48

(طلب زواج)


ليس الشر ان تؤذي شخص وتحاربه، وانما قمة العنجهية والخذلان ان تعلق شخصاً بك وانت لك مآرب اخرى!

مرت عدة ايام منذ ذلك العشاء في منزل اهل جاك، وخلال هذه الفترة زادت معرفة ميليسا وجاك كثيراً، حتى ان قلب ميليسا قد دق لأول مرة منذ فترة طويلة.

اهتمام جاك بأدق التفاصيل الخاصة بها، وملاحقته الدائمة لها، اظهار مشاعره لها علنا، جعل قلبها يخفق بشدة عند رؤيته، والفراشات تحلق في ماعدتها عند سماع صوته.

كان لا يمر يوم واحد دون ان يتحادثا، فعل كل ما يمكن ان تعتقد اي امرأة انه حب!

هو فقط لم يقلها بلسانه ابدا، اما افعاله ونظراته فكانت تشي به حسب اعتقادها الشخصي، وكانت تحادث سارة بكل تفاصيل علاقتها الغريبة به.
تنتابها بعض الشكوك لتقول احيانا لصديقتها:

"ولكن اشعر احيانا انه يخفي امراً ما، انا فقط يا سارة لم اعد أتحمل الخذلان."

كانت لها مخاوفها الخاصة وربما كانت محقة في هذا الشأن وهذا للأسف ما ستكتشفه لاحقا.

اما جاك فكان راضي تماما عما يفعله، حتى انه مستمر لا يوقفه شيء، ولا حتى وقفة بسيطة من اجل التفكير!

كان واقفا امام قبر ولأول مرة لا يشعر بالحزن، اخرج خاتم من جيبه، كان الخاتم الذي سيقدمه الى سيرينا سابقا، وقال:
"سأقدمه لها اليوم، هي لن ترفض انا اعلم ذلك، ولكنها لن تحل محلك بأي شكل من الاشكال داخل قلبي. انا فقط اريدها لأنها تشبهك كثيرا والشبه بينكما لا يصدق."
جلس وهو يضع الازهار حول القبر، هذه عادته منذ سنوات ولم يقطعها، تعلق غريب ببشري فانٍ، حب عقيم وليس له علاقة بالاخلاص!
بعد ان تحدث الى القبر، وافرغ ما في جوفه من حديث، ركب سيارته وانطلق الى منزله وكله تصميم واصرار.

اتصل بميليسا ودعاها الى العشاء خارجاً في احدى المطاعم المشهورة، وقد تدبر امر تجهيز كل شيء، حتى ذاك الصحفي الذي سيلتقط الصور وقد اتفقا مسبقا ليبدو الامر وكأنه كان هناك صدفة.

"اريد ان ادعوك الليلة الى عشاء خاص."

هذا كل ما قد قاله لها، ارتدت ميليسا ثيابها بعناية وكانت جميلة لدرجة مدهشة، فغريزيا علمت ان هذا العشاء مميز، ولكنها لم تعلم انه سيقدم لها خاتم الزواج.

اخذها من المنزل وتوجها الى المطعم، جلسا وتناولا العشاء وتحدثا قليلا، كان المطعم من ارقى المطاعم في المدينة. كان الصحفي يجلس في طالة مقابلة ولكن بعيدة قليلا عنهم، فقد اراد جاك التأكد من انهم سيحصلون على الخصوصية.

بعد ان تناولا طعامهم، اخرجت ميليسا مرآة من حقيبة يدها، لتزين ما قد ربما افسد من زينتها، كانت مندمجة في النظر من خلال المرآة، واحس جاك انها اللحظة المناسبة، فالمفاجأة اهم عنصر ليكسب موافقتها على حين غرة.

وقف بخفة وسرعة وجثى على ركبته بالقرب من مقعدها وفتح علبة خاتم الزواج، حدث كل ذلك بسرعة، نظرت له ميليسا بصدمة فقد فاجأها حقا، وضعت يدها على فمها لتكبت صرخة المفاجأة.

"هل تقبلين الزواج بي، ميليسا جراي؟"

التمعت عيناها بالدموع، لا تستطيع اخذ هذه الخطوة مجددا، اذ ان من كان خطيبها مسجون بتهمة محاولة قتلها، وهذا ليس بمؤشر جيد لتتخذ خطوة كهذه مرة اخرى بهذه السرعة.

عندما احس ارتباكها وانها يحتمل ان ترفض، نظر نظرة خاطفة الى الصحفي المصور في اشارة لكي يأخذ الصور.

قال المصور بحماس مصطنع: "انه عرض زواج كم هذا رائع".
وبدأ يأخذ الصور لهما، ثم أضاف قائلا ليلفت المزيد من الانظار:
" اليس هذا الرياضي العالمي المشهور، لاعب كرة السلة، السيد جاك اورتشيني!".

وما ان اضاف هذا حتى وكأنه اعلن للجميع بأن ينتبهوا بكامل حواسهم.
ارتبكت ميليسا عندما رأت كل تلك الانظار متوجهة نحوهما بفضول.
بدأ التصفيق والصفير من احد رواد المطعم ثم تتالت التصفيقات وكأن بالاعلان عن هويت العريس تأخدو بأن الفتاة ستوافق فورا.

نظر لها جاك وبالرغم من نظرة الحيرة والخوف التي تملأ عينيها، الا انه لم يتهاون بل استمر يستعطفها بنظراته وكأنه يقول لها "اصبح موقفي سيء امام الحشد هنا".

فهمت ميليسا نظراته المستعطفة، فعلمت انها تحرجه كشخصية مشهورة، ارتسمت ابتسامة جانبية على فمها وقالت بصوت منخفض يدل على عدم الاقتناع التام: "اجل".

وكأنهم قد قرأو حركة شفتيها امتلئ المطعم بأصوات التصفيق، وكاميرا المصور الصحفي لا تهدأ.

البس لها الخاتم والتفت إلى الحشد وهو يقول: "حقا،شكرا لكم جميعا".
جلسا على الطاولة مجددا، فنظرت الى الخاتم بيدها ثم نظرت له وقالت: "لقد فاجأتني، لم اتوقع....."

قاطعها قائلا: "ارجوا ان تكون مفاجأة سعيدة."
ارتبكت ثم لملمت حقيبتها وقالت: "دعنا نذهب قبل ان نصبح سبق صحفي ونُحتجز هنا".


في الطريق قال: "ألن نحتفل؟"
ردت بسرعة: "ليس اليوم، دعني فقط تتحدث مع اخي وايضا اخذ وقتا للتفكير"
نظرت له نظرة اتهام وهي تقول ذلك لتذكره انه لم يمنحها وقتا للتفكير، ولا خيار الرفض.

"كما تشائين، فالافضل ان يعلموا منك قبل ان يعلموا من الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي في الغد"

تذكرت حديثها ذاك هي وكريستيان عندما تعصب بسبب معرفته بفسخ خطبتها عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي.

عندما وصلت الى المنزل وجدت كريستيان في مكتب المنزل يأخذ بعض مستلزماته ليصمم مكتب في منزله الجديد.

جلست اما احد المقاعد التي أمام المكتب، بعد ان قامت بنزع الخاتم من يدها.

"انت هنا؟ هل اكملت الذي تقوم بعمله ؟" قالت محاولة ان يكون صوتها عاديا.

نظر نحوها وهي متألقة بثيابها وقال: "ويبدوا انكِ كنت خارجاً!"
ابتسمت بشبه ابتسامة وثم قالت: "هل لديك وقت لبعض الحديث الاخوي؟"

ضحك وهو ينظر لها بإستمتاع لأعصابها المشدودة والتي تحاول إخفائها: "متى وميليسا تطلب الاذن للحديث!؟".
ميليسا: "اوه، كريستيان، لا تصعب الامر علي".
كريستيان: "هل انا افعل؟ حسنا سأستمع فقط."

اخرجت الخاتم من جيبها ووضعته امامها على طاولة المكتب.
نظر كريستيان الى الخاتم ثم نحوها يتأمل تعابير وجهها.
"اذا كنت غير موافقة اذا لما وافقتي؟ فمن علامات وجهك يبدو عليكِ وكأنه تم اجبارك!"
"ليس اجبارا، ولكن هل تؤمن بأن بعض البشر يفعلون اشياء لا يريدونها فقط لأنهم خجلوا ولم يستطيعوا قول كلمة لا ويرفضوا".

نظر نحوها بغير تصديق وقال بصوت مرتفع وغير مصدق: "ولكن ميليسا، لا يمكنك الموافقة فقط لأنك لم تستطيعي قول لا، هذا قمة الضعف."

_ "انت تقول ذلك لأنك لم تعش نفس موقفي!"
_ "لقد عشت تجربة زواج فاشلة بسبب التسرع ميليسا."
_ "وانا عشت تجربة خطبة فاشلة يا اخي، حتى انه متهم بمحاولة قتلي."
_ "اذا؟"
_ "انا احب جاك، ولكنني فقط خائفة، ان تجربتي السابقة تؤثر في اخذي للقرار الصائب."

امسك كريستيان بكلتا يديها وقال: "اعطي لنفسك فرصة، خذي وقتا في التفكير."
قالت وهي تبتسم وترتدي خاتم خطبتها: "حسنا، اعتقد انني سأخوض هذه التجربة، فبعد كل شيء هي مجرد خطبة وليس زواج."
كريستيان بعدم اقتناع قال: "كما تشائين."
ميليسا: "سنحدد موعد لحفلة خطوبة صغيرة في المدة القادمة، سأنسق مع والدينا ليستطيعا المجيئ للحضور."

بعد حديث قصير مع اخته خرج كريستيان عائدا إلى منزله، كان منزل والديه آمن تماما بوجود الخدم والسائق وايضا حارس الامن.
اخذ يفكر في هذا الذي يدعى جاك، لما لا يستطيع الثقة فيه بشكل كافٍ، سيتحرى عنه جيدا، صحيح انه شخصية عامة ولكن مؤكد ان لديه بعض الاسرار.

عليه ان يتحرى عليه قبل حفلة الخطوبة، ولكنه سيفعل ذلك دون ان يخبر اي احد، عليه فقط العثور على متحري جيد.


مايكل؛

لم يكن السجن بالمكان الجيد له، فمايكل ليس بالشخصية العدائية، يحاول تجنب المشاكل والبقاء بين كتبه التي تزوده بها محاميته في كل زيارة، انها حقا تهتم لأمره وهذا ما لاحظه من كثرة اصرارها على نجاح الاستئناف.
لقد نجحت في اخذ قرار إعادة استئناف الحكم بسبب وجود ادلة جديدة. تم اخذ بعض الاجراءات وسيتم الاستئناف خلال المدة القادمة.

انها حقا تثق في براءته من التهم المنتسبة اليه، كم تمنى ان تكون ميليسا هي من تصدق براءته.

حان موعد الزيارة، وجائه الحارس واخبره ان لديه زائرة، انها لم تتخلف عن ولو زيارة واحدة، اكثر حتى منه اخته.

توجه ناحية حجرة الزيارات المكتضة بالزائرين، لكل مسجون طاولة خاصة به يجلس عليها زواره، قاده الحارس نحو طاولته المعتادة وهو مكبل اليدين، لتبقى يديه في الاصفاد طوال الزيارة، وكذلك جميع المساجين.

كان يمشي وقارب للوصول إلى الطاولة حين وجد ان إمرأة ذات شعر اشقر تجلس على الطاولة وهي بالتأكيد ليست المحامية.

تسارعت دقات قلبه بسبب المفاجأة، هل هي من يعتقد؟ ثم عندما اقترب رفعت رأسها من على هاتفها، انها هي ميليسا، ولكن ما الذي قد جاء بها.

جلس قبالتها وعيناه مليئة بالتسائل، واما هي فابتسمت بلطف ثم قالت: "مرحبا، مايكل."

لم يجب وانما استمر في التحديق بها، فقالت وكأنها تحاول الحديث من اجل ان تخفف من توترها: "لقد التقيت بمحاميتك، كانت هنا من اجل الزيارة، ولكن فضلت الذهاب لتترك لنا الخصوصية حسب قولها، رغم انني اخبرتها انه لا داعي لذلك".

ابتسم ابتسامة جانبية وقال: "انها الوحيدة التي تؤمن ببرائتي."
ميليسا: "انا افعل مايكل، انا اصدق انك بريئ ومن المستحيل ان تقوم بإيذائي، على الاقل بتلك الطريقة."
مايكل وقد ضيق عينيه وهو ينظر لها بشك: "اجل، وانا هنا لأخبرك بأنني سأقول ذلك في محكمة الاستئناف."

كان الوضع غريب بالنسبة لمايكل، احقا تصدقه ميليسا، جيد فهذا لصالحه في المحكمة.

مايكل: "هذا يقودنا إلى ان من حاول قتلك لا يزال حراً طليقا."
نظرت له ميايسا بشفقة، يديه المكبلة كما المجرمين، والثياب التي البسوه اياها وكأنه قاتل حقا، ورغم كل ذلك ما يزال يشعر بالخوف عليها ويحاول تحذيرها.

ادمعت عيني ميليسا وقالت: "انت طيب جدا، مايكل".
مايكل بثبات: "بل انتِ الطيبة ميليسا، فأنا عندما اخرج..."
انحنى ليهمس بقربها حتى لا يسمعه الحارس واكمل قائلا: "سأنتقم بمن اوقع بي والبسني هذه التهم".

ارتعشت ميليسا من نار الغضب الصامت الذي في عينيه.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي