70

(الاتصال المفاجيء)



عائلة نيكولاس؛

"سيدي، ارجو ان توقع على هذه الاوراق."

نظر سميث ناحية الموظف الذي جاء هذا الصباح الى منزله من اجل توقيع بعض المستندات المهمة، كان الموظف مرتبكا وخائف من غضب مديره.

نظر له سميث بلا مبالاة، فلا شيء بات يهمه وابنه مفقود، وعلاوة على ذلك مدمن مخدرات!

وهجران زوجته له، لقد اعتبرها دائما ذراعه اليمنى، وها هي تخلت عنه الآن!

"اي اوراق!"

"اوراق من اجل حضور جلسة الطلاق في المحكمة." قال الموظف

هنا ازداد تركيز سميث وقال بعدم تصديق: "طلاق من!؟"

قال الموظف بصوت يشبه الهمس من شدة ارتباكه، فإبلاغ زوج بأمر كهذا لا يتمناه احد، خصوصا ان كان هذا الرجل هو مديرك في العمل:
"طلاقك من السيدة فيفيان سيدي، فيبدو انها رفعت قضي...."

وكما توقع الموظف المسكين انقض عليه مديره كالمجنون وقال والشرر يتطاير من عينيه: "اعد ما قلته!"

ولكن الموظف لزم الصوت بسبب الخوف، فصرخ به سميث: "قلت اعد ما قلته!"

"انها اوراق دعوة لحضور جلسة طلاقك من السيدة فيفيان!" قال الموظف بصوت مرتعش مهزوز.

نزع سميث يديه من على الموظف، فهو ليس من يستخدم العنف ابدا كلغة حوار، مقت نفسه لما فعله منذ برهة.

"اسف!" قال سميث وهو يفرك جبينه بأصابعه السبابة والابهام بتفكير.

اخذ يفكر وهو وهو محبط، لما تفعل فيفيان ذلك لما تصر على تحميله ما لا طاقة له به، لما تشعره انه المسئول عن كل ما حدث ويحدث، انها انانية منها. 

اخذ مفاتيح سيارته وخرج مسرعا وركب سيارته يقودها كالمجنون نحو منزل والِد زوجته، ترك الموظف في المنزل مع الخدم ولم ينطق له بحرف، فلم يعرف الموظف ماذا يفعل وهل مديره سيعود بسرعة ام لا، هل يجب ان ينتظره ام لا، ولكن قرر اخيرا ان ينتظره في المكتب.

وصل الى منزل والد زوجته، قرع الجرس بإصرار حتى فُتح الباب، تفاجأ بوجود والدتها في المنزل، فهي منفصلة عن والد فيفيان ومتزوجة من رجل آخر وتعيش معه خارج البلاد.

نظرت له ببرود وقالت: "ماذا تفعل هنا يا صهري العزيز!"

تجاهلها ودخل الى المنزل، لم يكن على وفاق مع والدة زوجته ابدا، كانت تريد لها الزواج من رجل غني فإبنتها جميلة جدا وتستحق رجل يدللها حسب قولها. وهذا كان ابرز سبب جعل سميث يدمن على العمل ليثبت انه جدير بزوجته!

فهم الآن لم رفعت زوجته قضية الطلاق، لابد ان والدتها قد اثرت عليها في هذه الفترة العصيبة، حيث انها ضعيفة جدا وهشة الآن.

اسرعت خلفه والدة فيفيان وهي تقول: "الى اين تعتقد انك ذاهب؟"

لم يجبها بل استمر في الدخول ناحية غرفة فيفيان في منزل والدها، وصل وفتح الباب، كانت جالسة بجانب النافذة ولم تشعر بدخوله!

"فيفيان!" قال بحرقة في قلبه.

التفتت اليه وما ان رأته حتى اسرعت اليه باكية وامسكت يديه، وقالت بلهفة: "هل وجدت نيكولاس؟ هل وجدت ابني؟".

نظر لها بيأس وحزن والتمعت عيناه بالدموع، حرك رأسه يمنى ويسرى في علامة نفي، ففهمت انه لم يفعل، قالت بصوت يائس وهي تعود نحو الاريكة: "اذا لم اتيت، ارحل!"

قال لها: "فيفيان، ارجوك!"
"ابنتي متعبة اخرج واتركها ترتاح!" قالت والدة فيفيان.

نظر نحوها وصرخ في وجهها: "الا ترين ان الامور معقدة بما يكفي؟ انه ليس الوقت المناسب لتظهري كرهك وعدائك لي!"

اومأت بيدها وقالت: "انت زوج فاشل، لم تستطع حتى الاعتناء بإبنك وزوجتك!"

كان سيرد عليها الا ان فيفيان صرخت في كلاهما قائلة: "اخرجا من هنا، لا اريد سماع صوت اي احد، لا اريد ان اسمع شيء الا ان نيكولاس عاد سالما!"

خرج سميث وهو غاضب، لم لا يشعر احد بحزنه، لم عليه هو ان يكون القوي ولا ينهار! وصل عند الباب وسمع صوت والدة زوجته تقول: "ابنتي تنتظر ان توقع على الاوراق، عليك ان تسرع فهي لم تعد تطيقك!"

كانت والدة فيفيان تظن انها هكذا تساعد ابنتها وتخلصها من زوج ليس بغني، وتريد ان تبحث لها عن زوج ثري تعيش معه مدلله!

خرج سميث وهو منهار داخليا رغم مظهره الذي يبدو متماسك، كان قلبه ينزف بصمت قاتل!

عاد الى المنزل واتجه مباشرة الى المكتب حيث وجد الموظف في انتظاره، كان سيصب جام غضبه على الموظف، الا انه تمالك اعصابه، فليس له ذنب كان فقط يقوم بعمله، لعن داخل نفسه ثم قال: "ماذا هناك آخر، لما لم تعد الى العمل؟".

نظر له الموظف بحيرة وقال وهو يشير إلى الاوراق امامه: "لم اعلم ان كنت ستوقع الاوراق ام لا!"

نظر سميث الى الاوراق بتمعن وافكاره في كل ما حدث، اخذ قلم الحبر ووقع عليها!

منزل العجوز ناردين؛

بعد ليلة مملوءة بالضحك والسهر في الغرفة التي احتلها الشباب الثلاثة، استيقظت العجوز ناردين في الصباح ووجدتهم نائمين كالاموات، فتحت النافذة لتدخل الشمس الى الغرفة مع رائحة الكعك الشهي الذي حضرته منذ قليل.

استيقظ جيف على الرائحة وهو يقول: "ما هذه الرائحة؟ هل انا ما زلت احلم ام انني مت وانتقلت إلى عالم آخر!"

نكزته العجوز ناردين بعصاتها حيث انه كان نائما على الارض متلحفا غطاء السرير، ثم بدأت توقظ البقية وتنكزهم بعصاتها وهي تقول: "هيا انهضوا الحديقة تحتاج الى الكثير من العمل!"

بدأو ينهضون تباعا بسبب الرائحة التي لا تقاوم للكعك الشهي الذيذ!

غسلوا وجوههم ثم خرجوا الى غرفة الطعام المفتوحة على المطبخ، وجلسوا على الطاولة متقابلين، قالت العجوز ناردين بسعادة في قلبها لم تشعر بها منذ حياة ابنتها: "تناولوا افطاركم ثم ابدئوا في تنظيف الحديقة"

دائما ما يكون الطعام من ايدي الجدات لذيذ جدا، لا تعلم السبب ولكنك تتذوق الحب والحنان مع هذا الطعام، تشعر ان الطعام له معنى آخر، فلم يتم اعداده بسرعة وعجلة وانما تم تحضيره بكل ذرة حب!

"اممم، انه شهي جدا!" قال جيف بحماس.
فرد آدم: "لا اذكر انني تذوقت مثله منذ ان كنت طفلا!"

اتسعت ابتسامة نيكولاس وقال: "اجل، نحن محظوظون ان لدينا جدة مثل الجدة ناردين."

ابتسمت لهم بحب ولم تعلق على شيء، كانت مستمتعة بمظهر الثلاثة وهو يلتهمون الطعام كله، كانت حالتها المادية جيدة جدا، كانت كل ما ينقصها هو الانس، فقد كانت وحيدة لا يدخل عليها أحد.

شكرت الرب في داخلها انه ارسل اليها هؤلاء الفتية، وان كانوا لفترة بسيطة مؤقته، فهذا يعني لها الكثير!

خرج ثلاثتهم نحو الحديقة الخلفية للمنزل، قال آدم بإنبهار: "انها جميلة جدا، ولا تحتاج إلى اي عمل!"

كانت الحديقة ممتلئة بأزهار القرنفل والورد وكل انواع الازهار الزاهية الالوان، ومشكلة بشكل جميل جدا.

ابتسم نيكولاس ابتسامة جانبية وقال: "لا تقلقو، ستجد لنا الجدة ناردين عمل نقوم به، انا واثق."

نكزته بعصاتها وقالت: "هيا تحرك واجمع الاوراق المتساقطة دون ثرثرة زائدة ايها الشاب"

اعطت لكل واحد منهم مهمة، كانت مستمتعة برؤيتهم وهم يمرحون في حديقتها، كانت تعتني بهذه الحديقة والازهار وكأنهم ابنائها، كانت تشغل نفسها بالعناية بالحديقة.

اصر آدم على نيكولاس ان يتصل بأمه، فوعده انه سيفعل ولكن عندما يخرجون من هاتف عمومي، فربما تكون هواتفهم مراقبة.

بعد ساعتين من العمل في الحديقة بمرح، سمعوا صوت جرس الباب، نظروا جميعهم نحو بعضهم البعض، استغربت العجوز ناردين فهي غير معتادة على زيارة اي احد لها.

"سأذهب لأرى من على الباب." قالت ذلك وهي تنظر لهم محاولة طمئنتهم فهي ترى التوتر على وجوههم خصوصا نيكولاس.

اتجهت بخطواتها المتثاقله نحو الباب الذي اصر القارع عليه على رن الجرس باستمرار!

فيفيان؛

بعد عدة ايام، كانت فيفيان في حالة من الارهاق والتعب، لا تكاد تفيق على شيء حولها، تتخيل ضحكات ابنها وحركاته واحتضانه لها، ويزيدها هذا بؤس وهم، كانت لا تأكل الا ما يقيم صلبها ويبقيها على قيد الحياة، حتى انها فقدت الكثير من وزنها.

كانت جالسة في الشرفة عندما جاء اليها سميث وهو يحمل ورقة في يده، ورغم ممانعات والدتها على دخوله كالعادة الا انه تجاهلها ودخل، رمى الورقة امامها وعيناه ككتلتين من الجليد.

اخذت الورقة وكانت ورقة طلاقها موقعه!
نظرت له بعيون دامعة، لا تصدق انه وافق على الطلاق! لم تكن تريد الطلاق، كان اصرار والدتها فقط ما جعلها تمضي على تلك الاوراق، كانت تريد ان تتخلص من اصرارها على فتح هذا الموضوع.

كانت مطمئنة ان سميث لن يوقع عليها، هي حتى لم تحضر اي جلسة! هي لا تريد ان يعود ابنها ويجدهم مطلقين، تريد تعويض ما فات!!

قال لها: "هذه ورقة طلاقك، لقد استحققتي نصف ثروتي، الثروه التي جمعتها لكي اليق بك، الثروة التي كلفتني فقدان ابني!"

بدأت دموعها تنزل، قال هذه الكلمات والتف على عقبيه مغادرا.

وقبل ان يصل الى الباب رن هاتف فيفيان، نظرت الى الرقم وكان مجهول، اجابت بدون تركيز فالحزن مسيطر عليها بسبب كل ما يحدث لها.

"امي، مرحبا، كيف حالك!"
صرخت في فزع وفرحة وامل وخوف وكل المشاعر المتناقضة.

"نيكولا، نيكولاس، بني هل هذا انت حقا!!"
التفت اليها سميث واتجه نحوها مسرعا وقال لها: "افتحي مكبر الصوت!"

فتحته وكانت تتكلم بكلمات غير مفهومة وهي تتلعثم بصوتها الباكي.

حضنها سميث واخذ الهاتف من يدها وقال: "نيكولاس! بني"

اجاب نيكولاس وهو يمسح عينيه من الدموع، لم يتوقع انه سيكون مشتاق الى والديه لهذه الدرجة، سماع صوتهما فقط جعل قلبه يقفز من مكانه والدموع تتجمع في مقلتيه.

"نعم، ابي!"

امتلأ قلب سميث بالفرح، هذا يعني ان ابنه لخير، زغللت عيناه بدموع الفرح وقال: "اين انت امك تكاد تموت من اجلك! لقد بحثنا عنك في كل مكان!"

ثم سكت سميث قليلا واضاف بتلعثم: "وانا ايضا يا بني قلقت عليك كثيرا!

ابتسم نيكولاس فوالده دائما لا يعبر عن مشاعره ثم قال: "انا بخير، كنت في منزل عجوز اسمها ناردين انها طيبة كثيرا، سأعود في الغد ولكن..."

قالت فيفيان بلهفة: "ولكن ماذا يا حبيب قلب امك!"

قال بصوت خافت: "لا اريد ان اعود الى ذلك المركز!"

قال والده: "فقط عد الينا، اعدك اننا لن نعيدك اليه الا اذا رغبت!"

تنهد نيكولاس الصعداء وتذكر حديث العجوز ناردين وقال: "اريد ان اتعالج، ولكن فقط في مركز آخر!"

سعد والداه بهذا الخبر ودبت الحياة في اجسادهما وكأن ارواحهم قد فارقت الحياة قبلا.

بعد ان اقفل الخط احتضن سميث فيفيان وبدأ يدور بها في سعادة، نسي خلافهما وحزنهما، كل ما يهم في هذه اللحظة ان ابنهما بخير!

سارة؛

كانت تتحادث مع اخيها باستمرار ولكنه يرفض البوح بمكانه او محاولة تقفي أثره، اخبرها انه سيعود فور ان يشعر انه مستعد للعودة، وعدها ان ذلك لن يطول، فهو يعلم ان اخته بالغصب عنها تشعر بمشاعر الامومة والاهتمام به.
لقد تفهم ذلك بعد ان قص حكايته على العجوز ناردين، وهي بدورها كانت له بالنصيحة، كان حديثها اخاذ ورائع، شعر للحظة انها جدته حقا، وليس مجرد عجوز مسنة وحيدة استقبلتهم في منزلها من اجل عدم الشعور بالوحدة!

لاحظت سارة ان كلامه اصبح اقل حدة، فسعدت بذلك ولم تشأ ان تضغط عليه.

قالت بصوت حماسي: "ما رأيك ان تأتي لنحتفل!"
اجابها فورا: "لا اعلم بم سنحتفل ولكن حسنا جهزي الاحتفال ليوم الغد."

قالت له: "حسنا، انا والتوأمان سنكون في انتظارك!"

كانت سارة سعيدة جدا، فآدم اصبح مختلفا جدا في الآونة الاخيرة، والآن هو بدأ ليعود كالسابق، او هذا ما تأمل حقا!

اسرعت بحماس لترى ماذا ستجهز لحفلة الغد من طعام لآدم وستقوم بدعوة ميليسا ايضا وجاك، فآدم يستمتع بوقته في صحبتها وصحبة ابنتها.

كلوديا؛

هي ايضا تلقت مكالمة من جيف، ولكن ليخبرها فيها انه لا يزال يصر على قراره، وانه لن يعود هذه الفترة حتى تتخذ حلا لنفسها مع من سماح بالوحش الطاغية، يقصد والده!

شعرت كلوديا باليأس ولا تعلم كيف ستتصرف، من جهة زوجها وحالته النفسية وحالة الندم التي يعيشها، ومن جهة اخرى ابنها واصراره على موقفه رغم انها قد قصت عليه ما حدث مع والده!

اخذت تلعن في نفسها ذلك الرجل الذي تسبب في تعقيد حياتها وتعقيد زوجها ومن ثم ابنها.

دخلت الى غرفتها لتجد زوجها مستلقي وقال لها اول ما رآها: "كان يتحدث لك، صحيح؟"

اومأت برأسها ايجابا.
قال بحزن: "لا يريد التحدث معي صحيح!"
لم يكن يسأل انما يقر في حقيقة.

ابتسمت ابتسامة جانبية: "دعنا نعطيه بعض الوقت، حسنا؟"

ثم قصت عليه ما اخبرها به جيف، بقائه في منزل العجوز ناردين واستمتاعه بوقته، وحلاوة الكعك الذي تعده.

قال توماس: "يبدو انه سعيد!"

اومأت برأسها وقالت: "انا سعيدة من اجله، عليا ان اتعرف عليها."
امسك بأصابعها بين أصابعه بقوة وكأنه يؤكد لها ان لا شيء سيفرقهم ثم قال: "علينا ان نتعرف عليها!"


نيكولاس؛

عودة إلى حين توجهت العجوز ناردين لفتح الباب، نظرت من فتحة الباب ووجدت شاب طويل ونحيف للغاية، يقف غير متزن ويحكحك انفه كل بضع دقائق، لم يرحها قلبها لمظهره، فهي من الحكمة بمكان لتعرف انواع الناس.

ولكنها فتحت الباب لتنظر في امره وما الذي جاء به.

ما ان فتحت الباب حتى بدأ يتسلل بنظره في الارجاء محاولا النظر إلى داخل المنزل، قالت له ناردين: "تفضل، كيف اخدمك؟"

قال لها مبتسما بخبث: "انا صديق نيكولاس واريده في امر ما!"

لا تعلم لماذا ولكن قلبها نغزها منه فقالت لا شعوريا: "لا يوجد احد بهذا الاسم هنا، اذهب او استدعي لك الشرطة."

ولكن صوت من خلفها جعلها تصمت وتتراجع للخلف، وذلك حين قال نيكولاس: "جدتي، سأرى ما يريده انه كلارك احد معارفي!"

لم يستطع نيكولاس البقاء في الداخل ولحق الجدة ناردين حين توجهت لتفتح الباب مباشرة.

خطت ناردين خطوة الى الخلف وقالت: "كما تشاء، سأذهب الى الحديقة."

ولكنها في الحقيقة وقفت تتنصت خلف الباب لما سيقوله هذا الشاب الغريب الى نيكولاس!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي