39

(العم بن)

الابناء هم اغلى ما يملكه الانسان، وهم زينة البشر في هذه الحياة القاسية، فلولا الابناء لكانت حياة البشر معتمة بلا الوان ولا اضواء، منذ طفولتهم حتى الكبر يظلون النور الذي ينير سواد الايام.

جورج؛

بعد ان ذهب لإجراء بعض الفحوصات، ترك سوزي في المستشفى بصحبة السائق ليكشف الطبيب عن ساقها المكسورة، وتوجه هو الى منزل جاك، كان جاك رجل مشهور، واي موقع من مواقع وسائل التواصل الاجتماعي سيوصلك الى عنوان منزله.

كان يستقل سيارة اجرى ومنذ ان وصل وقف مترددا ما بين الدخول ام العودة، هو في الغالب ليس انسان متردد، ولكن يعلم ان ميليسا ربما لن يعجبها تصرفه هذا.

ازاح تردده بعيدا عن عقله وقرر الدخول، هو ربما لن يجده اصلا في المنزل! فالمشاهير يحتاجون موعدا مسبقا لكي يستطيعوا مقابلتك.

وصل الى البوابة ولكن الامن كان مشددا عليها بشكل غريب وملفت، ولم يسمحوا له بالدخول اذ ان اسمه غير موجود على لائحة الزوار لهذا اليوم!

ازدادت حيرته حول هذا الشخص، صحيح انه رياضي مشهور عالميا، ولكن الامن مبالغ فيه.
لا يريد الاتصال به ويريد ان يفاجئه، ولكنه سيضطر لذلك، فليس لديه اليوم بطوله لكي يقنع هؤلاء الحراس.

اخرج هاتفه واتصل به فقد تبادلا ارقام الهواتف هذا الصباح، ومن بداية الرنين اجاب جاك على هاتفه.

"انا امام بوابة منزلك، ولكن حراسك لم يسمحوا لي بالدخول"

قال جورج ذلك وهو ينظر نحو رجال الأمن، ثم سلمهم الهاتف بطلب من جاك، بعد ان تحدث معهم لبعض ثوان فتحوا له البوابة وتقدم منه واحد منهم وعلى ما يبدوا انه رئيسهم قائلا:

"اعتذر بالنيابة عن باقي فريقي يا سيد جراي، لدينا قوانين صارمة نعمل تحتها".

يبدوا ان جاك طلب منه ان يعتذر، هذا ما فكر فيه جورج، وهو يسير نحو الفيلا ويسبقه احد رجال الامن ليرشده الى طريقه.

متفاجئ من ردة فعل جاك للزيارة المفاجئة، فلا يبدو انه انزعج او شعر بالضيق، على العكس تماما.
استقبله جاك من على الباب، ويبدو ان لديه زوار اخرون.
عرفهم جاك على بعض، كان ضيف جاك هو مدربه في الفريق وهو يحثه على لعب مباراة ودية مع فريق آخر منافس.

ولكن جاك رفض، واخبر مدربه انه لا يستطيع السفر هذه الايام، وان كان على العائد المادي الذي سيذهب الى دور الايتام فيستطيع دفع ذلك مباشرة.

وتفاجأ جورج فبعدما رحل المدرب قال جاك:
"لا استطيع الذهاب حتى نجد ذلك المجرم الوغد الذي يلاحق ميليسا"

لم يتحدث جورج فقد دخلت الخادمة بالمشروبات، وبعد انصرافها اكمل جاك حديثه قائلا:

"لم أشأ ان اخبر المدرب بذلك، فلا اعتقد انك تريد ان تعرف وسائل الإعلام بهذا الامر"

لا يعلم جاك لم يشعر بعد الثقة المطلقة بجاك رغم انه ها هو يثبت نواياه الطيبة، قرر ان يعطيه الفرصة فقال:
"لقد جئتك لنتناقش في موضوع الامن، فلا استطيع توكيل الامن الى سام بمفرده، فبعد ما رأيته في تسجيلات كاميرا المراقبة لا يبشر بخير"

اصر جاك على رؤية التسجيلات، اخبره جورج انه قد ارسلهم مسبقا الى المفتش، وانه ذاهب الان لرؤية ما سيخبره به.

قام جاك بمرافقته وعندما دخلوا وجدوا ان المفتش في انتظار جورج.

"سيد جورج، لقد كنت في انتظارك، لقد شاهدت تسجيلات الكاميرا"

وبدأو في مناقشهم سويا حول المجرم الذي تسلل وفعل كل هذه الاشياء، وقد اخبرهم المفتش ان من حسن الحظ فالمجرم ليس بشخص محترف، بل يبدوا انه شخص يود الانتقام فقط، ولم يعلم جورج هل يريحه هذا الحديث ام لا.

وبعد مناقشات وخطط وآليات من اجل فريق الامن، جاء اتصال الى جورج من الخادمة ماي.

ماي: "سيدي عليك المجيئ بسرعة ارجوك"
انقبض قلب جورج وصرخ فيها ما اثار اهتمام الرجال من حوله: "ما الامر ماي؟ تحدثي بسرعة"

اخبرته ماي ان هناك من جاء لزيارة ميليسا ورغم انذارها من عدم مقابلة اي احد الا انها اصرت على مقابلتهم.
سألها ان كانت تعرفهم، ولكن ماي جديدة لقد جاءت منذ اسبوعين فقط ولا تعرف.

خرج جورج مسرعا وفي صحبته جاك وهو يحاول الاتصال بسام.

ميليسا؛

عندما دخلت الى غرفة الضيوف لم تصدق عينيها.

"يا الهي، اهذه انتِ حقا"

والتقت الفتاتان في حضن كبير وكأنهما لم يلتقيا منذ مدة طويلة، بالرغم من انهما كانا سويا منذ اكثر من اسبوعين بقليل.

عندما لم تأتي لزيارتي لرؤيتي او لرؤية طفلي اتيت انا لأراكِ، كانت سالي تلومها بطريقة غير مباشرة.

ابتسمت ميليسا وقالت: "لقد حدثت معي الكثير من الاشياء، وهذا ما اخرني عن زيارتكما"

اقترب نوا مصافحا اياه وهو يخبرها ان على ما يبدو ان سالي تمر بمرحلة اكتئاب ما بعد الولادة، لذا سيقيمون لها حفلة لتغير نفسيتها ويصر عليها ان تأتي.

"بالطبع سآتي، هل استطيع ان افوت مثل هذه المناسبة؟"

استأذن نوا وذهب بعد ان اخبر زوجته ان تتصل به فور ان تنتهي زيارتها، فهو قلق عليها ولا يريدها ان تعود بمفردها مع الاطفال.

بقيت الفتاتان تتحدثان الى ان دخل جورج وخلفه جاك كعاصفة هوجاء.

كان جورج غاضبا من ميليسا لعدم حملها لهاتفها معها، تواصل مع سام واخبره ان صديقتها سالي وزوجها من اتى لزيارتها، ولكنه غاضب بشأن عدم اهتمامها بأن والدها مشغول عليها.

"لما لا تجيبين على هاتفك" قال جورج بغضب مكبوت.
رفعت ميليسا رأسها نحو والدها بعدما كانت منغمسة هي وسالي في الحديث.
قالت بحيرة: "ابي! هاتفي في الاعلى في غرفتي"

ميليسا لم تسمع والدها في كل حياتها يقوم بالصراخ عليها، والدتها كانت تفعل ذلك احيانا عندما كانت طفلة ومراهقة، اما والدها اطلاقا.

جورج: "يا الهي يا ميليسا لما لا تشعرين بحجم ما انتِ فيه"
قال هذه الكلمات وخرج وتركها، وفي هذه الاثناء كانت سوزي تدخل عائدة من المستشفى ولا تزال تعرج بقدمها المجبرة، وما ان رأت صوتها يبتعد وهو غاضب حتى لحقته ولم تنطق الا تحية عابرة الى سالي.

سالي: "يبدو ان الجو متوتر، وانني قد اتيت في توقيت سيء"
ميليسا: "لا لم تفعلي انهم فقط من مفعلون اكثر من المفترض"

سمع جاك كلماتها وقال بإنفعال اكثر ومشهد سيرينا يمر من امامه: "لا تشعرين بالمسؤولية نحو نفسك هذا امر يعود لكِ بالطبع، ولكن ما ذنب من يهتمون لأمرك، ما ذنب والديكِ؟"

ميليسا: "هل كل هذا فقط بسبب انني نسيت هاتفي في غرفتي؟ ام ان هناك شيء ما فاتني؟"

جاك؛

خرج جاك ولم يجبها، فقد تذكر ذلك اليوم المشؤوم بعدما شاهد تسجيلات كاميرا المراقبة، منذ وفات سيرينا وهو مهووس بالأمن، حتى ان عائلته لم يعودوا يحبون زيارته بسبب كثرت خطوات الامن التي يمرون بها في كل زيارة.

كان موقفه مع ميليسا منذ اول لحطة رآها فيها، موقف شخصي كليا، هو يرى فيها سيرينا، يرى فيها خلاصه من كوابيسه التي تلاحقه منذ وفاة حبيبته.
اخذ يقود سيارته بدون اي وجهة حتى وصل امام مكانه المعتاد حين يشعر بالوحدة واليأس، كوخ العم بن، العم بن رجل كبير في السن سمعه ضعيف جدا ولا يكاد يسمع في الاساس.

دخل الى الكوخ الذي يقع بعيدا عن المدينة، ويحيط به الاشجار من كل مكان، وجد العم بن يجهز النار ليشوي عشائه فقال له جاك بصوت عال جدا: "هل تقبل زوار لهذه الليلة هنا"

اومأ الرجل وهو يقول: "لطالما سيغسل اطباق العشاء"
ضحكا سويا وانضم له جاك لمساعدته في تجهيز العشاء، وما لبث ان جهزوا العشاء حتى اظلمت السماء.

جلسوا خارج الكوخ يتناولون عشائهم المكون من السمك المشوي على ضوء النار والقمر.

تناولوا عشائهم في صمت كما جهزوه في صمت، كان جاك يحسد العم بن على عزلته وحبه لوحدته وابتعاده عن بقية البشر.

كان بن رجل غني جدا وبشكل فاحش، ولكنه خسر  زوجته وابنائه الثلاثة وابنتيه بسبب احد السارقين الذين قاموا بإحراق منزله بعد ان سرقوه حتى يخفوا آثار جريمتهم.

كانوا قد ماتوا امام ناظريه، اصيب بعدة اصابات وهو يحاول انقاذهم، ومنها تشوه احدى اذنيه بسبب احتراقها وفقدان جزئي لحاسة السمع.
اعتزل الحياة وقام بالانتقال الى هذا الكوخ المنعزل، وتعرف عليه جاك في المقبرة حين كان يزور عائلته، كان حينها جاك منهار تماما امام قبر سيرينا ويبكي بحرقة، وقد خفف عنه هذا الرجل حين اصطحبه معه الى هذا الملجأ السري المنعزل عن شرور البشر!

لاحظ ان العم بن بعد ان تناولا العشاء نهض واتجه الى داخل الكوخ لفترة بسيطة، ثم عاد واخذ ينظر حوله ثم انحنى الى الارض وبدأ يمسحها بيديه.

وبدأ يقوم بحركات غريبة، يقف ويجلس ويهمس لنفسه، ظل جاك ينظر له بإستغراب، هل اصاب العم بن الجنون بسبب الوحدة؟ هل هذا ما سيحدث له هو ايضا بعد فترة من الزمن!

بعد ان اكمل العم بن ما كان يفعله، قال لجاك بصوت عال، انه ذاهب للنوم، وبسبب ضعف السمع لديه يقوم بن بإعلاء صوته لا اراديا.
استلقى جاك في المكان الذي نظفه جاك وبدأ يتأمل النجوم والسماء، ويفكر هل تراه سيرينا الآن؟

هنا في هذا المكان يشعر بالهدوء والسلام، حتى انه لا يضظر الى فريق من الامن ليحرسه.
عليه ان يساعد ميليسا، تلك الخرقاء، انها لا تعرف حتى كيف تشعر بالمسؤولية، لكنها تبدو طيبة القلب، سيساعدها حتى يتخلص من كوابيسه تلك، التي تطارده وتحمله مسؤولية انه لم يحمي سيرينا بشكل جيد، ولو فعل لكانت على قيد الحياة الآن.
لا يزال يحتفظ بذلك الخاتم في خزنة منزله، ثم خطرت له فكرة لا يعلم من اين ولكنه سيقوم بتنفيذها في اسرع وقت.

اغمض عينيه واستشعر نسمات الهواء المنعشة، التي تتغلغل في شعره مما اسكن تفكيره وجعله يشعر بالنعاس.

لا يدري متى غلبه النعاس، ولكنه استيقظ على صوت العم بن يقوم بتلك الحركات مجددا، رمش عدة مرات يجلي بصره عله يحلم، ولكنه لم يكن حلما!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي