58

(سر نيكولاس)

لكل منا عدة اقنعة, كل قناع له هدف او يستر عيب, الا ان هذه الأقنعة تسقط بالتدريج كلما تعمقنا في حياة المحيطين بنا, لنرى وجوههم الحقيقية.
جيف كان واقف وهو مصدوم يستمع الى حديث صديقه.

نيكولاس: سأحاول توفير المبلغ لك خلال هذان اليومان, لكن ارجوك ان توفر لي جرعة جديدة.
سكت نيكولاس قليلا وهو يستمع الى الطرف الاخر من الخط وهو يتحدث.

انظم آدم الى جانب جيف, فأشار له جيف بأن يسكت ولا يتحدث وهو يشير ثم أشار ناحية نيكولاس.

قال نيكولاس: حسنا, سأقوم بزيارة والداي في الغد وأعدك انني سأحصل على شيء ما, فقط جهز لي الجرعة فالتي معي قليلة ولن تكفيني للأيام القادمة.
اسرع جيف وآدم في العودة بجانب حوض السباحة قبل ان يعود نيكولاس اليهم.

كان شعور الصدمة هو الشعور الغالب في هذه الاثناء, وقد بدت الصدمة بادية على وجوههما.
قفز آدم في الحوض ليتجنب الحديث مع نيكولاس حتى يستوعب ما قد سمع.

اما جيف فقد وقف وتظاهر بأنه يتصفح هاتفه. كانوا يشعرون بأن صديقهم به شيء متغير في هذه الفترة, ولكن لم يخطر ببالهم ان يكون مدمنا.

حسنا هم لا يعلمون درجة ادمانه وما نوع المخدر الذي يأخذه, كل منهما كان عقله مشتعلا بالأسئلة التي ترهقه, وكيف ومتى اصبح صديقهم نيكولاس مدمناً.

"ألن تتناولا الطعام فأنا أصبحت اتدور جوعا"
نظر كل من آدم وجيف الى بعضهما ثم قال آدم وهو يخرج من الحوض: "اجل انا أيضا اتضور جوعا"
بصمت ودون النطق بأي حرف اتفق آدم وجيف على عدم اخبار نيكولاس بم سمعاه, ولكنهما كانا يرمقانه بنظرات غريبة اثارت استغراب صديقهم.
بعد عودتهم من النادي اتجه نيكولاس الى غرفته التي يتشاركها مع مارك.

مارك شخص لئيم, لا يحب الأصدقاء الثلاثة, دخل نيكولاس الى الغرفة ليجد مارك جالس على سريره ويتحدث بالهاتف, وما ان دخل نيكولاس ارتبك واقفل الخط, ثم قال: "مرحبا, مرحبا هل تشعر بتحسن الان سيد نيكولاس؟"

التفت اليه نيكولاس وهو يقول بغضب بارد: "ماذا تقصد؟"
كانت نظرة مارك مليئة بالتسلية, فقال وهو مستمتع بعصبية نيكولاس الظاهرة: "لا شيء, انا فقط امزح معك"

اتجه نيكولاس نحو الحمام, نزع الدرج الأخير من ادرج خزانة الحمام التي تحت المغسلة, وعندما نزعه ووضعه جانبا مد يده حيث كان مكانه داخل الخزانة, سحب كيس صغير وفتحه واخرج منه زجاجه صغيرة وابرة, جلس على أرضية الحمام ثم ملأ الابرة وقام بحقنها في ذراعه.

جلس وهو منشٍ وسعيد, وفي الغرفة كانت نظرة مارك مملوءة بالشر وهو ينظر نحو باب الحمام.

اما في الغرفة الأخرى فقد كان الرفيقان يتناقشان في موضوع صديقهم.
جيف: " ماذا سنفعل يا آدم؟"

مسح آدم على وجهه وهو يفكر, ثم التفت نحو صديقه وقال: "علينا ان نراقبه جيدا هذه الفترة قبل ان نتسرع في الحكم على الموضوع."

قال جيف بحزن: "انا بالفعل كنت اراقب تصرفاته خلال المدة السابقة, واعتقد ان ما نفكر فيه صحيح."
قال آدم بإصرار: "اذا اعتقد ان علينا مساعدته"
جيف: "ربما ان صارحناه بدون دليل لن يعترف؟"
آدم: "اجل, أوافقك الرأي على ذلك"

كان ثلاثتهم اكتر من مجرد اصدقاء، مقربون جدا من بعضهم، والحيرة التي تعتري آدم وجيف ما هي الا خوفا على صديقهم!

وبعد عدة ساعات، كان آدم جالسا في مقهى وحيدا وينظر إلى ساعته بتوتر!

لقد تأخر عليه ذاك الشخص، وهو يجب ان يسرع في العودة والا سيشكون فيه موظفون السكن الداخلي!

جالس وحده في عتمة الغرفة المظلمة، عيناه ممتلئة بالحزن والأسى، لقد تحدث الى كايلوا وهو رئيس الخدم في منزلهم، وأخبره ان البارحة كانت هناك مشاجرة جديدة افتعلها والده وحصل على إثرها ما هو متوقع كالعادة، فقد اعتدى والده بالضرب على والدته.
"لا تقلق يا بني فزوجتي تعتني بها ولن تتركها" هذا ما قاله كايلوا قبل ان يقفل الخط.

لا يعلم لما تستمر والدته بالتستر على، انها ترفض حتى ان تبلغ عليه ولو مرة واحدة من اجل ان يتأدب. عليه ان يحاول مساعدة والدته بأي طريقة، المشكلة ان والده ذي نفوذ.

سرح بتفكيره في الماضي البعيد، عندما كان طفلا صغيرا فهو يذكر انه حينها لم يرى وجه والده الحقيقي بعد، كان يراه طيبا حنونا، دائما ما يأخذه الى مدينة الألعاب ويمرحان سويا، لا ينام الليل الا بعد ان يقص عليه حكاية ما قبل النوم. ذكريات بصورة غير واضحة تمر بخياله.

طفولة جميلة لطفل مع والدين متحابين، زوج يحب زوجته ويغدق عليها الكثير من الهدايا، لم يكن يعلم ان تلك الهدايا كانت ثمن شيء بشع يحصل ولم يكن يدركه حينها. الوجه الاخر للحياة الجميلة، الحياة التي تدفع والدته ثمن استقرارها بجسدها المملوء بالكدمات والضربات.

كان والده عصبي جدا، لا يتحمل أي خطأ وان كان بسيط، فيصيد زلات زوجته لينهال عليها بالضرب المبرح، أدرك متأخرا ان تلك الأيام التي كانت فيها والدته تلزم فيها السرير بشكل متكرر، كانت تعاني من أثار الاعتداء الجسدي، وفي هذه الفترة يكون والده كريما جدا معها ويحضر لها الهدايا الغالية، ولكنه لا يذكر انه رأى امه يوما سعيدة بهذه الهدايا.

حتى جاء ذلك اليوم البشع عندما كان في الثامنة من عمره، عائدا من المدرسة سعيدا طربا بسبب حصوله على جائزه نجم الشهر المتفوق في المدرسة. اوصله السائق الى المنزل وركض مسرعا الى غرفة والدته قبل ان تلحظ مربيته، يريد ان تكون امه حبيبته اول من يرى هديته.

وصل الى نهاية سلم الدرج المؤدي للطابق العلوي، وكانت هذه المرة الأولى التي يرى فيها وجه والده الحقيقي، كان صوت صراخ والدته يملأ الممر كله، أسرع راكضا وهديته في يده معتقدا ان والدته مريضة او ما شابه.

وصل الى الباب ووجده مفتوح، ورأى ما جعله يجفل، كان والده يخنق والدته وهو يدفعها على الحائط، عيناه تقطر شرا وكأنه رجل آخر لا يعرفه، سمع صوت والدته وهي تقول بصوت مختنق: "ارجوك توقف", نزع والده يده من على رقبة امه ليصفعها ثم يجرها من شعرها.

سقطت لعبته التي كان سعيدا بها على الأرض، وفي صدمة كبيرة له وهو يشاهد أصعب مشهد ممكن على طفل صغير ان يراه همس قائلا: "ماما"
التفت والده اليه الذي تحول في عيني جيف الى وحش، ابعد والده يديه من على امه المسكينة
والتي سقطت ارضا والدموع انهار على خديها، فتحت ذراعيها الى ابنها وركض هو مباشرة نحو والدته فاحتضنته ومسحت على رأسه لتقول: "والدك كان فقط يمازحني"

لم يصدقها جيف، لقد رأى ذلك بعينيه. وكانت هذه اول مرة لجيف لا يصدق كلام والدته.
نظر باتجاه والده الذي كان منكسا رأسه الى الأرض وهو جالس على حافة السرير، توجه اليه جيف وبدأ بركله وهو يقول: "انا اكرهك، اكرهك لم تضرب امي"

ومنذ ذلك الحين أصبح جيف شخص عصبي ويستخدم يديه دائما للتنفيس عن غضبه، وخصوصا بعد توالي تلك الحادثة بشكل مستمر، لديه غريزة الحماية دائما لمن يحبهم ولكنه لا يثق في أحد بسرعة.

افاق من شروده وذكريات الماضي عندما أحس الرطوبة في عينيه. كان يبكي وهو يعلم ان والدته لا تزال تعاني.
لم يشعر بأن باب الغرفة قد فتح الا عندما جاءه صوت قائل: "لم تجلس في الظلمة؟"
انفتح نور الغرفة وأسرع جيف في مسح دموعه، لا يحب ان يكون ضعيفا امام أي كان.
ابتسم وقال لصديقه: " لم تأخرت؟".
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي