الفصل العاشر

استيقظت على رنين هاتفها المزعج، تأففت قبل أن تلتقطه وهي تجيب بصوت مرهق: ألو
جائها صوت صديقتها: سارة، أسيل عملت حادثة
قفزت فزعة من سباتها وقبل أن تفهم شيء ألتقط سيف الهاتف وبسرعة كان كلًا منهما في المشفى

قبل تلك الأحداث.....

جالسة تنظر للفراغ واضعة رسغها تحت ذقنها ويدها الحرة تتحسس بطنها لترسم إبتسامة على ثغرها وهي تتخيل ملامحه عندما تخبره بما أخبرها طبيبها
لقد تأخر اليوم على غير عادته هاتفته على جواله كثيرا لكن دون جدوي، لا بأس بالتأكيد لديه عمل كثير، سوف أنتظره إلى أن يأتي قالتها في نفسها إلى أن غفت وهي جالسة مكانها.
جلس أمامها ترتسم على ملامحه الحيرة كيف لهذا الوجه البرئ أن يحمل كل تلك القذارة بين طياته؟
أكان مغمض العينين إلى تلك الدرجة؟ كيف لم يلاحظ تلك الحية التي دخلت بين طياته ليتمدد سمها بين خلايا جسده حتي يغفل عما حدث؟
رسم شبح إبتسامة على ثغره بسخرية متذكرا المثل الشهير "مرآه الحب عامية"
قام من مجلسه زافرا بحنق، يشد خصلات شعره الفاحم بقوه حتى كاد أن يقتلعه من جذوره.. استند بجذعه العلوي بجوار نافذة الغرفة مراقبا زخات المطر التي تتساقط بوتيرة واحدة ، لم يعلم كم مر من الوقت، حتى انه لم يعلم متى استيقظت؟
شعر بيد تحتضنه من ظهره، تصلب جسده لوهلة من لمستها لكنه استعاد برودة أعصابه سريعا
-حبيبي!
-حبيبك!
كانت لهجته باردة مستهزئة لكنها لم تعقب فهناك ما هو أهم، خبر سار ينتظره بلهفة لذلك سحبت نفسا عميقا مشددة قبضة يدها عليه قائلة بفرحة عارمة تغمرها: عندي ليك مفاجأة!
-خير
نبرته جافة.. باردة على غير عادته معها
لكنها تغاضت عن كل ذلك لتنطق وهي ما زالت تحتضنه: أنا حامل
تيبست عضلات جسده عند نطقها تلك الجملة، شعرت به لذلك حررته من قبضتها مبتعدة عنه بضع خطوات
-مالك؟
أرتدت للخلف عندما استدار لها مواجها إياها:
فعلا بتسأليني مالك؟
-في ايه النهاردة؟
-في اني عايز أعرف ياترى الحمل ده مني ولا منه؟
ارتدت على عقبيها كاتمة شهقتها وهي تضع كفها على شفتيها، هل يتهمها بالخيانة، كيف له أن يرميها بذلك الإتهام القذر، ألتلك الدرجة وصل بهما الحال؟
أحبته بصدق بل عشقته لم تتخيل في يوم حياتها بدونه هو الذي آتى مثل الإعصار عاصفا بجدران قلبها ووعد اتخذته على نفسها راميا كل هذا بعرض الحائط، ليتغلغل إلى ثناياها أعتبرته كل شئ في الحياة، سيطر عليها سيطرة كاملة، تعلمت على يده كل فنون العشق كانت طفلته المدللة، لكن ما الذي تغير حتى يرمي في وجهها تلك القنبلة
بتلعثم اجابته: تـ.. قصدك ايه؟
اقترب منها وقد تقلصت المسافة التي تفصل بينهما، تلاقت أعينهم لتجد تلك النظرة التي تعلمها جيدا، أظلمت عيناه الرماديتان من شدة غضبه قابضا بقسوة على راحة يدها وأظافره تضغط بعنف عليها.
تأوهت في خفوت وهي ترجع بخطوات مترددة وملامح الخوف ترتسم على محياها، كانت نظرته تقول الكثير والكثير هناك ما فاتها بالتأكيد أم ذلك الوغد نفذ تهديده؟
-مالك؟
ارتطم ظهرها بالحائط لتجده يميل نحوها وأعينه تتطلعان إليها بنظرة نارية جعلت جسدها يرتعش
-ليه يا أسيل؟
-أنا مش فاهمة حاجة صدقني
-أفهمك
أخرج من جيب بنطاله هاتفه الجوال آمرا إياها أن تنظر إليه
عضت شفتيها السفلى بألم وهي تنكمش على نفسها من شدة الخوف وأنفاسه الهادرة تحرقها وتلسع بشرتها.. بكت بقهر عما وصل به حالها.
لقد نفذ تهديده لها لم يكن يرمي كلام في الهواء كما قال، ارتفع صوت شهقاتها، لكنه لم يتأثر لم يرمش له جفن ليعاود سؤاله مرة أخرى:
ليه يا أسيل؟
-أرجوك يا مالك اديني فرصة أفهمك
ابتعد عنها لقد أصبحت ملوثة لا هي ملوثة منذ البداية لكنه غفل عن كل شئ في سبيل عشقها ضاربا بتحذيرات والده عرض الحائط حين أخبره إنها غير لائقة بمستواهم الإجتماعي لكنه لم يبدي أي إهتمام وتزوج بها رغما عن أنفه، حتى والده لم يسلم منها وبدأ ينظر إليها نظرة الوالد لإبنته، لم يكن يعلم أنها بتلك المهارة، لقد أوقعت عائلة كاملة في خيتها دون أن يطرف لها جفن
-حقيقي أنا معجب بمهاراتك.. لازم أرفعلك القبعة احتراما ليكي
أجابته من بين شهقاتها: والله.. كنت.. هقو.. هقولك
جفلت ورجعت بضع خطوات للوراء عندما سمعت صوت ضحكاته الساخرة تتردد في جميع أنحاء الغرفة:
كنتي هتقوليلي؟ حلوة.. طب ماشي هصدق انك كنتي ناوية تقوليلي واستنيتي ايه بقى لحد ما يرجع من سفره؟
لم يجد إجابه لذلك وبصوت غاضب كالرعد الذي يصدح في أركان السماء كاشفا عن غضبه: ردي!
هوى قلبها ذعرا عندما سمعته يتحدث بتلك النبرة التي لم تعتاد عليها فمنذ متى وهو هكذا، لكنها أجابته بتوجس وبصوت جاهدت أن يخرج من جوفها ، وهي تتطلع إلى قسمات وجهه المجهدة وشعره الأشعث وإنفعالات جسده التي يتحكم بها بصعوبة وهو يضغط على كفه بقوة حتى أبيضت سلماته
-خوفت
-خوفتي! قالها بسخرية شديدة ثم عاد يضحك بسخرية لا آسفة بل بجنون سيطر على كل خلايا جسده
-والله كنت عايزة أقولك بس خوفت أخسرك و.....
قاطعها: حلو موضوع انك خوفتي تخسريني ده لكن أنا أقولك انتي خوفتي على ايه.. انتي خوفتي على العز اللي انتي غرقانة فيه خوفتي على الحياة اللي عمرك ما كنتي حتى تتجرأي انك تحلمي بيها فقولتي اسكت وأكمل لعبتي جايز أقدر أطلع منهم بقرشين، لم يجد رد لذلك هدر صوته بغضب حيوان مفترس جريح لم يستطع أن يظفر بفريسته: جاوبيني؟
هزت رأسها بنفي غير قادرة على الحديث لا تستطيع مجارته، لا تستطيع لومه عما يقوله الأن فهذه غلطتها منذ البداية عندما وقعت بين براثن ثعلب مكار منجرفة وراء مشاعرها وعندما عاد مرة أخرى لم تصارحه، لكنه يتحدث عن نصف الحقيقة ولا يعلم نصفها الأخر، كيف عليها اخباره؟
ابتلعت غصة مريرة وهي تقترب منه بخطوات مترددة ممسكة راحة يده
-ماتظلمنيش
كانت تلك الجملة الوحيدة التي استطاعت أن تتفوه بها من بين جوفها
لكنه أجفل عندما لامست يدها الملوثة يده، شد كف يده وكأن ماس كهربائي قد لامسه
-أوعي ايدك القذرة دي تلمسني تاني، أنا قرفان منك يا أسيل حقيقي مش طايق حتى لمستك
أحست بسكين يمزقها بدون رحمة. أما هو فشعر بالرضى للألم الذي سببه لها جاعلا إياها تشعر بما يشعر به الآن
جاء صوتها خافتا متشنجا:
أنا...
أشار بسبابته إلى موضع الباب
-اطلعي برا بيتي دلوقتي حالا قبل ما أفقد أعصابي وارتكب فيكي جريمة
انهمرت دموعها وهي تخطوا بخطوات سريعة نحوه، تجثو على ركبتيها ممسكة راحة يده قائلة برجاء
-ما تسبنيش اديني فرصة واحدة بس وأنا هفهمك كل حاجة أنا مش خاينة يا مالك
سقطت دمعة حارقة من مقلتيه عندما جثت أمامه بتلك الطريقة المهينة لكنه عاد إلى رشده غير عابئ بنداء قلبه مستمعا فقط إلى صوت عقله الذي كان يتردد صداه بين خلاياه مذكرا إياه بإنها خائنة شد كف يده من يدها
-اخرجي برا
رفضت الأخيرة وهي ما زالت على وضعيتها لذلك عاد مكررا جملته لكن بصوت أرتجت معه زوايا الغرفة:
-اخرجي برا... برا
فتح الباب في ذلك الوقت ليلتفت كل منهم بإتجاه الواقف أمام الباب
كان رجلا في عقده الخامس من عمره يرتسم على محياه الوقار يشتعل شعره شيبا لكن برغم ذلك لم يفقد وسامته التي اكتسبها منه وليده
-صوتك عالي ليه؟..
لكنه ابتلع باقي جملته عندما شاهدها جاثية على ركبتيها وهي تبكي بمرارة.. حس قدمه على الإسراع آخذا إياها بين يديه وهو يمسح دموعها، متذكرا الحديث الذي دار بينهما ليعلم على الفور انه نفذ كل ما قاله ليتردد في ذهنه جملته الأخيرة: مش هخليه يتهنا بيها ابدا أسيل بتاعتي أنا وبس، أنا وبس
-أنت ازاي سامح لنفسك انك تخليها تعد تحت رجلك بالمنظر المهين ده؟
-بابا أرجوك أنت مش فاهم حاجة
-ومش عايز افهم.. أيا كان السبب ازاي تخلي مراتك تعد بالشكل المهين ده؟
أرتعدت وجسدها بدأ يرتعش بين يد حماها العزيز وهو يطالعها بتلك النظرات التي جعلتها تشدد من قبضتها عليه وهي خائفة من خساراته فغلطتها الوحيدة إنها لم تصارحه منذ البداية، فاقت من شرودها على صوته الغاضب:
-لانها ما تستحقش غير كده دي إنسانة قذرة ما تستحقش غير المعاملة دي بعد ما خلتها تعيش في عيشة ماكنتش تحلم بيها راحت تخوني و...
انتفضت عندما سمعت صوت الصفعة التي نزلت على وجه زوجها ليبتلع جملته بين جوفه ناظر إليه بدهشة:
-بتضربني عشان واحدة زي دي!
خارة قواها لا تستطيع الإحتمال أكثر من ذلك، لا تريد الإستماع لقاضيها الذي أصدر حكمه بدون الإستماع إلى دلائل برائتها ليصبح هو القاضي والجلاد.. وضعت يدها على جانبي وجهها لتصم آذانها عما يقوله
-كفاية.. كفاية
ثم ارتدت على عقباها مسرعة بخطاها تعدو عن كل ذلك الشك، تعدو منه، من نفسها، من دائرة الإتهام التي وضعت بها ولا تستطيع الدلوف خارجها،
خرجت خارج ذلك القصر الملعون وهي لا تعي ما يحدث حولها عندما جاء صوت الحارس محذرا إياها من شئ ما لكنها لم تستطع تحديد ماهيته لتنظر خلفها بنظرات خاوية سرعان ما تحولت لصدمة عندما أنارت الأضواء وآخر شئ تتذكره صورته وهو يركض نحوها برعب عندما شاهد جسدها يرفع في الهواء لينزل على الأرض كالجثة الهامدة وبعدها فقط ظلام
جثى بجانب جسدها الغارق بالدماء رافعا إياها بين أحضانه
-أنا آسف سامحيني الغيرة عمتني ماعرفتش انه كان عايز يفرقنا ماتسبنيش أرجوكي، أرجوكي
ثم هتف بصوت يملؤه الغضب واليأس:
-اتصلوا بالإسعاف.. لكنه بتر جملته عندما شاهده يقترب منهما
-أنت السبب، أنت السبب صدقني لو جرالها حاجة مش هرحمك يوم واحد
أتذكر أول لقاء بيننا صغيرتي، أتذكر صدى ضحكاتك الرنانة، أتذكر طفوليتك التي خطفتني مني إليك، أتعلمين أنتِ لي شريان الحياة، شرياني الذي استمد منه قوتي، جئت كشمس أضائت لي عتمة الحياة.. هوائي أنتِ، فهل يستطيع الانسان الحياة بدون هواء؟
دموعي تنزف وعمري بدونك لا يمر بل يختفي.. والقلب لا ينبض بل يتمزق فكوني قوية لأجلي!

ما هو إحساسك عندما يختفي تدريجيًا من كنت تحيا لأجله ، وكنت أنت السبب الرئيسي بضياعه!
بالتأكيد لم تكن حقيقة بل هو يهذي.. نعم هذه هي الحقيقة هو يهذي بالتأكيد أو هو بكابوس ليحاول الاستيقاظ الآن.. صفع نفسه مرة واثنان لكنه لا يستيقظ إذًا هذه حقيقة!.. السيارة التي صدمت بها وفرت هاربة تاركة إياها غارقة بدمائها على حافة الطريق كالجثة الهامدة.. دماؤها التي كانت تسيل بغزارة حتى لطخت قميصه أرعبته، لا يعلم ما حدث لكنه يتذكر عندما وصلت سيارة الإسعاف إلى المشفى حاملين إياها على المحفة متجهين بها إلى الغرفة التي ستحدد مصيرها.. كفى لا يستطيع الإحتمال أكثر من ذلك خرة قواه وارتمى أرضًا.
يحاول استيعاب ما يحدث حوله.
لما؟ لما بالله عليك تفوهت بتلك الحماقات؟ وبسبب ما تفوه به أدى بها إلى ما لا يحمد عليه عقباه
أطبق شفتيه المرتعشة بقوة وغطى وجهه بكفيه المرتجفتين.. هو السبب نعم هو.. كيف له أن يصدق ما شاهده! ألم يكن بوسعه سؤالها بطريقة جيدة؟
قالت له أنها كسرت من قبل.. ذلت على يد شخص خسيس وكان هو العائق الرئيسي في عدم تصديقها إياه عندما صرح لها بحبه أول مرة.. وعدها انه سندها بهذه الحياة ولن يجعل الدموع تتخلل إلى مقلتيها مرة أخرى واعدًا إياها بحياة هنيئة وماذا قدم لها الآن؟ لا شئ.. فقط كان مثل الذي قبله، لكنه قضى عليها
-مالك!
استفاق على نداء والده الذى آتى خلفه سريعًا عندما علم بالذي حدث من الأمن.. هب من رقدته على الأرض ناظرًا إليه بعيون خاوية يملؤها اليأس
ارتمى بين أحضانه ثم همس بصعوبة
-أسيل بتضيع مني يا بابا عمري كله بيضيع قدام عيني وأنا واقف عاجز مش عارف أعمل حاجة
شعر بيد والده وهي تربت على ظهره:
-اهدى يا بني إن شاء الله هتبقى بخير، أسيل قوية وهتقوملنا بألف سلامة
تملص من بين ذراعيه ناظرًا إليه وعيناه الرماديتان كالجمر الملتهب وغمغم بخواء
-كانت جاية تقولي على خبر حملها، كانت فرحانة يا بابا وأنا اتهمتها بالخيانة.. تخيل!
-كل شئ هيبقى تمام.. اهدى أنت بس
لكنه استطرد في حديثه شاخصًا بنظره إلى الغرفة التي بجانبه
-ماحدش حتى خرج يطمني.. ليه كده؟
-مالك سيطر على أعصابك شوية
لم يجب بل ظلت عيناه مثبتتان على باب الغرفة بدون وعي
****************************************************************
تململ على فراشه وهو يمد يده نحو الكومود الواقع بجانب سريره ليلتقط هاتفه الذي يرن بإلحاح شديد، وقد انتشله من عالم أحلامه معتقدًا أنها "غدير" أطلق لعنة خافتة وهو يعتدل على فراشه، لكن عندما لمح اسم المتصل قفز من مكانه وكل معالم القلق قد اجتاح وجدانه فمنذ متى يتصل عليه زوج شقيقته في تلك الساعة، بالتأكيد يوجد خطب ما:
-مالك!
أتاه صوته مذبذبًا مترددًا قائلًا بمرارة:
-أنا مش مالك يا إياد أنا والده
هناك خطب ما بالتأكيد أصاب شقيقته لقد صدق حدسه عندما لمح اسم المتصل منذ المرة الأولى
-في ايه يا عمي؟
أخذ شهيق في محاولة منه لإستجماع شتات نفسه ليزفره بهدوء قبل أن يلقي بقنبلته:
إياد، أسيل حصلها حادثة وهي دلوقتي في أوضة العمليات
-ايه؟
هتف بها بشحوب لا يستوعب ما قيل له للتو لكن الأخير استرسل في حديثه:
استجمع نفسك يا إياد أنا كنت المفروض اتصل بوالدك لكن اتصلت بيك الأول عشان أنت أقوى و...
قاطعه بجمود ظاهري:
مستشفى ايه؟
-مستشفي(...)
بعد عدة ساعات كان يسير ملتفتًا يمينًا ويسارًا ممسكًا بجذع والده الذي يستند عليه ووالدته التي لا تستوعب ما قاله لها، لكن برغم صدمته وذهوله منذ سماعه للخبر إلا إنه مازال متماسكًا أمامهما.
تيبست عضلات جسده وتوقف عن الحركة عندما وقعت عيناه على رجل في العقد الخامس من عمره جالس على أحد المقاعد وآخر مسجي على الأرض ينظر بذهول إلى باب غرفة العمليات غير عابئ بما يحدث حوله.
هرع والده بقوة وهو يتحدث بغلظة:
-بنتي حصلها ايه؟
تفاجئ "مالك" بوجودهم جميعًا.. متى علم بما حدث لها؟
لكنه أصر إلتزام السكوت، ناظرًا إليه بعين خاوية فاقدة لمعنى الحياة.
اقترب منه "عبد العزيز التركي" والد مالك:
-في العمليات
كبحت "رقية" دموعها وهي تتمسك بساعد زوجها قائلة بهدوء:
-بقالها اد ايه جوا؟
أجابها مالك وما زالت عيناه معلقة على باب غرفة العمليات:
- تلت ساعات
أشاح بوجهه عنهم قائلًا بتساؤل يشوبه الشك:
-حصلت الحادثة دي ازاي؟ وأنت كنت فين يا مالك؟ وايه اللي ينزل أختي في نص الليل الشارع أصلا؟ا
انتظر "إياد" اجابته لكنه لم يكن معه، لذلك استطر في حديثه:
مالك!
لم ينطق، لم ينظر بل ظلت عيناه فقط معلقة بمكانها فقط جالسًا لا يشعر بما حوله.. منفصل عن العالم كليًا..ما زال يعيد ما قاله لها بدون تفكير، ما كان عليه أن يبدو قاسي بارد بتلك الطريقة، ألتلك الدرجة حبه هش ضعيف
اقترب منه يربت على كتفه يعلم كم يعشق شقيقته:
-هتبقى كويسة
قالها بابتسامة مصطنعة، يواسيه ولكن من عليه أن يواسيه هو.
هي صديقته قبل أن تكون شقيقته أقرب الأصدقاء له على الإطلاق، فإن خسرها ماذا عليه أن يفعل لن يعود العالم كمان كان.
لم يستطع التظاهر أكثر من ذلك، لذلك ابتعد كثيرًا ثم أخرج هاتفه وهاتف أقرب الأشخاص إليه وإلى شقيقته أيضًا، انتظر قليلًا قل أن يأتيه صوتًا ذكوريًا ناعسًا: آلو
إياد بإقتضاب: جمال آسيل عملت حادثة ودلوقتي احنا في مستشفى(...) بلغ تالين وتعالوا بسرعة
ثم أغلق الهاتف قبل حتى أن يمهل للآخر فرصة الرد
************************************************
قام من مكانه بفزع يحاول فهم ما سمعه من شقيق صديقته المفضلة للتو، ماذا؟ حادثة!
أفعل ذلك اللئيم شيء وقرر الإنتقام وبدون كثرة تفكير غسل وجهه في عجلة ثم أخرج أول شيء وقعت عيناه عليه ليرتديهم ثم التقط هاتفه، انتظر قليلًا قبل أن تجيبه بصوتها الناعس: خير يا چيمي
لم يعلم كيف عليه اخبارها، لكن ليس هناك مفر: تالين انتي.. يعني
شعرت بشيء ما حدث لذلك اعتدلت ثم قالت: قول يا جمال في ايه على طول
جمال: آسيل عملت حادثة
قفزت من مكانها: أنت بتقول ايه؟ أكيد بتهزر
جمال: لا للاسف
تالين: ازاي؟ وامتى؟
جمال: اهدي يا تالين أنا نازل دلوقتي ليها و..
تالين: هروح معاك
جمال: الوقت متأخر..
تالين بحزم: هروح معاك فوت عليا
**********************************************************
بعد مرور بعض من الوقت...
كان الجميع يقف أمام الطبيب ليخبرهم بما حدث لها
وقف الطبيب أمامهم بهدوء ثم قال: العملية عدت على خير، لكن للأسف الأم خسرت الجنين
مالك: مش مهم، ربنا هيعوضنا أكيد، المهم هي.. هي ايه أخبارها؟
الطبيب: احنا عملنا كل اللي علينا، لكن مش هقدر أقولك تشخيصها غير بعد ما تفوق
مالك: ممكن أشوفها؟
الطبيب: أنا آسف ماينفعش.. عن اذنكم
وقف مالك أمام نافذة غرفتها يشاهدها من بعيد، ألتفت حين جاءه جمال من خلفه قائلًا: هو قالك ايه؟
نظر له مالك بدهشة: أنت عارف
جمال: تعالى يا مالك وأنا وتالين هنحكيلك كل حاجة
#يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي