الفرصة الضائعة

rehabqabeel`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-04-24ضع على الرف
  • 152.6K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

وضعت سارة سماعة الهاتف من يدها ببطء متعمد كان وجهها شاحبًا كل الشحوب بإنتظار توقف صوت "سيف" عن التذبذب في أذنيها، في الغرفة الثانية ارتفعت أصوات سعيدة بعيد ميلاد أحد الاطفال بعض الاطفال يضحكون وبعضهم يصيحون لقد جاء أخوانها الخمسة الي منزل العائلة في عطلة هذا الأسبوع مع زوجاتهم وأولادهم والمنزل يعج بهم فمنذ أشهر عديدة لم يجتمعوا جميعهم شاهدت وجه امهاالمتورد وابتسامتها المنتشيه فرحة بأولادها وأحفادها . عرفت سارة أنها لن تستطيع القيام بما قد يدمر هذه السعادة كلها عليها العدودة الي الحفل مبتسمة في الوقت الذي لا تشعر هي فيه الا بالرغبة في ايجاد مكان منعزل لتعلق جراحها . ليس الوقت الآن وقت التفكير في الأمر لقد توقعت ما حدث لذا ليس عليها أن تبدي دهشتها.. رفعت ذقنها تثبت أكثر ابتسامتها اشراقاً ثم سحبت نفسًا عميقًا قبل أن تنضم الي عائلتها
بعد أكثر من ساعة فقدت القدرة علي السيطره علي الألم الذي بدأ يجتاح كيانها منذ مخابرة "سيف" لها ودت لو تبكي كانت الدموع متوارية خلف ما فيها ولكن صورة "سيف"كانت تتحداها أن تنهار.
تذكرت التكبر الطفيف الذي كان يتسلل أحيانا.
إلي وجهه حين يفكر عميقًا تصورته علي هذه الصورة الأن فكان أن قذفت هذه الصورة الرماح

إلي كرامتها؛ انه متكبر وسيم لا ريب في أن عجرفته أثرت فيها . أثناء تعارفهما الذي لم يدم إلا وقت قصير حيثما تعثر "عمير" أصغر أبناء أخواتها بلعبة هي عبارة عن شاحنة حمراء براقه ضمته بسرعه ثم راحت تهدئ روعه حتي توقفت الدموع تحلق عدد من الصغار حولها وطالبوها بالاهتمام ولكن أخاها التوأم "عمر" صاح بهم بعد ما خر علي الارض علي يديه وركبتيه
-تعالوا يا ولاد .. هكون حصان..يلا اطلعوا علي ضهري
ابتسم الي سارة قائلا
-ماعندكيش نفس قوتي عشان كده مش هيقدر الكل يبقوا علي ضهرك
-اركب يا "عمير"وانتي كمان ياميرا هنسابق عمكوا"أحمد"
ضربا السجادة بأيدهما وصهلا ودارا بالصغار في الغرفة مدة نصف ساعة وأخيرا انهارا ضاحكين
صاح الآولاد كمان كمان
لكن سارة رفعت يديها مستسلمه تضحك عاجزة وقال أحمد
الحصان العجوز اللي اسمه عمتو "سارة"ده سلم ولازم يروح يرتاح شوية
أضافت فريدة زوجة أحمد/والمفروض بقي لكل الاحصنة دي تروح تنام
سرعان مااستعاد المنزل نظامه بعد ما أخلد احد عشر طفلا الي أسرتهم الجماعية في غرف النوم الكبيرة في الطابق العلوي
نظفت الأطباق المتسخه ورُفعت إلي أماكنها ثم تحلق الأخوة حول التلفزيون يناقشون مزايا فرق كرة القدم المفضله لديهم، رأت سارة أمها وأباها يتصفحان ألبوم صور قديم في هذا الوقت بالذات تسللت "سارة"من باب المنزل الخلفي بهدوء الي الخارج
كان الفناء الخلفي هادئًا فيه ورود وأزهار عطرة
تناهي إليها من مكان ما نبح كلب تقدمت إلي شجرة صغيرة ورفعت ذراعيها الي غصن مزهر زكي الرائحة ..وفي تلك اللحظه عاد ما كان بعيدًا عن تفكيرها إلي الواجهه من جديد أمسكت الغصن مزهر زكي الرائحة .. وفي تلك اللحظه عاد ما خبئته بعيدا عن تفكيرها الي الواجهة من جديد أمسكت الغصن الناعم محاولة تذكر الاحساس الذي كانت تشعر به في طفولتها جنتها التي تلجأ اليها هربًا من اخواتها ومن مزاجهم الثقيل الذي لا يرحم . كلهم أكبر منها إلا توأمها أحمد وطالما سخروا منها قائلين بأن عليها حين تقع في الحب أن تنتظر موافقتهم الصعبة المنال حتي يتم الزواج اما الان فلا مجال لمثل هذه الموافقة انها لا تري سور الوحدة
-يساعدك لو اتكلمتي معايا شوية؟
كان صوت أحمد العميق لطيفًا حنونًا .فتصلب جسمها ولكنها لم تلبث أن أرخت ذراعيها / ماحستش انك جيت
-طول الوقت كنتِ عماله تهزر وتضحكي بس انا ماصدقتش انك سمعتي أو أستوعبتي حاجه حواليكِ من ساعة ونص كده
-مش فاهمة قصدك
دار حول الشجرة ليقف أمامها
-بصي أنتِ عارفة اني مش بحب اتحشر في حاجه ماتخصنيش بس أنا شوفتك بتردي علي مكالمه في فونك ولاحظن ان كل تعابير وشك اتغيرت ولو حبيتي تتكلمي هكون سعيد وانا بسمعك
شعرت بالامتنان لعتمة المساء لانها كانت تخفي تعابير وجهها ربما أحس بألمها لآنه شقيقها التوأم
-هو ....سيف
عندما لم يعلق أحمد بشئ أردفت
-اتصل عشان يقولي انه بقاله هنا أسبوع ومارداش يرجع بيته قبل ما يتصل بيه
-هو مش هيجي عشان يشوفك؟!
هزت رأسها نافية واستندت الي الشجره علها تحول دون تساقط الدموع المستعدة للوثوب في أية لحظة
-قال مالوش لزمة انه يجي خلاص
-ليه مش هو كان عايز يتجوز بعد ما يرجع؟
-ردت ببؤس أنا افتكرت كده انا كمان
ظهر عدم التصديق علي وجهه
-انتي عايزة تقولي انه فسخ الخطوبة كده خلاص وكمان في الووبايل يعني ايه اللي عمله ده هو مافيش بني ادمين اتفق معاهم في البيت طيب هو قالك لي سابك؟
-لا اكتقي بس انه فكر في الموضوع في اسكندرية وانه اتوصل لنتيجة اننا ماننفعش لبعض لآننا من عالمين مختلفين..انت عارف باقي الكلام اللي زي كده.
أدارت ظهرها تحدب كتفيها .. فلم تعد مستعدة للمضي في الكلام بدون أن تبكي وفي الواقع هي ترفض أن تنهار ولو أمام أحمد رغم أنه سيتفهمها نعم التفهم انها لا تفهم عمق صدمتها هذه لا تفهم سبب اختياره هذه الطريقة لانهاء ماكان بينهما ودارت بها أفكارها فطالما امنت بلطفه ودماثة اخلاقه كان شخصا قاسيا حازما غير انه قال لها ان الزمن يصقل طبعه الخشن القاطع أما الان فم تري منه سوي قسوة رهيبه اذ اكتفي بالقول انتهي الامر ..لن أراك بعد الان وانقطع الاتصال
همس أحمد بلطف وهو يحيطها بذراعه دافنا وجهها في صدره...
-أنا أسف يا سارة... عارف هو بالنسبة ليكي ايه
صمتت طويلا ثم مزقتها تنيهدة عميقة-انت بتؤمن بالحب من النظرة الاولي..يا أحمد؟
قال بتفهم كامل/انا أول مرة شوفت فريدة حسيت انها حد مميز ومش عارف ان اللي حسيت بيه ساعتها حب ولا انجذاب أطور لحب.
-ـنت بقي عرفت من اللحظة الاولي اني حبيته وهو كمان بادلني نفس الشعور ما قولناش حاجه ساعتها بس عرفنا شعورنا اتجاه التاني وأحيانا كتير ماكنش لازم نقول حاجة تقدر تقول حاجه زي توارد الافكار كده.انت فاهمني؟
امسك كتفيها بقوة ونظر الي وجهها الخالي من اللون
اللي كان بينكوا حاجه نادرة فعلا . عشان كده أنا مش فاهم ازاي لغي كل حاجه علي التليفون ومش فاهم كمان انتي ازاي تسيبيه بالسهولة دي؟
ثم ـضتف
تفتكرتك هتحاربي كل الدنيا عشانه لو حتي وصلت انك تحاربيه هو شخصيا عشان تحافظي علي حبك أو أقل الايمان تناقشيه تعرفي ليه هو عمل كده!
-ازاي هو قالي انه مش عايز يشوفني مرة تانيه
-روحيله داوقتب حالا!اتكلمي معاه ودوري عن السبب اللي خلاه يعمل كده!قاتلي عشانه ياسارة هو مايستحقش انك تقاتليه عشانه؟!
دس يديه في جيبه وأسود وجهه
-ماعتقدتش انه من الاشخاص اللي ممكن يتصرفوا كده وان فعلا كنتي مهتمه بيه هتعرفي السبب
-عايزني ازاي احارب لشخص هو مش عايزني من الاساس؟
-عارفة لو استسلمتي من غير محاولة هتفضلي دايما تتعذبي بسؤال هو ليه اتخلي عنك..مش يمكن يكون ده كله بسبب سوء تفاهم بسيط..مايستحقش اللي حصل ده كله

نظرت له لحظة تزن ما قاله..
-تفتكر انه موجود في الهيلتون
شعت ابتسامته بالرضي
-اعتقد كده هو اخر مره كان هناك بردوا بصي بعد ساعة هتلاقي الولاد راحوا في سابع نومة لو خرجنا ماحدش هيحس بينا ولا هيفتقدنا وهقول لماما وفريدة اننا هنخرج نمشي شوية اشطه
-اشطه
ربما هو محق لا يعدو الامر سوء تفاهم بسيط وربما هو أكثر من ذلك بكثير كانت طوال الطريق الي البلدة تأرجح بين الامل والخوف ..حين انزلها أحمد اخيرا امام باب الفندق ابتسمت له متوترة
-هشوف مكان عشان أركن فيه العربيه وهدخل استناكي جوه الفندق واتصلي بيه وبلغيه اننا همطلعله تمام
-تمام
دلفت دالخ الفندق ثم أعطاها موظف الاستقبال الشاحب رقم غرفة سيف لم تستطع انتظار اخيها لذلك قررت الذهاب فورافتوجهت الي الممر الطويل الفارغ وظلت واقفة فيه فترة قبل ان تستجمع ما يكفي من شجاعة لتقرع الباب كان قلبها يخفق بسرعة وقوة حتي ظنت ان صداه يتردد في الممر الصامت ولكنها أجبرت نفسها علي قرع الباب قبل ان تفقد أعصابها وتغادر المكان بدون أن تراه لم اسمع الرد. فخالته للوهلة الاولي غير موجود في الداخل.. لكنها سرعان ما سمعت صوته المخنوق من وراء الباب
-الباب مفتوح
استجمعت شجاعتها .ثم خطت الي الداخل وعيناها تجولا في الغرفة الواسعة قبل أن تستقرا عليه..لاحظت ساره جسده ينتفض مجفلا حين عرفها ثم استقام في جلسته متوترا والغريب انه لم يقف حين اقتربت منه غاصت قدماها في سجادة بيضاء سميكة جعلت خطواتها متوترة مترددة بحيث اضطرت للتوقف فجأة وبقيت حيث هي ثم راحت تبحث في وجهه عن دليل علي سروره برؤيتها او علي الترحيب بها ولكنها لم تجد الا تقطيبة شديدة واجهت عينيها المتوسلتين لقد تغير ! راته الان مرتديا سروالا أسود وقميصا أبيض اظهر بشرته الدكناء عادة شاحبة اللون دليل عدم العافية ولكنه رغم ذلك ما زال يملك القدرة علي اطلاق العنان لقلبها .أما شعره الآسود الكث فبدا أطول قليلا مما تذكره وهو الي ذلك أشعث وكأنه كان يخلل أصابعه فيه كان أنحل عودا أما فمه المتجهم المشدود فقد جعلها تنتبه الي عظام خديه القوية والي عينيه الرمادتين غير العادتين المفعمتين بدهشة عاصفة أذهلتها دفع رأسه الي الوراء بشموخ ثم جلدها بصوته
-انتي بتعملي ايه هنا؟
وكأنه لا يصدق انها هنا بالفعل أحست فجاة ان فمها وحنجرتها جفا ثم انتشر الم حاد في وجهها الخالي من اللون وتبعثرت فجاه اعصابها المتماسكة
-شوفت اني لازم اجي ازاي فجاة تتصل بيه وتنهي كل شئ ببساطه كدة؟!
-والله أنا قولت اللي عندي..أنا مش عايز أشوفك تاني..جيتي ليه؟
لم يتحرك كانت يداه الي جنبيه وكأن لا حياة فيهما تقدمت منه متعثرة
-ليه ياسيف؟
-قال بخشونة/يالله..انتي مش عايزة تفهمي ليه.. مافيش بينا حاجه تتقال
ارتبكت ارتباكا شديدا لآنها لم تفهم لتباعده سببا هذا ليس الرجل الذي تركته في المطار منذ بضعة أشهر فسيف عز الدين الذي تعرفه رقيق لطيف محب اما هذا فتحيل بارد وشرس
أنا مش عايزك هنا!
-سف !حصلك ايه عشان تتغير بالشكل ده؟انت كنت عيان؟
-أنا ماحصليش حاجة انا ماكنتش يوم بخير أفضل من اليوم ده أحرجي بقي من حياتي يا سارة..بس..أخرجي من حياتي!
-أنا أسفة لو كان حصل حاجه ني غصب عني أو عملت حاجه ضيقتك او قلت حاجه من غير ما أقد أو..
قاطعها ببرود
-ماتعتذريش ..الموضوع مش متعلق باللي قولتيه أو عملتيه..أنا بكل بساطة مش عايزك هنا في حياتي كلها..انتي مابتفهميش؟
أزدرت ريقها/لا انت ماتقصدش اللي بتقوله أكيد
دنت منه حتي جثت علي ركبتيها أمامه بتظر اليه بعينين يعذبهما الالم
-أنت نسيت احنا ايه لبعض ؟ انا بحبك ..لازم نتكلم ونشوف سبب اللي حصل ده ونصلح كل شئ تاني
واجهها سيف بوجه متجهم وبجسد لا يحرك ساكنا في مقعده فهو لم يتحرك أو حتي ليدفعها حتي يبتعد عنها.. بل جلس فقط بلا حراك وكأن لحمه ودمه تحولا الي رخام اما فكاه فكانا مشدودين واما عنياه فكانتا ..تحرقانها بنار الرفض لايمكن ان يكون تمثال رخامي بخيلا الي هذا الحد

تري ماالذي حدث لسيف الطيب ليتحول ويتبدل كل هذا التبديل احدث معه شئ أم أن هناك مفاجأه في انتظار سارة
يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي