الفصل الثاني

همس "أحمد"بلطف وهو يحيطها بذراعه دافنًا وجهها في صدره...
-أنا أسف يا سارة... عارف هو بالنسبة ليكِ ايه
صمتت طويلًا ثم مزقتها تنيهدة عميقة
أنت بتؤمن بالحب من النظرة الأولى..يا أحمد؟
قال بتفهم كامل:
أنا أول مرة شوفت فريدة حسيت إنها حد مميز ومش عارف أن إللي حسيت بيه ساعتها حب ولا إنجذاب أطور لحب.
-أنا بقي عرفت من اللحظة الأولى إني حبيته وهو كمان بادلني نفس الشعور ما قولناش حاجه ساعتها بس عرفنا شعورنا إتجاه التاني وأحيانًا كتير ماكنش لازم نقول حاجة تقدر تقول حاجه زي توارد الأفكار كده.أنت فاهمني؟
أمسك كتفيها بقوة ونظر إلي وجهها الخالي من اللون
إللي كان بينكم حاجه نادرة فعلًا . علشان كده أنا مش فاهم إزاي لغى كل حاجه علي التليفون ومش فاهم كمان أنتِ إزاي تسيبيه بالسهولة دي؟
ثم أضاف
أفتكرتك هتحاربي كل الدنيا علشانه لو حتي وصلت إنك تحاربيه هو شخصيًا علشان تحافظي على حبك أو أقل الإيمان تناقشيه تعرفي ليه هو عمل كده!
-ازاي هو قالي إنه مش عايز يشوفني مرة تانيه
-روحيله دلوقتي حالًا! اتكلمي معاه ودوري عن السبب إللي خلاه يعمل كده! قاتلي علشانه ياسارة هو مايستحقش إنك تقاتلى علشانه؟
دس يديه في جيبه وأسود وجهه:
-ماعتقدتش أنه من الأشخاص اللي ممكن يتصرفوا كده ولو فعلًا كنتِ مهتمه بيه هتعرفي السبب
-عايزني إزاي أحارب لشخص هو مش عايزني من الأساس؟
-عارفة لو استسلمتي من غير محاولة هتفضلي دايمًا تتعذبي بسؤال هو ليه اتخلي عنك؟ مش يمكن يكون ده كله بسبب سوء تفاهم بسيط.. مايستحقش اللي حصل ده كله!

نظرت له لحظة تزن ما قاله..
-تفتكر أنه موجود في الهيلتون
شعت ابتسامته بالرضى
-أعتقد كده هو آخر مره كان هناك بردوا بصي بعد ساعة هتلاقي الولاد راحوا في سابع نومة لو خرجنا ماحدش هيحس بينا ولا هيفتقدنا وهقول لماما وفريدة أننا هنخرج نتمشي شوية اشطه
-اشطه
ربما هو محق لا يعدو الأمر سوء تفاهم بسيط وربما هو أكثر من ذلك بكثير كانت طوال الطريق إلي البلدة تتأرجح بين الأمل والخوف ..حين أنزلها أحمد أخيرًا أمام باب الفندق إبتسمت له متوترة
-هشوف مكان علشان أركن فيه العربيه وهدخل استناكِ جوه الفندق واتصلي بيه وبلغيه أننا هنطلعله تمام
-تمام
دلفت داخل الفندق ثم أعطاها موظف الإستقبال الشاحب رقم غرفة "سيف" لم تستطع إنتظار أخيها لذلك قررت الذهاب فورًا فتوجهت إلي الممر الطويل الفارغ.. وظلت واقفة فيه فترة قبل أن تستجمع ما يكفي من شجاعة لتقرع الباب كان قلبها يخفق بسرعة وقوة حتى ظنت أن صداه يتردد في الممر الصامت، ولكنها أجبرت نفسها علي قرع الباب قبل أن تفقد أعصابها وتغادر المكان بدون أن تراه لم تسمع الرد. فخالته للوهلة الأولي غير موجود في الداخل.. لكنها سرعان ما سمعت صوته المخنوق من وراء الباب
-الباب مفتوح
إستجمعت شجاعتها .
ثم خطت إلي الداخل وعيناها تجولان في الغرفة الواسعة قبل أن تستقرا عليه..لاحظت ساره جسده ينتفض مجفلًا حين عرفها؛ ثم إستقام في جلسته متوترًا والغريب أنه لم يقف حين اقتربت منه، غاصت قدماها في سجادة بيضاء سميكة جعلت خطواتها متوترة مترددة بحيث اضطرت للتوقف فجأة وبقيت حيث هي ثم راحت تبحث في وجهه عن دليل علي سروره برؤيتها أو علي الترحيب بها ولكنها لم تجد إلا تقطيبة شديدة واجهت عينيها المتوسلتين لقد تغير ! رأته الآن مرتديا سروالا أسود وقميصا أبيض أظهر بشرته الدكناء عادةً شاحبة اللون دليل عدم العافية، ولكنه رغم ذلك ما زال يملك القدرة علي إطلاق العنان لقلبها .
أما شعره الأسود الكث فبدا أطول قليلًا مما تذكره وهو إلي ذلك أشعث وكأنه كان يخلل أصابعه فيه، كان أنحل عودًا أما فمه المتجهم المشدود فقد جعلها تنتبه إلى عظام خديه القوية وإلى عينيه الرمادتين غير العادتين المفعمتين بدهشة عاصفة أذهلتها دفع رأسه إلى الوراء بشموخ ثم جلدها بصوته
-أنتِ بتعملي ايه هنا؟
وكأنه لا يصدق إنها هنا بالفعل أحست فجاة أن فمها وحنجرتها جفا ثم انتشر ألم حاد في وجهها الخالي من اللون وتبعثرت فجاءه أعصابها المتماسكة
-شوفت اني لازم اجي ازاي فجاة تتصل بيه وتنهي كل شئ ببساطه كدة؟!
-والله أنا قولت اللي عندي..أنا مش عايز أشوفك تاني..جيتي ليه؟
لم يتحرك كانت يداه الي جنبيه وكأن لا حياة فيهما تقدمت منه متعثرة
-ليه يا سيف؟
-قال بخشونة: يا الله.. أنتِ مش عايزة تفهمي ليه؟ مافيش بينا حاجه تتقال
ارتبكت ارتباكًا شديدًا لأنها لم تفهم لتباعده سببًا هذا ليس الرجل الذي تركته في المطار منذ بضعة أشهر ف"سيف شاهين" الذي تعرفه رقيق لطيف محب أما هذا فنحيل بارد وشرس
أنا مش عايزك هنا!
-سيف !حصلك ايه عشان تتغير بالشكل ده؟أنت كنت عيان؟
-أنا ماحصليش حاجة أنا ماكنتش يوم بخير أفضل من اليوم ده أخرجي بقي من حياتي يا سارة... أخرجي من حياتي!
-أنا أسفة لو كان حصل حاجه مني غصب عني أو عملت حاجه ضيقتك أو قلت حاجه من غير ما أقد أو..
قاطعها ببرود
-ماتعتذريش ..الموضوع مش متعلق باللي قولتيه أو عملتيه..أنا بكل بساطة مش عايزك هنا في حياتي كلها.. أنتِ مابتفهميش؟
أزدرت ريقها: لا أنت ماتقصدش اللي بتقوله أكيد
دنت منه حتي جثت علي ركبتيها أمامه تنظر إليه بعينين يعذبهما الألم
-أنت نسيت إحنا ايه لبعض؟ أنا بحبك.. لازم نتكلم ونشوف سبب اللي حصل ده ونصلح كل شئ تاني
واجهها سيف بوجه متجهم وبجسد لا يحرك ساكنًا في مقعده فهو لم يتحرك أو حتي ليدفعها حتي يبتعد عنها.. بل جلس فقط بلا حراك وكأن لحمه ودمه تحولا إلي رخام أما فكاه فكانا مشدودين وأما عنياه فكانتا ..تحرقانها بنار الرفض لايمكن أن يكون تمثال رخامي بخيلا إلى هذا الحد

تري ماالذي حدث لسيف الطيب ليتحول ويتبدل كل هذا التبديل أحدث معه شئ أم أن هناك مفاجأه في انتظار سارة
في حاجة بدلتك التبديل الغريب ده! في أيه حصل في الست شهور اللي فاتوا دول يخلوك تتغير ده كله؟ماكنتش بعرف أكلمك في الموبايل وماكنتش عارفه أوصلك حتي رسايلي علي الواتس آب ماكنتش بتشوفها..ليه؟!
كان قلبها يخفق بين ضلوعها فتجاهلت خطر الإذلال والرفض قائلة
-سيف..أنا بحبك!ومش هبطل أحبك مهما كان السبب
رأته يغلق عينيه اضطرابًا ولكنه ما لبث أن أمسك كتفيها بخشونة وشدها إليه حتي أصبح وجهها علي بعد انشات من وجهه
قال بهدوء مخيف:
-ساره ..خلاص خلصنا.. أنا مش عايز أجرحك..لو مشيتي دلوقتي عمرك ما هتتألمي ولا تحسي بإحراج أبدًا..
حاولت السيطره علي أنفاسها المتسرعة غير المنتظمه وإنما بلا طائل صاحت عبر شفتين جافتين
-ليه؟ أنت نسيت أننا كنا هنتجوز خلاص قبل ما تسافر مش أتفقت مع بابا علي كده؟ أنا.. افتكرتك بتحبني
كادت تقسم إنها ترى بريق ألم شديد في عينيه
-إحنا من عالمين مختلفين كل الإختلاف وماكنش جوازنا هينجح إعترفي بالواقع بقي
فجأه تسمر جسده وعاد وجهه شاحبًا باردً قاسيًا كالمرمر؛ ثم تراخت أصابعه عن كتفيها فتهاوت بشكل أخرق إلي الأرض عند قدميه قبل أن يتسنى لها الوقت لتلملم شتات نفسها.
انفتح الباب ودخلت منه فتاة نحيلة صغيرة الجسم في مثل عمرها تقريبًا كان شعرها كومة من الخصل المجعدة الذهبيه التي تشكل إطار هذا الوجه الجميل المميز.
ذُهلت المرأة عندما وجدت ساره جاثية أرضًا عند قدمي سيف، فأدارت عينين متسائلتين إلى سارة التي إتسعت عيناها حين استقرتا علي وجه الرجل المصدوم
لم يصدر عن أي منهما صوت.. وفي لحظات هستيريه فكرت كم تبدو غبية أمام الفتاة وكم تبدو ممتقعة اللون مشعثة المظهر وكأنها كانت تركض لاهثة، هبت مكانها ثم راحت تمسد جانبي سروالها الأخضر القاتم بيدين مرتجفتين، ألن يقول أحد شيئًا؟
نظرت سارة إلى سيف نظرة إبهام وإجتاحها غضب لا سبب له، لماذا لا يقول شيئًا؟
لماذا لا يفعل شيئًا؟ لمَ لا يحرك ساكنًا؟
أخيرًا قال بصوت عميق واضح:
-حمدالله علي سلامتك يا شاهي.. ثم تحدث موجهًا حديثه إلى سارة: دلوقتي تقدري تشوفي سارة البنت اللي كلمتك عنها
لم يتحرك حين وضعت الفتاة المسماه شاهي اللفائف علي كرسي وقطعت الغرفة بخطوات رشيقة بل أكمل التعارف
شاهي! دي سارة محمد، سارة دي شاهي مراتي.
جف اللون من وجه سارة التي حبست أنفاسها بسرعة، تنظر إليه نظرة من لا يصدق ما سمعه ..ومض علي حين غرة شعره الأسود كأنه نار تحت نور المصباح وأصبح قميصه ضبابًا أبيض فوق كتفيه العريضتين
مراتي.. بكل بساطة.. مراتي!
مادت الغرفة بها وأحست بالكلمات تختنق في حلقها وشعرت بأنها تلقت لكمة قاضية في معدتها أما أنفاسها فانقطعت وترنحت متألمة ألمًا تمنت معه الموت.
تجمعت الدموع في مُأقيها ولكن إرادتها القوية هي التي حالت دون إنهمارهما في داخلها كان صوت يصيح
-هذا غير صحيح! قل أنه غير صحيح! ليس صحيحا!
تصاعدت الغصة حلقها رغم ذلك تمكنت من غرز أسنانها في شفتيها لتمنعها من الصعود..أحست بالرعب للوقوع في حبه وها هو قد استغل سذاجتها ..وسلى نفسه علي حسابها ضاحكًا منها واعدًا إياها بالزواج ..لا شك أنه قضي أوقاتًا مرحة.
نظرت إليه عبر غشاء لاذع من الدموع لكن قسماته الصارمة ظلت تتراقص أمام عينيها.. من مكان عميق من بئر الشجاعة في أعماقها وجدت رباطة الجأش، عليها بطريقة ما مغادرة هذه الغرفة قبل أن تنهار كليًا لأنها إن انهارت عانت من أشد أنواع الإذلال لها، لا لن تريه أبدًا مدي الألم الذي أوقعه بها.. تمسكت بيأس بما تبقى من كبريائها فرفعت رأسها بأنفة وشموخ ثم أجبرت ساقيها المخدرتين علي السير حتى ..الباب كانت تعرف أن عليها الخروج بأسرع وقت ممكن قبل أن يرى ضعفها أقفلت الباب بصمت خلفها ثم توجهت إلى بهو الإستقبال وهي لا تشعر بأنها تتحرك

أهذا الذي أحببته لماذا فعل هذا بها لمَ ضحك من مشاعرها وتسلى بها هل حقًا هذا ماحدث بالفعل أم أن هناك أحداث أخري لا تعلمها؟
يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي