60

(الزيارة المنزلية)




اصبح الصبح وتوجه الفتية الثلاثة الى منازلهم محملين بخطاب استدعاء ولي أمر عاجل، لم يكن واحد منهم مشغول بأمر الخطاب قدر ما كان آدم، فقد كان يشعر انه السبب في هذا كله بالإضافة الى انه لا يريد اخبار اخته سارة حوله.

بعد ان ركب كل واحد منهم في سيارة اجرة مختلفة، اتصل آدم بالقائد جيفان من الكشافة، هما لا يزالان على تواصل فآدم ظل عضوا نشطا في الكشاف كل صيف.

آدم: "مرحبا، من الجيد سماع صوتك."
ضحك جيفان وقال: "يبدوا انه يوم سيء."

تنهد آدم وقال: "ليس كليا فأنا متوجه الى منزل كريستيان، ولكن هل استطيع ان اقابلك قبل ذلك؟"
قال جيفان بصوت قلق: "طبعا، لنلتقي الان فأنا قد خرجت الان من نادي الكشاف."

اتفقا على المكان والتقيا في مطعم صغير يقدم وجبات الإفطار، جلس آدم متوترا وهو يتناول افطاره لا يعلم كيف يخبر جيفان بم يريد، او ان جيڤان سيتفهمه في الاساس ام لا!

قطع جيڤان حبل افكار آدم عندما قال: "اذا! الن تخبرني ما بك؟"
رفع آدم بصره نحو جيڨان ثم اخفضه ثانية وقال: "هناك امر ما اريدك ان تساعدني فيه".

وبعدها بدأ آدم يقص على جيڤان كل ما قد حدث معه بالامس، بداية من العقاب ووصولا الى استدعاء ولي الامر!
رأي ملامح الدهشة على وجه جيڨان، فقال: "لا تقلق انه امر بسيط، انا فقط لا اريد لأختي سارة ان تقلق عليا ويزيد قلقها على ماهو عليه"

حرك جيڨان رأسه يمنى ويسرى وكأنه يطرد بعض الافكار من رأسه ثم قال: "حسنا آدم، انا اثق بك وسوف اذهب الى المدرسة يوم الاثنين معك، ولكن عليك ان لا تكرر هذا التصرف وان لا تتأخر في العودة، لانه عندها سأضطر لاخبار سارة ذلك بنفسي."

سعد آدم بهذا الحديث، فسيحاول مستقبلا ان لا يتأخر.
بعد ان انهى كل منهما تناول افطاره ويستعدان الى المغادرة قال جيفان: "هل ستذهب الى المنزل الان؟"
قال آدم بابتسامة: "نعم، فسارة تنتظرني."

خرج كل منهما الى وجهته، ولكن ما ان صعد كل واحد في سيارة اجرة مختلفة حتى اعطى آدم الى السائق عنوان مختلف، ليس منزل اخته.
واما جيفان فقد اخبر سائق سيارة الأجرة ان يتبع سيارة الأجرة التي امامه.

نيكولاس:

فور ان وصل الى المنزل استقبلته والدته بالاحضان، كان والداه ينتظرانه على الإفطار، جلس ثلاثتهم على طاولة الإفطار يتحدثون في عدة أمور، وكان نيكولاس ينتظر الفرصة المناسبة ليفاتح والديه بأمر ورقة استدعاء ولي الامر.

كانت والدته تتذمر كعادتها من وجود خادمة واحدة في المنزل، وان عليهم ان يحضروا خادمة أخرى، فالجيران جميعهم لديهم طقم من الخدم وهم فقط من يكتفون بخادمة واحدة.
كان والداه يحاولان حقا العيش فوق مستواهم المادي، حتى انهم يرهقون انفسهم في العمل من اجل المظاهر.

كانت نظرات نيكولاس الى والديه كلها ترقب، يريد الفرصة المناسبة لكي يخبرهم عن امر خطاب استدعاء ولي الامر.

"انت هادئ جدا يا نيكولاس على غير عادتك، انا أتساءل لماذا؟"
كان نيكولاس ممسكا بالشوكة ليأكل ولكنها وقفت في المنتصف عند تعليق والده هذا. أعاد الشوكة والسكين وابتسم ابتسامة أظهرت كافة اسنانه ليغطي بها ارتباكه وقال: "شيء بسيط، مجرد سوء تفاهم حصل يوم امس في المدرسة."

"ادخل في صلب الموضوع نيكولاس." قال له والده بتهكم.
ازدرد نيكولاس ريقه ثم قال وهو يضحك: "لا شيء مهم، فقط قد حدثت مشاجرة في المدرسة وهم يطلبون مقابلة احدكما."

قال الاب: "اذا هذا كل ما في الامر ها؟ لا يوجد أي اضرار او غرامات؟"
نفى نيكولاس برأسه ثم قال: "لا"

قالت والدته بصوت جدي: "نيكولاس، انت في السنة الأخيرة من الثانوية عليك كسب الدرجات المتفوقة كما كسب سيرة جيدة، عليك ان لا تغضب السيد تومسون، لن يقدم لك رسالة تزكية جيدة عندها."
قال والده موافقا على كلام زوجته: "اجل يا بني حتى تحصل على منحة دراسية في تلك الجامعة التي اخبرناك عنها، ان الذين يدرسون فيها من الأوائل والمتفوقين ومن نخبة المجتمع."

ها قد بدأ الحديث الذي لا يملان منه فكر نيكولاس، وقف وابعد كرسيه وقال: "صحيح، وانا افعل ذلك حقا، والان انا ذاهب الى غرفتي اريد النوم قليلا."

توجه الى غرفته متجاهلا شوق والديه لمجالسته والحديث معه، كان نيكولاس دائما ما يعتبر ان والديه يحملانه فوق طاقته، ولا يهتمان الى ما يرغب به او الى ميوله الدراسية.
اقفل باب الغرفة على نفسه، ثم فتح حقيبته التي قامت الخادمة بوضعها في غرفته.
كان قد نبه عليها مسبقا منذ زمن ان لا تعبث بأغراضه والا تفتح حقيبته لأي سبب.

اخرج جميع ثيابه ووضعهم فوق السرير، ثم في نهاية الحقيبة اخرج كيس صغير وجلس به على السرير، اخذ حقنة وملئها بمحاول ما ثم حقنها في ذراعه.

استلقى على ظهره وغاب في عالم آخر لمدة لا بأس بها، حتى استيقظ فزعا على صوت طرق على الباب ووالدته تطلب منه ان يفتح لها الباب.
بدأ يركض في كل مكان داخل الغرفة مفزوعا ويحاول إخفاء أي اثر للمخدرات التي معه.

توجه ليفتح باب الغرفة ولكنه نسي الحقنة التي استخدمها ملقاة بجانب السرير.


جيف؛

بعد ان ودع صديقيه توجه الى محل ازهار، اشترى باقة من الازهار البيضاء ثم ذهب الى المنزل.
وقف امام باب المنزل ينظر له من الخارج ويفكر، كل هذا الرقي من الخارج يعيشون فيه من الداخل أصحابه حياة بدائية، ابتسم بإستهزاء ثم فتح الباب بمفتاحه ودخل.

ما ان دخل حتى اشتم رائحة الكعكة المفضلة لديه، كعكة التفاح بالقرفة. ابتسم وهو يعلم انها تجهيزات والدته لاستقباله.
اتجه مباشرة الى غرفتها، فحسب ما تم اخباره من رئيس الخدم ان والدته ملازمة سريرها هذان اليومان، طرق على الباب وسمع صوت والدته تقول "ادخل".

ما ان دخل حتى ركض اليها يحتضنها وهي فاتحة ذراعيها اليه مستقبلة إياه، فلا حضن كحضن الام ولا حب كحبها، وضع باقة الازهار البيضاء بين يديها وجلس بجانبها، متجاهلا وجود والده الجالس على الاريكة والذي قد استشعره من اول ما دخل الغرفة. ولكنه مغلول عليه على ما فعله في والدته، ولولا اشتياقه لامه لما حضر في الأساس.

تظاهر جيف بأنه لا يعلم شيء عن وضع والدته وقال مبتسما بحنان: "كنت اعتقد انني سأجدك في استقبالي امام الباب." مسح على رأسها وأكمل. "هل انت مريضة؟"

ابتسمت الام وقد امسكت يدا ابنها بين يديها وقالت: "اجل، نزلة برد، ولكن عند رؤيتي اليك تحسنت."

سمع صوت والده من خلفه يقول. "الن تسأل على والدك؟"
قال جيف بدون أي تعبير على وجهه: "مرحبا ابي"

التفت الى والدته ثانية والتي كانت تحاول وضع الازهار على الطاولة الجانبية للسرير، ارتفع كم قميصها ليكشف عن كدمات في ذراعها.

اغمض عينيه بقوة وعندما فتحهما كان الغضب مستعرا فيهما وكأنه بركان على وشك ان يثور، تلاقت عينيه بعينا والدته واللتان تحدثتا كثيرا وقالتا لبعضهما الكثير من الكلام الصامت الذي لا يقال الا بلغة العيون، لغة لا تفهمها الا الارواح.

قطع هذا الاتصال والحوار الغير مسموع صوت والده حين قال: "اوليس لوالدك هدية."
كان والده يحاول التقرب اليه ولا يريد لابنه ان يعلم سلوكه الأخير، لكن جيف كان في الأساس يحمل بعض الضغينة له.
لا ينسى ابدا ان والده كان يضربه هو أيضا عندما يحاول الدفاع عن امه، اخبرته والدته تنه توقف عن ضربها بعد ان بدأ في الذهاب الى المدرسة الداخلية. ولكنه لا يصدق كل ذلك، فهو يعلم انها فقط تحاول حمايته وان تريح له باله.
سحب جيف يديه من يد والدته ووقف متجها الى والده بكل تحدي وإصرار، وقلبه مملوء بالغضب، اخرج ورقة من جيبه ومدها الى والده وقال: "تفضل، ها هي هديتك."
نظر له والده بغير فهم وهو ممسك الورقة بين يديه، حثه جيف على فتحها، وبعد ان فتحها وقرأ محتواها، شاهد جيف علامات الغضب بدأت تظهر على وجه والده وهو يقول: "انت وقح جدا."
كان خطاب مدير المدرسة شديد جدا، حيث انه اصر ان يقول في خطاب الاستدعاء الخاص بجيف ان يقول انه متنمر ودائما ما يضرب زملائه، ولكن ضربه لزميله يوم الامس فاق كل صبر للمدرسة.

قال جيف ببرودة أعصاب وهو يستفز والده: "لماذا؟ فهذا الشبل من ذاك الأسد، كنت اعتقد انك ستسعد كثيرا عندما تجدني اخطو على خطاك؟

خفق قلب امه بسبب جرأة كلماته، فهي اكثر من يعرف زوجها.
قال كلمات تلك واتجه ليخرج من الغرفة ليزيد من استفزاز والده، ظنا منه انه ان فعل ذلك فسيشعر والده ببعض الندم، فابنه المعنف اصبح عدوانيا مثله بسببه.
ولكن قبل ان يصل الى باب الغرفة كان والده امسك بكتفه واداره اليه قائلا. "ماذا تقصد أيها اللعين."
ابتسم جيف ابتسامة جانبية وقال: "كل ما سمعته حرفا حرفا، فأنا اعلم ان والدتي ليست مريضة انما تعرضت على الاعتداء بالضرب من يديك القذرتين."
كان جيف يعلم انه تجاوز كل الحدود، ولكن قلبه كان ينزف دما من اجل والدته، أيضا بسبب انه اصبح مثل والده، يفكر بيديه عند الغضب قبل ان يفكر بعقله.

وجأءة صفعة قوية حارة ارتسمت اثارها على خد جيف، ولكن المفاجأة انها لم تكن من والده بل من والدته.
نظر اليها بصدمة ثم امسك خده واسرع ناحية غرفته.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي