2

بعد مرور ستة اشهر،

توطدت علاقة سارة وميليسا وأصبحتا صديقتين مقربتين.
استطاعت سارة وأخيها آدم التأقلم والاستقرار نوعا ما وذلك بمساعدة ميليسا التي لم تخلف وعدها الى سارة.
مر الوقت عصيب عليها هي وأدم خلال الستة اشهر وكانت تقدر ميليسا وتحترمها لمساندتها.

أما ميليسا فهي لا تملك اخوات ولديها شقيق واحد فقط وتعيش مع شقيقها ووالديها حياة روتينية.
عائلتها غنية جدا ولكنها لم تخبر سارة بذلك، إذ لم تشأ ان تصبح محط اطماع سارة كما فعلن صديقاتها من قبل، ارادت ان تجرب المعنى الحقيقي للصداقة بدون مصالح او منافع.

خُذلت ميليسا من العديد، فقد تجرعت عدة معاني من الخذلان وخيبات الامل في عدة أصدقاء، وكان خيانة خطيبها مايكل لها القشة التي قسمت ظهر البعير. ولكنها كانت من النوع الذي يكتم احزانه خلف الضحكات التي تبدو حقيقية للجميع ماعدا روحها التي تتألم.

كان اليوم آخر يوم لسارة بالجامعة، فبعد ان عادلت موادها الجامعية حيث كانت في جامعة موطنها في آخر سنة لها، ها قد تحصلت واخيرا على شهادتها.

جلست علي إحدى المقاعد في حديقة الجامعة لتتصل بخالها وتبشره بتخرجها ربما تخفف عنه احزانه ولو قليلا بهذا الخبر، حيث كان يمتلك هاتف سري في زنزانته ويتواصل معها كل ما استطاع ذلك، ليطمئن عليهم.
لم يجب خالها ميكائيل على هاتفه، وبقيت جالسة في انتظار ميليسا التي ذهبت لتحضر كوبين قهوة من الكافيتيريا. دقائق حتي جاءت ميليسا ومعها القهوة.
تناولت سارة كوبها ثم وصلها إشعار رسالة نصية بإسم ميكائيل، ابتسمت وفتحت الرسالة لتصدم بفيديو لخالها وهو يُعذّب ويتم ضربه.
وبعد دقيقة وصلتها رسالة نصية اخرى من رقم آخر مكتوب فيها "تم تجميد جميع ممتلكات السيد ميكائيل داخل وخارج البلاد" المرسل المحامي عمر.

سقط كوب القهوة بحركة احستها سارة من اثر الصدمة بطيئة جدا وكأنها صورة تلفزيونية تم ابطائها عشرات المرات، صوت ميليسا كان وكأنه نعيق بعيد او من داخل بئر عميق. لم تفق حتي ارتطم الكوب وانتثر على الارض ووصلها رذاذه الساخن وكأنه ينذرها بلهيب الايام القادمة.
بحركة لا إرادية جلست على الكرسي خلفها وهي مصدومة مما شاهدت في الفيديو والف سؤال يدور في رأسها، هل قتلوه؟
أمسكت رأسها بين يديها ولم تكن تشعر بوجود ميليسا ولا بوجود المحدقين الفضوليين الذين يمرون من امامها.
رن هاتفها وكان هذا الصوت الذي أعادها الى الواقع، كان رقم دولي من بلادها.
اهتز الهاتف بين اصابعها التي ترتعش من الخوف،
فتحت الخط وقالت بلغتها العربية : نعم، من معي؟
- انا المحامي عمر، لا استطيع الاطالة في المكالمة.
ان خالك يبلغك انه تم تجميد جميع ممتلكاته بم فيها الشقة التي تسكنين والبطاقة المصرفية الدولية التي معكِ. وهو لا يستطيع التواصل معكِ حاليا وقد أخذوا هاتفه أيضا.
- هل هو بخير؟
لم يجب، ثم قال بعد لحظة، يجب ان اقفل الخط سأحاول ان أرسل اليكِ بعض المال وإن لم أفعل اذهبي الي سفارة بلدك هناك.
- ارجوك اخبرني هل هو بخ..........
ولكنها لم تنهي جملتها حتى انهى المكالمة.

حضنتها ميليسا بصمت وبعد عدة دقائق قالت: يبدو انه خبر سيء!
تشبثت بها سارة واجهشت فالبكاء.

أن تمر عليك لحظات سيئة في حياتك فهذا أمر جائز وهو من المسلمات. ولكن أن تمر عليك معها دقائق طوال كأنها سنين عجاف، أو كأن الزمن توقف عن الحراك، فأعلم حينها أن الصدمة قد غرست سكينها داخلا جدا، متغلغلة في أعماق الروح.
شرخ كبير، عميق حاد، يكاد القلب من هوله أن يصبح رماد.

ميكائيل لم يكن مجرد خال بالنسبة لميليسا، كان قريبا منها فالسن بينهما فقط ثماني سنوات. اعتبرته اخاها الكبير، يحميها دائما.
وهو الآن سندها الوحيد بعد الله.

كانتا بالسيارة متجهتين الي شقة سارة وبعد ان قصّت سارة لميليسا ماحدث معها بدموع من دم وحسرة وألم، وأخذت ميليسا تفكر مطولا جدا.
اما سارة فكانت تحدق من النافذة ولكن كل ماتراه خيالات لفيديو تعذيب خالها. ولم تعلم ماهي مصلحتهم ليبعتوا هذا الفيديو لها!
قالت ميليسا بعد تفكير طويل: مارأيكِ أن تأتيا معي هذه الفترة الي المنزل، اقصد الي ان تجدا حلا لهذه المشكلة.
سارة بيأس شديد : ولكن لا اريد ان اسبب لكِ المشاكل يا ميليسا.
ميليسا: اوه، اية مشاكل علي العكس اعتقد ان ابي وامي سيفخران بي، انني ساعدت صديقة لي .
سارة: شكرا لكِ حقا، لا اعرف كيف ارد اليكِ معروفك هذا.
ميليسا ابتسمت محاولةَ التخفيف عن صديقتها: اعتقدت اننا تجاوزنا هذه الرسميات ياسارة!

وصلتا الى الشقه وبعد أن إطمئنت ميليسا على سارة ودعتها على ان تعود فالغد، قامت سارة بترتيب الشقة وإعداد الطعام، محاولة التناسي. ولكن بيأس شديد جلست على الارضية تشعر بالعجز وتحاول إيجاد حل يمكن أن يساعدها.
إلى أن سمعت جرس الباب وظنت انه آدم.
اسرعت لتفتح الباب وتفاجأت ان رجل بزي رسمي يقف عند الباب.
الرجل بلغة عربية: السلام عليكم آنستي، انا من السفارة وأتيت لأسلمك أمر بإخلاء الشقة فهي الآن من الاملاك المجمدة للسيد ميكائيل حتي إشعار آخر.
بصدمة ردت سارة : ولكن انا واخي نعيش هنا.
- مع الاسف هذا أمر قانوني، يمكنك مراجعة السفارة ويمكن ان نقوم بترحيلك الى الوطن في اقرب وقت.
بحزن قالت : ولكني لا املك منزلا فالوطن، لقد دمر كله. وقد توفي والداي، وخالي هاقد جمدتكم كل ممتلكاته.
- انا اسف حقا آنستي يمكنك مراجعة السفارة في اقرب فرصة. ولكن عليكِ اخلاء الشقة خلال 24 ساعة من هذه اللحظة، لحظة استلامكِ لإخطار الاخلاء.

وصل أدم وهو ينظر الى وجه اخته ومن ثم الي وجه الرجل الغريب على التوالي.
آدم : سارة ماذا يحدث؟
انتبهت سارة لوجود آدم فقالت بسرعة محاولة إنهاء الحوار : حسنا سيدي سأقوم بم طلبته.
ادخلت اخيها بسرعة واقفلت الباب، لا تريد ان يفهم او يشعر آدم بشئ.
آدم : ماذا هناك ياسارة؟ لقد سمعت ذلك الرجل يقول انه يجب ان نخلي الشقة !.
- لاشيء يا حبيبي، انهم فقط يريدون صيانتها.
نزلت الي مستوى طول اخيها وقالت :
ونحن سنبقى عدة أيام في منزل اسرة ميليسا.
نطّ آدم فَرِحا : هاي هذا رائع، كم سنبقى؟ هل لديهم العاب؟
وإسترسل آدم في أسئلته كما هي عادته دائما.
كانت سارة تستمع الى صوت اخيها الذي يثرثر بفرح الاطفال ولكن لم تكن لتستوعب كلمة مما يقول.
هل حدث شيء سيء لخالها؟
هل ستعود إلى وطنها؟
هل ستتشرد من جديد؟
وإن ظلت هنا، ماذا سيحدث؟ هي لا تعمل بعد وليس لديها اي مال، وبالتأكيد لن تبقى طويلا في منزل ميليسا.
كانت الافكار تضج في رأسها وهي تضع طعام العشاء، ربما هذه الليلة المريحة الاخيرة التي ستعيشها من الآن فصاعدا، هذا ما فكرت فيه سارة.
تذكرت حديث خالها في آخر لقاء لهما :
" اجعلي سلاحك هو التوكل على الله فهو معكِ في كل خطواتك وهو نصيرك، لا تغضبيه فهو يراكِ ويسمعكِ "
بعد أن نام آدم ذهبت وتوضأت وصلت صلاة العشاء.
ثم جلست على سجادة الصلاة، رفعت يديها الى من يسمع ويرى، تناجيه بكل مشاعرها تشكره علي نعمه عليها وتشكي له حالها.
سجدت لربها وقلبها يعتصر، بكت كطفلة صغيرة تحتاج من يطمئنها ويحنو عليها.
كان الحِمل ثقيلا جدا عليها، لا تعلم إن اهل ميليسا سيتقبلونهم معهم هذه الفترة ام لا.
دعت ربها وأوكلته أمرها، بعد ان غسلت روحها بالدموع.
إطمئن قلبها وسكن، وكأنه غسل بماء بارد ولُف بالحرير.
شعور لا يحسه إلا من يناجي ربه فيخرج من ظلمات الهم والحزن الى آمان وراحة ورضى، تجعل روحك تسبح حرة نقية صافية، خفيفة الوزن لا تحمل اثقال وأوزان هموم الحياة.

....................
آدم

استيقظت فالصباح على صوت المنبه، دخلت الى المطبخ حيث اعتدت ان اجد اختي سارة تحضر لي الفطور قبل ذهابي الى المدرسة منذ ان انتقلنا الى هنا.
ولكن لم اجدها، اعتقدت انها تصلي فأسرعت إلى غرفتها.
وجدتها لاتزال نائمة، كنت احيانا احس ان هناك شيء ما تريد اختي سارة إخفائه عني.
فقد اصبحت شديدة الحرص على مشاعري بعد وفاة أمي وأبي. وأنا أيضا إزداد تعلقي بها كثيرا، أحيانا صرت احسها كأمي.
لم تعد سارة كما كانت من قبل ابدا، فقد كانت حيوية وسعيدة ومتفائلة، حتي انها كانت تشاركني اللعب احيانا.
أما الآن فقد أصبحت تبدو اكبر من عمرها.
آراها دائما حزينة، واحيانا الحظها تبكي خفية ولا تريد إظهار ذلك لي.
ولكني أيضا اراها تضحك احيانا عند وجود ميليسا، انها حقا تشعر بالسعادة في وجودها على ما أظن.

يبدو انها تنام نوما عميقا، لكن يجب ان اوقضها فقد أتأخر .
- سارة، هيا استيقظي سوف أتأخر على المدرسة، فالباص سيأتي قريبا.
تمطت قليلا وتثائبت.
- اووه، لا أعلم كيف نمت هكذا. اذهب وصلي الصبح قبل ان يفوت وقته وسألحق بك فور انتهائي.
-حسنا، لا تتأخري.
....................

ميليسا

نزلت من درج الطابق العلوي وذهبت مباشرة الى غرفة الطعام، حيث عائلتها يتناولون فطورهم.

- صباح الخير، جميعا.
الاب : صباح الخير ، حبيبتي.
الام وهي تسكب القهوة في كوبها : اسيقظتي مبكرا هذا اليوم يا عزيزتي.
الاب : لم أراكِ لعدة أيام يا ميليسا، عندما اعود ليلا تكونين في غرفتك.
ميليسا : نعم، هذا صحيح. ولهذا نزلت مبكرة اليوم.
الام : هل اسكب لكِ قهوة؟
ميليسا : نعم، شكرا.
كريستيان اخ ميليسا الاكبر والوحيد كان يرمقها بإبتسامة ساخرة : لمَ لا تدخلين في صلب الموضوع؟
نظرت له ميليسا متعجبة.
رفع أحد حاجبيه وقال ببطء كل كلمة : عزيزتي اختي ميليسا. ثم ابتسم بعجرفة واكمل : "لقد مللنا حضوركِ الدرامي لتهلي علينا بطلتك البهية بعد ان تنفذ النقود من حسابكِ".
ميليسا بتحدٍ : ماذا تقصد؟
كريستيان : اعتقد انكِ هنا لتأخذي مالا، اليس كذلك؟
فرقع كريستيان بأصابعه فالهواء بحركة درامية وأكمل : لن نراكِ بعدها الا صدفة وانتِ تدخلين وتخرجين من المنزل.
احست ميليسا انه يرمي لشيء ما.
ميليسا : ماذا تقصد بالتحديد؟
كريستيان : أين خاتم خطبتك؟ لِمَ لَمْ تخبرينا انكِ فسختِ خطبتك؟ لا تقولي انكِ لم تحصلي على الوقت لأنه حسب ما أعلم فقد تم ذلك منذ تقريبا حوالي الستة اشهر!!
نظرت ميليسا الي والديها ورأت نظرات العتاب فيهما.
قالت بحنق شديد : حسنا، كريستيان. ولم لم تخبرنا انت انك رفعت قضية طلاق على زوجتك؟ ها أنا اسمع اخبارك على وسائل التواصل الاجتماعي والصحف.
كريستيان : وغلطة من هذه؟ انها انتِ التي لا تعود إلى المنزل الا للنوم.
الاب : كفى ! يكفي كلاكما، الا تحترمان وجودي؟
ميليسا : انا أسفة يا أبي، ولكن كريس.....
رفع والدها يده في علامة لتصمت.
الاب : قلت كفى! لا أريد شجارا. اذا اردتما النقاش فإفعلا هذا بهدوء.
كريستيان : لا احتاج لذلك، فقد قلت ما اريد. انا ذاهب للعمل.
الام : كريستيان ولكنك لم تتناول فطورك.
اتجه كريس وقبل رأس والدته وقال " تناولوا انتم انا شبعت" وخرج.

عمَّ الصمت غرفة الطعام.
تنحنحت ميليسا لقطع الصمت وقالت بصوت يشبه الاسف : ابي امي، انا حقا اسفه. لم اقصد ان اعكر مزاجكما. وبالنسبة لموضوع مايكل انا أعلم انه من حقكما ان تعلما الموضوع مني شخصيا، وأنا اعتذر عن ذلك.
تمنت أن يلوماها، ان يصرخا، ان يعاتباها، ولكنهما التزما الصمت.
وعندما لم يتحدثا استمرت وقالت : لدي صديقة سوف تحضر لتبقى معي عدة أيام هنا.
الام : من؟ هل نعرفها؟
ميليسا : لا، لم تلتقي بها قبلا يا امي،
الام : لطالما ستبقيكِ فالمنزل فأنا لا مانع عندي.
ميليسا التفتت لوالدها الذي يقرأ الجريدة في صمت : وانت يا أبي؟
الاب رشف رشفة من فنجان قهوته ووضعه على الطاولة ونزع نظارة القراءة ووقف قائلا : كما قالت والدتك.

لم لا يهتمان حقا لا تعلم، انها تعلم انهم يتجنبون الحديث عن الامور الشخصية دائما، وذلك اعتقادا منهم انهم يعطونها المساحة لتتصرف بشؤونها وتتعلم الاعتماد على نفسها، ولكنها تحتاج إلى نصيحتهما احيانا والى حنانهما عليها.

.........................

كريستيان

إن كان للغضب عنوان أو كان كائن له جسم واذن وعينان لكان أسمه كريستيان.
صراع دام في داخله لشهور، يحبسه بين جنباته لكي لا يبوح بمكنونات قلبه لأي من يكون.
يذهب يوميا لنادي الملاكمة ليلا، ليضرب عمود الملاكمة ويفرغ بعضا من شحنات الغضب.
احيانا كثيرة ينغمس لدرجة تورم اصابعه وتارة اخرى قد تنزف دماَ. والمريب انه لا يشعر بهذه الآم في حينها.
وكأن وجع روحه المتألمة انساه وجعه الجسدي.
لم يعد كما كان أبدا، أصبح ذلك الساخر المتعجرف وكأن لم يطرق قلبه حبا من قبلُ ابد.

خرج هذا الصباح من المنزل غاضبا ولا يعلم لم انفعل الى هذه الدرجة على اخته.
ربما لانه بين طيات قلبه احس انه احتاج احد، ولكن لم يعترف بذلك حتى لنفسه.
ربما أرادها ان تبدي اهتماما وتسأله! او ان يسأله والداه عن الامر!! لذا أثار الامر أمامهما.
هو من يعتَدُّ دائما بنفسه ولا يحب ان يبدو ضعيفا امام أحد، اصبح يفكر هكذا؟
يبدو انه سيجن، منذ متي وهو يبحث عن اهتمام وعطف الآخرين؟
ها قد أصبح خبر طلاقه الآن خبر الساعة بين الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي، واصبحت النساء ترمقنه بنظرات شتى، منهن من تظهر الاعجاب، ومنهن من تريد إظهار العطف، والادهى تلك التي تريد لفت انتباهه.
اصبح يمقت النساء.
لقد كان ذلك الفتى المرح الذي لا شيء يهمه الا العمل والحفلات.
حتي التقاها وتزوجها يعتقد انها احبته فعلا، الى ان صدم بواقع انها احبت ثروته وماله وشهرته.
ووصل بها الامر ان ابتزته وسرقت منه بعض الاموال!!
كم اصبح يكره النساء.

دخل الي جناح مكتبه واستقبلته سكرتيرته الخاصه بإبتسامة مشرقة، يبدو ان خبر طلاقه قد وصلها.

- صباح الخير، سيد جراي.
قال مقاطعا اي حديث لا يخص العمل.
- اريد القهوة وقائمة مواعدي لهذا اليوم.
- فورا، سيد جراي.

........

سارة

من بعد ظلمات الليل لابد للفجر ان ينبلج.

اكملت سارة تجميع ملابسهم واشيائهم ووقفت تتأمل السماء من النافذة، وتشرب القهوة السريعة التحضير، عصفور يحلق فالسماء مر من أمامها.
يزقزق ويلحق بعصفور آخر يسبقه، يبدو سعيدا آمنا لا يحمل هما ولا غما.
- يالك من محظوظ! لو امتلكت جناحيك لطرت أينما أحب وكيفما أحب مثلك تماما.
تسائلت في نفسها هل عليها ان تذهب للسفارة اولا حتى تطلب المساعدة.
ولكنها تراجعت عن ذلك، فقد قال لها الرجل من السفارة انهم سيقومون بترحيلها الى الوطن، وهي لا تستطيع العودة في ظل ظروف الحرب والتهجير هذه.
وأيضا، ربما حتي ان آدم لن يستطيع إكمال تعليمة جيدا.
عليها ان تتحلى بالصبر والقوة والايمان لمواجهة هذه الظروف من أجل اخيها.
شعور صعب ان تحس انك بدون سند ولا منزل يأويك، وحيد في هذا العالم الصعب.
كم من الصعوبات واجهتها منذ ان انتقلت إلى هنا!! ولكن هذه أصعبها.
الحمد لله الذي وضع ميليسا هذه الفتاة الطيبة في طريقها لتساعدها، فلم تعلم ماذا كانت لتفعل بدونها ؟
ولكن عليها ان لا تعتمد اعتمادا كليا على ميليسا، يجب ان تستغل فرصة الفترة التي ستبقى فيها في منزل آل جراي لكي تجد وظيفة لتعيل نفسها وآخاها.
جيد انها دفعت رسوم مدرسة آدم للسنة كاملة.
لم يتبقى معها مال سوى القليل وعليها ان تجيد التصرف فيه.
لا تريد ان تكون عبئا على ميليسا او ان تثقل عليها بشيء.....
واخذت تسترسل في التفكير حتي رن جرس الباب .

.......................
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي