الفصل التاسع

قال سيف بوحشية أظهرته بمظهر شيطاني:
-خدت فريدة مني بالطريقة دي بردوا؟بشوية وعود بسيطة عمري ماهقدر أوفرها ليها
قال حمزه بهدوء:
-أنت غلطان أنا ما أخدتش منك فريدة زي ما أنا ما قدرش أخد منك سارة
صاح ساخرا بصوت ملؤه الشر:
-كداب!أنا سامعك وأنت بتقولها ترجع معاك علي القاهرة وده اللي مش هسمح بيه أبدا!بكرة وأنت ماشي مش هتاخد غير ابنك.
أسقط حمزه يديه الي جنبيه وتقدم عدة خطوات ينظر الي عيني سيف
-اوعي تتكلم معايا بالطريقة دي تاني..سواء كنت علي كرسي متحرك أو لا.
-بس أنا مابقتش علي الكرسي المتحرك تاني..أنا واقف دلوقتي علي رجلي وبقولك خد ابنك وامشي من هنا..أما سارة هتفضل هنا.
-وان ماكنتش عايزة تفضل؟
-سارة ليا يا حمزه
نظر اليها حمزه:
-انتي اللي في ايدك الاختيار دلوقتي يا سارة..هتختاري ايه؟تفضلي معاه ولا ترجعي معايا؟
ضمت يديها بتشنج ناقلة بصرها بينهما:ان سيف يعرف نعم المعرفة أن لا مجال للاختيار ..فهو قوي نشيط فخور لا يلين في عجرفته لكنها تحبه.
طلب منها قلبها البقاء لان سيف قد يكون بحاجة اليها فهي تراه واقفا علي قدميه بدون ثبات واقفا وحده بدون مساعدة ولكن بقي أمامه أن يبدأ بالسير أما عقلها فطلب منها الرحيل لآن سيف قطع شوطا طويلا في علاجه في وقت قصير..ولن يمضي وقت طويل حتي يسير من جديد.وبعد ذلك ماذا سيحدث لها؟قال انه يريد منها البقاء حتي ينتهي منها..هل سيقدر علي احتمال اللحظة التي يطلب فيها منها الرحيل؟
قال سيف وهو يتلوي ألما:
-لا..ماتقوليش حاجه ..امشي معاه
مد حمزه يده ليمنع سارة من الهرب كالعمياء من الغرفة صائحا بسيف:
-انت غبي!مش شايف انها مش عايزة تيجي معايا؟ لو كنت استنيت لحظه كمان وانت واقف بعيد بعكازاك كنت هتسمعها وهي بتقولك انها بتحبك وانها مش هتقدر ترجع معايا القاهرة.للاسف هي قدامك بتنسي نفسها وكرامتها ..علشان كده دايما بتسمحلك تدوس عليها..انت ماتستحقش بنت زي سارة.
-وانت بقي اللي تستحقها؟
-علي الاقل انا مش هعملها وحش زيك!
ارتجف صوته بغضب:
-انا بعاملها وحش؟ من ساعة ما جت هنا وأنا مخلي الخدم تحت امرها ودلوقتي هي مش مضطرة حتي ترفع صبعها عشان تجيب حاجه.
قال حمزه بصوت منخفض خطير:
-هي مش فريدة..ودي غلطتك الاولي.انت بتعاملها اكنها فريدة..وسارة مش فريدة..فاهم؟
نظر سيف اليها وكأنه يراها حقا لآول مرة.
كانت تقف الي جانب حمزه وعيناها متسعتان من فرط الآلم ويداها مشدودتان من شدة العذاب .
وأكمل حمزه:
-غلطتك التانية انك ما قولتلهاش..انك لسه بتحبها..هي مفكرة انك مابقتش تحبها من الاساس..عارف ده؟
فجأة زال كل غضب عن وجه سيف ..وأصبحت عيناه متعبتين مرهقتين.
عندما نظر اليها جري الدم في عروقها وتسارعت أنفاسها .عرفت أن الموقف مستحيل..ومع ذلك كان هناك شوق يمسك بقلبها أرادت أن تتقدم اليه ان ترمي بنفسها بين ذراعيه وأن تتظاهر بأنه رجل عادي وليس سيف باشا
انفجر حمزه:
-انت مش عايز تعترف ليه انك بتحبها؟أنت خايف من الاعتراف؟فريدة جرحتك أوي للدرجه دي؟
سخر سيف منه:
-الناس كلها كانت عارفة فريدة كانت بتحبني اد ايه وبرغم من كده سابتني
أطبقت أسنان حمزه وتلوي وجهه ألما:
-عمرها ما حبتك ولو كنت صادق بينك وبين نفسك كنت هتعرف انك كمان عمرك ما حبيتها والدليل حبك لسارة
انتفض جسده وكأن تيارا كهربائيا اخترق كيانه.
-كفايه بقي كبر يا سيف!واتنازل عنه..وقولها اد ايه انك بتحبها والا والله العظيم هاخدها منك!
-مش هتقدر
رد بخشونة وعيناه تشتعلان فجاة نارا:
-مش هقدر؟هي فعلا بتحبك يا سيف..بس أنا كمان قادر اخليها تحبني
-هي ليا!وهتفضل ليا! ومش هسمح ليها انها تمشي..ازاي اقدر؟
-ماتقوليش أنا الكلام ده قوله ليها هي!
أدار سيف رأسه يواجه سارة ولكنه فجاه تجمد في مكانه . كانت شاهي واقفة نصف مخبأة وراء كرسي.
-واضح ان الاوضة دي اتعملت عشان التصنت
قالت شاهي معتذرة:
-أسفة أنا نمت علي الكرسي وصحيت علي صوت العكازات وهي بتوقع علي الارض..أنا فرحانة انك واقف علي رجلك من تاني يا سيف
تقدمت اليه لتصافحه قبل ان تلتقط العكازين وتساعده علي وضعهما تحت ابطيه بعد ذلك التفتت الي حمزه.
-انا ماكنتش ناوية اتصنت عليكوا. ولما وقفت محدش شافني وبعدين انت قولت حاجات خلتني فضولية.
اكفهر وجه:
-انسي يا شاهي
-ماقدرش!أنا افتكرت اني عارفة معني الحب الحقيقي ايه هو..بس بعد ما سمعتكوا عرفت اني انا غلطانة انا فعلا ماعرفش اي حاجه انا مشاعري كلها سطحية
نظرت الي سارة تبتسم بحزن:
-أنتي فاكرة انك مابتنتميش للمكان ده..بالعكس انتي اكتر واحدة مناسبة ليه اكتر من اي بنت من عيله راقية
ظهرت الدهشة علي وجه حمزه..فهو لم ير هذا الوجه في شاهي من قبل.تحرك بسرعه الي حيث يقف سيف متكئا علي عكازيه ومد له يده قائلا بهدوء:
-سلام يا سيف ..انا مش هطفل عليك اكتر من كده .قدامك فرصة كويسة .واتمني إنك تستغلها صح.
التفت الي سارة وامسك بكلتا يديها قائلا:
-صدقيني هو بيحبك بس بيكابر استغلي الموقف صح
ثم التفت الي شاهي ورمي ذراعه علي كتفيها:
-يلا نسيبهم يصفوا حسابتهم مع بعض.ونشوف الواد اياد ده راح فين ايه رأيك؟
نظرت له بابتسامة عذبة ليتركا الغرفة بدون أن ينظرا خلفهما.
سكن كل شئ فجاة ولم يعد في الغرفة غير هسيس الحطب في المدفأة ..أصدرت أنفاسها صوتا لآنها كانت تحبسها ثم همست قائلة:
-واضح انك حبيت فريدة اوي
ضحك ثم جر نفسه قرب النار حيث وقف متوازنا علي عكازيه:
-كنت بحس أن الشمس بتطلع وتغيب عشانها هي بس..ولما ساباني واتجوزت حمزه كنت علي وشك قتلها..وماكنتش مدرك لحد النهاردة انها لما سابتني ماكنتش ضربه قاضية ليا ..كنت أعمي عشان أنا ماعرفتش غير دلوقتي انها لما سابتني جرحت غروري وبس
رمي رأسه الي الوراء ضاحكا:
-انا عمري ماحبتها أبدا ومع ذلك فضلت أكره صاحبي بسبب اللي حصل.
تلوي وجهه..انه اكتشاف مؤلم ما من رجل يملك هذه الكبرياء قادر علي القبول بالهزيمة بسهولة.
كرهت سارة الوقوف امامه لتشهد اذلاله ومزق قلبها رؤية الذل علي وجهه..
ارتدت بصمت وكادت تصل الي الباب حينما أوقفها صوته الاجش:
-انتي ماشيه مع حمزه فعلا؟
توترت لكنها التفتت اليه:
-لا يا سيف بس ..لازم ارجع بقي لبيتي
-لوحدك؟
-لو كنت تقصد اني همشي مع عمتو فاطمة..لا مش هتيجي..هي فرحانة هنا
-وانتي؟ انتي مش فرحانه هنا؟
-لا يا سيف.. انا مش فرحانه هنا..انا مش البنت اللي بتنتمي للعالم بتاعك..
-بس انتي بتحبيني!
-أيوة ..بحبك ..وهفضل احبك دايما ..بس المشكلة انك مش بتحبني.
كاد يختنق والتوي فمه بألم لا يحتمل:
-وايه اللي خلاكي تفتكري اني مش بحبك؟ انا عملت ايه يخليكي تقولي كده؟
-اولا كدبت عليا وقولتلي انك متجوز شاهي..وبعدين قولتلي اني ماستحقش افضل جنبك في الاوقات الصعبه دي.
نظر اليها بذهول:
-انتي اكيد ماتقصديش كلامك ده.
ارتجفت بشدة
-لا انا قاصدة كل كلمة قولتها
اشار الي عكازيه:
-ان كنتي بتحبيني لدرجة انك تفضلي معايا في اوقاتي الصعبه فليه ماتفضليش جنبي وانا قربت خلاص امشي علي رجلي تاني ..خليكي معايا وهتلاقي كل حاجه انتي بتحتاجيها هنا في بيتي.
وقفت في الغرفة الانيقة الجميلة وسرت رعشة خفيفةفي أوصالها لقد قال لها منذ زمن بعيد انها لا تنتمي الي هذا المنزل فكيف يتوقع منها القبول بالامر بكل بساطة ؟ ماهي سوي صديقة تحبه..وهذا منزله الذي لن يكون منزلها..
قالت بصوت عذب:أنت غني.
-انتي مضايقة من كده؟اني غني!
-انت ما قولتليش انك غني قبل كده
-ولو كنت قولت كان هيبقي في فرق معاكي؟
اطلقت تنهيدة هزيمة:
-لا..لا ماعتقدتش..أنا ماأخترتش اني أحبك..انا حبيتك غصب عني وشعوري عمره ماكان هيتغير حتي لو كنت مش لاقي تاكل.
-وكنتي هتندمي؟
-طبعا علشان انت مش بتحبني..انت قولت اننا اصحاب وبس.
ترقرقت الدموع في مأقيها واحترقت خجلا وذلا.
-طب خليكي معايا..وهتبقي اكتر من مجرد صديقة
تصلب ظهرها كبرياء:
-لا يا سيف وجودنا مع بعض عمره ما هيكون ناجح انا لازم أمشي ..وعلي العموم انا فضلت هنا اكتر من اللازم
جر نفسه بارتباك ليقف امامها :والله؟
كان العرق يتصبب من شفته العليا..وقال بغضب:
-بس انتي بتحبيني..انتي بتحبيني!
وكأنما رغب الامساك بها ليهزها بقسوة تعيد اليها تعقلها..
-حبك ليا ما يدكش الحق انك تجرحني لاء..الاصحاب ما بيزعلوش اصحابهم..انت سيف الغني ..بس انا كمان ليا كرامتي ..انتي قولتلي مرة اني ما ستحقش اكون موجوده في العالم بتاعك وماصدقتش الموضوع بس دلوقتي انا شايفه انك فعلا كنت علي حق..ومش هنسي أبدا
ثم أرتدت علي عقبيها وهرعت الي الخارج لا تلوي علي شئ لن تبقي واقفة أمامه ليشهد انهيارها وتحطم قلبها.
لكنه لم يرغب في انهاء الامر ..فلحق بها لاعنا يجر نفسه نحو الباب بحركات مؤلمة غير متزنة ..ولكن العكازين انزلقا علي الارض المصقولة وانكب علي وجهه صادما رأسه بالرخام قبل أن يستلقي في الردهة كومة بلا حراك.
أوقفت جريها االمجنون والتفتت الي الخلف تهرع اليه نحوه صائحة:
-سيف.سيف!انت كويس؟
كان وجهه شاحبا كالآموات ناضحا عرقا
-ما..تسبنيش..ماتقدريش..
وتلاشي صوته بعدما ضاع في غيبوبة.
راجعت سارة مرارا في الآيام الثلاثة التالية لحظاتها الآخيرة مع سيف. وفيما كانت جاثمة أمامه فاقدة الآمل تتمتم بكلمات التشجيع أحست بأنه يسمعها مطمئن البال.
كان جسده الطويل مدثرا وبدا وجهه الوسيم مستريحا لا يغضنه الآلم المعتاد..
تعرف انه لن يشكرها علي ما فعلت..أمسكت الحاجز قربه بيدين مرتجفتين ونظرت اليه متمنية أن يفتح عينيه وخائفة في الوقت نفسه من ذلك..ماذا ان لم ينجح الآمر؟
هي ليست بأمرأة مقامرة..ولكنها في هذه المرة قامرت بحياة سيف.
عندما كانت في غرفة الطوارئ أقنعت نفسها بأنها تقوم بالآمر الصواب وقد ظنها الآطباء والممرضات الذين اعتنوا به وزوجته..فأخذوا توقيعها علي اجراء عملية جراحية فورية..
ووقف محمود الي جانبها صامتا يطمئنها..وعندما أصبحا في صالون الانتظار المظلم ضغط علي يدها وهز رأسه ثم قال بلطف:
-أنا واثق اننا عملنا الصح..يا أنسة..هو عنيد ورفض انه يسمع لاي حد وماكنش راضي يعمل العملية وعلي طول كان بيقول انها ممكن تزيد من شلله مش اكتر ..قال(الحاجة اللي تعرفها افضل من اللي ماتعرفهاش )واحنا ماعملناش حاجة غير اننا اخدنا القرار من ايديه ..وقررنا احنا بداله
أجبرها وقع خفيف علي توجيه اهتمامها الي شئ أخر.
انه وقع المطر من جديد ولكن فيما كانت تراقب المطر المنهمر علي الزجاج التوي ثغرها علي مضض بابتسامة حزينة..
ففي مثل هذا الجو الممطر طلب سيف يدها كان يبدو صغيرا وطفوليا يومذاك والمطر يتقطر من شعره الي أنفه وشفتيه
مازالت تشعر بطعم المطر المالح علي شفتيها وهو يشدها بقوة الي ذراعيه.يومذاك كان عناقه شغفا كبيرا.
تري هل سياتي عليها يوم تتمكن فيه من النظر الي المطر بدونأن تتذكر ما حدث ذاك اليوم الممطر؟
أفلتت منها تنهيدة صغيرة قبلان تعيد نظرها الي سيف.
راته يرقد هادئا ساكنا ينظر اليها بعينيه الرماديتين ثم قال متسائلا وعيناه تلتهمانها:
-مامشتيش
سألت بصوت مختنق:
-حاسس بأيه؟
بدت عليه الدهشة ثم نظر الي الغرفة البيضاء:
-انا جيت هنا ازاي؟أنا مش حاسس بأي ألم في ضهري.
-حمزه ومحمود جابوك هنا
-حمزه؟
-ماقدرش يسافر قبل ما يطمن عليك .هو يوميا هنا
-ان بقالي قد ايه هنا؟
عضت شفتها ونظرت الب وجهه متمعنة:
-تلت أيام
-انا بقالي تلت أيام نايم؟
استرخي قليلا ينظر الي السقف ليخفف عنه الارتباك.
سحبت نفسا عميقا ثم ردت:
-انت مريت بحاجات كتيرة في المدة القصيرة دي..انت عملت العمليه يا سيف والدكتور بيقول انها ناجحة بس هو مش هيقدر يأكد علي كده غير لما تفوق..من الافضل اني اروح اقولهم انك فوقت
رفع يده ليمنعها:
-استني ..عملولي العملية ازاي؟انا مامضمتش علي الورق اني موافق.
كبحت غصة مفاجئة:
-انا مضيتها بدالك.عارفة اني اتصرفت من دماغي وانا اسفة علي ده بس انت كنت مغمي عليك والدكاترة قالوا ان عمودك الفقري عليه ضغط كبير وكان لازم المخاطرة.
-انتي مضيتي؟
-قولت اني مراتك.
أغمض عينيه ثم فتحهما بسرعة مبتسما لآول مرة.
-باباكي مش هيعجبه الموضوع ده ..باباكي اللي قال اني ماقدرش أطلب ايدك تاني لحد ما اقف علي رجلي تاني.
-انتفضت:-بابا؟
-انا اتصلت بيه كام مرة واخر اتصال كان ما بينا وانتي مع حمزه في المكتبة..عشان كده وقفت علي العكازات ..عرفت ان حمزه مسافر وكنت لازم اتصرف بسرعه قبل ما حمزه ياخدك مني.
تراخت ساقاها وغرقت بوهن علي الكرسي الي جاني الفراش فما تسمعه كثير عليها:
-وبابا قال ايه؟
-قولته اني انا الباشا اللي بيتكلمه عنه دايما لما بيتصل بيكي انتي وعمتك.
انحني رأسها الي الآمام ولم تقل شيئا..فتابع:
-قولتله اني طلبت منك انك تفضلي معايا عشان تساعديني اقف علي رجلي من جديد عشان اقدر اطلب ايدك.
ارتفعت عيناها الي وجهه:-وقال ايه؟
-طبعا هزئني ..وقالي اني شخص مالوش كلمة عاشن سيبتك ..ابتسم لها قائلا:اعتقد انتي فهمتي قال ايه تاني.
لم ترفع عينيها اليه.
-طبعا اعتذرتله وقولتله اني عايز اعيش باقي حياتي اعوضك عن الجرح اللي سببته ليكي ..بس هو قالي اني اكيد استغليت طيبتك وقال اني لازم اقف علي رجلي من تاني لان فلوسي وغنايا مش هيشفعلي عنده وانا بتجرء واطلب ايدك تاني.
جلست جامدة ترتجف أوصالها وراقبته يجلس قال باستغراب:
-انا مش حاسس بأي وجع..ممكن تنزلي حاجز السرير!
قفزت واقفة:لا ..استني انادي الممرضة
-لا..لازم احاول انا الاول..وافضل ما يكونش معايا حد هنا في الاوضة.
-لا لازم..
-لا مش لازم..لو سمحتي!
ولم تستطع الا الرضوخ فأخفضت الحاجز المعدني وراقبته ينزل ساقيه.جلس دقيقة يكافح موجات دوار ..ثم شد علي فكيه.ووقف منتصبا علي الآرض الباردة..ثم صاح مسرورا:
-مافيش وجع
توقفت الدموع في مأقيها ولم تستطع رفع مظرها عنه..
انه يقف وحده رافع الرأس مستقيم الظهر..وخطا خطوة عرجاء ثم أخري فأخري وأعقبها بأخري قبل ان يضمها بين ذراعيه:
قال بكل تواضع وهي بين ذراعيه:
-شكرا..ماكنتش هقبل أعمل العملية لوحدي ماكنتش قادر اخد القرار
دفنت وجهها في صدره وقلبها يخفق فوق قلبه وذراعاها حول ظهره وأرسلت دعاء صامتا الي ربها.
ثم دوي صوته فجاة:
-انا استنين كتير اوي علشان أقدر أطلب الطلب ده منك:سارة موافقة تتجوزيني؟
ارتعش جسمها كله..اه ..ما أشد رغبتها في ذلك!
وتدفقت دموعها..ستكون زوجته..سيكون لها الحق في البقاء معه دائما وفي مشاركته حياته وحبه..تراءت لها الصور صور أطفالهما وهم يركضون ويضحكون ولكن هذا مستحيل..انه من طبقة مختلفة وهي غير قادرة علي أن تطلب منه النزول الي مستواها كما لن تستطيع الارتفاع الي مستواه انه مولود في بيئته وهي مولودة في بيئتها.
في لحظات الصمت لم تكن تسمع سوي وقع المطر علي زجاج النافذة ..ثم خفف ضغط ذراعيه عنها وتغير صوته ونظر الي وجهها:
سارة؟
قالت ببساطة وحنجرتها تؤلمها ببأس مكبوت:
-أنا بحبك..اعتقد انك المفروض ترجع لسريرك تاني علشان اقدر انادي للممرضة
حفرت أصابعه في ذراعيها وأصبح صوته متحشرجا:
انا عارف انك بتحبيني..بس انتي ما قولتيش موافقة.
-لو سمحت..سيف.
هزها بغضب:-ليه مش عايزة تتجوزيني؟
-انت بس دلوقتي حاسس بالشكر ليا مش أكتر..بس لما الاحساس ده ماي بقاش موجود هنرجع لنقطة الصفر.
-وايه المشكلة في ده؟حبنا كان من النظرة الاولي.مش ده اللي احنا نعرفه انا وانتي؟واخيرا هنبقي لبعض.
حاولت الانسحاب من بين ذراعيه ولكنه لم يتركها:
-لا!يستحيل ان الحلم ده يتحقق.
-تقصدي ايه؟
اختنقت:سيف.
-عيزاني اعمل ايه؟قوليلي..هعمل كل اللي انتي عيزاه علشان تتجوزيني
شعرت بالعذاب يمسك بخناقها:
-مش هتقدر تحبني!مستحيل!أنت واحد من عالم غير عالمي..وانا مجرد بنت بسيطة
نظر اليها مصعوقا شاحب الوجه من فبرط الصدمة:
-سارة!.. هو ده السبب؟ علشان كده كنتي ببتهربي مني في حفلة عيد ميلاد شاهي؟علشان كده كنتي دايما بتهريس مع اني عارف انك بتحبيني ؟كنت طول الوقت قلقان علشان انا مش قادر اتجوزك..بس ماكنتش عارف ان في سبب تاني بيخليكي تهربي مني ويمنعك من الجواز مني..يا نهار ابيض يا سارة!..مش هتخلي طبعا سبب اهبل زي ده يمنع جوازنا.
جف شفتاها وامتلآ صوتها بالآلم وامتلآ صوتها والشوق والدموع:
-أنت عارف اني علي حق وعارف ان علاقتنا دي مش هتستمر انت من عالم وانا من عالم تاني
أبعدها عنه بخشونة ويداه تشدان ذراعيها.كان وجهه متوترا وهو ينظر الي وجهها المصدوم.
-انتي عارفة كويس اني مابفكرش بالطريقة السطحية دي وعارفه كويس اني سبت اسكندرية وجيت القاهره علشان وجع الدماغ ده..وجيت هنا علشان ابني نفسي وأبعد عن ده كله.
-بس انت مش هتقدر تبعد تاني يا سيف..ومش رزم تعمل كده ..لان ببساطة الناس بتلاحظ ده من غير ما تتكلم معاك حتي ودي ميزة فيك ومش هتروح منك .
مر الالم علي وجهه:
-انا ماكنتش عايز اعيش هنا ومارجعتش هنا تاني بمزاجي أنا رجعت بسبب فريدة..علشان نصلح علاقتنا قبل ماتموت ولما كنت هنا شوفت بيت العزية ده وهو خرابة بمعني الكلمة وحسيت بشئ بيجذبني فيه وماكنتش عارف ليه ساعتها ..مكن ماتفهمنيش بس انا فضلت أرجع اشوفه وبعدين امشي وانا بتخيله هيبقي شكله ايه بعد ما يتجدد.
هز كتفيه بعجز قبلأن يلاحظ عيناه نظراتها الدهشة..امتد شئ ما بينهما ..احساس لم يكن يحتاج الي كلام..ثم..أحست به في رأسها يسري ثم لم يلبث ان سري رأسه وفجأة تساقطت الآسرار.
ابتسمت رغما عنها وطاف شعاع فرح منه اليها ليشعل هالة من الدفء حول قلبها ..ربما..مجرد ربما..من الممكن..علي أي حال ..
ومرت رعشات باردة في أوصالها تبرد وتحترق في ان واحد.
قال ذلك بدون كلمات..حبنا قيد يجعل كل شئ ممكنا.
ارتجف مضطربا وأصبحت عيناه بحيرتين عميقتين من العواطف.
-اتجوزيني يا سارة وعيشي معايا في العزبة!أعرف انك كنتي بتحلمي اعيشي فيها عيشي معايا وخليني احقللك احلامك.
احتواها بين ذراعيه مرة اخري بقوة وقال:
-ماتخفيش من غنايا..انتي ليا وانا ليكي وانا ليكي من قبل حتي مااشوفك..غروري وكبريائي كان هيضيعك مني وانا مش هخلي ده يحصل معاكي ومش هخليكي تخسريني مهما كانت الاسبا
توقفت غصه في حلقها :
-انا عمري ماخليت كرامتي تقف ما بينا ابدا
تاوه:
-سارة انا مجرد واحد بيحبك وعايزك معاه طول العمر يهتم بيكي انتي وبس ويردلك ولو جزء بسيط من اللي عملتيه معاه أنا اخدت منك كتير وانتي ادتيني من غير مقابل وقفتك جنبي في اكتر وقت كان ضلمه في حياتي ..خلي حبك يتغلب علي كرامتك وانا والله العظيم ماهخليكي تندمي ابدا انك ارتبطي بيه.
تلاشي فجاة يأسها وخوفها وقلقها كله فتنفست الصعداء وفاض قلبها بالمشاعر معا سيتمكنان من اجهة كل شئ..
معا سينتصران علي الكبرياء.
قال بصوت مرتعش:
-قولي بقي موافقة انك تتجوزيني.
لم تتردد:-أيوة موافقة! أنا..
لكنه لم يترك لها فرصة لتعبر عن مدي حبها له بل رفعها بين ذراعيه ليلف بها فغرقت في موجه من الحب
-أنا أسفه يا سيف..
وضع اصبعه علي فمها يسكتها وتراجع يضعف ليجلس علي السرير تاركا ذراعه حولها:
-انا بترعش بس مش عارف بسبب ايه بسبب انك بين ايديا دبوقتي ولا علشان رجلي.
في هذه اللحظة دخلت ممرضة رشيقة سرعان ما توقفت فجأة بذهول:
أستاذ سيف!
قال بابتسامة:
-كنا علي وشك اننا ننادي عليكي علشان نقولك اني فوقت
قالت وهي تنظر نظرة ذات معني الي سارة ووجهها المتورد:
-انا جيت علشان اقيس ليك الضغط..بس انا ممكن استني شوية باين كده من اللي انا شيفاه ان ضغط الجو كله عالي..هقول للدكتور انك فوقت وهرجعلك بعد شوية عن اذنكم.
توجهت الي الباب ثم عادت عنظرت من فوق كتفها وقالت بهدوء
-ياريت ترجع بسرعه للسرير يا استاذ سيف
-مراتي كانت بتحاول ترجعني للسرير من ربع ساعة
ابتسمت الممرضة وزادت ابتسامتها عمقا حين فهمت ان كلامه يعني أمرين مختلفين ونظرت جيدا الي سيف ثم خرجت ووبخته سارة:-سيف!
-ممكن تساعديني ارجع للسرير يا مراتي يا حبيبتي؟
وتراقصت عيناها فقال لصوت منخفض:
-أوعي تهزئيني وكده ماشي
-بس اصبر عليا اما تقوم مش هخلي النهار يطلع عليك تاني
نظر لها بابتسامته الساحرة التي طالما اشتاقت لها:-بجد؟!
ثم تسلل تحت الاغطية ضاحكا:-عارف انك مش هتقدري عشلشان بتحبيني
أخذت تمسح أطراف قدميها في الآرض مطأطئة الرأس بحيث أخفي شعرها الذهبي وجهها المشتعل:
مش أوي كده يعني..بس هوريك لما نرجع بيتنا
-بيتنا بتاعنا انا وانتي يا سارة مش بتاع سيف باشا..بيتنا اللي حلمنا بيه لفترة طويلة البيت اللي هيجمعنا تحت سقف واحد البيت اللي هيبقي في ولادنا انا وأنتي .
أمسك كتفيها يعيدها الي صدره:
-لازم اكلم باباكي في أسرع وقت اعرفه اني وقفت علي رجلي تاني ونخلي الفرح الاسبوع الجاي
تمتمت ووجهها مدفون في عنقه:
-أسبوع بس؟..طب خليها الشهر الجاي ..
ازاحها عنه ليواجهها قائلا
-كفاية أسبوع كويس اوي علشان تجهزر نفسك فيها كفاية المدة اللي بعدتها عنك
هزرأسه وكانه يحاول طرد الفكرة عنه
-بحبك أوي ..
-هو احنا لازم نستني باباكي لما يجي ما نتجوز ونفاجئهم
ضحكت بخفة:-والله مجنون.
-انا اسف يا سارة علي كل حاجة وحشة مريتي بيها بسببي انا كنت غبي علشان سيبتك..هتسامحيني؟
-طبعا مسمحاك وعمري ما اقدر ازعل منك مهما يحصل
-هفتكر دايما انك سامحتيني بسرعة علي غلطاتي معاكي وهحاول اصلح من نفسي تقدري تعيشي معايا لمدة خمسين سنة كده علشان تعلميني بتسامحي بسرعة ازاي كده.
احمر وجهها بشدة قائلة:خمسين سنة بس؟
مرت الايام لنري منزل ملئ بالسعادة التي طالما حلموا بها تقف هي فوق في غرفتها تنظر من شرفتها وهي تشاهد المطر وتتذكر أول مرة يطلب فيها يدها لياتي هو ويحتضنها من الخلف واضعا يده علي بطنها المنتفخة قائلة هي:
-بحبك
-مش اكتر مني
لتنتهي قصتنا بنهاية سعيدة ولنعلم ان التسامح بين الآحباء ليس بضعف انما هو نقطة قوة بين العلاقات لكن كثيرا منا ينسي ليضيع فرصته الحقيقية
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي