الفصل الحادي عشر

جلس بجانبهم يحاول طمأنة نفسه بكلام الطبيب إليه، لكن هناك شيء يخبره أنها لو استفاقت لن تعود كما كانت، شيء ما سيتغير بالتأكيد، بهت للحظات وهو يفكر ماذا بعد افاقتها قالت أنها لا تريد رؤيته بعد الآن؟
وأنها تريد التحرر منه إلى الأبد!
هز رأسه يأسا يطمئن نفسه أن كل شيء سيصبح على ما يرام وستعود كما كانت كسابق عهدها.. ستعود أسيلته كما يحب أن يناديها به.
هي الوطن الذي يعود إليه دائما.
ستعود كما كانت فكيف لوطن يرفض غائبه بعد عودته إليه، مختلفة هي عن كل النساء، هي كوكبه الذي يدور حوله مرارا وتكرارا، متأكد من ذلك وإلا لما انجذب إليها منذ أول مرة وقعت عيناه عليها، انجذب لروحها البريئة التي اختلفت عن كل نساء حواء التي كانت تحيط به.
أفاق على صوت تالين عندما قالت: هحكيلك الحكاية من بدايتها
هز راسه ايجابا.. يعلم كل شيء عنها لكنه يريد أن يشتت عقله قليلا حتى تفيق
منذ عشر سنوات....
تململت على سريرها وهي تمد يدها بإتجاه الكومود لتخرس رنين هاتفها المزعج، لكن ما أن أغلقته حتى بدأ رنينه يصدح مرة أخرى، وبنصف عين نظرت إلى صاحب الاسم الذي يتصل.. اعتدلت فور أن وقع نظرها على اسم المتصل ثم بدأت في اصدار أصوات مضحكة حتى ترسم أنها لم تكن نائمة
ألو
تالين: أنت فين يا هانم.. بقالي نص ساعة مستنية جناب الكونتيسة
آسيل: أنا.. يا ربي يا لولوي أنا في الشارع والمواصلات صعبة جدا ومافيش ولا ميكروباص معدي و...
أدركت على الفور أنها تكذب لذلك قالت بصوت غاضب: قومي يا حيوانة من على السرير المحاضرة هتبدأ خلاص
ضحكت ثم أغلقت الهاتف مع صديقتها المقربة "تالين"
ابتسمت عندما تذكرت لقائها الأول معها، تعرفت عليها في وقت اختبار الفصل الدراسي الأول من سنتهم الجامعية الأولى، ومنذ ذلك الحين وهم مثل الشقيقات ثم أكتملت صداقتهم بوجود جمال.
تعرفوا عليه بفضل أستاذ المادة عندما اختار ثلاثتهم لعمل بحث جماعي معا، لم يكن التعارف سهلا في البداية لكنها اطمئنت عندما تأكدت بأنه شاب ذا طابع حسن ويملك من الأخلاق الكثير على غرار شباب هذه الأيام.
قامت أسيل من مكانها ثم توضأت وصلت فرضها، وبسرعة أرتدت ما وقع نظرها عليه ثم وقفت أمام المرآة وهي تضع لمسة خفيفة من أدوات التجميل، ثم وضعت حجابها، وهي تلقي نظرة أخيرة أمام مرآتها نظرة رضا على ما ترتدية ثم ذهبت سريعا لتلحق بصديقتها.

دست يدها في حقيبتها عند سماعها صوت رنين هاتفها: أيوة يا لولوي
أجابتها بعصبية: يا بنتي انتي فين؟
أسيل: وصلت عند محطة المترو أهو.. ثم أضافت: هي المحاضرة لحقت تخلص!
تالين: لا اتلغت مش فاهمة كل ما تتأخري عن المحاضرة دي بالذات تتلغي
أسيل بخفة ظل: عشان أنا نيتي صافية معروفة
تالين: طب خلصي يا أم نية صافية لأني هموت من الجوع
أسيل: حاضر رايحة أقطع التذكرة أهو
تالين: تمام، على فكرة ممكن تقابلي جيمي اقفلي كده اشوفه فين
أسيل: تمام

ضغطت على زر الأجابة عندما أتاها اتصاله سريعا: أيوة يا جمال أنا عند شباك التذاكر
جمال: تمام ثواني أكون عندك
أسيل: تمام
لم تنتظر كثيرا، عندما أتاها صوته من خلفها: بخ
أسيل: يامي يامي يامي
هزت رأسها بيأس ثم اخرجت بضع جنيهات من حقيبة يدها وهي تذهب بإتجاه نافذة التذاكر، أوقفها سريعا وهو يقول: بتعملي ايه؟
أسيل: فراخ بانية
جمال: خفيفة، ما بهزرش هتعملي ايه؟
أسيل: ايه يا بني هجيب التذاكر
حاول التحكم بأعصابه قدر المستطاع: عيب لما يبقى في راجل واقف معاكي وتروحي انتي تدفعي، معاكي سوسن
أسيل: عيب يا سوسن ماتقوليش كده احنا أهل يووه سوري أقصد يا جيمي
في الجامعة..
وبالأخص داخل كلية التربية...
شهقت بقوة عندما استمعت إلى صديقتها وهي تهتف بسعادة: يا شيخة أخيرا هتسبيه، كفارة
رد جمال بإستنكار: وانتي مصدقة انها هتسيبه
هزت أسيل رأسها دلالة على الرفض: بصراحة لا
هتفت تالين بحدة: لا المرة دي جد
جمال وهو يوجه سؤاله إلى أسيل: كام مرة قالت نفس الكلام؟
سكتت أسيل بضع دقائق وهي تمثل العد على أصابعها ثم قالت: يجي حوالي عشرين تلاتين اربعين مرة كده
جمال: وسابته
أسيل: لا
نفخت تالين بضيق: يعني أعمل أنا ايه دلوقتي؟
أسيل بجدية: تعملي انك تفسخي الخطوبة طبعا، ده لا أدب ولا أخلاق ولا شكل ومش نافع أصلا وفاشل وفاكر نفسه فنان وهو وربنا ما ينفع يشتغل كومبارس بقفاه حتى
انتبهت لصوت صديقها وهو يهتف بصراخ: يخربيت عقلك يا أسيل فصلتيني ضحك
ضحكت تالين رغما عنها، بسبب خفة ظل صديقتها: يا بنتي اتلمي بقى مش هعرف اتكلم كلمتين جد
أسيل: هو ده الجد يا تالين ده انسان ماينفعش يكون مسؤول عن بيت وأسرة، تفتكري ده واحد ينفع يكون أب لأولادك ثم أضافت وهي تهتف بتعجب ظاهر: مش فاهمة ازاي تكوني شوفتي جمال وهو بيتعامل معانا وتحمله للمسئولية طول وقت دراستنا لحد النهاردة وتبقي عايزة تتجوزي الكومبارس الصامت اللي مش نافع حتى بقفاه ده
ابتسم الاثنان مجاملة لكن كانت هناك نظارات لم تلاحظها أسيل من اتجاه الاثنان إلى بعضهم البعض
ساد الصمت قليلا ثم هتفت تالين بإريحية: يبقى تمام، النهاردة هتكون الدبلة دي اخر يوم ليها في ايدي
قفزت أسيل بسعادة: هو ده الكلام، لازم نحتفل ثم نظرت إلى جمال قائلة: الساعة كام؟
جمال: 10.45
أسيل: يبقى المحاضرة الأولى اتلغت، مافيش أوراق للبحث بتاعنا ناقصة، وبما أننا مش بنطيق المحاضرة اللي جاية يبقى يلا بينا
جمال: على فين؟
تالين: وسط البلد وش
أسيل: وقويدر بعدها
جمال: موافق بينا
تالين: ثانية بس مش أكلم أحمد عشان انهي الحوار ده؟
أسيل: انتي هبلة، مش لازم الآول تتكلمي مع باباكي
تالين: صح
****************************************************************
زفرت أسيل عندما هاتفتها أميرة قائلة أن عليهم الحضور الآن بسبب أمر عاجل تريد أن تخبرهم به، لذلك ذهبا إلى كليتهم سريعا
أميرة: كويس انكم جيتوا، كنت عايزة أقولكم على حاجة
أسيل: خير يا أميرة
أميرة بابتسامة: كل خير يا حبيبتي، دلوقتي بما أننا أفضل أسرة في الكلية، وطبعا بما أن تقديرتنا طول التلت سنين اللي فاتوا فوق الجيد فإدارة الكلية رشحتنا لكورس التنمية البشرية اللي بيتعمل السنة دي
أسيل: ايه ده بجد؟
تالين: لا مش مصدقة نفسي
جمال: استنوا بس، ده بكام يا أميرة؟
أميرة ببساطة: مجانا
جمال: بجد!
أميرة: اه والله بجد، وإن شاء الله، هيبدأ من بكرة على الساعة 3 وهيبقى لينا استثناء لو في محاضرة أو سيكشن، ها ابلغهم موافقتكم
أجاب ثلاثتهم بصوت واحد: أكيد
******************************************************
في صباح اليوم التالي....
استيقظت على صوت والدتها الحنون
رقية: قومي يا حبيبتي الساعة بقت7
قامت من مكانها بحماس: صباح الفل يا روكا
رقية: صباح العسل يا عيون روكا، يلا اجهزي على ما أحضر الفطار
أسيل: حاضر، ثم أضافت بنرة حزن: بس هاكل لوحدي
أجابها صوت شقيقها الواقف أمام باب غرفتها: وده بردوا يجي اخليكي تكلي لوحدك ده حتى عيبة في حقي
أسيل: عندك حق
قال مبتسما: طب يلا اجهزي بسرعة عشان ننزل مع بعض
أسيل: تمام
بعد فترة من الوقت تجمع الجميع بمحطة المترو
إياد: أمال فين تؤام الغبرة؟
أجابه صوتها من خلفه: أنا هنا هنا يا ابن الحلال
إياد: أعوذب الله، تفي من بوقك، مابقاش إلا أنتي
ضربته أسيل بكف يدها تهتف بإستكار: اخرس انت تطول
قوليله
نطقتها بثقة، لكن أجابتها الأخيرة بصوت منخفض: والنبي اسكتي ما هو عارف اللي فيها
تالين: احم، واضح ان ورايا مشاوير
ضحك الجميع ثم بعد قليل جاء جمال، استقل شقيقها المترو لمحطة الجامعة أما عنهم استقلوا الإتجاه المخالف حتى وصلوا إلى وجهتهم المنشودة
بعد مدة كان الجميع يجلس في كافتيريا بداخل موقع البرنامج التعليمي الذي رشحتهم إليه كليتهم، في إنتظار البدء
*********************************************************
كان جالس يتأفف بملل ظاهر من هذا الإنتظار، قائلا في نفسه لما هو هنا من الأساس، لولا إصرار صديقه "يونس" على الحضور مخبرا إياه أنه هام لرسالة تخرجه ما آتى
هتف بإنزعاج: احنا هنفضل كتير كده يا يونس
أخبره بإقتضاب: بطل نق بقى، قالوا شوية وهندخل
يحيى: أنا زهقت، ومش فاهم إصرارك على الحضور قولتلك مية مرة، شغلك موجود في شركتنا
هتف يونس بلا مبالاة دون أن يرفع نظره إليه: وأنا قولتلك مش حابب أكون اعتمادي ووصولي زي ما الناس اتهمتني، وبعدين مش عايز تشوف صاحبك بيشرح لأول مرة قدام الناس
نفخ بنفاذ صبر، ثم فكر قليلا قبل أن يقول شيئا، يعلم كم أن صديقه عنيد ولن يتنازل عن رأيه بتلك السهولة، لذلك توصل إلى تلك الفكرة التي طالما لعبوها منذ تعرفهم لأول مرة بجامعتهم وبرغم اختلاف كليتهم إلا أنهم أصبحوا كالأشقاء: طب هقترح عليك إقتراح
اعترض سريعا: عارف ومش هنفذه
يحيى بإصرار: اللعبة مافيهاش تراجع، ودي قواعدها الأساسية، مادام حد فينا عايز يلعبها التاني مايقدرش يرفض
أغلق الملف الذي بيده ثم رمى به على الطاولة التي أمامه: قول يا يحيى
يحيى: قدامك شهر واحد بس تنجح فيه في المجال اللي أنت مختاره ده ولو مانجحتش هتلم ما تبقى من كرامتك ومن غير كلام هتيجي تشتغل في الشركة، أمين
أجابه بقلة حيلة: أمين
كان على وشك الحديث عندما لفت نظره تلك الفتاة التي تدعي أنها رأت شيئا مخيفا وما أن حولت نظر انتباه صديقتها عن كوب العصير الذي أمامها ألقت بداخله مسحوق أحمر اللون ثم قلبته سريعا دون أن يشعر أحدا بها
انتظر قليلا عندما شربت صديقتها منه، وسرعان ما تحول الموقف من الهدوء إلى الصراخ الحاد
كانت تقفز هنا وهناك وهي تقول: هاتي ميه، ميه بسرعة
جاء بها جمال وهو يمد يده بها إليها، تجرعتها مرة واحدة ثم نظرت إلى صديقتها بحدة قائلة: مافيش غيرك انتي اللي يعمل كده
رمشت بأهدابها عدة مرات ثم قالت ببراءة: أنا، لا يمكن انا مش بتاعة الكلام ده
تالين بغضب: مافيش غيرك يا أسيل، تعالي هنا
كان يحيى يتابع ذلك الموقف بعينه، ثم دق قلبه لأول مرة عند مشاهدة تلك المشاغبة وهي تركض هنا وهناك تخطف أنظار كل من حولها بمشاغبتها
تصرفاتك العفوية أوقعتني بكِ، ابتسامتك أخذتني إلى عالم آخر، جميلة أنتِ، كما أنتِ.

صرخ بوجة الإثنتان قائلًا: أعتقد أن فترة الهبل دي لازم تخلص وتفهموا أنكم كبرتم على الكلام الفاضي ده
نظرت كل منهما في خجل قائلين في صوت واحد: أسفين
أنقذتهم أميرة من وابل الشتائم التي كانت على وشك أن تنهال عليهم عندما جاءتهم لتخبرهم أن المحاضرة على وشك أن تبدأ
تحركت أسيل بسرعة، تفاديًا لما قد يحدث، لكنها نسيت تمامًا صديقتها الأخرى التي ما أن ذهبت من جانبها حتى وقف أمامها ثم قال بصوت مكتوم محاولًا السيطرة على غضبه: أعتقد اللي حصل دلوقتي ده مالوش غير تفسير واحد بس.
نظرت له بعيون متكاسلة: اللي هو؟
أقترب جمال أكثر: ماتحوليش تستفزيني يا تالين علشان ماتزعليش!
رمشت بأهدابها وهي تضع ذراع تحت الأخر مثبتة أياهم أمام صدرها ثم قالت بتحدي: وأن قولتلك إني عايزة أزعل يا جمال.. هتعمل ايه؟
جمال: أنتِ عارفة كويس هعمل ايه!
أغمضت تالين عينيها لوهلة كأنها تتذكر شئ ما ثم قالت: مستنية.
وبخطى ثابتة تركته وذهبت خلف صديقتها التي لم ترى شئ مما حدث، لكنها ألتفت عندما لم تستشعر وجودها منادية عليها بصوت جهوري تخبرها أن تسرع بخطواتها قليلًا.
******************************************************
داخل القاعة...
كان الجميع في الإنتظار بعد أن تم فصل عدد لا بأس به من الطلاب، بسبب كثرة عددهم
جلست تالين بعيدًا عند صديقيها متحججة بأنها لم تجد مكان بجانبهم، لم تفهم أسيل ما يدور حولها ولكنها لم تعقب، حتى أنها لم تستطع التفكير عندما صدح صوت يونس بالقاعة معرفًا بنفسه:
أهلًا وسهلًا بكل اللي حضر النهاردة أنا يونس عبد الكريم المحاضر اللي هيكون معاكم لمدة أسبوع
شعر ببعض من التوتر لكنه اتجه بنظره إلى صديقه حتى يستمد منه بعض من القوى، علم ما يشعر به صديقه لذلك رفع كف يده وهو يشير إليه بسبابته، يحرك شفاهه ليستطيع الأول قراءة ما يقوله
فهم يونس ما يشير إليه ألا وهو أتفاقهم اللعين ذاك عن مدة العمل لشهر واحد فقط وإن فشل فعليه اللحاق به في للعمل في إحدى شركات والده
ابتسم يونس ثم أكمل: إحنا قسمناكم لمجموعات طبعًا بسبب العدد فبالتالي بنعتذر لكل واحد فارق صديقه
ابتسم الجميع، ثم سأل يونس كل من بالقاعة: عايز كل واحد يبص على كل اللي حواليه ويقولي مين أكتر حد شافه حس أنه يشبهه
لم يتجرأ أحد على الجواب لذلك ابتسم يونس قائلًا: طيب تمام عشان نسهل الموضوع على بعض هسأل واحد واحد فيكم
أشار يونس لأول طالبة: ممكن حضرتك تبدأي
الفتاة: أقول ايه؟
شعر بتوترها لذلك قال: تقدري تشاوري على أكتر حد شيفاه في القاعة هنا شبهك، بس الأول عرفينا بنفسك
الفتاة: أنا آية عبد الحميد من أسوان في كلية هندسة جامعة القاهرة، بس سؤالي أقول الشبه ما بينا من ناحية ايه؟
يونس: أي حاجة، مثلا اللبس، أو الشكل، لون العين، البشرة، طبعًا مش هقولك الشخصية لأننا لسة عارفين بعض
أشارت الفتاة على فتاة أخرى: اللي هناك دي
نظر الجميع إلى الفتاة الأخرى بفضول ثم اتجه الجميع بنظرهم مرة أخرى إلى الفتاة الأولى، عندما سألها يونس: ايه الشبه اللي بينكم!
الفتاة: لون عينيها
أمأ يونس ثم أشار للجميع بالإجابة واحدًا تلو الأخر لكنه تفادى صديقه وهو يتخطى دوره وصولًا إلى أسيل:
تقدري تقوليلي مين أكتر حد شبهك في القاعة، لكن الأول طبعا عرفينا بنفسك
أسيل: اسمي أسيل مصطفى عبد القادر كلية تربية جامعة القاهرة قسم علم النفس
يونس: ها مين أكتر حد شبهك؟
أشارت أسيل إلى صديقتها: اللي هناك دي
يونس موجهًا حديثه إلى تالين: ممكن توقفي
وقفت تالين وهي تنظر بإبتسامة إتجاه صديقتها، استطرد يونس قائلًا: ها شبهك في ايه؟
وضعت أسيل سبابتها على فمها وهي تمثل التفكير لكنها قالت بسرعة وبخفة ظلها المعهودة: كلها على بعضها كده
ابتسم يونس: ازاي؟
أسيل: مش هقول شبهي في الشكل ولا في الطبع ولا اللبس، لكنها شبهي في التفهم
يونس: يعني ايه؟
أسيل: يعني مهما كان تصرفي بتفهمني، لو عملت حاجة غلط بتستوعبني، هي عارفة اني مش كاملة لكنها هي بتكملني، شافت جانب شخصيتي اللي مش كيوت خالص لكنها فضلت متمسكة بيا، غلط فصلحت غلطي، وقعت فقومتني، ضعفت فقوتني، نجحت فكانت أول واحدة بتسقفلي، شافت شغفي في الكتابة فشجعتني وخلتني أعمل بيدج خاص بيا عشان أقدر أستمر، وده بقى إجابة سؤال حضرتك من أول ما سألته لينا في المحاضرة
يونس: اللي هو؟
أسيل: حضرتك تقصد من البداية أننا بشر وكلنا مش كاملين لكن ربنا خلقنا مختلفين في الشكل والتفكير والدراسة وكل شئ مش عشان يبقى في حد أحسن من التاني.. لا، ربنا خلقنا طبقات مختلفة من حيث العرق واللغة والشخصية عشان نكمل بعض وجمعنا كلنا في صفة واحدة ألا وهي إنسانيتنا وأننا كلنا في النهاية محتاجين لبعض وده كان الهدف من سؤال حضرتك في البداية.. صح؟
يونس بإعجاب: صح.. ثم نظر لجميع من بالقاعة قائلًا: ده اللي كان نفسي أوصله ليكم، لو حتى كنا مختلفين في الشكل أو البشرة لكننا كلنا بنملك نفس الصفات، حاسة اللمس، البصر، التذوق، كلنا لينا قلب، معنى كده أن مافيش حد أفضل من حد، غير بعمله الصالح
كانت أسيل على وشك الجلوس إلا أنه أوقفها بسؤاله: هو أنتِ عرفتي عنها ده كله ازاي؟
أسيل: لأنها انتمتي
أمأ يونس برأسه، وهو يشير إليها بالجلوس، لفت نظره نظرات صديقه التي توحي بالإعجاب بتلك الشخصية لذلك ابتسم يونس ثم فكر في شئ ما وبسرعة بدأ ما كان يفكر فيه، عندما قسم كل من بالقاعة إلى مجموعات، ليضع صديقه وأسيل في مجموعة واحدة وتالين وجمال بمجموعة واحدة أيضًا
بعدما قسمت المجموعات بدأ كل من بالمجموعة يعرف بنفسه، كانت المجموعة تتكون من خمس أشخاص ثم جاء دور أسيل لتعرف عن نفسها بدأت الكلام عندما قالت: أنا أسيل..
قاطعها يحيى: مصطفى عبد القادر
ابتسمت أسيل له لكنها استطردت في قولها: أنا كليه تربية..
قاطعها للمرة الثانية: جامعة عين شمس قسم علم نفس
أسيل: لا ده أنت تيجي تاخد مكاني بقى
شعر يحيى بالإحراج لكن أسيل ابتسمت قائلة: بهزر على فكرة
بادلها يحيى ابتسامتها مبررًا فعله: آسف بس كنت سمعتك وأنتِ بتعرفي نفسك
همست أسيل: أنا كمان كنت سامعة الكل بس نسيت الأسامي بلاش إحراج بقى
ابتسم يحيى قائلًا: أنا يحيى شاكر التهامي
أسيل: أتشرفت بمعرفتك
أندهش يحيى لأنها لم تعقب على لقب عائلته، لكنه لم يتكلم.
بدأ يونس في الشرح لكنها لم تستطع الإنتباه بسبب ما كان يلقيه يحيى من نكات: يا بني بس بقى والله هنطرد مش معقول كده
يحيى: والله أتمنى، حتى أعرف أقعد معاكي شوية
نظرت أسيل إليه بجدية قائلة: تعد معايا! لا بص مش معنى إني أتكلمت معاك شوية إني بقى أروح وأجي معاك وتفكرني بنت مش محترمة و..
أندهش يحيى: أنتِ بتقولي ايه؟
أسيل: زي ما سمعت، أنت مفكرني بنت مش كويسة ولا ايه؟
نظرت له، وهو كان يجلس في هدوء تام، لكنه لم يستطع الحفاظ على غضبه لمدة طويلة لذلك ابتعد عنها قليلًا: أعتقد إني طولت في الكلام معاكي
ردت بإقتضاب: عندك حق
لم يرد عليها، شعر يونس بتوتر بينهم لذلك أنهى المحاضرة بوقت راحة لمدة ربع ساعة
قامت من مكانها سريعًا وذهبت لصديقتها
تالين: في ايه؟
بدأت أسيل بقص كل شئ مما حدث، لكن الأخيرة ضربتها على رأسها: هو أنتِ يا بنتي مش هتبطلي تحكمي بالأسلوب ده، ثم لو هو كان غلطان فأنتِ غلطي أكتر
أسيل: ازاي؟
تالين: لأنك هزرتي من الأول
أسيل: لا أنا مهزرتش، هو اللي كان بيقول حاجات تضحك
قاطعهم صوت ذكوري جاء من خلفهم: أنتِ اللي سمحتي بده من الأول
أسيل: سمحت بأيه يا جمال؟
جمال: أنتِ اللي فتحتي المجال ده أولًا، ثانيًا بقى الزمالة كويسة لكن في حدود وده لازم تفتكريه، ثالثًا بطلي تسرع يا أسيل في كل قرارتك وحكمك على الناس، ماعتقدش أن الراجل كان قصده حاجة وحشة
تالين: طبعًا، ثم في حد يزعل من القمر ده
ألجمتها نظرة من عينيه، ولكن قبل أن تتحدث وقف يحيى أمامها: آسف لو كان كلامي وصلك بأسلوب وحش، أنا فعلًا ماكنتش أقصد
شعرت بالإحراج لكنها قالت بإبتسامة: آسفة أنا كمان على تسرعي، أعرفك بقى على أصحابي.. تالين، جمال
مد يحيى يده مصافحًا جمال: أتشرفت بمعرفتك
جمال: الشرف ليا
تذكرت أسيل شيئا فاستطردت في القول وهي تشير إلى جمال: أنت كنت فين صحيح؟
رفع جمال هاتفه المحمول قائلًا: كنت بكلم سهى
تأففت تالين، لكنها لم تعقب، ثم تركتهم وذهبت بعيدًا عنهم.
بعد انتهاء المحاضرة، وقبل الخروج من القاعة، أوقفها يحيى متسائلًا بتردد: أحم.. هتروحي خلاص
أسيل: أيوة، عشان ما تأخرش
ساد الصمت بينهم لذلك تنحنحت قائلة: طب أستئذن أنا بقى
أوقفها يحيى سريعًا قائلًا: هكلمك تاني ازاي؟
أسيل: تكلمني ليه!
يحيى: يعني.. لو كنت حابب أسأل عن حاجة أو كده
أسيل: اه.. أخرجت ورقة وقلم من حقيبة يدها ثم كتبت شئ ومدت يدها به إليه قائلة: ده أكونت الفيس بتاعي تقدر تكلمني عليه
يحيى: تمام
توطدت علاقة يحيى بجمال مما ساعده لتوطيد علاقته بأسيل رويدًا رويدًا
لتكتب في الأفق قصة حب حديثة الولادة، لكن هل تستمر الأحلام أم الواقع يأتي بما لا تشتهي السفن
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي