تحدث نفسها:
أووووووف كل دى ملفات..ايه يا ربى ده؟منك لله ياعمر على اقتراحك الزفت ده..قال سكرتيرته قال...والتانى أما صدق انه عرف انى سكرتيرته وهو مشغلنى عنده ليل نهار أكنى خدامته..يارب ترجعله ذاكرته قبل ما أنا اللي أفقدها بطريقته دي..ده لما عرف اللي حصل ما بينى أنا وصاحبه زمان ماعملش فيا زي ما بيعمل فيا دلوقتى...
ااااااااااه
لم تكن تنظر أمامها لذلك لم تعر إنتباه للذى آتى من بعيد لتصدم به وتتناثر كل أوراق الملفات منها على الأرض:
-يا نهارك أسود ومهبب على دماغك..عجبك كده؟
كانت تنظر لكل الأوراق المتناثرة أمامها وهى تضع يدها على رأسها تهزها بصدمة:
هلحق أوضب كل الأوراق دي تانى ازاى أنا دلوقتى؟
-أنا آسف والله يا آنسة..أنا كنت بس مستعجل علشان أتأخرت على شغلى وده أول أسبوع ليا
-والمفروض أنا أعمل ايه بإعتذراك ده أنا دلوقتى؟
-بصى أنا ممكن أساعدك..
-لا خلاص خلاص ..بعد ما خربتها تقولى أساعدك ايه العك ده؟
قام من مجلسه وهو يرمى الأوراق التى أخذها من الأرضية قائلا بعصبية مكتومة:
ما انتى كمان غلطانة هو انتي كنتي باصة قدامك..وبعدين احترمى نفسك شوية عمال اعتذرلك من الصبح وانتى مش عجبك
أجابته بعصبيه:
-أنت كمان بتبجح وأنت اللي غلطان
-بقولك ايه أنا مش فاضى للكلام الفارغ ده ويا ستى أنا أسف وادى الورق أهو
ثم انخفض جامعا كل الأوراق التى تناثرت تاركا إياها فى يدها وهو يقول بإبتسامة:
اتفضلى ثم ذهب سريعا
أخذت تلك الأوراق وجلست على أول مقعد قابلها لترتب كل الأوراق بالملفات وهى تشعر بالذنب مما صدر منها للتو قائلة لنفسها:
ايه اللي أنا هببته ده؟من أمتى وأنا كده: ثم رفعت عيناها إلي سقف الرواق قائلة:منك لله ياللي فى بالى
قامت من مجلسها سريعا عندما سمعت صوت رنين جوالها وهى تنظر إلى اسم مديرها الجديد الذى هو زوجها بالحقيقة
طرقت الباب ودخلت إلى الغرفة وهى تسمع صوت مألوف لها..نظرت إلى الواقف بجانب سرير زوجها وبيده أوراق حالته يتابعها في صمت ثم قطع هو ذاك الصمت قائلا:
حالتك فى تقدم الحمدلله
آدهم:طب والدكتور هيكتبلى على خروج امتى؟
-إن شاء الله قريب
عبد الرحمن:
وهو فين الدكتور اللي بيتابع حالته؟
معتز:
دكتور حسن سافر الصعيد علشان يتابع حالة هناك وإن شاء الله هيرجع كمان يومين وأنا هتابع باشمهندس آدهم لحد ما يرجع
ثم التفت ليجدها واقفة :
انتى؟
أروى بخجل:أيوة أنا على فكرة أنا أسفة على اللى حصل أنا ماكنتش أقصد
معتز:أنا كمان أسف على فكرة ماكنش ينفع أكلمك كده
أروى بإبتسامة:ولا يهمك عادى حصل خير
معتز:أعتقد كل واحد أخد حقه
أروي متفقة معه:عندك حق
معتز:اتشرفت بمعرفتك ثم مد يده ليصافحها قائلا بعدم أنتباه للذين يتابعون تلك المحادثة بصمت يتبعه عاصفة هوجاء
فكل منهم بداخله نيران من الغيظ التى تتأكله ولا تراعى ما يوجد أمامها لتأخذ كل ما بطريقها.
صدم "معتز"عندما وجد "آدهم" يقف أمامه أخذا يده بين كف يده وهو يصطك على أسنانه من شدة الغيرة التى لا يعلم لما يشعر بها الآن:
شكرا والله يا دكتور معتز اتفضل
معتز ببلاهة:بس أنا كنت بسلم على الآنسة..هو أنتى صحيح اسمك ايه؟
ليجيبه الأخر الذى كان يراقب كل تلك المحادثة بغيظ واضح يرتسم على محياه:
-بقولك ايه..خد بعضك كده واتفضل على برا بدل ما أنا اللى أعرفك على اسمى
جو من التوتر سيطر على الغرفة ،ولكنه فضل الإنسحاب بهدوء قبل أن يخسر عمله قبل أن يبدأ مواعدا نفسه أنه سوف يلتقيها من جديد
****************************************************************
فى مطار القاهرة دلفت إلى قاعة الإستقبال وهى تنتظر أخيها من الإنتهاء من إجراءات وصولهم إلى وطنهم..تأخذها أفكارها بعيدا عندما تعرفت عليه لأول مرة
كانت تائهة لا تعلم من أين تبدأ..ولكنه وجدها تقف تنظر حولها بحيرة ليقف أمامها بخجل قائلا:
أحم..حضرتك..
أجابته سريعا بخجل وخوف ظاهر
بص..بص..لو..لو..هتعاكسنى زى الباقى أنا هتصل بالبودى جاردز يجوا و..
أجابها بخوف:
لالا..أنا مش بعاكس والله..انا بس شوفتك تايهه فقولت أساعدك
بسرعة أجابته بإبتسامة ساحرة وهى تعوج رأسها قليلا ليسترسل شعرها الذهبى بجانب وجهها ليرسم أجمل صورة فنية
انبهر بجمالهاوبعذوبة صوتها ورقتها
-طب حضرتك ممكن تقولى فين كلية إدارة الأعمال
-طبعا أنا طالب فى آخر سنة فيها
-بجد..اتشرفت بحضرتك
-تسلمى الشرف ليا
آتى صوت أخيها لينتشلها من أفكارها البعيدة:
خديجة يلا خلصت
هزت رأسها إيجابا وهى تقف آخذة بيدها حقيبتها
************************************************************
ياسمين:يا صبا لازم تعتذرى ليه
صبا:مش بعتذر لحد أنا
ياسمين:يعنى ايه مش بتعتذرى لحد دى؟انتى غلطى ولازم تكونى قد مسؤولية قرارك بكرة أن شاء الله أول ما نوصل الكلية هتروحى وهتعتذرى وده قرار نهائى
أغلقت هاتفها وهى تضعه على الكومود بجانب سريرها
أما عن "صبا" كانت تريد بالفعل أن تبدع عذر لتذهب وتلتقيه مرة أخرى بعد آخر لقاء بينهم ،وكان هذا العذر هو الأنسب
رسمت إبتسامة على يغرها وهى تتذكره قائلة:
هتكون ليا مهما يحصل
****************************************************************
يا أهل الدار ..ها قد جاء من يضيئ ليلكم الحزين
خرج من مكتبه على هذه الجملة ،ليرتسم على محياه السعادة وهو يحث قدمه على الإسراع .
مد يده وهو يتوقع أنه سيأخذه بين أحضانه الأن إلا أن الأخير تفاده وهو يمد يده ويأخذ أخته الصغرى بين يديه قائلا:
-وحشتينى أوى يا ديجا
-أنت أكتر يا مورى
-يا نهار كسفة يا ولاد
-يا نهار أبيض يا بابى بتحضن واحدة غير رحاب
نظر الجميع بإتجاه الصوت ..لينزل والدها فى مستواها أخذا إياها بين يديه قائلا:
ماتقوليش بقى لرحاب
مريم:
طيب هاتلى آيس كريم ومش هقول
رعد:
أوبااااااااااا دى طلعت مادية حقيرة
ليقاطعه صوت شقيقه الأكبر"عمر":
زي عمها يا حبيبى
رعد:
طب هاتها بقى
عمر"
لو تعرف تاخدها أتفضل
رعد بثقة:
عيب عليك يا بنى..ثم أخرج من جيب جاكيته قالب من الحلوى وهو يشير لها:خدى يا قلب عمو شوكولا تحفة
مريم بإستغراب:عمو مين؟
رعد:يا نهارك أسود يا عمر أنت ما ورتهاش حتى صورتى؟
عمر:
أنا حلفت إنى مش هورى صورك ولا لمراتى ولا لبنتى لحد ما تيجى هنا وده عقاب كمان ليك علشان ماجتش الفرح
في هذه الأثناء تقدمت"رحاب" بتردد وبوجهه مكفهر يعلوه شبح إبتسامة
أوبااااااااااااا المنتج المحلى أحلو..ماتقولش أنها مراتك
ألتف عمر خلفه ليقع نظره عليها ليعلو وجهه نظره غاضبة تكاد أن تحرقه من شدة الغيرة..تقدم نحوها وهو يضع فتاته أرضا ليتأبط يد زوجته ويقف أمام أخيه متمتما وهو يصطك على أسنانه من شدة الغضب:
دي رحاب مراتى
خرجت كلمته الأخيرة بأسلوب تأكيد على كلمته كأنه بذلك يخبره إنها له هى فقط..أزدرق الأخير ريقه:
أهلا وسهلا يا روبي
عمر:
اتعدل يالا...
رعد:
فى ايه يا عم؟
عمر:
ماحدش يدلع مراتى غيرى..فاهم ولا تحب أفهمك بعلق زمان
رعد وهو يشيح بنظره إتجاه زوجة أخيه:
-طبعا يقصدني أنا لما كنت بهريه ضرب
عمر:
ده اللى هو أنا؟
رعد:
اه طبعا انت شاكك فى قدراتى
عمر:
طب ماتيجى نرجع الأمجاد
رعد:
أهو ده اللى لا يمكن
عمر:
خايف؟
رعد:
عليك طبعا..اه أمال ايه يعنى
مريم:
خايف تضرب يا رعد
رحاب:
عيب يا مريومة اسمه عمو رعد
رعد:
لا خليها تقولى رعود
بعد مرور فترة من الزمن..فى منزل (آل شاهين )
وبالأخص داخل مكتب"عمر"
كان "رعد"جالس أمام أخيه ينظر إلى الورقة يقرأ بإهتمام ولكن معالم وجهه انقلبت للجدية البالغة عندما فهم فحوى الرسالة "آدهم كان أول واحد بدأت بيه بس هو كان حظه كويس وعاش بس ياترى الباقى هيبقى حظهم زيه"
إمضاء:الفهد
يتبع
رحاب_قابيل
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي