الفصل الستون

رحاب: حساب ايه؟
عمر: حساب كل مرة كنت عايش فيها مغفل
رحاب: يعني ايه؟
عمر بتوعد: كل حاجة هتعرفيها في آوانها واتفضلي غوري على ما اشوف اللي انتي عملتيه واه..
نظرت له وملامح الدهشة ترتسم على محياها ليكمل جملته: خليكي الأسبوع ده في بيت صاحبتك جنب مامتها بس اعرفي من بداية الرجعة للبيت هتكوني سجنتي.
سجينته؟!
ظلت تلك الكلمة تتردد في ذهنها طوال الأسبوع!
ترى ما الذي يعنيه بتلك الجملة؟ وعن أي حساب يتحدث؟
ما الذي حدث معه؟
ظلت تلك الأسئلة تروادها وهي لا تعي ما الذي كان يقصده بكلامه هذا، لكنها لم تحتمل كم تلك الأفكار لذلك رمتها وراء ظهرها عندما قامت من مكانها وهي مبتسمة إستعدادا لوداع والدة صديقتها التي رحلت عن الدنيا
هربت دمعة من عينها عندما وقع نظرها على تلك الصورة التي كانت ذكرى يوم سعيد في يوم سفرهم وهي تنظر بسعادة بالغة إلى الكاميرا وهناك صورة أخرى تبتسم بها، تقفز بسعادة وهي تنظر إلى شروق التي شربت العصير التي وضعت به الملح للتو.
لم تستطع منع دموعها لتتساقط على وجنتيها اللتان توردتان من شدة البكاء، لكنها سرعان ما استعادت رباطة جأشها لعدم تكرار الذكريات على والدتها الراقدة بغرفتها منذ وفاة ابنتها الوحيدة.
**************************************************************
كفاية بقى عياط يا نجوى
نظرت له ببؤس شديد، وهي تمسك بيدها إطار صورتها قائلة: التانية يا خالد دي التانية يا خالد
خالد بحزن: خليكي مؤمنة بالله يا نجوى، ده عمرها
نجوى: طب والأولاني كان عمره بردوا؟
خالد: اهدي يا نجوى وقولي إنا لله وإن إليه راجعون واستغفري
نجوى: مابقتش قادرة والله، الأول أتاخد من قدام عيني وسبني زي ما أخته سابتني
خالد: تيم بالدنيا وبعدين في ليها هديتين سابتهم قبل ما تمشي عشان دايما تبقى معانا
صرخت بحرقة وهي تقوم من مكانها: أنا عيزاها هي، كفاية اتحرمت من أخوها مش هيبقى هي وأخوها كان ذنبه ايه عشان يتاخد بدري؟ ها تقدر تقولي؟ وأروى كان ذنبها ايه تتاخد مني هي كمان أنا مابقتش عايزة أعيش، أعيش عشان مين؟ رد عليا؟ أعيش عشان مين؟
أمسكت رأسها بين يدها ثم استسلمت لذاك الظلام الذي يرحب بها لتهرب إليه.
جرى مسرعاً إليها في محاولة لإيفاقتها لكنه لم يستطع لذلك نادى على "تيم" الذ آتاه مسرعاً هو وسراج: مالها ماما يا بابا
خالد: هتلاقي الضغط علي عليها بسرعة يا بني ساعدني اشيلها عشان نوديها المستشفى
خرج سراج مسرعاً ليأتي بالسيارة أمام المنزل وبعدما يقرب من النصف ساعة كان أربعتهم يدلفون إلي المشفى
الطبيب: لا ماتخافوش هي بس الضغط علي عليها وتقريبا ماكنتش بتاكل كويس الفترة اللي فاتت دي، عشان كده علقتلها محلول وكتبتلها على نقط كويسة تقدر تمشي عليها بعدين
خالد: شكرا أوي يا دكتور
الطبيب: العفو ده واجبي عن اذنكم
نظر خالد إلى سراج الذي ينظر إلى نجوى بنظرة تهكمية لكنها سرعان ما تبدلت عندما سمع كلمات خالد عن إمتنانه لكنه أجابه: مافيش تعب ولا حاجة يا عمي ده واجبي
خالد: والله يا بني مش عارف أقولك ايه؟ من يوم ما عرفتنا وأنت عمال تقع في مشاكل
سراج: يعني حضرتك بتقولي ابنك وبعدين تقولي بقع في مشاكل
خالدك شكراً يا بني
تيم: فعلا يا سراج شكراً على وقفتك معانا بجد
سراج: تعالى معايا يا تيم شوية برا نشرب حاجة عن اذنك يا عمي
خالد: اتفضلوا
في الخارج...
تيم: خير يا سراج
سراج: عرفت مين اللي عمل كده في أروى؟
أغمض عيناه عندما تذكر تلك الحسناء التي ذهبت عن عالمنا سريعاً تاركة فراغ لن يمتلئ حتى ولو بعد حين: لسة بحاول أوصل للي عمل كده
سراج بإستفهام: ازاي؟ أنت ماجبتش أرقام العربية؟
قبض على يده: للأسف العربية كانت متأجرة، واللي أجر العربية، أجرها ببطاقة مزورة
سراج: الكلب!
أندهش "تيم" من ردة فعله، بل الآدهى لمَ هو مهتم بشقيقته إلى هذا الحد؟
لم تدم تلك الأسئلة طويلاً بمخيلته، عندما سمع إجابته: عشان دي روح بني آدم مالوش ذنب غير انه كان بيشوف شغله، وكمان كفاية أن أولادها اتيتموا في السن ده، واتحرموا من أدفى حضن في الوجود، هو في بعد الأم يا تيم؟
ترقرت مقلتاه بالدموع لكنه مسحها بكف يده بغضب: والله ما هسيب حقها حتى لو كان أخر يوم في عمري
سراج: وأنا معاك
هز رأسه بدون أن ينبث ببنت شفة
****************************************************************
كئيب، حزين، لا يستطيع التنفس، ناظرًا إلى صورتها وبصوت مبحوح من كثرة البكاء:
أنا آسف سامحيني، ماكنتش أعرف أن ده كله هيحصلك، ما قدرتش احميكي منهم، أرجوك سامحيني، أنا مش عارف أتنفس من غيرك.. آه كنت معاه بس أقل حاجة كنت عارف انك عايشة بتتنفسي بشوفك كل يوم قدامي.. بشوف ضحكتك، شقاوتك، حنانك، كل حاجة.. ليه يحرموني منك والله ما هسيب حقك وهاخده، هحرمهم من كل حاجة حلوة زي ما حرموني منك
قام من مكانه وهو ينظر أمامه بأعين يملؤها الحقد، الكراهية، الشر.. بأعين الإنتقام محدثاً الفراغ كأنه يرى شخص أمامه قائلًا: والله حتى لو كان آخر يوم في عمري مش هسيب حقها وانتوا اللي اختارتوا.. استعدوا
****************************************************************
جالس في مكانه يسترجع كل ما قيل من خلف الباب، ماذا فقدت وليدها ولكن ألم تتخلى عنه من أجل بدأ حياة جديدة مع عشيقها، آخذة شقيقته وبعدها تزوجت ذلك العشيق لتنجب منه ولدها الأخير؟
ألم يكن هذا كلامه له عندما وافته المنية؟ هل كان يكذب؟ لكن من ذا الذي يكذب على فراش الموت، لا بالتأكيد هناك شئ مفقود وعليه التوقف الآن ليصفي ذهنه ويبحث في ذلك الموضوع أكثر
لكن من أين يبدأ؟ من أين عليه البدء بحثًا عن الحقيقة؟
نعم بالتأكيد، كيف لم أفكر في ذلك هي الوحيدة التي تعرف الحقيقة كاملة، ومن هناك عليه البدء
لكن هل أنت مستعد لمعرفة الحقيقة؟
طرح ذلك السؤال على نفسه، لكنه لم يلقى الإجابة سوى أن فضوله تغلب عليه، وعليه البدء الآن
****************************************************************
يعني انتي جايه تقوليلي انها بتحب واحد تاني وكمان عيزاني انقذها؟ هو ايه الهبل اللي بتقوليه ده؟
صبا: بقولك ايه يا رعد من الأخر كده المهزق اللي بتحبه ده إنسان مش مظبوط وأنا مش مرتاحة ليه وياسمين هبلة وأنا مش هسيبها تقع في شباكه
رعد: وأنا المفروض أعمل ايه يعني؟
صبا: تساعدني نسبتلها حقيقته
يعد: وأنا هستفاد ايه بقى؟
نظرت له بغضب: تستفاد ايه؟ هو أنت بتحبها فعلا؟ ولا كنت بتشتغلني عشان ابقى فاهمة بس
رعد: بقولك ايه ياصبا، انتي عارفة ومتأكدة اني بحبها فعلا لكن تيجي تقوليلي أصلها بتحب واحد تاني وأنا المفروض أعمل معاكي خطط عشان أنقذها، ده اسمه هبل وأنا مش فاضي للعب العيال ده
صبا: تمام أوي يا رعد أنا غلطانة اني جيتلك.. سلام
رعد: سلام..بس قبل ما تمشي ياريت تقولي لصحبتك اني أنا العريس اللي متقدملها وإن سمعت كلمة ماعجبتنيش ساعتها ماتلومش غير نفسها
إندهشت صبا مما قاله لذلك التفتت سريعا بسعادة وهي تقترب منه: طب أحلف انك أنت العريس
ضحك رعد: والله أنا.. هروح بس لوحدي النهاردة ولما الدنيا تهدى شوية هقول لعمر يجي معايا انتي عارفة وفاة أروى..
أدمعت عيناها عندما تذكرتها قائلة بهمس: الله يرحمها وحشتني أوي
ردد جملتها، ولكنها سرعان ما مسحت دموعها قائلة بسعادة: مش هقولها ونخليها مفاجأة ليها ونحطها قدام الأمر الواقع
رعد: ليه ياختي هي كانت تحلم بيا
صبا: والا بقولك ايه ماتعش دي ياسمين ست البنات ياكش هي بس زوقها وحش في الرجالة
رعد: عندك حق والله ما هي لو كان ذوقها حلو ماكنتش اختارت غيري
ضربت جبهتها بكف يدها: يا نهار مدوحس
رعد: في ايه؟
صبا: نسيت اني بريك ساعة أنا لازم امشي قبل ما الكِشري يجي
رعد: الكِشري مين؟
ابتسمت: سراج حبي الأوحد ثم تركته وهي تعدوا داعية الله أن تصل قبله
****************************************************************
دلفت إلى غرفتهم مندهشة من تصرفاته معها، فمنذ متى وهو هكذا؟
متلبد المشاعر، بعيد عنها، وكيف يخبرها انها ستصبح سجينته
لم يمر وقت طويل لتعلم الإجابة عن تساؤلاتها عندما دلف كالثور الهائج راميًا الصور بوجهها قائلًا بغضب: أنا، أنا تخونيني يا رحاب، أنا عمر هاشم الشريف يحصل معايا كده، ليه أصرت معاكي في ايه؟ بس والله يا رحاب وحياة الحب اللي حبته ليكي لهخليكي تتمني الموت ومش هتلاقيه
جمدت في مكانها ناظرة إلى الصور بذهول: والله يا عمر ما حصل، أرجوك بس اسمعني اللي حصل هو....
ابتلعت ريقها عندما أمسكها من حجابها قائلاً بصوت غاضب: مش عايز اسمع صوتك، مش عايز اسمع مبررات، مش عايز حتى أشوف وشك، عارفة يا رحاب أنا شايفك ازاي؟ عارفة أنا نفسي أقطعك حتت وارميكي لكلاب الشوارع، لكن لا.. ساعتها هتموتي وترتاحي لكن أنا مش عايز ده، مش هخليكي ترتاحي أبدا واعرفي اني موقف شوية عشان الظروف اللي بنمر بيها وكلها أسبوع وهحدد جواز خديجة وفي حفلة صغيرة هتتجوز وبعدها استعدي للي هيحصلك
ثم تركها تسقط أمامه، تاركًا إياها لا تعلم ما الذي عليها فعله؟
وبأعين دامعة وبصوت يملؤه اليأس: انتي فين يا أروى؟ أنا محتجالك سبتيني ليه؟ يارب!
****************************************************************
اعتبري ده أخر انذار ليكي
صبا: يعني ايه؟
سراج: يعني من الأخر لو ما انتبهتيش لشغلك وبطلتي الدلع اللي انتي فيه ده هيكون أخر يوم ليكي في الشغل
ومن غير كتر كلام اتفضلي على شغلك
رسمت معالم الحزن على محياها: ماحدش حاسس بيا، أنا مضغوطة، موت أروى كان مفاجأة لينا كلنا والله أنا كنت بحبها وأسفة على تأخيري بس صدقني أنا دماغي مش فيا الفترة دي
رق قلبه عندما رأى دموعها: احم.. خلاص يا صبا ماحصلش حاجة بس ياريت تتنبهي لشغلك أكتر لو حابة تحافظي عليه ثم مد يده ليخرج من جيب بنطاله منديلًا ليمد يده إليها، أخذته من يده ومن وسط دموعها: صحيح!
سراج: ها؟
صبا: مين البنت اللي كنت قاعد معاها امبارح دي؟
امتص غضبه: خليكي في حالك يا صبا
صبا: لا بص يا دوك كده أنا ممكن استحمل منك كل اللي أنت عايزه إلا إنك تخوني
بإندهاش ردد: أخونك!
صبا: أيوة تخوني، يا دوك من الأخر أنا مش هسيبك غير عند المأذون
وضع يده على ذقنه يحكها بعدم صبر قائلاً: اطلعي برا يا صبا بدل ما أتغابى عليكي
صبا: هطلع حاضر، ومش هحاول اتكلم كتير عشان عايزة استئذن
سراج: ليه؟
صبا: عشان رعد ج....
أمسكها من يدها: هو انتي بتقولي انك بتحبيني وشوية أشوفك واقفة مع رعد وشوية مع سراج هو في ايه بالظبط؟
صبا: لا أنت فهمت غلط
سراج: فهميني الصح
صبا: أصل رعد هيتقدم لياسمين النهاردة انتمتي
أرخى قبضة يده من على يدها: اه صح نسيت، لكنه سرعان ما استعاد مزاجه الغاضب: واه عارفة يا صبا إن شوفت خلقتك وانتي واقفة مع حد بشعرك تاني هعمل فيكي ايه؟
أجابته بإبتسامة: ايه؟
لاحظ إبتسامتها، لذلك سرعان ما ترك يدها آمًرا إياها بالخروج لكنها التفتت له قبل أن تخرج: اعترف بقى انك بتحبني.. على العموم مش عايزة اعتراف دلوقتي أنا هخرج وأشوفك بالليل سلام
ابتسم لطيفها بعد خروجها، لكنه سرعان ما ذكر نفسه بماهية وجوده الحقيقي هنا وبفارق السن الذي بينهما
**************************************************************
يلا يا ياسمين اخرجي أقعدي مع عريسك
ارضخت إلى الأمر الواقع ثم ذهبت للخارج لتتفاجئ به جالس أمامها
لكن ما الذي عليه فعله الآن؟
يتبع
رحاب_قابيل
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي