الفصل الخامس والخمسون

فى جامعة القاهرة بكلية العلوم
ياسمين: صبا..خلصى هنتأخر
أسرعت "صبا" من خطواتها قدر الإمكان للحاق بصديقتها التى كادت تفقدها عقلها منذ مساء آمس وهى تنهال عليها بحديثها قائلة إنها عليها الإعتذار منه
صبا:يا ياسمين أوقفى بقى
صاحت ياسمين بها:
مش هقف ولا هتهبب إحنا هنطلع على مكتب الدكتور سراج وهتدخلى وتعتذري ليه وخلينا نخلص من الموال ده
صبا:
موال ايه يا ياسمين؟
ياسمين بغضب:
نعم ياختي؟أمال كنت بتكلم في ايه معاكي من امبارح..صبا ماتعصبنيش
صبا:
-خلاص خلاص..افتكرت
ياسمين:
-تمام...يلا بينا على مكتبه
****************************************************************
دى كل الفايلز اللى حضرتك طلبتها
وضعت كل ما بيدها على الطاولة التى أمامه مسترسلة فى حديثها عندما وجدته ينظرإليها نظرات تهكم:
بس مش شايف إن ده تعب على حضرتك يعنى والمفروض تاخد رأى الدكتور و..
قاطعها:
تعرفيه منين؟
أروى:
هو مين؟
أدهم:
معتز
أروى:
معتز مين؟!
بدون أى مقدمات قام من مجلسه فجأه وهو يتجه أتجاه باب غرفته :
اتفضلى اطلعى برا
أروي بإستغراب:
أفندم!
أدهم:
زى ماسمعتى اطلعى برا دلوقتى
أروى:
حاضر
ولكنه أوقفها عندما سمعته:
وياريت ماشوفكيش مع معتز...اه نسيت..أصلك مش فكراه يا عيني..اللى هو الدكتور
أغلق الباب بوجهها ولم يعطها فرصة للكلام..ولكنها ابتسمت :
أكيد بدأ يفتكر وإلا ليه الغيرة دى كلها؟
****************************************************************
في كلية العلوم
صبا:اديني جيت معاكي اهو خوفا علي مستقبلك اللي هيضيع لو محضرتيش محاضرات الكيميا
ياسمين:انتي مصرة تعصبيني ليه؟
صبا:خلاص..خلاص يلا خلينا نتزفت ندخل وخليكي فكراها أنا مش النوع اللي بيحب يعتذر لحد خصوصا لو ماغلطش و..
ياسمين:ارحميني بقي
صبا:أهو خلاص سكت
****************************************************************
في المشفى....
مين ده بقي إن شاء الله؟
أخرجها من شرودها صوته المخنوق من شدة الغضب
-أفندم؟!
-أعتقد انك سمعتيني
أجابته بغضب وصوت عالي نسبيا:
-وأعتقد أنك مالكش حكم عليا علشان تعرف من الأساس
عبد الرحمن:
انتي شايفة كده فعلا؟
أروى:
اه شايفة كده وتاني مرة ماتوقفنيش ولا تسألنى عن حاجة ماتخصكش وأفتكر اني متحملاك في حياتنا علشان وقفت بس جنب جوز صاحبتي وقولت انك أتغيرت بس واضح ان اللي زيك عمره ما هيتغير
عبد الرحمن:
واحد زي؟!انتي شايفني مجرد واحد
أروى:
أنت عايز ايه يا عبد الرحمن
أجابها بصوت ضعيف متقطع:
عايزك انتى
لم تستطع تمالك نفسها وبحركة لا إرادية كان كف يدها مستقر على وجهه.
صعقت ،ولكنها استجمعت شتات نفسها سريعا قائلة:
أعتقد إن القلم ده هيفوقك من اللي انت فيه..أوعى تفتكر مجرد تفكير إن علشان جوزي مش فاكرني فأنا هخونه أو أفكر فى غيره
كان علي وشك الرد عليها ولكن اسكته صوت فتح باب غرفة زوجها وهو ينظر إليهم بريبة وشك قائلا وهو يوجه حديثه إلى أروى:
صوتك عالي كده ليه يا آنسة؟
كانت علي وشك إجابته ولكنه سيقها وأجابه هو:
مافيش ده..في حد عصبها وهي صوتها علي و..
آدهم :
تمام..بس مش لازم توقف قريب منها أوى كده يعني
عبد الرحمن:
أحم..اه..ما أخدتش بالى
ابتسمت أروى..أخيرا تذكرها..ولكن لم تدم سعادتا وهو ينظر إليها ببرود:
يلا روحي هاتلنا قهوة وبطلى مشاكل بدل ما أرفدك وأجيب غيرك
ثم دلف إلى غرفته وهو يصعق الباب بوجهها ..ولكنها استمرت علي ابتسامتها وقد خطر ببالها خطة شيطانية :
ماشى يا آدهم إن ماكنت أخليك تفتكرني مابقاش أنا أروى
*********************************************************
في كلية العلوم
كانت تقف بتأفف وهى تستمع إلي أعذار صديقتها التي تنهال بها واحداً تلو الآخر علي مسامع هذا السراج
لم تعتاد على الإعتذار من أحد حتى وإن كان هذا الشخص هو من دق قلبها له لأول مرة وقع نظرها عليه ..أفاقت من شرودها على يد صديقتها التي سحبتها وجعلتها تقف أمامه آمرة إياها أن تعتذر منه
ياسمين:
يلا يا صبا اعتذرى من دكتور سراج
أشاحت بنظرها بعيداً وهى تنظر حولها قائلة وهى تشير علي نفسها:
انتي بتقوليلي أنا ؟
ياسمين:
يعني هقول لمين!..هو في حد غيرك هنا؟
ثم نظرت إليها بترجى وهي تقترب منها قائلة بهمس:
أرجوكى يا صبا الكلية مش زي المدرسة والغلطة بفورة
لم يكن يهتم بحديثهم الحقيقة بل لم يكن ينظر إليهم من الأساس بل كان يعطي كامل إهتمامه للورق الذي أمامه فعمله هو كل حياته،ولكن لا يستطيع العمل في هذا الإزعاج لذلك قاطع حديثهم بحزم:
لو هنفضل علي كده كتير فيبقي من الأفضل تتفضلوا تخرجوا برا علشان أنا مش فاضي للعب العيال ده
ياسمين بترجي:
لالا إزاي يا دكتور صبا أساساً جايه تعتذر..يلا يا صبا اعتذرى
صبا بأنفة وغرور:
ماشى..سورى
رفع حاجبه بضيق:
وهو ده اسمه اعتذار يا آنسة
صبا بضيق:
والمفروض يعني أعمل ايه؟
سراج:
ماعتقدش ان ده اعتذار وإن ماكنش الاعتذار نابع من جواكي يبقي مامنوش فايدة وتتفضلي برا المكتب لأني مش فاضيلك
وهنا جائت فكرة تلمع في الأفق البعيد لذلك اقتربت منه بحركة مسرحية وهي تضع يدها علي جبهة رأسها:
أبوس القدم وأبكى الندم على غلطتى فى حق الغنم
لم تستوعب حجم ما قالته إلا بعد فوات الآوان عندما أجابها بغضب:
واضح إني كنت متساهل معاكي أوى يا آنسة ولحد هنا وكفاية
أجابته سريعا:
أنا اسفة فعلا ماكنتش أقصد والله
سراج:
تقصدي أو ماتقصديش خلاص اتفضلي برا المكتب واه قبل ما تخرجي طلعي كارنيهك
ياسمين سريعاً:
ليه بس يا دكتور؟
سراج:
علشان زميلتك الخفيفة دي تنورني كام سنة هنا ويا أنا يا هي في الكلية دي
صبا وهي تستعيد ثقتها:
يبقي هيكون أنا
سراج:
هنشوف
ابتسمت بدلال:
هنشوف ثم دست يدها في حقيبة يدها وهي تخرج البطاقة التعريفية الخاصة بها :
اتفضل الكارنيه
ياسمين:
يادكتور بس..أنا..
سراج:
انتي مالكيش دعوة وتقدري تحضري من بكرة إنما صحبتك لو لمحتها بس في المدرج هيبقي آخر يوم ليها في الكلية
نظرت له ببرود يشوبه التحدي:
واضح أننا هنتقابل كتير سلام يا دوك
ثم خطت بخطوات بطيئة وهي تسحب يد صديقتها وتخرج خارج مكتبه
ولكنه ظل ينظر إلى طيفها حتي أختفت وهي تغلق الباب بهدوء قائلا:
طلعتيلي منين؟
*********************************************************
كان يقود سيارته وهو يستمع إلي أغنيته المفضلة وسرح بخياله يتذكرها..لقد أفتقدها منذ الآن
ولكن قاطع شروده صوت جواله وهو يرن
أوقف سيارته بجانب الطريق وهو يلتقط جواله ، ولكنه استوقفه ظهور كلمة رقم مجهول علي الشاشة ليجيب سريعاً:
أيوة
هدوووووووء
أجاب مرة ثانية:
ألو
لم يجيبه أحد لذلك كان علي وشك الإغلاق عندما أجابه صوت رجولى عميق:
لو كنت مكانك ماكنتش هقفل
تيم:
أفندم؟
المجهول:
زي ماسمعتني ..دلوقتى انزل من عربيتك وأفتح شنطة العربية هتلاقي فيها مفاجئة هتعجبك أوي
تيم وهو لا يستوعب ما يحدث:
أنت بتقول ايه؟
المجهول:
زي ماسمعتني
تيم:
شكلك اتلغبط في الرقم
جاءه الصوت بثقة:
لا ماتلغبطش وأنا عارف أنت مين كويس أوي
تيم:
أنا مين بقي
المجهول بإستهزاء:
تيم خالد الإبراهيمي 25 سنة متجوز ومراتك اسمها أسما إبراهيم الحافظ مراتك تبقي بنت اللوا إبراهيم الحافظ اللي كان مدير كليتك وبيعتبرك ابنه .
مراتك حامل في الشهر التاني بعد فترة من الجواز ولف على الدكاترة عندك أخت اسمها أروى تبقي أكبر منك بسنتين متجوزة من رجل الاعمال آدهم الشرقاوي مخلفة منه تؤام(أنس وأمير) والدك خالد الإبراهيمي سواق علي عربيته الخاصة ووالدتك نوال السيد ربة منزل
تحب أقولك سنهم كمان وعنواين بيوتكم واحد واحد
ما الذي يحدث الان:
كيف له أن يعلم بكم هذه المعلومات من هذا الشخص؟
ولكنه أفاق من شروده عندما أكمل المجهول:
ولو أنا منك هقوم أشوف ايه اللي في شنطة العربية، ده من مصلحتك
ولم يعطه فرصة السؤال عن ماهية شخصيته وهو يغلق المحادثة
فتح باب سيارته سريعا وهو يضغط علي زر فتح حقيبة السيارة ودلف خارج سيارته ،وماهي إلا ثواني وكان يقف أمامها ينظر بداخلها بتمعن ليلفت نظره لفة غريبة تستكين في آخره
مد يده سريعا وهو يفتحها ليتفاجيء بمحتوياتها.
رماها سريعاً عندما علم ما هي وهو ينظر إليه بدهشة
جرى سريعاً عندما استمع إلى رنين جواله المتعالي ويعتلي شاشته اسم رقم مجهول
أجابه سريعاً:
أنت ..أنت مين؟
المجهول:
ايه عجبتك المفاجأة
تيم:
أنت مين يا جبان؟وإزاى قدرت تحط حاجة زي كده في شنطة عربيتي
أجابه بضحكة إستهزاء:
دى أقل حاجة ممكن أعملها بس قولت انبهك إنى موجود في حياتك
غضب عارم سيطر عليه:
والله لأوديك في داهيه ..أنت ماتعرفش أنا أبقي مين؟
ببرود أجابه:
تؤتؤ..لا كده أزعل منك..ما أنا لسة قايلك أنت مين..بس السؤال هنا يا تري أنا أبقى مين؟..وخلي بالك النهاردة حطتلك مخدرات في شنطة عربيتك يا عالم بكرة هعمل ايه؟
تيم:
انت مين؟
المجهول:
أنا عملك الأسود اللي جاي يخربلك حياتك واحرمك من كل حاجة أنت أخدتها مني ومن حقي
****************************************************
لا يا حسام مش هسمحلك تلغي شخصيتي
لم يعيرها انتباها بل ظل يدرس الملف الذي بيده بإهتمام :بس يا ماما
شروق بغضب:
بقولك ايه ارمي الهباب اللي في ايدك ده وانتبهلي وكلمني زي ما بكلمك كده
اعتدل في جلسته وهو يضع الملف الذي بيده على الطاولة التي أمامه قائلا بتأفف:
اديني رميت الهباب اللي في ايدي أهو..اتفضلي نكدي عليا وسمعيني إلإسطوانة المشروخة بتاعة كل يوم
أغلقت عيناها آخذه شهيقا طويلا ثم زفرته بهدوء وهى ترسم علي ثغرها إبتسامة مصطنعة فى محاولة منها للسيطرة علي غضبها:
يا روحى ايه اللي مش مخليك موافق علي الشغل ده ..دي فرصة كويسة جدا خصوصا انهم بيطلبوا ناس أكفاء فيه ..وأنا لسه يادوب مقدمة علي الماجستير من كام يوم..فليه بقي بترفض عرض زي ده
زفر الأخير هى لا تعى ما يحدث حولها لم يكن يرفض عرض العمل هذا من البداية ولكن عندما أخبرته بإسم صديقتها المزعومة تلك حتى تغير رأيه حينها:
طب نتكلم بالمطنق
إلى هنا وكفى فبالتأكيد كعادته سيخبرها أن أولادها بحاجة إليها أكثر من العمل وهى سترضخ إلى رغبته بالنهاية ولكن لا..ليس بعد الآن
منططططططططق..كل ما اجي اتكلم معاك تقولي منطق وبعدين نرجع لنقطة الصفر مرة تانية وأرجع شروق اللي مكانها في المطبخ وخدمة العيال بس ..لحد ما خلتني نسيت نفسي نسيت شروق القديمة نسيت طموحي وأحلامي..نسيت تحقيق ذاتي ، كل مرة تقولى أصبري لحد ما الولاد تكبر وأهم كبروا محمود بقي عنده 5 سنين والبنتين
3 سنين عايز ايه تاني أنت بتتلكك بالأولاد مش أكتر أقولك أنت بتفكر إزاي أنت بتفكر زيك زي أي راجل شرقي في مجتمع ذكوري مش همه غير مصلحته ومستقبله وبس ومش مهم إذا كنت هبنيه علي حياة مراتي ما هي كده ولا كده موجودة ولو كبرت أكيد هتتنمرد عليا فالأحسن أمحيها من دلوقتي وأفهمها إني أنا الكل في الكل وإن بيتك أهم حاجة ورسالتك في الحياة هي تربية أولادك وخدمة جوزك لكن مش أنا يا دكتور اللي تقبل علي نفسها الإهانة دي أنا....
أمسك يدها وهو جالس مكانه لم يتحرك يعتلي وجهه الجمود من آثر حديثها الذى نزل عليه كالبرق في ليلة شتوية هوجاء ليصعقه ويقذف به من أعلى قمة جبلية قاذفا إياه إلى سابع أرض
انتبهت إلي يده الممسكة برسغها منادية اياه وهى تخرجه من تلاطم أفكاره:
حسام
رفع عيناه إليها ليقابلها جمود لم تعتاد عليه أزدرقت ريقها وهي تعي وقع كلامتها عليه الأن:
حسام أنااا..
وضع سبابته أمام فمه دلالة لإسكاتها :
هششششششش مش عايز اسمع صوتك
ما الذي فعلته الان؟ وما هذه الحماقة التى تفوهت بها !فمنذ متى وهو هكذا؟ لما قالت كل تلك الكلمات..لم تكن هذه أفكارها بل أفكار صديقتها الجديدة التى تعرفت عليها منذ فترة ليست ببعيدة وهي تحضر رسالتها في دراستها العليا
كانت أفكارها تتلاطم بداخلها كما موج البحر ، ولكنها حست نفسها على الإسراع عندما لمحته يبتعد عنها لذلك أمسكت برسغه قائلة بندم:
أنا أسفة أرجوك يا حسام...
نظر لها نظرة ألجمتها ثم استدار علي عقباه تاركا إياها
****************************************************************
ما الذي تفوهت به للتو؟ رجل فى مجتمع ذكورى لا يرى سوي نفسه؟
أهكذا كانت نظرتها إليه طوال فترة قرانهم،كيف لها أن تفكر هكذا؟فمنذ متي وهو هكذا؟ألم يبذل قصاري جهده حتي إنه هو من حسها على تقديم أوراقها لإكمال دراستها وشق طريق نجاحها..نعم كان رافضا فكرة عملها ولكن لم يكن بسبب حبه للسيطرة أو قتل طموحها..وهي تعلم هذا تماما
كان في تصارع أفكاره ..حتي إنه لم يشعر بها عندما دلفت إلى غرفتهم وهي مطأطأة رأسها لا تستطيع رفع عيناها لتواجهه
أخرجته من صراع أفكاره عندما تفوهت منادية اسمه بصوت مبحوح
أشاح بنظره بعيدا عنها وهو يقف مبتعدا ولكنها أمسكت برسغه سريعا قائلة بصوت اشبه للهمس:
أنا أسفة ماكنتش أقصد
أغمض عيناه وهو يفك قبضة يدها من علي يده قائلا بحزن:
انتهينا يا شروق
وقعت تلك الكلمات علي مسمعها بصدمة جعلتها شلت في مكانها حتي انها لم تدري عندما خرج من الغرفة تاركا إياها في صدمتها
*************************************************************
طرقت باب غرفته لتسمع صوته يتهادي إليها أمرا إياها بالدخول
حضرتك أنا جيبت الورق اللي حضرتك طلبته و...
اسكتها بإشارة من يده قائلا:
تمام..تمام..دلوقتي تقدري تتفضلي علشان أجهز نفسي
أروي:
لايه؟
أدهم:سكرتيرتي الخاصة ومش عارفة اني المفروض النهاردة ميعاد خروجي من المستشفي
مشاعر متضاربة سيطرت عليها في تلك اللحظة لا تدري أتشعر بالسعادة لانه قد تحسن أم تحزن لأنها لن تستطيع رؤيته كثيرا بعد الأن
أدهم بغضب:هتفضلي واقفة في مكانك كتير كده
كانت علي وشك اجابته إلا أنه قاطعها في اللحظة الاخيرة دفاعا عنها:
أهدي شوية يا أدهم أروى بتخاف من الصوت العالى
انفجر أدهم غاضبا:
وايه كمان يا روميو؟ قول كمان قول..بتخاف من ايه كمان ده ناقص تقولي انك هتخطبها كمان دقيقتين
بإستغراب ارتسم علي ملامح وجهه أجابه:
بتزعق كده ليه يا أدهم ثم أنا ماقولتش حاجة غير انها بتخاف من الصوت العالي ومافيش حاجة مستاهلة عصبيتك دي
لا يدرى ماهية ذلك الشعور الذي يسيطر عليه الآن أهي الغيرة،لا..لابالتأكيد
ولما قد أغير على تلك الفتاة البائسة ولكن...
أدهم
نظر له بهدوء يناقض ما يشعر به داخله ولكنها علمت فبالأخير لقد عاشت معه تحت سقف واحد لمدة خمس سنوات..هو زوجها..صديقها..حبيبها
لذلك علمت أن هذا هو الوقت المناسب لتحقيق خطتها
ابتسمت بهدوء وهي تنظر إلى عبد الرحمن قائلة بصوت رقيق :
باشمهندس عبد الرحمن أنا موافقة أتغدا معاك
أجابها بدهشة:غدا؟!
أروى:ايه!غيرت رأيك؟
أجابها سريعا: لالا..لاطبعا أكيد اتفضلي
استنوا هنا
التفا الاثنان فى ذات الوقت لتجيبه:في حاجة يا باشمهندس أدهم
أدهم :غدا ايه ده إن شاء الله اللي ريحاه..وأنت يا أستاذ من امتي بنتغدا مع موظفين
ها قد بدأت خطتها في النجاح لا بد أنه قد تذكر ..بالتأكيد فتلك النظرة التي ترتسم علي محياه الان تعلمها جيدا
أجابته بهدوء:وفيها ايه يا أستاذ أدهم؟
بإرتباك ملحوظ أجابها:علشان..يعني..مين اللي هيعمل الشغل ده
أروى: دلوقتي استراحة الغدا بتاعتي وأكيد هنخلص باقي الشغل بعد ما أرجع عن إذنك
سارت بخطوات واثقة وهي تنظر أمامها يرتسم علي محياها إبتسامة نصر جلعتها لا تلاحظ إبتسامة الخبث التي ارتسمت علي ملامح وجهه الذي يسير بجانبها
*********************************************************
في ذلك الوقت بمكان أخر دلفت إلى المطعم الذى دلف إليه للتو وهي تجري سريعاً حتي تسطيع اللحاق به
لقد كانت في أيامها الآخيرة تبحث خلفه حتي استطاعت أن تعلم أنه يمتلك إحدي المطاعم في وسط البلد لكنها لم تكن علي علم باسمه لذلك قررت أن تتابعه بصمت وها هي قد نجحت
قرأت ما كتب علي باب المطعم انهم يحتاجون موظفين بدوام جزئي للعمل في المطعم وهنا قد آتتها تلك الفكرة المجنونة
بعد دقائق معدودة كانت بالداخل تستعلم عن الوظيفة الشاغرة وها هي الآن تنتظره بداخل مكتبه
جالسا ينظر إلى الورق أمامه بإهتمام بالغ حتي أخرجته من شروده عندما قالت بإبتسامة:
ازيك يا دكتور؟
صوت مألوف دخل إلى مسامعه للتو لذلك أشاح بنظره إلي الواقفة أمامه بإبتسامة شقية ترتسم علي محياها وقبل أن ينطق بكلمة واحدة قاطعته:
أولاً أنا آسفة جدا علي اللي حصل مني في مكتب حضرتك وصدقني كانت غلطة مش مقصودة
رجع بظهره وهو يستند علي كرسيه الماكث خلف مكتبه بغرور ناظرا لها بعيون باردة يجيبها ببرود:
وثانياً
صبا:أنا كنت عايزة اشتغل في الوظيفة
ببروده أجابها:لا
صبا:طب ليه؟
سراج:أهو كده بمزاجي
ثم نظر مرة ثانية للورق الذي أمامه حتي انه لم يلاحظ تلك الابتسامة
تحركت إلى مكتبه ثم أبدلت إبتسامتها إلى ملامح حزن وهي تقول:
أرجوك يا دكتور سراج بلاش تيجي عليا أنت كمان
بإستغراب أجابها:أفندم؟
صبا:أنت ماتعرفش ظروفي أنا أمي مريضة وعندي أخوات صغيرين وأب بيشتغل علي قد ما يقدر علشان يوفرلنا تمن الحياة بس للأسف مش مكفي وأنا الكبيرة ولازم أساعده
سراج:كااااات هايل يا فنانة
سريعاً أمسكت يده وهي تقبلها وتبتسم قبل أن ترفع نظرها إليه: أرجوك لازم تساعدني
قام من مجلسه وهو يسحب يده سريعاً مبتعدا عنها: انتي فعلا بتتكلمي جد؟
صبا:وحضرتك شايف أن ده هزار
فكر قليلا قبل أن يجيبها:تمام موافق أشغلك
صبا:بجد؟
سراج:هجربك شهر لو قدرتي تثبتيلي كافئتك يبقي هتستمري ماقدرتيش يبقي مع السلامه
صبا بسعادة: ماتقلقش يا دكتور
سراج:استني في شرط!
صبا:اللي هو؟
سراج:أن ده ميأثرش علي دراستك
صبا: طبعاً طبعاً
سراج بإبتسامة طفيفة:تقدري تستلمي شغلك من بكرة
صبا: إن شاء الله
ثم أعطته ظهرها وهي تبتسم وتذهب سريعاً قبل أن يلاحظ إبتسامة النصر التي رسمت علي ثغرها للتو وهي تردد: مش هسيبك غير لما تكون ليا وبس
****************************************************************
تحبي تاكلي ايه
بغضب أجابته: أولاً أوعى في يوم يجي في مخيلتك تمسك ايدى ثانياً مين دي اللي ممكن تروح تاكل معاك ثالثاً وده الأهم أنا عملت ده كله علشان أخلي أدهم يفتكرني سلام
ثم ذهبت بعيداً عنه وهي تردد بضع الكلمات الغير مفهومة حتي إنها لم تلاحظ الشخص الواقف بعيداً عنها بسنتيمترات يراقبها بإهتمام اقترب منها مناديا اسمها بلطف ولكنها لم تستجيب لذلك وقف أمامها قاطعاً طريقها مرددا اسمها مرة ثانية انتبهت الأخيره وهي ترفع نظرها وما أن رأته رسمت بسمة صغيرة علي ثغرها:
ازيك يا دكتور معتز
معتز:ازيك انتي يا أروي؟خير مالك؟
بإستغراب أجابته:مالي
معتز:أصلى شايفك ماشيى بسرعة وعمالة تكلمي نفسك
أروى:أنا..أه بسبب الشغل الكتير بقي وكده
معتز:طب وايه جابرك علي كده
أروى:ظروف عن اذنك بقي
معتز:استني يا أروي أنا كنت عايزك في موضوع
أروى:خير؟
شعور بالخجل سيطر علي خلايا جسده قائلاً بتردد:خير طبعاً إن شاء الله..كنت..يعني..أصل الموضوع..
أروى:أيوة سمعاك
كان علي وشك إجابتها إلا أن قاطعه صوت رنين جوالها :
آسفة بس لازم أرد
معتز وهو يتنهد بتأفف:يوووه.. هو ده وقته
أروى:أيوة يا ماما
نجوى:انتي فين يا بنتي آنس مبهدل الدنيا وعمال يسأل عليكي
أروي:حاضر يا ماما ساعة بالكتير وأكون عندك إن شاء الله
أغلقت المكالمة وهي توجه حديثها إليه:معلش لازم استأذن
معتز:بس إحنا لسه ماخلصناش كلامنا
أروي:بعدين بعدين
ثم تركته وهي تحس خطواتها سريعا علي الإسراع
***************************************************************
في صباح اليوم التالي وبالأخص في كلية العلوم..
ياسمين:يخربيتك يا شيخة
صبا بضحكة مشرقة:ايه رأيك بقي؟
ياسمين:ايه رأي في ايه؟ايه العبط ده يا صبا
صبا:ياسمين ده مش عبط ده حب وأنا لازم أكون عارفة عنه كل حاجة أمال أخليه يحبني ازاي؟
ياسمين:يا صبا يا حبيبتي الحب مابيجيش بالعافية ومش بالطرق الملتوية دي هو لو بيحبك هيجي يقولك الحب مش محتاج الخطط الحب بيجي لوحده بيدخل جوه كيانك من غير استئذان مش محتاج ولا خطط ولا مؤمرات علشان نخلي الشخص اللي قدامنا يحبنا
صبا بتفهم:أنا عارفة يا ياسمين كل الكلام ده بس هو غير وماتنسيش هو معيد في الكلية حتي لو حبني عمره ما هيقول وماتصدعيش دماغي بقي أنا لازم أروح دلوقتي الشغل
ثم قامت من مجلسها وهي تشير إليها قائلة:وماتنسيش النهاردة حفلة عيد ميلاد بنت أختى رحاب ولا نسيتي
ياسمين:وأنا أقدر بردوا دي كانت رحاب دبحتني بس خليني اجي بكرة لأن الحفلة حتكون بالليل وانتي عارفة احنا عايشين في حارة شعبية وبابا مش حيسمح اني أروح في الوقت المتأخر ده
نظرت لها بغضب قائلة:بت انتي ماتقفلنيش منك قال حارة شعبية قال طب ما بابا بيرفض يخليني أخرج بالليل ومش عايشين في حارة شعبية دي أصول ومبادئ والكلام ده ما بيتجزأش علشان كده عملت حسابي وكلمت باباكي من وراكي علشان عارفة إنك بومه وهترفضي وقولتله ان هخلي عربية بسواق توديها وتجيبها وهو وافق فحاولي تنجزي أمورك وتروحي وتجهزي وأنا هبقي اديكي رنة أول ما العربية تتحرك
قامت من مجلسها وهي تضحك وترتمي بين أحضان صديقتها المقربة وتقبل وجنتها قائلة بتلقائية توصف ما تشعر به بداخلها:بحبك
رفعت يدها وهي تمثل الضيق وتمسح قبلتها:ماتبوسنيش عبيطه
إحتضنتها أكثر:بردوا بحبك
صبا:طب أوعي بقي علشان ما تأخرش سلام
ياسمين:سلام
****************************************************************
في أجواء من السعادة كان الجميع يلتف حول الطفلة ذات الأربع سنوات يغنون أغنية العيد ميلاد ومعالم الفرحة ترتسم علي محيا الجميع ولكن بداخلهم مشاعر متناقضة ما بين السعادة..الحزن..الشقاء..الاشتياق..الندم
أدهم وأروي التي تحاول جاهدة تجعل زوجها يتذكر ما كان بينهم ..عمر ورحاب وهم يقبلون طفلتهم يتمنون لها العمر المديد والسعادة..عبد الرحمن الذي ينظر بفرحة غريبة إليها ويبتسم في نفسه قائلاً: أخيراً بعد طول إنتظار هتكوني ليا
ياسمين وصبا وهم يصفقون ويضحكون بطريقة طفولية لتجعل كل من أسما وشروق يتنهدون وهم يتذكرون أيام كليتهم وكل من الأخرى تتأبط ذراع زوجها إلا أن حسام تركها وذهب بعيداً عنها فإلي الآن لم يستطع مسامحتها عن ما بدر منها
ورعد الذي ينظر بإهتمام الي تلك الجميلة ذات الضحكة الجذابة وملامح وجهها الشرقية
ولكن كان هناك من ينظر إلى كل هؤلاء العشاق بألم وهي تتذكر ملامح حبيبها الذي تركته يذهب بملئ إرادتها
ولم تعلم ان هناك من سيدخل كما الإعصار إلى حياتها ليقلبها رأسا علي عقب عندما سمعت صوت أخيها وهو يعلن وجوده قائلاً:
أحب أعرفكم بنبيل المسئول عن شركة الشاهين تورز في دبي
صدمت عندما رأته يقف أمامها وهو ينظر إليها بتشفي وإستيعلاء :
يشرفني يا باشمهندس عمر
"يتبع"
رحاب_قابيل
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي