الفصل الحادي والستون

يلا يا ياسمين أخرجي أقعدي مع عريسك
أرضخت إلى الأمر الواقع ثم ذهبت للخارج لتتفاجئ به جالس أمامها
لكن ما الذي عليها فعله الآن؟
جالسًا مستمتعًا بنظراتها المصدومة.. حتى بعد خروج والديها وأخاها الأصغر من الغرفة تاركين لهم بعض من الخصوصية، حتى يتم التعارف بينهما
قام من مقعده ليجلس بالقرب من مقعدها:
هتفضلي بتبصي ليا كتير؟
ظلت تنظر إليه بغضب دون أن تنطق، لكنه لكزها حتى نظرت إليه بدهشة من جرأته: لا كنت بشوفك لسة عايشة ولا السر الالاهي طلع
ياسمين: أنت ماعندكش دم؟
أجابها ببرود وهو يتطلع إلى ملامح وجهها: لا ماعنديش
ياسمين: ما أنا بردوا بقول كده!
رعد: وايه كمان بتقوليه؟
ياسمين: أنك ماعندكش كرامة كمان، إزاي يا أستاذ أنت تيجي لحد بيتنا! أنا ما شوفتش في بجاحتك والله.
رعد: جيت على رجلي، هاجي ازاي يعني؟
ضغطت على قبضة يدها في محاولة بائسة منها لكتمان غضبها قبل أن يتعالى صوتها ويسمع كل من بالمنزل بقصتها: بص يا أستاذ رعد من الآخر كده أنا كذبت عليك.
هز رأسه قائلا: كملي..
ياسمين: بص من الآخر كده أنا بحب واحد تاني ومش عايزة أتجوز غيره
رعد: وهو عارف أن في عريس هيتقدملك النهاردة؟
أشاحت بنظرها بعيدًا حتى لا يتضح معالم الكذب على وجهها لتجيبه بالنفي لكنه، أيقن سريعًا أنها تكذب: فعلًا..
ياسمين: اه
أجابها ببرود واضعًا ساق على الأخرى مستندًا بجذع يده عليهما: انتي كذابة!
صمتت لحظات عندما استمعت لجملته الأخيرة، لكنها سرعان ما حثت نفسها على الحديث دفاعًا عن حبيبها قبل نفسها: لا مش كذابة، وهو.. هو.. يعني أصلًا هيجي طبعًا، بس احنا لسة في سنة أولى مستني منه ايه يعني؟
رعد: مستني يبقى راجل!
تملك منها غضبها، قامت من مكانها سريعًا تقف أمامه: بقولك ايه مهاب ده أرجل منك أصلًا و....
ابتلعت كلماتها داخل جوفها عندما وقف أمامها ممسكًا بكف يدها وملامحه لا تبشر بخير، قائلًا: قولي كلمة كمان وأنا قسمًا بربي يا ياسمين هخليه أخر يوم في عمرك
أخفضت عيناها أرضًا عندما أدركت أن تلك الكلمات لم تكن مجرد تهديد بل سيحقق كل ما تفوه به للتو، إن تفوهت بكلمة أخرى لذلك فضلت الصمت.
ازاح يده سريعًا عنها، عندما شعر أن هناك من يقترب آمرًا إياها بالجلوس قائلًا بنبرة تحذيرية:
باباكي داخل دلوقتي إن ماسمعتش كلمة موافقة صدقيني إني هقول كل حاجة
همت بالحديث ليقاطعها صوت والدها:
ها يا ولاد نقول مبروك؟
رعد: إن شاء الله ثم نظر إليها بنظرة ذات مغذى لتردد بخوف:
إن شاء الله
نطقت جملتها ثم، قامت من مكانها تخطو بخطوات سريعة خارج الغرفة وهي تلتقط جوالها: الحقني يا مهاب
مهاب: في ايه يا ياسمين؟
بدأت في النحيب وهي تخبره بكل ما حدث ليجيبها ببرود: طب وايه المشكلة يا بيبي؟
انحبست أنفاسها من وقع كلماته لتردد بدون وعي: أنت بتقول ايه؟
مهاب: بقولك اللي المفروض تعمليه.. هو انتي فكرك اني ممكن اتجوزك فوقي يا ياسمين شوية انتي كنتي مجرد كوبري عشان عايز أوصل لصاحبتك اللي مناخيرها فوق دي، أحبك ايه وزفت ايه؟ انتي ماعندكيش مرايات في بيتكم ولا...
ألقت بجوالها بعيدًا عنها لتتسع حدقتا عيناها مما استمعت إليه للتو، وهي تخبئ وجهها بين كفيها لتبكي حب زائف لطالما حذرتها منه صديقتها لكنها لم تستجب!
****************************************************************
دلف إلى الداخل عندما وجد باب الشقة مفتوح على مصراعيه بدأ ينادي على الجميع لكن دون جدوى إلا أن صوت شقهاتها أوقفه ليرتد على عقبيه وهو يراها آخذة بيدها صورة تغطيها بين كفيها، مغمضة العينين تبكي بمرارة
اقترب منها بهدوء واضعًا يده على كتفها، انتفضت عندما شعرت بيد تلمس جسدها، نظرت إليه ليستكين جسدها مرة أخرى لتلقي الصورة التي بيدها وهي تمسح دموعها: سراج! أنت دخلت هنا ازاي؟
بهدوء أجابها وعينه على الصورة التي كانت بيدها: الباب كان مفتوح وخبط قبل ما ادخل وناديت لكن ماحدش رد كنت هرجع تاني لما سمعت صوت حضرتك وانتي بتعيطي.. ثم اشار بيده على الصورة: هو مين ده؟
خرج صوتها ضعيفًا بعض الشئ وهي تنظر إلى الصورة لتتذكر كل شئ: ده ابني ..سراج!
****************************************************************
استيقظت لتجد أن الساعة تجاوزت الثامنة بقليل.. نظرت جانبها لتضع يدها مكانه لتجده مرتبا مازال يتهمها بالخيانة، لكن عليها اثبات اخلاصها لذلك انتفضت من سريرها عندما سمعت صوت المياه بداخل الحمام الخاص بغرفتهم، ذهبت أمام خزانة ملابسه لتخرج له بدلة باللون الأزرق القاتم وقميصًا باللون الأبيض، التفتت عندما سمعت صوت الباب لتجده واقفًا ينظر إليهاببرود هاتفًا بنبرة جافة: ماتلمسيش اي حاجة تخصني مرة تانية، وبالنسبة للبدلة اللي في ايدك دي.. التقطها منها راميًا إياها من شرفة غرفتهم وهو يكمل جملته: تترمي في الزبالة
هتفت به باستنكار شديد: ايه اللي أنت عملته ده؟
اتسعت حدقتي عيناها عندما رأته يقترب منها بملامح جامدة لا تبشر بخير، وهو يقف أمامها حتى شعرت بأنفاسه تلفح صفائح وجهها ليقول بصوت أشبه بفحيح الأفاعي: هتعرفي اللي عملته النهاردة بعد جواز نبيل وخديجة وخطوبة رعد، هتعرفي قريب أوي يا رحاب
صممت للحظات تستوعب ما يرمي إليه لتتسع عيناها ذعرًا عندما تذكرت كلمته: هتبقي سجينتي
نظرت إليه وعيناه الرزقاوان تعتليها ذلك البريق اللامع الذي تعلمه جيدًا عندما ينوي على فعل شيئًا ما
هتفت بلا وعي: أكيد أنت ما تقصدش ده
عمر: صدقيني أنا قاصد كل شئ بقوله وانتي أكتر واحدة عارفة ده.. استعدي يا رحاب لكل اللي هيحصلك النهاردة
ثم تركها لإبدال ملابسه وهي تراقبه يتبادر بخلدها سؤال واحد.. ما الذي عليَّ فعله الآن؟
****************************************************************
سراج: هو حضرتك كان ليكي ابن غير تيم؟
هزت رأسها إيجابًا وهي تتذكر ذلك اليوم المشئوم عندما ترك يدها إلى الآبد
لينتشلها من ذكرياتها وهو يتسأل مرة أخرى: طب وايه اللي حصله؟
نجوى: ياااه يا ابني ده موضوع يطول شرحه
سراج: سمعك
نجوى: كانوا أصحاب لا مش أصحاب أخوات أكتر من الأخوات
سراج: مين دول؟
نجوى: عمك خالد وأحمد التهامي
هز رأسه دون أن ينطق لذلك استطردت في حديثها: الاتنين كانوا في أخر سنة كلية تجارة عمك خالد كان من عيلة متوسطة وأحمد التهامي كان ابن أكبر رجال الأعمال في البلد بعد ما اتخرجوا قرر أحمد يشغل خالد معاه في الشركة ويبقى ايده اليمين
وعدا سنتين على كدا لحد ما أحمد التهامي اسمه كبر في السوق وأبوه قعد في البيت بعد ما تعب وماقدرش يكمل شغل وسابه يدير كل الإمبراطورية بتاعته بعد ما خلى خالد المدير التنفيذي للشركة ومسك أحمد طبعا منصب رئيس مجلس الإدارة
كنت ساعتها لسة حديثة التخرج وروحت وقدمت في الشركة وسبحان الله اتقبلت وبالصدفة وأنا خارجة من الشركة عربية تخبطني ويطلع خالد كانت أول مرة أشوفه وأتولد ما بينا إعجاب ولما عرف اني شغالة معاه في الشركة خلاني سكرتيرته وبعدها بفترة عرض عليا الخطوبة وأنا في اليوم ده ماكنتش الدنيا سيعاني وفعلا اتخطبنا ويوم الخطوبة عرفني على أحمد اللي كانت نظراته ليا غريبة بس قولت يمكن يكون فرحان لصاحبه وبعدها بفترة لقيت أحمد بيستدعيني لمكتبه روحت وساعتها صارحني بحبه وقالي انه بيحبني من أول يوم شافني فيه واني لو فسخت خطوبتي من خالد هيخطبني ويعملي كل اللي انا عيزاه رفضت وقولتله لو حصل وكلمني تاني هقول لخالد لكنه ما سبنيش في حالي وبدأ يطاردني وهددني انه هيلبس خالد تهمة اختلاس ويسجنه ساعتها أنا خوفت وسبت خالد فترة لكن خالد أصر يعرف ايه اللي بيحصل وفعلا حكتله وخوفت يتهور على أحمد لكن خالد راح لباباه وحكاله على كل شئ ساعتها باباه هدد أحمد وخاف على ورثه وبعدها بأسبوع سفره برا مصر وفي الأسبوع اللي بعده اتجوزت أنا وخالد وسافرنا برا ورجعنا بعدها بأربع سنين كنت ساعتها معايا سراج وبعدها بسنيتن خلفت أروى كانوا أجمل حاجة في حياتي وحياتنا كانت مستقرة لحد ما جيه اليوم المشئوم لما كنا بنتفسح ساعتها سراج أصر انه يروح الملاهي كان عنده 6 سنين وأروى كانت لسة عندها شهرين كنا مروحين لما سراج طلب انه يركب لعبة الحصان وفعلا راح خالد يقطع التذاكر وهو في ايده لكن حصلت خناقة كبيرة والناس بدأت تزق بعدها وحد خبط خالد ووقعه على الأرض ولما قام مالاقاش سراج دورنا عليه كتير وملقنهوش...
تجمعت الدموع بمقلتيها وهي تتذكره ليخرج صوتها متحشرج: وحشني أوي يا بني وحشني أوي
مسح دموع عيناه بضهر يده: بس ايه اللي يخلي عمي خالد يشتغل سواق بعد ما كان مدير تنفيذي؟
نجوى: أحمد منه لله ماكتفاش لما ابننا تاه لا كمان لما باباه أتوفى بدأ في انتقامه لما رفد خالد من الشغل ومنعه انه يشتغل في أي شركة وبدأ يطارده في كل حتة لحد ما بقاش معانا فلوس كل اللي حيلتنا صرفناه واحنا بندور على ابننا ولما الحال ضاق بينا استعان خالد بزميل ليهم وفعلا جابنا هنا في الشقة دي وخالد بطلوع الروح لقى عربية واشتغل عليها واستقرينا وبعدها بسنتين كان جيه تيم
سراج: ونسيتوا ابنكم الأول؟
نجوى: عمرنا ما نسيناه يوم واحد والله يا ابني دورنا عليه كتير لكن مالقنهوش نفسي اطمن عليه نفسي اعرف اخباره؟ يا ترى عايش ولا....
لم تستطع إكمال جملتها، راجية من الله أن يكون بخير أينما كان
****************************************************************
تم عقد قران نبيل وخديجة في ليلة هادئة!.. بين المقربين فقط لمراعاة شعور أهل أروى
لكن الليلة لم تخلى من تلميحات عمر لرحاب ليبث بداخلها الرعب عما سيحدث لها قريبا
وآدهم ذو الملامح الجامد الذي ينظر للاشئ كأنه يتذكر شئ ما
ونبيل الذي لم يكف عن إرسال القبلات بالهواء لحبيبته التي طالما حلم بها والليله أصبحت ملكه للأبد
ورعد الواقف بجانب ياسمين التي أصبحت خطيبة له رسمي بعدما وضع خاتم الخطبة بيدها ليزين رسغها الأيمن وهي تنظر له باستنكار.. متذكرة ذلك الأخرق التي أعطته قلبها ليفعل به ما يشاء
ونظرات صبا الشقية التي ترميها لسراج من وقت لآخر
رنين هاتفه جعله يخرج إلي الحديقة بعيدًا عن الضوضاء ليرد بهدوء علي الرقم المجهول: صدقيني مش هتعيشوا كتير
المجهول: وده نعتبره تهديد ولا وعد؟
اعتبريه الاتنين
المجهول: وهتعملنا ايه؟ هتبلغ عننا في شحنة الآثار اللي جايه
-ما عاش ولا كان اللي يهدد عبد الرحمن الهواري
المجهول: اهدى كده بس واسمعني كويس
عبد الرحمن: بعد ما موتيها صدقيني هيبقى موتك على ايدي أنا
-كان لازم تموت مش أنا اللي بنت زي دي تغلبني وتتجوزه وأنا اتركن على الرف
عبد الرحمن: انتي اللي بعتيه انتي اللي اختارتي صاحبه عشان فلوسه وبادلتيه بيه وماكتفتيش بكده لا كمان عملتي خطة عشان تموتي عمر وتاخدي كل فلوسه
-كنت هعمل كده وارجعله عشان نعيش في كل العز ده مع بعض لكن هو غبي اختار صاحبه وحرق قلبي لما راح اتجوز بنت ماتسواش تلاته تعريفة وكمان يخلف منها لا..
ابتلعت جملتها عندما تهادى لها صوته: على الله تجيبي سيرتها علي لسانك القذر ده صدقيني حقها هيرجع موتها مش هيروح هدر
-طيب اسمع يا حلو كويس اللي هقوله دلوقتي، يا تعمل اللي احنا اتفقنا عليه وتمه يأما كل اللي عملته ودبرته من حادثة آدهم لخطتك في إثبات خيانة رحاب لجوزها هيبان ومش بس كده لا هلبسك أحلى قضية خضار مسرطن دخلته البلد ونبين كمان تجارتك في الآثار للعالم كله
عبد الرحمن: انتي ايه شيطان؟
-الشيطان اللي استحوذ عليك أنت لما صورلك ان في يوم من الأيام ممكن تقدر تملك مراة صاحبك.. سلام يا ملاك
أغلقت الهاتف وهي تنظر للجاسة أمامها بإريحية: عملتي اللي اتفقنا عليه يا سارة؟
سارة: كله تمام.. والطلبية اللي طلبها هتيجي كلها بايظة وكلمت ناسنا في المينا يحجزوا طلبيتهم لمدة أسبوع ويفصلوا التلجات عن كل الخضار
-أحسن خلي اللعب يحلو
سارة: بس ماطلعتيش سهلة انتي يا شيرين
شيرين: ولسة! اللي جاي أحلى
****************************************************************
حاملها بين طيات يده برقة بالغة يهمس بأذنها كل ما كان يخفيه عنها كل تلك السنوات ليدلف بها داخل غرفتهم وهو يضعها على السرير برقة بالغة مقبلاً راحة يدها ثم تركها ذاهبًا للخارج، ليجعلها على حريتها بعدها بوقت قليل نادته، نظر إليها بدهشة وهي ترتدي جلباب فضفاضًا يعلوا شعرها حجابًا ليقول في دهشة يشوبها السخرية: انتي هتحجي يا خديجة؟
ابتسمت برقة واضعة يدها على فمها: بطل رخامة يلا عشان نصلي
ابتسم: حاضر
بعد وقت قليل وضع يده فوق رأسها وهو يردد دعاء الأزواج لينظر إليها بحنو بالغ لم يكن منها سوى انها ارتمت بين أحضانه ليتعالى نحيبها وهي تردد انها آسفة عما بدر منها في الماضي، ابتلعت جملتها في جوفها عندما لحقها وهو يلتهم شفتيها بين شفتيه بقبلة تحمل كل معاني الشغف والحرمان الذي عانه من بعدها طوال تلك السنوات، ليسكتها عن الكلام ليغرقوا معًا في بحر أحلامهم الذ طالما حلموا به.
استيقظت في صباح اليوم التالي، تملؤها السعادة لا تصدق انها معه الآن أصبح مِلكًا لها وأصبحت مِلكًا له بعدما ما مروا به من معناه، لكنها تفاجئت به أمامها ينظر إليها بسخرية
نبيل: دلوقتي بس أخدت حقي
قفزت من السرير لترتمي بين أحضانه غير واعية لما باح به للتو لكنه أبعدها عنه ببرود شديد ينظر إليها بإستعلاء ليردد ما قالت: لو أنت آخر راجل في العالم.. ولو كان ليا عشر قلوب عمري ما هديك واحد منهم.. فاكرة؟
اجحظت عيناها من هول ما نطقه للتو ألا يزال يتذكر لكنه أخبرها أن عليهم المضي قدما غير عابئين بما حدث بالماضي.. لكنها ابتسمت بتردد: أنت.. أنت لسة فاكر يا نبيل؟
بأعين نارية أجابها: أنا مانستش عشان أفتكر
خديجة: بس ده مر عليه كتير أوي وأنا كنت لسة صغيرة وماكنتش عارفة بقول ايه!
نبيل: بس أنا كنت عارف بتقولي ايه كويس أوي والنهاردة بس أقدر أقول إني خدت تاري منك لما خليتك ليا ولسة يا خديجة ولسة
يتبع
#رحاب_قابيل
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي