الفصل التاسع والخمسون

وقعت تلك الصور من يده دون ابداء أي مشاعر على وجهه ليلتقطها آدهم بين يديه وهو يزذرق ريقه بعد أن شاهد محتواها قائلا:
-أكيد في حاجة غلط مستحيل رحاب تعمل كده..مستحيل!
وبمشاعر جامدة أجابه: هقتلها!
أمسكه آدهم من كتفيه ليجعله في مقابلته: فوق يا عمر أكيد في حاجة ورا الموضوع ده
لكنه قابله بنفس كلمته بوجه متجمد: هقتلها
آدم: يا عمر فوق أكيد في حاجة غلط
لكنه ظل يكرر تلك الكلمة مرارا وتكرارا إلى أن رفع آدهم يده لينزل بصفعه قوية على وجهه ليدي صداها في جميع أنحاء المنطقة.
لكنه نظر إليه وللمرة الأولى منذ أن شاهد تلك الصور شاهد آدهم معالم الحسرة والخذلان ترتسم على وجهه صديقه ليرتمي على كتفيه وهو يبكي على حال ما وصل إليه.
***************************************************************
في مصر...
أروى لو سمحتي تعاليلي دلوقتي حالا
أروى وقد اعتلت معالم الدهشة وجهها لصوت صديقتها: في ايه يا رحاب؟
رحاب: لما اقابلك هقولك.. بسرعة تعالي عشان مش طايقة نفسي
أروى: عشر دقايق وهكون عندك
بعد وقت قصير.. كانت أروى تدلف من بوابة الدخول لمنزل صديقتها، وما أن لمحتها رحاب حتى أخذتها من يدها ليجلسوا على أرجوحة قريبة منهم بداخل حديقة المنزل
أروى: في ايه يا رحاب وترتيني؟
رحاب: حصل النهاردة معايا حاجة غريبة أوي!
نظرت إليها أروى دون أن تنطق بكلمة واحدة كأنها تخبرها بأن تسترسل في حديثها الذي بدأته: النهاردة كنت في النادي ولاقيت حد بيحط ايده على وشي افتكرته حسام لأني كنت هقابله وده اللي خلاني خرجت وبعدين لاقيته بيحضني وبشلني ويلف بيا ضحكت انتي عارفة حسام ومقالبه ولما نزلت وببص عليه لاقيته واحد غريب نهائي يا أروى.
أروى: ده اللي هو ازاي؟
رحاب: مش عارفة ايه ده!
أروى: يا ستي ممكن يكون حد اتلغبط بينك وبين حد تاني
رحاب: جايز.. استني كده انتي فيكي ايه؟
بدأت أروى بقص كل ما حدث معها على سمع صديقتها لتسكت برهة ثم تسترسل قائلة:
رحاب أنا حاسة اني بقيت لعبة في ايد كل حد شوية
رحاب: معلش يا رورو معتز غصب عنه حبك وهو ماكنش يعرف انك متجوزة بس الحيوان التاني ده..
اسكتتها أروى بمساك كف يدها قائلة فجأة:
رحاب لو جرالي حاجة خدي بالك من ولادي أرجوكي وحاولي تفكري آدهم بيهم مش هيبقى ليهم حد غيره.. أرجوكي!
اندهشت لما تقوله صديقتها لها لكن الأخرى استرسلت: أنا عارفة انهم هيبقوا مع بابا وماما مبسوطين بس ماحدش هيحبهم زي باباهم توعديني انك ترجعيهم ليه!
رحاب: في ايه يا أروى.. مالك؟
لكنها أصرت: توعديني!
رحاب: أوعدك
انفتحت أسارير صديقتها لتقول وهي تقفل هذا الحوار: أنا جعانة يلا نقوم ناكل بقى
تعجبت من حال صديقتها لكنها فضلت السكوت عندما رأتها تبتسم بعدما نسيت كيفية الابتسام من بعد تلك الحادثة المشئومة لزوجها، لكن بداخلها لم تكن مرتاحة لما يحدث معها أو مع صديقتها.
*************************************************************
ما خلاص بقى يا ست حفظت
أشارت له بسببتها محذرة إياه: عارف لو عملتلها حاجة يا رعد هعمل فيك ايه؟
رعد: انتي ليه محسساني اني رايح أقولها عايز نكتب ورقة عرفي
صبا: نهارك أسود ومهبب على دماغك!
رعد: الله يخربيتك يا شيخة غوري يلا روحي نديها
صبا: اشطة
بعد دقائق قليلة كانت صبا تدلف إلى داخل المطعم هي وياسمين.. رسمت معالم الدهشة الزائفة على محياها وهي تسير بجوا الطاولة التي اتفقا على أن يجلس عليها قائلة: رعد مش معقول!
كان على وشك الضحك لكنها منعته بنظرة منها ليرسم معالم الجدية على وجهه الوسيم: صبا! بتعملي ايه هنا؟
صبا: كنت جاية أنا وياسمين ناكل بس مادام أنت هنا فنعد بقى
ياسمين: عيب يا صبا كده أفردي أستاذ رعد مستني حد.. قومي يلا!
أجابها رعد سريعا: لالا.. خالص مش مستني حد اتفضلوا!
لم تمر نصف ساعة حتى تحججت صبا بشئ لتخلي لرعد السبيل ليتفوه لها بما يريد إخبارها إياه ولكن كانت الصدمة حين صارحها بما يجتاحه من مشاعر اتجاهها لتجيبه:
أنا آسفة يا أستاذ رعد بس أنا مش ببادلك نفس شعورك ده
لم يستطع التحدث.. وكأن فمه قد لجم بلجام قوي على يد فارسه ليخرسه، قامت من مجلسها لكنها فوجئت به يمسك كف يدها قائلا:
أقدر أعرف ليه حضرتك بترفضي؟
تلجلجت، لكن مع إصراراه:
علشان فرق المستوى اللي ما بينا حضرتك أنا مش من نفس بيئتكم أنا واحدة باباها موظف على أد حاله وعايشين في حي شعبي مش زيكم ولا عمري هكون عن إذنك.
ثم تركته وذهبت سريعا قبل أن تعطيه فرصة للتحدث
****************************************************************
يا بنتي بطلي أكل بقى هتنفجري
أروى: سبحان الله أكل مش عاجب ما كلش مش عاجب!
رحاب: طب حسبي بس لتكلي دراع مريم
ابعدت الفتاة يدها سريعا: لا يا خالتو مش تاكلي دراعي
أروى: ما تخافيش يا قلب خالتو أنا مش زومبي مامتك بس بتستخف دمها
قاطع حديثهم صوت رنين جوالها
أخرجته وبعد بثوان كانت تقفز من مكانها قائلة: رحاب بابا عمل حادثة أنا لازم أمشي دلوقتي
رحاب: ايه ازاي ده؟!
أروى: وهو ده وقت أسأله!.. أنا ماشية
رحاب: طب استني نخرج السواق ياخدنا مع بعض
بعد ساعة كانت أروى تدلف باب بيت والدها يرتسم على ملامح وجهها الرعب:
هو فين بابا؟
تيم:
اهدي يا حبيبتي مافيش حاجة دي كلها كسور بسيطة
أخذت نفسها بصعوبة: الحمدلله
ثم تركته ودلفت لغرفة والدها سريعا: خضتني عليك يا بابا
محمود: أنا كويس يا حبيبتي ما تخافيش
لكنها لاحظت شخصا أخر في الغفة ينظر إليها نظرات مبهمة لكنها تبدلت سريعا عندما عرفها عليه أخيها قائلا: ده دكتور سراج يا أروى اللي أنقذ بابا
قامت من مجلسها مبتسمة تمد إليه كف يدها تشكره بسعادة بالغة لكنه أجابها أن هذا واجبه وأي شخصا أخر مكانه كان سيفعل نفس الشئ مرت الساعات وأتفق الأربع صديقات أنهم سيقضون ليلتهم عند منزل أروى بالأخص عندما علمت شروق أن حسام سيناوب الليلة بالمشفى فاستأذنت منه وهو رحب سريعا لهذه الفكرة وعندما علمت صبا بما حدث لوالد أروى وقرار الفتيات قررت أيضا إنها ستقضي الليلة معهم.
كانت الخمس فتيات جالسات يتحدثون في عدة أمور .. أستأذنت منهم صبا وخرجت لتجلب كوب من الماء
لم تكن تنظر أمامها لذلك اصطدمت بأحدا ما رفعت نظرها لتجد أنه تيم ابتسمت قائلة: يخربيتك.. خضتني يا اسمك ايه
تيم: يخربيتي ويا اسمك ايه؟ يا بنتي مافيش احترام للكبير كده؟
صبا بطفولية: تؤتؤ مافيش.. ثم انت بتعمل ايه هنا مش كفاية مراتك اللي قرفانا جوا
تيم: تعيش وتقرفكوا دي قلب تيم دي
رفعت حاجبا: أبو المحن يا أخي
تيم: يابت انتي احترمي نفسك بدل ما اضربك
صبا: تضرب مين يا بابا ماتعش انت هتعمل عليا انا ظابط ولا ايه؟
تيم: يابنتي احترمي نفسك ده انتي كلك على بعضك شبر ونص
صبا: والا والا ماتخلنيش اتغابى
تيم؟ والا؟!.. يا بنتي ده انتي بضفريتين
صبا: أنا.. فشر ده أنا مسيبة شعري تحت حجابي وحاجة كده أخر فل واربعتاشر
تيم بإندهاش: وهو فين حجابك ده؟
صبا: اللي أنا لبساه
ضحك تيم بسخرية: يابنتي انتي من ساعة ما وقفتي معايا وانتي بشعرك والضفيريتن بسم الله ما شاء الله هياكلوا منك حتة مش فضلك غير مصاصة ونوديكي الحضانة
ابتلعت جملتها وهي تبتسم بسخرية لكنها مدت يدها فوق رأسها لتكتشف انها بالفعل خرجت بدون حجابها، وضعت يدها فوق فمها وهي تنظر بعيناها سريعا لتبحث عن أي شئ تضعه فوق شعرها، سرعان ما وجدت مفرش طاولة الطعام لذلك ذهبت مسرعة لتسحبه وتضعه فوق رأسها قائلة: وأنت ازاي ماتنبهنيش لحاجة زي كده
-ما انتي لو اديتي لأي بني آدم فرصة يتكلم أكيد كان هينبهك
نظر الإثنان إلى صوت المتحدث لتنطق اسمه بتلجلج واضح: سـ.. سـ.. سراج؟!
تيم: انتي تعرفيه؟
انتبهت لسؤاله، لذلك استجمعت نفسها لتخبره بثقتها المعهودة: أيوة ده دكتور سراج دكتوري في الكلية
تيم: أها.. طب هروح أشوف سما
هزت رأسها دون أن تنطق، بعد أن أختفى عن أنظارهم نظر لها بغضب :
من غير كلام كتير الموضوع ده لو اتكرر تاني مش هيحصل كويس
صبا بإستغراب: موضوع ايه؟
سراج: وقفتك.. هزارك.. شعرك الحلو الطويل اللي فرحانه بيه ده.. كل ده لو حصل تاني صدقيني هتقومي من النوم مش هتلاقي اللي انتي فرحانة بيه ده
كانت على وشك الرد عليه لكنها ابتلعت حديثها عندما قال بصوت غاضب مكتوم: شعرك إن بان تاني يا صبا ماتلوميش غير نفسك.. ولينا كلام تاني عن هزارك مع كل واحد شوية يلا غوري نامي
وكأنها كانت تنتظر تلك الكلمة لتجري من أمامه سريعا وقلبها يتراقص طربا من شدة سعادتها.
***********************************************************
بعد مرور أسبوع على تلك الأحداث...
في تركيا.....
عمر: أنا عايز أنزل مصر حالا
آدهم: لازم نستنى شوية لحد ما يجي الدليل التاني
عمر بغضب: يعني هفضل تحت أمره وأنا مش عارف مراتي بتعمل ايه من ورايا؟
ابتلع جملته عندما رن الجوال معلنا برسالة جديدة:
المرة دي الانتقام مش عارف هيبقى سهل ولا صعب بس هقولك إن الإنتقام مش هيبقى منك لكن هيبقى من حد عزيز ليك وهيبقى على ايد صديق الآثار العزيز لأقرب حد شخصك العزيز لو رجعتله ذاكرته وعرف انه أفتقده هيحصله على طول وتفضل لوحدك وده المطلوب
آدهم: يعني ايه الكلام ده؟!
التزم عمر الصمت قليلا يفكر ثم قال بخوف: أروى!
آدهم بعدم استيعاب: أروى مين دي؟
عمر:مر..... لكنه تذكر سريعا كلام الطبيب عن عدم تذكيره إياه لها، وعليهم إلتزام الصمت لعودة ذاكرته وحدها: السكرتيرة!
آدهم بتعجب وبلاهة: سكرتيرة ايه؟!
أجابه بعصبية: مش وقت غباء يا آدهم... أروى سكرتيرتك
وقتها دق قلب آدهم سريعا خوفا لكنه لم يعلم سببا لذلك لكنه تحدث سريعا: لازم ننزل مصر حالا
******************************************************
في نفس تلك اللحظة كانت أروى تدلف خارج الشركة ولم يكن في حسبانها تلك السيارة الواقفة بجانبه منتظرة إياها وما أن لمحها السائق حتى أدارها وفي لحظة واحدة كانت أروى كالجثة الهامدة على حافة الطريق غارقة بدمائها
جائت الإسعاف سريعا عندما علموا إنها زوجة آدهم الشرقاوي
ليخرج الطبيب من غرفة العمليات بعدما يقارب الساعتان لينزل عليهم بجملة جعلت كل من في الإنتظار يقع مكانه دون أن يتحدثوا بشئ وكانت تلك الجملة هي:
البقاء لله.. شدوا حيلكم
ولكن كان يوجد هناك شخصا آخر يقف خلفهم ليسمع تلك الجملة ليقع صريع للظلام ليلف كل من كان واقفا عندما سمعوا صوت صديقه وهو ينطق باسمه:
آدهم
**********************************************************************************************************************************
على سرير حديدي، نام "آدهم" وذراعه متصل بأنبوب بلاستيكي، يحمل سائلا شفافا، كل من بالخارج مذهولا مما حدث للتو، أما عن الأول فكان تائه في عالمه الخاص يراها أمامه مبتسمة له وهي تمد يدها إليه: آدهم تعالى معايا يلا!
مد يده لها لكنه لم يجدها بل أختفت ليجدها أمامه تغطيها الدماء على جانب الطريق، جرى سريعا بإتجاهها لكنها أختفت ليجدها مرة أخرى واقفة أمامه بدموع منهمرة: كنت بتقولي هتفضل معايا، بس أنت سبتني ومشيت، عشان كده أنا كمان مشيت مع السلامة يا آدهم.
قالت جملتها وأختفت لكنه ظل ينظر لآثرها وهو ينادي بإسمها يتلفت في كل إتجاه، لكنها لم تعد موجودة.
أسرع الجميع على صريخه وهو يلفظ بإسمها.
أقترب منه "عمر" ممسكًا يده يقويه عن ما يحدث حوله، طلب الطبيب من الجميع الخروج حتى يتيح له علاج مريضه.
وبعد مرور بضع ساعات..
خرج الطبيب متسائلاً عن "عمر" اقترب منه معرفًا عن نفسه، بعدها طلب منه الدخول إلى صديقه مطمئن الجميع بإنه بخير.
دلف عمر وهو يبتسم في محاولة بائسة منه للتخفيف عن صديقه لكنه تفاجئ عندما قال: عمر هو ايه اللي حصلي؟
لملم نفسه سريعًا متسائلاً: أنت مش فاكر اننا جينا مصر؟
آدهم بثبات: طبعاً فاكر..
عمر: فاكر ايه؟
غضب الأخير من تساؤلات صديقه المستمرة كأنه في تحقيق: في ايه يا عمر؟
عمر: لا أبداً مافيش، بس أصلك ماجبتش سيرة "أروى"
آدهم: عارف انها ماتت!
وكأن على رأسه الطير لم يستوعب ما قاله، ثم ردد ما قاله الأخير بدون وعي: اه.. اه.. ماتت!
بعدم مبالاة أجابه: الله يرحمها.. بس أنا عايز أشوف عيلتها
عمر: ليه؟
آدهم: عشان نعوضهم طبعاً ونشوف موضوع التأمين
تسأل عمر بشك: آدهم أنت كويس؟
آدهم: كويس، بس مش عارف ليه حاسس إني قلبي وجعني.. حاسس إني خسرت شخص عزيز عليا بس مش فاهم ليه؟
لم يستطع الإحتمال أكثر من ذلك لذلك تقدم نحوه آخذًا يد صديقه بين يديه ليدلف به خارج الغرفة، لكنه جمد في مكانه عندما وقع نظره على تلك النقالة التي تحمل جثمانها، يغطيها شرشف أبيض اللون، لكن وبدون وعي تحرك إتجاهها رافعًا ذلك الشرشف وهو ينظر إليها بملامح متجمدة لتمتلئ مقلتيه بالدموع وتتساقط على وجنته بدون وعي سرعان ما تحولت إلى بحرًا من الدموع لكنه مد يده يمسح ذلك السائل الساخن الساقط على وجنته مندهش لمَ يشعر به، لا يستطيع عدم الفهم مما يخالجه من مشاعر، لكن للمرة الثانية سقط جسده أرضًا بجوار جثمانها ليسبح في بحر من الظلام.
*******************************************************
بغضب عارم وقفت أمامها: يعني ايه؟
ياسمين: يعني زي ما سمعتيني يا صبا أنا مش عايزة أرتبط بحد أعلى مني في المستوى!
صبا: هو انتي هبلة يا ياسمين مفكراني هصدق الكلمتين اللي رمتيهم على الراجل في المطعم؟
ياسمين: يعني ايه؟
صبا: يعني اتعدليلي كده وبصي وواجهيني وارمي اللي في ايدك ده وقوليلي الحقيقة؟
ياسمين: حقيقة ايه؟
صبا: ياسمين بطلي تلفي وتدوري أنا فهماكي كويس وعارفة انتي بتفكري في ايه؟
لم تجبها لكنها فضلت النظر بدفتر محاضراتها في ادعاء كاذب بإنها تكتب ما فاتها، لكن الأخيرة فهمت ما تحاول فعله لذلك مدت يدها وهي تغلقه قائلة بغضب: هو انتي لسة بتشوفي الزفت اللي اسمه مهاب ده؟
توجست وهي تزدرق ريقها: اا.. أصل..
صبا: نهارك أسود ومهبب.. كام مرة قولت الزفت ده بيضحك عليكي، كام مرة المفروض أقولك انه إنسان مش تمام وبيستغلك فوقي يا ياسمين
ياسمين: والله اتغير يا صبا
صبا: عمر ما ديل الكلب بيتعدل.. عمرك سمعتي عن ديل كلب بيتعدل
قفزت من مكانها تضع يد بجانبها والأخرى تشير بسببتها في وجه صديقتها: أوعي يا صبا تشتميه تاني فهماني
هنا أدركت "صبا" بأن صديقتها في ورطة حقيقية وعليها إنقاذها من براثن ذلك الوغد ومن غيره يستطيع إنقاذها سواه
**************************************************************
كراسي رست بجانب الطريق، رجال يجلسون يتهامسون عن ما حدث لتلك الشابة وآخرون لا يستطيعون التصديق ومجموعة أخرى فقط جلسوا ليأخذوا واجب العزاء لا أكثر وفي الخلفية صدح صوت الشيخ "المنشاوي" ببعض من آيات الذكر الحكيم.
هناك جالس والدها بأعين كالجمر وملامح باهتة زادت من عمره.
وأخ واقفًا بثبات على خلاف ما يشعر به من نار تتأكله بالداخل على فقدان أخته، لا ليست بأخت بل هي ابنته، كان هذا هو شعوره دومًا بالرغم من أنه يصغرها بسنتان إلا إنه كان دائما ما يشعر بإنها ابنته المدللة أهكذا وفي لمحة بصر لم يعد لها وجود في الحياة.
مد يده سريعًا قبل أن تسقط تلك الدمعة الهاربة، يمد يده في ثبات للزائرين وهو يرمي ببضع كلمات مثل "الدوام لله"
لم يستطع الثبات أكثر من ذلك وارتخت قدماه لكن هناك من مد يده له بسرعة قائلاً: خلي بالك
نظر له بأعين دامعة: مش قادر خلاص يا سراج!
أجبره علي التحرك من بين الحضور أخذًا إياه في مكان بعيد:لازم تقدر مش عشانك بس بص على باباك ده غير مامتك وأولاد أختك اللي مش فاهمين حاجة لازم تقدر يا تيم
إلى هنا ولم يستطع منع دموع عيناه وهو يسقط أرضًا واضعًا يده فوق رأسه: مش قادر أصدق ازاي تسيبنا كده؟ ازاي؟ ماكنش من حقها طب كانت تستنى.. طب كانت تقولي إني مش هشوفها تاني عشان أقدر أودعها كانت تستنى عشان اخدها في حضني وأقولها انها أعظم أخت في الدنيا.. كانت تستنى لما ولادها يكبروا.. أروى مشيت بدري أوي يا سراج بدري أوي
حتى جوزها مافتكرهاش وقاعد في وسط الناس زي الغريب ماكنتش تستحق تموت كده ماكنتش تستحق
جلس بجانبه محاولا منع دموعه هو الآخر قائلاً بملامح متجمدة وهو يضع يده فوق كتفه يقويه: لازم تقوى يا تيم عيط وخرج كل اللي جواك إنما لما تقوم من هنا لازم تكون أقوى ونعرف ايه اللي حصلها بالظبط
صرخ تيم بعلو صوته ليصدح صوته في الأرجاء قائلاً كلمة واحدة: يارب!
بالداخل كان كل من صديقاتها جالسون بجانب والدتها، مشخصين نظرهم بذهول إلى غرفتها التي ترقد بها، والنسوة التي بجانب والدتها يحاولون أن يتكلمن معها، ولكنها تنظر إليهن بعين حائرة ولا ترد، مثبته فقط عينيها على الباب بدون البث ببنت شفة.
حاولت إحداهن التحدث مع "رحاب" لكنها لم تكن أقل من والدة صديقتها فقط نظرت إليها ثم رجعت وثبتت نظرها على الغرفة بدون التحدث فقط تتذكر أخر كلمات صديقتها قائلة:
رحاب لو جرالي حاجة خدي بالك من ولادي أرجوكي وحاولي تفكري آدهم بيهم مش هيبقى ليهم حد غيره.. أرجوكِ!
اندهشت لما تقوله صديقتها لها لكن الأخرى استرسلت: أنا عارفة انهم هيبقوا مع بابا وماما مبسوطين بس ماحدش هيحبهم زي باباهم توعديني انك ترجعيهم ليه!
وتذكرت وعدها لصديقتها وبدون وعي قامت من مكانها آخذة الطفلين من يدهما، بحثت عنه حتي وقعت عيناها عليه، حست قدماها على السير ولكن سرعان ما وقعت عينا الطفلين على والدهم جروا سريعًا وهم يرتمون بين أحضانه: بابا!
تعجب الأخير مما حدث للتو ناظرًا إليهم: بابا مين؟
آنس: أنت كنت فين يا بابا؟
أمير ببكاء: وماما فين يا بابا؟ دي وحشتني أوي!
نظرت بعين جامدة قائلة: دول أولادك عن اذنك!
شدها من يدها بغضب: انتي اتجننتي ازاي تعملي كده؟
رحاب: لازم يفتكرهم أروى وصتني عليهم وأعتقد لحد كده وكفاية صاحبتي راحت خلاص عشان يفتكر هنستنى لحد ما ولادها يحصلوها لا يمكن على جثتي
عمر: وعدك لصاحبتك مش أهم من صاحبي!
جذبت يدها منه : صاحبك ده السبب في اللي حصلها وكفاية ظلم فيها لحد كده!
عمر: ماحدش اتظلم قدي بس أنا يا رحاب مش هخليكي تعيشي يوم مرتاحة بعد النهاردة
فوجعت لم قاله له للتو لذلك رجعت أمامه قائلة: أنت بتقول ايه؟
عمر بغل: لينا حساب ما بينا لازم نصفيه يا رحاب
رحاب: حساب ايه؟
عمر: حساب كل مرة كنت عايش فيها مغفل
رحاب: يعني ايه؟
عمر بتوعد: كل حاجة هتعرفيها في آوانها واتفضلي غوري على ما اشوف اللي انتي عملتيه واه..
نظرت له ترتسم ملامح الدهشة على محياها ليكمل جملته: خليكي الأسبوع ده في بيت صاحبتك جنب مامتها بس اعرفي من بداية الرجعة للبيت هتكوني سجنتي.
**************************************************************
يتبع
رحاب_قابيل
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي