68

(طفولة توماس)



جيف؛

بدأ فعليا في محاولة المساعدة، واليوم سيقوم بشيء ليس من طباعه، ولكنه سيفعله حتى يفعل كما طلب منه الطبيب.

كان والده في العمل، وهو كان لديه موعد مع الطبيب نيديكس، لذلك سمح لت المدير بالخروج من المدرسة، اتجه الى المنزل بدل من موعده مع الطبيب!

حينما وصل وجد والدته قد خرجت من المنزل من اجل التسوق بصحبة احدى صديقاتها.

هذا جيد، سيقوم بعمل مفاجأته دون حضور احدهما.
طلب من السيدة ڤيرا، وهي خادمة المنزل منذ ان فتح عينيه على هذه الدنيا، طلب منها ان تجهز عشاء لذيذ، وقام هو بتحضير الزينة بمساعدة زوجها.

وعلى الرغم من ان الزوجين كانا كبار في السن قليلا، الا انهما كانا متحمسين للمساعدة، فما يحبان ان يشاهدا السعادة على وجهي كل من كلوديا وتوماس، كما كانا سعيدين في اول اعوام زواجهما.

كان كل شيء جاهز وفي انتظار مجيء والديه بحماس.

ومن حسن حظه ان والديه وصلا سويا، كان يراهم من خلال نافذة غرفة الطعام التي جهزها ومتشوق لأن يرى المفاجأة على وجهيهما!

نزل والده من السيارة بسرعة وكان هو الذي يقود وليس السائق، التف بسرعة الى ناحية الراكب الآخر والتي كانت والدته، فتح الباب بعنف ثم سحبها بقوة من ذراعها.

انفتحت عينا جيف على وسعهما، مصدوم مما يراه، امسك توماس كلوديا من ذراعها وسحبها نحوه بقوة ثم اغلق عليها بين ذراعيه لعدة ثواني، ثم سحب رأسها للخلف من شعرها الذي كان معقود في تسريحة ذيل حصان، يبدو انه يقول شيء ما لها بغضب.

ثم ابعدها عنه بقوة حتى ارتطم جسدها بالسيارة خلفها، واعطاها ظهره وهو متجه نحو المنزل، شاهد دموع والدته تنزل بغزاره ثم قالت شيء ما جعل توماس والده يلتف كالاسد المجنون نحوها مجددا ثم يسحبها من ذراعها بقوة نحو المنزل.

اسرع جيف لينقض والدته من بين يدي والده المجنون، وما ان خرج من غرفة الطعام متوجها من الممر ناحية مدخل المنزل حتى وجد والده قد فتح الباب ودخل ورمى زوجته على الارض!

"ترفعين علي دعوة طلاق!"
كان صوت توماس يشبحه النحيب الغاضب.

"انه الحل الوحيد، افهمني!"

لا يستطيع جيف تصديق اذنيه، والدته تطلب الطلاق!!

فجأة نسي كل ما اخبره به الطبيب، واسرع يقول: "الم تسمع!؟ انها تطلب الطلاق، اعطها اياه يا رجل."

نظر نحوه الاثنان في صدمة!

قالت والدته: "جيف!"

تحرك والده ناحيته بسرعة وامسك ياقته وقال: "لا تتدخل وابقى خارج الموضوع، انت لا تفهم شيء!"

ابتسم جيف ابتسامة استفزازية وهو لا يزال معلق من ياقته في قبضة والده: "هي لا تريدك، ليس علي ان افهم اي شيء آخر، ارحل واخرج من حياتها، انت فقط تؤذيها."

اسرعت كلوديا وجذبت يدي زوجها بلطف وهي تقول: "توماس، ان جيف لم يقصد ما يقوله، هو فقط يحاول ...."

انتزع توماس يديه من جيف فقال جيف: "يحاول ماذا امي ها!؟؟ لم لا تكملين كلامك؟ هل تخشين على مشاعره!" وانهى جيف كلامه بإستهزاء!

كان قد نسي كل ما يتعلق بالاحتفال مع والديه، هو في الاساس يفعل كل ذلك من اجل والدته، ولكن توماس كان بالفعل قد جرح بسبب كلام ابنه، انه يشعر احيانا ان ابنه يكرهه!

اخرج جيف هاتفه من جيبه وبدأ يبحث عن رقم ما وهو يقول: "سأتصل بالشرطة لتحضر قبل ان تؤذي امي، انا لن اقف وقفة المتفرج بعد اليوم، وان كنت لا استطيع مهاجمتك للدفاع عن وحشيتك فالشرطة ستفعل."

كلوديا: "جيف، لا."
جيف: "بلى!".

كان توماس يشعر بالعجز، يحاول التصرف كما اخبره الطبيب، يحاول السيطرة على اعصابه، ولكن كل هذا الموقف خرج عن سيطرته وفي اعتقاده انه لن يستطيع السيطرة على الموضوع الا بالعنف...

فتح جيف مكبر صوت الهاتف وهو يتصل بقسم الشرطة، انفعل توماس كثيرا واتجه نحو ابنه وامسكه مجددا من رقبته وضربه على يده حتى سقط الهاتف من يده وانكسر.

جيف: "ماذا؟ هل انت خائف!؟ اشعر بم تشعر به امي."

لكم توماس وجه ابنه ومن بعد هذه اللكمة لم يعد يستطيع السيطرة على نفسه، اسقطه ارضا ورفسه بقدمه وهو يصرخ به: "اتهددني، ايها الابن العاق!"

بدأت كلوديا تحاول ابعاد زوجها عن ابنها وهي تصرخ وتنادي الخادم الذي جاء مسرعا وامسك توماس يجذبه عن ابنه بمساعدة كلوديا.

وقف توماس وهو يلهث، ينظر بشرر الى جيف، كل شيء يستطيع تحمله الا ان يقولوا له طلق كلوديا، هو يعلم انه يؤذيها، ولكنه اناني ولا يستطيع تركها، انها الهواء بالنسبة له، هل يستطيع اي مخلوق ان يعيش دون الهواء!

اسرعت كلوديا الى ابنها فلذة كبدها وحضنته ولكن جيف ابعدها وكل ما قاله: "ابتعدي عني، انا لن تعود الى هذا المنزل مجددا الا اذا خرج هو، عندما اسمع في الجرائد انكم تتطلقتم سوف اعود، فلا ابحثوا عني."

خرج مسرعا، بعد ان التقط هاتفه من على الارض!

اسرعت كلوديا خلفه ولكنه لم يتوقف بل نهرها بنظرته وركب في سيارة اجرة وابتعد، وهي دموعها كالشلال على خدها.

فجأة سمعت اصوات تحطيم وضوضاء داخل المنزل فركضت مسرعة الى الداخل!

اسرعت الى الداخل لتجد زوجها توماس في غرفة الطعام، وهي مزينة بزينة رائعة ومملوءة بم لذ وطاب، نظرت حولها بصدمة الى زوجها الذي يكسر كل الاطباق على الطاولة والزينة التي تزين الغرفة، كان كالمجنون!

نظر نحوها والعول مرة تشاهد كلوديا زوجها توماس وهو يبكي، كان يبكي فعليا ودموعه تنزل كالامطار على وجنتيه، قال لها وهو يصرخ: "انا غبي، انا احمق، لقد هدمت كل شيء!"

قلبها نطف من اجله، هي تحبه كثيرا بالرغم من كرهها لعصبيته وتسرعه، ركضت نحوه لا شعوريا واحتضنته، احتنضنته وكأنه طفل صغير، وتشبث بها هو وكأنها طوق النجاة له من ظلمة الحياة.

قال من بين دموعه: "انظري الى تلك اللافتة الصغيرة في الزاوية!"

كانت قطعة قماش بلون السكر مكتوب عليها باللون البنفسجي، "احبكما، ابي وامي". فقط هذه الجملة وبجانبها قلب احمر ومربوطة من كلا الجانبين ومعلقة في زاوية الغرفة.

شهقت كلوديا ووضعت يديها على فمها.

قال توماس بحزن: "انا اعلم كم يعني هذا الامر لشخصية مثل جيف، لشخصية تشبهني كثيرا!"

تنهد بعمق واضاف: "لقد هدمت كل شيء، انا لا استحقه!"

امسكت كلوديا وجه زوجها بين يديها الدافئتين ونظرت الى عينيه وقالت: "كما قلت انت، انه مثلك، سيعود انا متأكدة، هو فقط سريع الغضب مثلك!"

اتكأ توماس على ركبة زوجته واخذ يقص عليها قصة سمعتها منه الآف المرات، ولهذا هي تصبر عليه.
وبالرغم من معرفتها بهذه القصة عن ظهر كثب الا انها استمعت بكل جوارحها كما في كل مرة!

توماس هو الابن الوحيد لوالده الذي كان لديه ثلاث فتيات قبل مولد توماس، وكان والده عنيف معه كثيرا يخافه ان يخرج مدللا لانه بين ثلاث فتيات!

كان عنيفا لدرجة انه يبقيه باليوم بدون طعام ان اخطأ بشئ، او سمعه يعبر عن مشاعر الحب لوالدته او اخواته، علمه منذ نعومة اظافره ان لا مكان للحب والعطف في قلب الرجل القوي!

علمه ان على الجميع ان يخضعوا له حتى يبقى في السيطرة والا سيتمردون عليه، جهزه ليقود امبراطورية العائلة المالية المتوارثة منذ اجيال.

وعندما شب قليلا اجبره على ان يعاقب اخواته بالضرب اذا اخطئن، كان في البداية يرفض القيام بذلك، ولكن بسبب سوء معاملة والده له وابقائه احيانا يومان بلا طعام خضع لأوامر والده مكرها، كان مجرد شاب صغير مراهق.

وبعد ان كون ذلك الوحش، اجبره على الزواج من كلوديا بسبب امور مالية بين العائلتين، كان الجميع يتوقع انه سيطلقها من اول سنة، او سنتين وتفسد الاتفاقية.

ولكن الامر العجيب انه وقع في حبها منذ اول لحظة وقعت عيناه عليها، اصبح متيما بها يعشقها عشقا يراه الجميع في عينيه، وكان من ضمن الجميع والده!

اصبح والده يعايره بأنه ضعيف وخاضع لإمرأة، ما لبث هنيهة الا وذكره بهذا في كل مناسبة، او حتى بدون مناسبة!

وهذا أثر على علاقته بزوجته كثيرا، فبعد عامان من الحب والاستقرار اختلت علاقتهما، ولكن توماس كان يخاف ان تتركه كلوديا فكان يغرقها بالهديا.

كان يكره حبه وحاجته لها، وفي نفس الوقت يحبها لدرجة العشق والهيام، وهي تبادله الحب، ولكن علاقتهم اصبحت اكثر توترا بعد ان شاهد جيف بعينيه ما حدث ذلك اليوم عندما عاد فرحا بنجاحه!

قال توماس: "لقد خربت عليه فرحته منذ سنين مضت، عندما جاء اليكِ فرحا، والآن انا خربتها بعد ان جهز كل شيء فرحا ايضا."

نزلت دموع كلوديا، لم تعرف ماذا تفعل، هل ترثي نفسها ام ابنها ام زوجها! حتى العلاج النفسي لم يصلح شيئا!

لم تكن كلوديا بالمرأة الضعيفة التي قد تتبادر بالاذهان، بل كانت صبورة وحكيمة، تعلم ان بزوجها خطب ما وسعت بكامل جهدها للنجاة بعائلتها الى بر الآمان، ولكن مهما حاولت ازدادو غرقا!

ابعدت ابنها عن حضنها في سبيل ان لا يتعقد نفسيا وارسلته الى مدرسة داخلية بكامل رغبتها، حتى لا يكون شاهدا على الاضطرابات الزوجية التي يعيشها والديه.

ولكن خبر اليوم بعد ان قامت بالتسوق قسمها نصفين، كانت تعلم ان والد زوجها يضغط عليه من اجل ان ينجبوا طفلا اخر، يريد لسلالته ان تستمر، فأصوله الايطالية تتحكم فيه!

كانت تتابع مع طبيب من اجل تأخير الحمل، لا تريد ان تضيف طفلا آخر الى هذه المشاكل في الوقت الراهن.

ولكن عندما اخبرها توماس بضغط والده عليه، قررت ان تنجب طفلا آخر عله يكون النور في هذا المنزل، ولكن بعد شهران من المحاولة الفاشلة اتجهت الى الطبيب، ولكنه صدمها اليوم بأن نسبة حصولها على الحمل ضعيفة.

ولأنها تعرف شخصية والد زوجها جيدا، فهو لن يسكت حتى يفصلهما عن بعض ليحصل على حفيد آخر، اتصلت بزوجها منهارة واخبرته انها عند المحامي تطلب الطلاق قبل ان يطلقها هو بنفسه.

جن جنون توماس ولحقها واحضرها الى المنزل، كان منفعلا جدا، وعندما فتح لها الباب عاتبها على اسلوبه، ولكن ما ان اتجه نحو المنزل حتى استفزته بكلماتها عندما قالت:

"انا لا استطيع الاعتماد عليك، سيجبرك والدك لتطلقني، انا لا اثق بك لست الرجل الذي اعتمد عليه."

كان هذا آخر ما توقع ان يسمعه منها، انفجر فيها وحدث ما حدث....




نيكولاس؛

دخل من الحديقة بعد ان اكمل عمله فيها كما كل صباح، اشتم رائحة الفطائر اللذيذة التي تعدها العجوز ناردين، اقترب بسرعة ليتذوق واحدة، ولكنها ضربته على يده.

"اذهب واغتسل اولا"

كان هذا مشهد كل صباح، ابتسم لها ابتسامته الدائمة التي تحب ان تراها على وجهه والتفت الى الحمام، تذكرت صورة والدته في التلفاز وهي تبكي وتناشد ان احد ما رأى ابنها المختفي منذ مدة.

قالت وقد اوقفت نيكولاس في منتصف الطريق: "نيكولاس، بني، لم أرك تتصل بعائلتك ابدا، لابد انهم قلقون عليك!"

التفت اليها ببطئ وقال: "لا لن يفعلو لا تقلقي."

قال هذه الكلمات واتجه الى الحمام، وهنا تأكدت شكوكها، انه هارب من اهله.

اخذت الجريدة الصباحية التي في احدى اعمدتها تتضمن اعلان عن فقدان شاب يدعى نيكولاس، وفي الاعلان صورة له. وضعتها على الطاولة الجانبية في غرفة الجلوس حيث يشرب نيكولاس قهوته عادة!

عاد نيكولاس وتناول افطاره، ثم اخذ فنجانه وتوجه الى الاريكة حيث يجلس ليشربها وهو يشاهد مباراة للبيسبول!

جلس وفي يده فنجان القهوة، مد يده ناحية جهاز التحكم بالتلفاز ووقعت عيناه على الجريدة وصورته فيها!

ومن المفاجأة اهتز فنجان القهوة من يده وحاول مسكه الا انه اندلق على ثيابه وعلى الارض.

رفع بصره نحو العجوز ناردين ووجدها متجهة نحوه، اخذ الجريدة وامسكها بعنف وتظاهر انه يسمح الارض بها، يمسح القهوة المنسكبة عليها، فهو يعلم انها ستجلس الآن لتقرأ الجريدة كما هي عادتها!

"ماذا تفعل؟" قالت ناردين متظاهرة بعدم معرفة نواياه!

قال وهو يضع يده على مؤخرة رأسة ويحاول الابتسام : "لقد انسكبت مني القهوة، آسف، لم اجد شيء غير الجريدة، وخفت ان تصل الى السجادة."

ابتسمت العجوز ناردين وقالت بلطف: "لا بأس! سأقوم بتنظيفها لا تقلق!"


آدم؛




كان آدم سعيد جدا، فقد اخبره توم ان المدير راضي عن عمله، وهو يتطلع لرؤيته والاجتماع به، وهذه الكلمات حفزت آدم كثيرا للمواصلة فيما بدأ فيه.

فهو يعتقد ان بهذه الطريقة سيحفز نفسه للعمل اكثر حتى تفتخر به سارة، كان يعمل بجد واجتهاد على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقف وقد كان منهك من التركيز في الحاسوب، امال ظهره يمنى ويسرى ثم رفع هاتفه واتصل بجيف، كان جيف في هذه الايام دائم الزيارة الى والديه، وآدم سعيد من اجله كثيرا، سعيد لتحسن علاقته بوالديه.

ولكنه حزين من اجل صديقه نيكولاس الذي لم يتصل بهم نهائيا!

"اين انت يارجل؟ ستفوتنا المباراة ولن نجد احد هناك ان تأخرنا!". قال آدم ذلك عبر الهاتف وهو يحادث جيف.

"سأصل بعد عشرة دقائق!".

كان صوت جيف لا يبدو جيدا او متحمس، هل حدث شيء ما معه! ارتدى آدم ثيابه بسرعة وذهب الى مكتب السيد براون لكي يستأذن منه.

دخل المكتب ووجد السيد براون جالس على مكتبه وهو يطبع شيء ما على حاسوب المكتب، وما ان طرق آدم الباب ودخل حتى رفع رأسه ثم ابتسم لآدم وقال: "اجلس!"

جلس آدم وقال مباشرة وهو يأمل ان يوافق السيد براون: "انا وجيف نريد استأذانك للخروج لمدة ساعة ونصف، سنذهب الى ملعب البيسبول حيث النادي الذي يشترك فيه نيكولاس."

عندما رأى ادم عدم الفهم على وجه المشرف براون اكمل قائلا: "لديهم اليوم مباراة مهمة، ربما يكون نيكولاس هناك بين الجمهور!"

اخذ براون ينظر لآدم وهو واضع يديه تحت ذقنه ويفكر ثم قال اخيرا: "حسنا، ولكن لا اريد اي مشاكل، لا يجب عليكما ان تتورطا في اي شيء!"

اومأ آدم برأسه ووقف ليخرج وصل الى الباب واستوقفه صوت براون حين اضاف: "اتمنى ان تجدا شيء مفيد!"

"شكرا" رد آدم.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي