20

الجزء العشرون ؛

ان وجدت النور اتبعه، ان اضعته فتش عنه، ان انطفأ فأشعله، ونور القلب لا يضيئه الا الايمان!

سارة: انظر كريستيان، انا اسفة لوقاحتي معك حقا، ولكن لأكون صريحة فإنني لم اعد ارغب في ان التقي بميليسا او حتى ان أراها، وانا حقا لم أرى سوارها قبل ذاك اليوم ولا اعلم كيف وصل الى حقيبتي، وحقا هذا الموضوع لا احب ان اذكره حتى بيني وبين نفسي.
كريستيان: لقد كانت فيرونيكا من وضعت السوار في حقيبتكِ بمساعدة خادمة.
نظرت اليه بصدمة وقالت: ولم قد تفعل شيء كهذا؟
كريستيان: يبدو انكِ سمعتِ شيئا لم يكن يجدر بكِ سماعه، فقررت التخلص منكِ قبل ان تفضحيها.
سارة: ولكني لا اذكر اني سمعت شيئا.
كريستيان: هي اعتقدت انكِ سمعتي!
ظنت انه يبرر فِعلت فيرونيكا فإنفجرت غاضبة وقالت: تشردت وعشت حياة المشردين في الحدائق، اكلت فتات الطعام، نمت في العراء، تعرضت للتحرش وكدت اتعرض للاعتداء والاغتصاب وكله بسبب انها "اعتقدت"؟
كريستيان: هي.......
رفعت يدها في علامة توقف وهي تقول: ارجوك كفى، لا اريد ان اسمع شيئا عنكم انتم آل جراي، لقد ذقت ذرعا منكم.
كريستيان: سارة!
دفعته من صدره وهي تصرخ: ارحل، ارحل ولا تحاول الحديث معي ثانية.
وقف كالمشدوه يستحيل ان تكون هي نفسها سارة الطيبة الهادئة.
تجمهر حولهم المتدربين بعيون فضولية.
لاحظت سارة النظرات الفضولية حولها فأسرعت راكضة الى غرفتها حصرا.

لم يصدق كريستيان ما سمعه منها، هل كانت تنام في الشارع حقا!
اذا فقد كان حدسه صحيحا.
التفت عندما وضع احدهم يداً على كتفه، التفت ووجده رجل كبير في السن، كان ذلك السيد زوهان.
السيد زوهان: دعها الآن، فروحها متعبة مستنزفة، انها لا تثق في احد.

قد نتوه في ازدحام مشاعرنا، حتى نفقد ذاتنا، فإن استشعرت من نفسك ضياع وشتات فتوقف لا تتحرك، اياك ان تتحرك.
توقف لبضع الوقت، نحتاج ان نراجع انفسنا ونوجهها، فالخطوات التي نسيرها اثناء شتات ارواحنا وضياعها دائما ما تكون هي تلك خطواتنا الخاطئة التي قادتنا لنسلك الطريق الخاطىء في ايجاد الحل!

***********
بعد مرور يومان،

ميكائيل

يجلس تحت نفس الشجرة كالمعتاد، ولكن ملاك لم تأتي اليه منذ يومان.
لم يستطع السؤال عنها، وها هو جالس على أمل أن تأتي، ولكنها لم تحضر حتى اليوم.
ملّ الجلوس ونهض ليتوضأ لصلاة المغرب فقد اوشك ان يؤذن الآذان.
احس بحركة بجانبه وجد انها تقف قريبا منه.
ابتسم لها وقال: مرحبا.
كانت تبدو حزينة.
ملاك: تفضل هذا كتابك، اشكرك جدا.
ميكائيل: لا بأس احتفظي به.
ملاك: لا لقد اخبرتك انني لا استطيع ان احتفظ بشيء من اي احد.
احس من نبرة صوتها ونظرة عينيها ان هناك امر ما.
ميكائيل: هل هناك امر ما؟ لما لم تحضري فاليومين السابقين؟ كنت انتظرك.
كانت هناك نظرة في عينيها لم يستطع تفسيرها اهي لوم وعتب ام خيبة أمل!
ملاك: هل حقا ستسافر قريبا؟
ابتسم ميكائيل: اجل.
ملاك بألم يعتصر داخلها: هل من ستسافر من اجلهم مهمون لهذه الدرجة؟
نظر بحزن: اجل، انهم كذلك وواجبي اللحاق بهم.

(كانت ملاك قد فهمت ما سمعته من حديث دار بين والديها بشكل خاطيء، فقد سمعت من منتصف الحديث.
فبعد ان رحل فؤاد واحمد جاء والدها وطلب منها ان تعد له كوب من الشاي، وجلس يحادث زوجته، وحين عادت ملاك سمعت والدها يقول لوالدتها ان ميكائيل عليه الذهاب لهما، وهما الاثنان فقط من تبقى من عائلته وقد هاجرا عندما كان في السجن.
وسيخاطر بحياته للخروج من الحدود لأجلهما، فالفتاة في عمر الثالثة عشر والفتي ربما في الثامنة او التاسعة من عمره.
وهو متعلق بهما كثيرا جدا، ويريد تأسيس حياة جديدة معهما.
كانت تقف قرب باب الصالة حين سمعت كل هذا فركضت مسرعة الى غرفتها).
عادت للواقع وضعت الكتاب بين يديه وكانت ستذهب.
استوقفها قائلا: لما لم تحضري فاليومين السابقين؟
ملاك: كنت أراك من نافذة غرفتي، وهذا يكفيني.
نظر مباشرة لعينيها وقال: ولكن لم يكن كافيا بالنسبة لي!
كانت تظنه مستهترا يريد تسلية نفسه على حسابها.
ملاك: اتمنى لك حياة سعيدة، وداعا.

لم يفهم منها شيئا، تارةً يشعر انها تشعر بم يشعر، وتارةً يحسها متباعدة.

**********

يقود سيارته بسرعة جنونية، والمحامي طوال طريق العودة يسأله ان يخفّض من سرعته، ولكن كريستيان لم يستجب له.
حتى تم رصده في كاميرات مخالفات السرعة، وفجأة خرجت سيارة شرطة من خلفه وبدأت تشير له ليتوقف.
ركن جانبا وصادروا رخصة القيادة خاصته، وعليه ان يذهب لقسم شرطة المرور ليدفع مبلغ مالي كغرامة ويسعيد رخصة القيادة خاصته.

بعد ان دفع المبلغ المالي اوصل المحامي الى منزله،
وتوجه مباشرة إلى نادي الملاكمة، حيث ينفس عن غضبه وحزنه.
وجد احد اعمدة الملاكمة شاغراً فتوجه اليه مباشرة، لم يرتدي القفازات كما هي عادته السيئة دائما، فهو يحب شعور اللكم مباشرة بيدية، بدأ يلكم العمود بكل الغضب الكامن في داخله.

استمر يلكم احياناً تعاطفاً وشفقتاً على سارة لكل ماحصل معها. واحياناً غضباً منها للموقف الذي وضعته فيه، للأيام التي بحث فيها عليها، لسارة القديمة والتي يبدو انها ماتت!

كان العرق يتصبب من كل شبر من جسده، وانفاسه لاهثة، اصابعه تورمت ومنها ما ينزف دماً.

جاء المدرب يركض بسرعة ولكم كريستيان على وجهه على حين غرّة.
فقد توازنه للحظة ثم تماسك. احمر وجهه غضباً وعاد ليلكم من قام بلكمه كردت فعل لحظية، وعندما وجد المدرب امامه بقيت قبضته معلقة في الهواء وهو يقول: ما كان هذا بحق الله؟
المدرب: انه تنبيه لك لتفيق على نفسك، لا تُحل المشاكل بهذه الطريقة، انك لا تؤذي احدا سوى نفسك.
كريستيان: وما شأنك انت في ذلك ها؟
اخذ قنينة الماء افرغها في جوفه ثم امسك منشفته وتوجه إلى الحمام.

لعن في سره، لو لم يكن المدرب لكان افرغ غضبه عليه.
لم تعامله امرأة كأنه حثالة من قبل، وهو لم يهتم بإمرأة قبلا لتلك الدرجة، لِم لا يستطيع فقط تجاهلها واخراجها من رأسه!

عليه ذلك فالتجاهل يحل كل شيء.

هدأت اعصابه قليلا، فعاد إلى المنزل، توجه الى غرفته مباشرة، ليس لديه النية في الحديث مع احد، فتجنب التوجه لغرفة الجلوس حيث يجلس والداه كل ليلة يتسامران.

واما سارة فبعد ان تركت كريستيان خلفها في الساحة الخلفية، توجهت رأساً الى غرفتها واقفلت الباب خلفها.
وفور ان اقفلت الباب جلست ارضاً.
انها تشتاق لحضن حنون يحتويها وترمي فيه اوجاعها ويأسها. كحضن والدها الآمن وحضن والدتها الحنون، وحضن أخاها آدم الذي يذكرها بهويتها التي احست انها بدأت تنساها!
اصبحت دائما خائفة لا تشعر بالانتماء لأي مكان، تجفل عندما تذكر لياليها في العراء بدون طعام وشراب، تجفل عندما تذكر اولئك المجرمَيْن اللذان حاولا الاعتداء عليها، لولا لطف الله ومَنُّهُ عليها لكانت الان تعاني.

قررت انها يجب ان تصلي لترتاح، لتجد طمأنينتها واملها.
صلت ركعتين طلب حاجه، بدأت تدعي ربها ثم اخذت تبكي بصوت مسموع.
بقيت على هذا الوضع قرابة الساعة ثم غسلت وجهها وهندمت نفسها وتوجهت إلى داخل المطعم.
كان كل الموظفين الطباخ ومساعده ويشوان ينظرون لها بعطف وشفقة وهي لا تحب تلك النظرة فقالت وهي تضحك رغم عيناها المنتفختان بسبب البكاء: ما بالكم؟ لِم تنظرون لي وكأنني خرجت من قبري؟
قال يشوان بتعاطف: اذهبي وارتاحي وسوف اعمل عوضا عنكِ.
سارة: ابدا، اليوم المطعم مزدحم ولن أتأخر عن تأدية واجبي. ثم انه فقط سوء تفاهم مع مجرد صديق قديم لا يستوجب كل هذا، الا انني بالغت في ردت فعلي قليلا، واعتذر عن الارتباك الذي احدثته.

وانكبت تعمل بجهد، حتى واخيرا انتهى المتدربون من تدريباتهم ودخلوا دفعة واحدة الى المطعم، وانغمست سارة في عملها لخدمة طلباتهم، حتى لم تحصل على دقيقة للتفكير.

**********

لقد مر يومان منذ لقائه الأخير معها، ولم يرها بعدها.

اليوم بعد بضع ساعات سينطلق الى رحلته عبر الحدود ليخرج من البلاد.

يتابع النظر الى النافذة التي اخبرته عنها، انها حتى لم تفتح النافذة ابدا.
ربما هو من فهم كل شيء بطريقة خاطئة ففي النهاية لا يوجد شيء بينهما.
ولكنه احس به، احس بذلك الرابط الغير مرئي، حيث روحان تتآلفان سويا.

مرت الساعات وحضر الرجل الذي سينقله عبر الحدود، امسك رواية بعنوان "سلام الله على عينيك"  وكتب في آخر اوراقها
" إهداء إلى حوراء العينين؛
في الحقيقة انا لست من قراء الروايات الرومانسية، وجدت هذه الرواية من ضمن التي احضرها لي فؤاد ابن عمتكِ، ولكني لم اقرئها.
شدني العنوان بشكل شخصي، يذكرني بكِ ياحورائي.
ارجوا ان تقبليه هدية مني ليذكركِ بي ايضا.
فلنا لقاء آخر ان شاء الله.
هذا رقمي ان شئتي التواصل معي على وسائل التواصل الاجتماعي.
×××××××0021891
اتمنى ان لا اسبب لكِ مشكلة بسبب هذا الكتاب.
قراءة ممتعة.
ميكائيل."

وضع الكتاب على الطاولة وخرج.
جاء الحاج علي يستعجله، فخرج مسرعا، والحاج علي خلفه.
نظر الى النافذة وجدها مفتوحة وتقف هي نصف ظاهرة تنظر له.
ابتسم لها ثم سمع صوت الحاج علي ينادي فإلتفت اليه وجده قادما بكتاب في يده ويقول: لقد نسيت كتابك هذا.
نظر باستغباء بسبب المفاجأه، اخذ الكتاب ثم تباطأ قليلا بحجة انه يعقد حذائه.
استبقه الحاج علي.
نظر مرة اخرى الى النافذة فرآها تنظر له، فلوح لها خفية بالكتاب.
ثم رماه ارضا ليبدو وكأنه سقط منه سهوا.
وما ان رحل حتى جائت ملاك مسرعة اخذت الكتاب.

*********

بعد مرور هذان اليومان هدأ كريستيان قليلا، وقرر الذهاب لزيارة آدم.
لم يخبر ميليسا بأنه وجد سارة، فبعدما وجده من سارة لا يحبذ ان تلتقي الفتاتان في هذه الفترة.

اخذ بعض المأكولات التي يحبها آدم وتوجه إلى نادي الكشاف.
شارك آدم في بعض النشاطات، ولاحظ ان آدم هذه المرة يبدو مختلفا، فهو يبدو سعيدا ومرحا على غير العادة.
بعد ان اكملوا تقطيع الاخشاب، جلسا ارضا يلهثان، ثم قال كريستيان فجأه عندما اصبحا بمفردهما: لقد عثرت على اختك سارة!
آدم لم يفهم هل هو يخبره ام يسأله، فسارة سوف تغضب عليه ان اخبر اي احد.
نكس آدم رأسه، فإستشعر كريستيان انه يخفي شيئا ما!
كريستيان: ألن تقول شيء.
آدم: انا احبك حقا كريستيان ولكني احب اختي سارة اكثر.
كريستيان: ما الذي تحاول قوله يا آدم اخبرني.
آدم: لا استطيع.
رفع كريستيان حاجبه في استنكار: اذا لقد تحدثت معك سارة.
لم يجب آدم وبدأ يصنع دوائر على الارض بعصاة وجدها بجانبه.
كريستيان: اتعني انني عندما كنت ابحث عنها لأسابيع من اجلك، كنت انت تعلم مكانها وتتواصل معها؟
بدأ يشعر كريستيان ببرودة تزحف في أوصاله، لأول مرة في حياته يشعر بالغباء.
رجل اعمال مخضرم مثله، عمل منذ نعومة اظافره في الصفقات التي تحتاج لذكاء وفطنة يُخدع من قبل طفل صغير وفتاة ليس لديها اي خبرة فى الحياة.
اي قوة غير مرئية تكمن خلفكِ وتحميكِ يا سارة.
هب واقفا وذهب من دون ان ينبس بحرف.

ظل آدم ينظر لظهر كريستيان حتى اختفى من امامه.
لِم تفعل ذلك سارة، لا يستطيع ان يفهم فكريستيان حاول حقا ايجادها وساعده كثيرا.
سيتحدث معها ما ان تتصل به بخصوص هذا الامر.

**********
سارة

بدأت في البحث عن شقة صغيرة تستأجرها فالنادي شارف على الانتهاء وعليها ان تؤمن مكان للسكن من اجل آدم.
لقد جمعت مبلغا جيد لتدفع شهران ايجار مبدئيا، ولكن عليها ان تراسل السفارة لتسألهم عن مدرسة خاصة بجالية دولتهم تكون مجانية.
لا تستطيع دفع رسوم مدرسة آدم الحالية فأسعارها مرتفعة تفوق قدراتها.
لم ترى كريستيان منذ ذلك اليوم، هي تعلم داخل قلبها انها كانت سيئة التصرف معه وتصرفاتها ليست عقلانية، ولكنها حقا جُرحت جرحاً كبير من ميليسا ولا تريد اي تواصل بينهم.

يوم أخذت الحسنات من حارس المسجد، مات شيء في قلبها، فقدت جزء منها.
فالانسان الذي لديه كبرياء وعزة نفس لا يقبل ان يسأل الناس الحافاً او شفقةً، بل دائما يحمد ربه ويشكر ويستعفف حتى يظنوه الناس الجاهلون بحاله انه غني ومستير الحال.
كُسِرَت في ذاك اليوم انفتها واعتزازها، كُسِرَت عندما مدت يدها واخذت اموال الحسنات.

تغيرت شخصية سارة كثيرا، لم تعد تلك الفتاة العديمة الخبرة والتي ترا الحياة إما ابيض او اسود، فقد عاشت في المنطقة الرمادية، حيث تتعلم ان الخير موجود بالفطرة والشر موجود بالغريزة، ولكن يوجد ماهو بينهما وهي المصالح والمنافع والمكاسب، فلا احد يفعل خيرا الا ويريد ثمنا، ولا احد يفعل شرا الا وله هدف يسعى له.
واما من يفعلون الخير فقط احتسابا واجرا فهم موجودون وسيظلون موجودين الى يوم الدين، ولكنهم نادرون!

فكيف يصبح الانسان طيبا او شريرا؟
عند كل تجربة جديدة في الحياة، يضع الله امامك العثرات والابتلاءات، ليمحصك ويعلمك ويصقلك لتتغير شخصيتك فتتقوى وتتعلم لتستطيع مجابهة النوع الجديد من الحياة وتصبح جاهزا لها.
ولكن هناك مِن الناس مَن ترتقي نفسه بعد الابتلاءات وتسمى روحه ويتبع فطرته الطيبة ويصبح لديه احساسا بالغير.
ومِن الناس مَن تصحى غريزة الشر فيه بعد الابتلاءات وتنتكس روحه ويريد الجميع ان يتذوقوا طعم الالم الذي عاشه.

فها هنا يكمن السر، فمن اصطبر واحتسب واتبع فطرته السليمة لحب الخير فأجره عند الله، فالله يجزي كل من احسن وصبر بأحسن مما عمل اضعافاً.

*********

كان يسير في كهف طويل ومظلم، في جنباته صخور مسننه والارض زلقة، يمشي ويسقط يمشي ويسقط، وفي كل سقطه تُغرس فيه احدى تلك الصخور، يلهث من العطش ولا يقوى على المسير اكثر، يتصبب عرقا ولا يكاد يأخذ نفسا، قوته العضلية بعد ان كانت مصدر قوته فهي الآن مصدر ضعفه، فجسده العضلي يعرقله على الحركة ويستنزف الكثير من الطاقة والاكسجين الذي لم يعد يجده، تعثر مرة اخرى في الارض الزلقة وغرست فيه صخرة مسننة اخرى وكانت هذه المرة في قلبه، تهادى وتزعزع وسقط ارضا بقوة بدأ كل شيء في ضباب امامه، عيناه نصف مغلقتان ولا يقوى على فتحهما، لا يوجد دماء تخرج من جسده، لا يخرج شيء وكأن جسده خاوٍ.
رآها انها سارة تقف في منتصف الكهف، مضيئة وأضائت ماحولها بنورها، ابتسمت له. تحامل على نفسه وعلى اوجاعه ووقف، بدأ يمشي والارض تطوى تحت قدميه ولم تعد زلقة.
وصل اليها واذا بها تخرج من خلف ظهرها قنديلا وهو سبب هالة النور التي تحيط بها.
كان القنديل به مصباح صغير في زجاجة، والزجاجة بها فتيل مضاءٌ بالزيت، أضاء ذلك المصباح بنوره ارجاء الكهف المظلم، حتى انه يعتقد انه سطع النور خارج الكهف ليضيء ماحوله ايضا.
سمع صوتا يهمس في اذنه اتبع هذا النور فهو نور نجاتك وخلاصك!
وهي لم تتحدث بل مدت له بالقنديل!
وفجأة سمع صوت طقطقات متتالية تلفت يمنى ويسرى واذ بالظلام يلفه مجددا ولم يعد يجد لا سارة ولا القنديل.

استيقظ ووجد انه الهدهد يطرق نافذته مجدداً.
ذاك الهدهد اللعين لا ينفك يوقظه كل يوم في نفس التوقيت، اليس هذا غريب.
يفكر جديا في اصطياده وشويه على الفحم، ربما هذا سيشفي غليله منه.

ينام متأخرا ويستيقظ على صوت طرقات هذا الهدهد البغيض.

وتلك التي تدعى سارة حتى بعد ان وجدها، مازال يراها في احلامه.

نفس الحلم يتكرر له منذ فترة!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي