76

(المحاكمة)


كان الجميع متوترا، في انتظار البدء.
قال القاضي بصوته الرزين: "فليتفضل حضرة المحامي ويقدم أدلته."

نهض المحامي وبدأ في مرافعته، كان الجميع ينظرون عن ويستمعون بتركيز شديد، ويقدم القاضي أدلته الجديدة إلى المحكمة.

كان الجميع ينظر بقلق وخوف ما عدا نيكولاس، كان يعلم أنه متورط بشدة وليس له دليل براءة سوى أصدقائه، الذين لن يأخذ القاضي بكلمتهم بصفتهم متهمين أيضا.

كان المحامي بارعا ويترافع بشكل ممتاز ويقدم الدلائل الجيدة، إلا إن أغلب أدلته عن براءة جيف وآدم!

اختنقت فيفيان بدموعها وهي ترى مجريات القضية، أمسكها ستيف من كتفيها حتى يدعمها، اغرورقت عينا نيكولاس أيضا بالدموع عندما شاهد حزن أمه، وحزن والده الذي يتظاهر بالتماسك.
ثم التقت عيناه بعيني العجوز ناردين التي كانت تمسح انفها بالمنديل، أمسكه صديقاه من كتفيه ليكونا سندا له.

جاءت لحظة نطق الحكم ووضع الجميع أيديهم على قلوبهم وجفت حلوقهم.
قال القاضي: "حكمت المحكمة حضوريا على كل من المتهم آدم بالبراءة والمتهم جيف بالبراءة على أن يتم إخلاء سبيلهما بعد يوم من الآن من أجل الإجراءات القانونية."

ثم رفع القاضي رأسه وتنفس بعمق وأضاف: "وتم تأجيل الحكم على المتهم نيكولاس حتى الجلسة القادمة بعد اسبوعان من الآن، وذلك تحت طلب من المحامي لتجهيز الأدلة الكافية."

ثم طرق بمطرقته وقال: "رفعت الجلسة."

انقض كل من جيف وآدم على نيكولاس يحتضنانه بكل مشاعر الأخوة والصداقة، ثم ركض الجميع نحوهم يمدون إليهم بأيديهم عبر القضبان، والدة نيكولاس تصيح وتقول: "لا تقلق يا بني كما ظهرت براءة صديقيك فستظهر براءتك"

كان نيكولاس يعلم أن والدته تقول ذلك فقط لكي تطمئنه، فخلال الجلسة كاملة لم يستطع المحامي إحضار أية أدلة لتساعده في إثبات براءة نيكولاس!

لم يكن جيف وآدم أقل حزنا من نيكولاس، فرغم ظهور براءتهما إلا أنهما يشعران بالحزن على صديقهما وخصوصا أنهما يعلمان أنه بريء.

ووسط كل هذا كانت تقف بعيدا بحزن، تتمنى أن تساعده ولكن لم تستطع أن تفعل شيء، تأملته وحضنته بعينيها ثم انسحبت وخرجت بهدوء كما دخلت بهدوء.

جاء الحراس وأخذوا المتهمين إلى الداخل، كانت فرحة الجميع ناقصة من اجل نيكولاس.

انهارت فيفيان بالبكاء بعد أن ذهب ابنها، والمحامي لم يطمئنها بشيء، قال أنه إن لم يحصل له على براءة فسيتم تخفيف الحكم عليه.

كان يتحدث معها ويتجنب التعامل مع ستيف، ولكن ستيف لم يكن في مزاج لكي يدقق في ذلك.

أخذ زوجته وخرج، كانا قد تزوجا مجددا في الصباح قبل أن يحضرا إلى المحكمة، على أمل أن يخرج نيكولاس من السجن!

أما توماس وكريستيان فقد كانا يتحدثان الى المحامي من أجل معرفة الإجراءات اللازم تجهيزها لخروج الصبيان.

سارة تقف الى سيارة ستيف وفيفيان مع خالها ميكائيل لتخفف عنهم. وكلوديا كانت معهم إلا أنها استأذنت مسرعة نحو سيارة الطبيب فريدريك قبل أن يأتي زوجها توماس.

عرضت عليها ميليسا التي وصلت متأخرة مع زوجها جاك أن توصلها بعد أن طلبت منها سارة ذلك. اذ لاحظت موقفه الحاد في ذلك اليوم وتعتقد إن شاهدها تغادر بصحبة هذا الرجل فيفعل ما لا يُتوقع.

ولكن الطبيب أصر أن يوصلها بنفسه مثلما أحضرها، ركبت كلوديا التي شعرت بغباء فعلتها بعد أن أخبرتها والدتها أن هذه تصرفات لا تليق بفتاة راقية مثلها. ولكن صوت صغير داخل عقلها حدثها وقال لها ’لم عليكِ أنتِ دائما أن تكوني الزوجة المطيعة وهو لا يقدر ذلك، بل يقوم بإهمالك لشهر كامل!‘

لوحت بيدها إلى ستيف وفيفيان اللذان مرا من أمامها بالسيارة راحلين.

ثم ركبت في سيارة فريدريك على عجل حتى ترحل قبل أن يخرج توماس. قررت أن تبت للجميع أنها تخلصت من عقدة توماس خصوصا لوالد زوجها، ولنفسها بالدرجة الأولى.

ولكن في اللحظة التي حرك فيها فريدريك السيارة كان توماس يبحث عنها بين الجميع في مكان ركن السيارات الذي كانوا يقفون فيه، ووقعت عينه في عينها والسيارة تخرج من المكان.

وقف مصدوم لثواني معدودة، هل هذه حقا زوجته كلوديا التي في السيارة وتتحداه، ومن هذا الرجل في الأساس الذي معها؟؟ من المستحيل أن يكون هناك شخص ما في حياة زوجته مهما كانت صفته وهو لا يعرفه.

لعن لغبائه ثم ركض مسرعا نحو سيارته، وأشار والد توماس إلى كريستيان أن يلاحق ابنه فهو مجنون، ويخاف أن يفعل شيء ما متهور خصوصا وزوجته حامل.

كان فريدريك يقود بسرعة عادية، وكلوديا تلتفت للخلف بتوتر وغير مركزة على ما كان يقوله لها، إلى أن رأت ما كانت تتوقع.

ظهرت خلفهم سيارة توماس السوداء ويقود بسرعة مجنونة. قالت بشبه صراخ: "أسرع أرجوك، إنه توماس!"

نظر فريد من مرآة السائق ووجد أنه بدأ يغير له ضوء السيارة لكي يقف، ففعل فريد العكس وزاد من سرعة السيارة، مما جعل توماس يقود بسرعة أكبر ويصل إلى جانب سيارة فريد.

أنزل توماس زجاج النافذة وبدأ يقول لفريد بصوت عال: "أوقف سيارتك اللعينة أيها اللعين!"

ولكن فريد لم يفعل فبدأ توماس يضايقهم في القيادة ليجبر فريد على أن يركن السيارة.

ومن الخلف كانت سيارة كريستيان خلفهم، وسارة تصرخ بزوجها من مقعدها الخلفي: "أسرع إليه سيتسبب في حادث هذا المجنون المتهور!"

قال ميكائيل: "إنه لا يفعل ماذا يفعل إنه مجنون حقا."

رد كريستيان: "مجنون ها!! ماذا ستفعل إن رأيت ملاك تركب السيارة مع رجل آخر وانت لا تعرفه ابد؟؟"
أومأ ميكائيل وقال: "إنه على حق"

قالت سارة برعب: "ارجوك ليس وقت الجدال سيتسبب في مقتلهما."

زاد كريس في سرعته حتى وصل إلى خلف سيارة توماس وبدأ يغير له الضوء لكي يتوقف. إلا إن توماس لم يبالي ولم يتوقف، فأخرج ميكائيل يده عاليا خارج نافذة السيارة ويشير إلى توماس بأن يتوقف، ولكن توماس ما زال مستمرا في مضايقة سيارة فريد.

أحست كلوديا بالخوف الشديد، وجهها أصبح شديد الاصفرار والشحوب، تشعر أن السيارة ستنقلب بهم في أي لحظة خصوصا عندما تعترض طريقهم سيارة ما!

وضعت يديها في حماية حول بطنها وقد بدأت تشعر بألم، فطلبت من فريد أن يوقف السيارة، ولكنه لم يستمع لها، كررت له الطلب عدة مرات ولكن يبدوا أن الرجال أحيانا لا يستطيعون التركيز إلا في شيء واحد.

وفجأة من حيث لا يدرون ركاب السيارات الثلاث خرجت خلفهم سيارتين شرطة، يبدوا أنهم سجلوا سرعتهم عبر كاميرات مراقبة السرعة في الطرق، وبالتأكيد هم سرعتهم مرتفعة جدا.

"الشرطة، نحن الشرطة توقفوا واركنوا سياراتكم على اليمين"
قال ذلك رجل الشرطة عبر مكبر الصوت، وكرره عدة مرات حتى أنقص أصحاب السيارات الثلاث سياراتهم بالتدريج وركنوا يمينا!

نزل لهم ثلاث من رجال الشرطة، كل واحد منهم اتجه إلى سيارة.

وأول الرجال نزولا كان توماس الذي اقفل باب سيارته بعنف وتجاهل رجل الشرطة الذي كان متوجها إليه، ركض مسرعا نحو سيارة فريد كالمجنون.

وما إن رآه كريستيان حتى ركن سيارته خلفه مباشرة ونزلوا جميعا متجهين إلى سيارة فريد.

ولكن توماس لم يتوجه ناحية باب كلوديا بل توجه مباشرة إلى باب فريد، الذي فور أن نزل أمسكه توماس من ياقته وألصقه على السيارة وانهال عليه بالضرب.

كان كريستيان وميكائيل رغم بنيتهما العضلية القوية لم يستطيعا فكه من على فريد. اتجهت سارة مسرعة ناحية كلوديا لتخرجها من السيارة تأخذها بسيارة كريستيان إلى المنزل، وكريستيان وميكائيل يستطيعا أن يستقلان سيارة أجرة.

تدخل رجال الشرطة فسحبوا توماس من على فريد.

كان كريس وميكائيل يمسكان توماس من كتفيه، وأحد رجال الشرطة يمسك فريد.

"ما الذي يحدث هنا؟" قال الشرطي بغضب.
رد فريدريك وهو يشير إلى توماس: "هذا المجنون كان يضايقني في القيادة، إنه كان يتسبب في حادث لنا"

توجه الشرطي بالسؤال إلى توماس مستفسرا: "هل هذا صحيح؟"

"اللعنة لقد كان يختطف زوجتي، لقد كانت معه في السيارة!" قال توماس بغضب وهو يحاول أن يفك نفسه من بين يدي ميكائيل وكريستيان.

ومن هنا بدأ الرجلان يتبادلان الشتائم والاتهامات.

"أنتم معتقلو..."
لم يكد ينهي الشرطي جملته حتى صرخت سارة وهي تساعد كلوديا على النزول من السيارة:
"كلوديا تنزف! إنها تقول إنها تفقد الطفل."

ركض توماس إليها ولكن الشرطي أخرج سلاحه ووجهه نحوه وهو يقول: "توقف مكانك أنت تحت الاعتقال"

وقف توماس جامدا فقالت سارة: "أرجوك أيها الشرطي، إنه زوجها وسيكفله زوجي وخالي"
نظر إليها كل من كريستيان وميكائيل بصدمة وهما فاغرا الفاه..

أكملت سارة: "حتى يأتي إليكم بعد أن يذهب مع زوجته"
يبدو أن الشرطي قد لان قليلا وسمح لتوماس بالذهاب مع زوجته.

حمل توماس زوجته بين ذراعيه إلى سيارته وأجلسها في كرسي الراكب الخلفي وجلست سارة بجانبها.

وصلوا إلى المستشفى وأسعفوا كلوديا التي كانت مرتعبة جدا من فكرة أن تخسر جنينها إلا أن الأطباء قاموا باللازم لها وأقفوا النزيف.


--

الإصلاحية؛

من كثرة عبوس آدم وجيف حتى ظن جميع المسجونين في الإصلاحية أنهما لم يحصلا على حكم البراءة!

صحيح أنهما سعدا من أجل نفسيهما، ولكن لم يتطعما طعم السعادة تلك حقيقة وصديقهما البريء أيضا لم يتم تبرئته!

في استراحة الغداء حيث يتجمع جميع المسجونين، جلس بجانبهم جمال الشاب الذي تشاجرا معه في أول يوم وصديقه.

"لا بأس، فخمس سنوات نسبيا ليست طويلة، ها أنا سجنت لمدة عام، ولكنه مر وسوف أخرج بعد فترة بسيطة" قال جمال وهو يحاول التخفيف عنهما، لقد أصبحوا رفقة من بعد عداء.

نظر له كل من آدم وجيف، ثم قال جيف: "نحن سنخرج في الصباح، لقد تمت تبرئتنا"

تفاجأ جمال وقال: "إذا لم كل هذا العبوس؟ تبدوان وكأنكما أخذتما حكما بالمؤبد!"

أجابه آدم: "صديق لنا لم يتم تبرئته بعد، والقضية حوله معقدة قليلا، إذ لا يوجد دليل على تبرئته رغم براءته!"
تسامروا قليلا في فترة الاستراحة، ثم صافحوا صاحبهم الجديد مودعين له بعد أن انتهت فترة الاستراحة وتوجه الجميع إلى زنازينهم.

جاء صباح اليوم التالي واستعد الفتيان لمغادرة السجن نهائيا.
في مكتب آمر السجن كانوا سارة وميكائيل وكريستيان وتوماس في انتظارهما.

دخلا واستقبلت سارة أخاها آدم الاحضان والقبلات وهي تهنئه على خروجه، أما نيكولاس فبحث بعينيه في أرجاء المكتب ولم يجد والدته.

تقدم منه والده وهنئه ثم تبادل الجميع التهنئة.

جالس في هدوء في سيارة والده، ينتظر منه تفسيرا أو سببا لما لم تحضر والدته، ولكن والده لم يخبره، بل كل ما كان يقوله هو جمل متعثرة حول شوقه له.

"أبي! أين هي أمي، لما لم تحضر معك توقعت أن أجدها أول المنتظرين"
اشتد فك توماس قليلا وهو يتذكر ما حدث يوم أمس، فبعد أن اطمأن على زوجته، ترك معها سارة وذهب إلى المركز من قبل أن تفيق.

في المركز سحبوا من الجميع رخصة القيادة لمدة شهر، وذلك بسبب التهور ووجود امرأة حامل. وأيضا تم فرض غرامة على كل سائق واحتجاز السيارات الثلاث لمدة يومان.

يذكر عندما خرج الطبيب هدرسون وهو يلعن اللحظة التي رأى فيها كلوديا وزوجها! لقد تعلم درسه ولن ينساه أبدا، عليه ألا يحاول التقرب من زوجة رجل آخر.

لاحظ جيف تغير ملامح والده السريع بين العبوس تارة والابتسام تارة أخرى وهو ينتظر منه ردا على سؤاله.

قال جيف بحيرة: "أبي! هل أمي بخير؟"

ارتبك توماس وقال: "إنها فقط ... اقصد لقد طلب منها الطبيب ملازمة السرير."

انصدم جيف، هل عاد والده إلى نفس الأفعال؟؟ وعندما شاهد توماس ملامح وجه ابنه فهم فورا فيما يفكر فيه. فقال فورا ليدحض أي تفكير سلبي قد يفشله من إعادة توجيه حياته العائلية إلى المسار الصحيح.

"جيف!"
نظر له جيف بترقب خائف مما سيسمعه.
"ستحصل على أخ أو أخت"

كانت نغمة السعادة في صوت توماس لا يمكن تفويتها، ليس أنه كان ينتظر للحصول على طفل، بل لأنه يشعر أن هذا الطفل سيدخل السعادة في حياتهم.

لم يعلم جيف بم يشعر، إنه خبر غريب من نوعه، لطالما تمنى أن يكون له أخ!

ما إن ركن توماس السيارة حتى انطلق جيف مسرعا شوقا لوالدته، وكذلك أحس بالحماس لهذا الخبر الجميل.

فتح باب غرفة والدته التي كانت جالسة على سريرها، وقذف بنفسه بين احضانها كما كان يفعل عندما كان صغير.

حضنته والدته بكل الحب والحنان وهي تقبل رأسه وجبينه وعيناه.
ثم ابتعد عنها فجأة وقال: "لا يجب أن أفعل ذلك، أنتِ تنتظرين مولود جديد أليس كذلك، لقد أخبرني أبي بذلك منذ قليل."

رفعت بصرها ناحية الباب لتجد توماس ينظر إليها.
تجاهلته تماما وعبست في وجهه.
ثم اتسعت ابتسامتها عندما عادت ببصرها ناحية ابنها وأشارت الى بطنها وقالت: "هل أنت سعيد به؟"
قال جيف بحماس: "هل هو أو هي؟ أقصد هل هوا صبي أم فتاة."
سعدت كلوديا كثيرا لحماسه وقالت: "ما زال مبكرا، لا أعلم بعد. ماذا تريد أنت؟"


-"حسنا، أعتقد أنني أتمنى أن أحصل على أخت صغيرة لألعب معها."

-"أممهم، كنت اعتقد أنك ستقول صبي"
كشر جيف وقال: "لا، نحن الرجال غير ودودين وأنا أريد أخت تملأ حياتنا بهجة وحنان."

رفعت كلوديا بصرها ناحية الباب حيث كان يقف توماس، ولكنه كان قد ذهب!

فيفيان؛

دخلت إلى المنزل وهي تشعر بخلائه من روحه، روح المنزل هو ابنها نيكولاس، إنها تدعوا الإله أن تثبت براءة نيكولاس قريبا.

"هل والدتك ستأتي إلى هنا؟" سأل ستيف.
بعد تنهيد مطول قالت فيفيان: "لا، ستبقى في الفندق هي وزوجها إلى أن يحين موعد الجلسة القادمة."

-"لا أعرف لم أمك لا تحبني؟"

ابتسمت فيفيان بحزن وأمسكت يده وقالت: "ألا يكفيك حبي لك؟"


-"بالطبع يكفيني، ولكن أنتِ تتأثرين بها" قال ستيف بنبرة لوم وعتاب يشير لما حدث سابقا.

"صحيح، كنت في لحظة ضعف وأحتاج منك ال...."

وضع إصبعه على شفتيها يسكتها، ثم قال: "دعينا من الماضي، علينا أن نمضي قدما وأن نفكر كيف سنغير أسلوب حياتنا"

توجه نحو النافذة وأكمل قوله: "كما تريد أسلوب حياتنا كان خاطئ!"
اقتربت منه زوجته وحضنته من ظهره وهي تقول بصوت مكسور: "سيتصلح ولكن إذا خرج نيكولاس من السجن!"


--

آدم؛

منذ أن خرج من بوابة السجن أحس أنه ولد من جديد، حتى الهواء متغير وكأنه ليس نفس الهواء!

صحيح أنه لم يلبث في السجن سوى بضع أسابيع إلا إنه ليس مستعدا أن يهدر دقيقة أخرى إضافية دون حريته.

طلبت منه سارة أن يظل معهم أسبوع، فقد أخبرهم المشرف براون أنه وجيف يستطيعان أخذ أسبوع إجازة، ثم العودة إلى المدرسة قبل البدء في الامتحانات النهائية التي ستكون بعد ثلاث أسابيع من الآن.

وافق آدم على ذلك، فهو يشعر بالفعل إنه بحاجة إلى الراحة هذه الفترة، ولا مكان يعوض راحة المنزل.

بعد تجربته للسجن شعر حقا أنه في المنزل الآن، لقد كان يرفس نعم الله عليه، لقد أحس أن هذا حقا ما كان يفعله، فهناك حول العالم مهجرون ولاجئون والعديد ممن لا مأوى لهم.

وهو كان سيكون مثلهم لولا لطف الله ومنه عليه، قرر أن يكون ممتنا من الآن وصاعدا، ولا يكون جاحدا، سيحاول مساعدة المساكين حول العالم ومن لا يملكون مسكنا.

فكر في توم، لابد أنه قلق لأنه لم يتصل به منذ مدة، سيتصل به ولكن ليس الآن، فالآن لديه مهمة صغيرة عليه إنجازها أولا.

خرج من غرفته مسرعا واتجه نحو المطبخ حيث أخته سارة تقوم بتجهيز العشاء بمساعدة الخادمة، لقد أجلوا الاحتفال ببراءة آدم إلى أن يخرج نيكولاس وهذا ما يأملون.

"أين زوجك؟"

رفعت سارة حاجبها وكانت ستتحدث: "آآ..."
إلا إن آدم قاطعها وقال: "أصبحت حركاتك مثله تماما"

ابتسمت سارة أشارت نحو الحديقة وقالت: "إنه مع خالي ميكائيل، اذهب إليهما، هما يظنان أنك نائم"

قبل خد أخته وأسرع إلى الحديقة، وقفت تنظر له باستغراب من حركاته الجديدة.
ثم ابتسمت فالمهم أنه بدأ يعود إلى طبيعته المرحة.

وجد خاله وكريستيان يلعبان الشطرنج، وأول من لمح وجوده هو ميكائيل فقال: "أوو، مرحبا أيها الجندي هل أفقت أخيرا؟"

جلس أدم وهو يتثاءب، ثم قال: "أي جندي يا خال!! فأنا خريج السجون الآن!"

ضربه خاله على كتفه وقال كلمة بالعربية، فرد عليه كريستيان بلغة عربية متلعثمة.

نظر له كل من آدم وميكائيل بتفاجىء، ثم انفجرا بالضحك.
ابتسم كريستيان وقال: "لا تتذاكيا عليَّ مجددا!"

قال آدم وهو محرج: "كريستيان، أريد أن أعتذر منك، لقد كنت لي أخ وسند لأختي، وساعدتني كثيرا ولكن أعتقد أنني كنت جاحد"

ابتسم كريستيان: "أنت لم تفعل شيء أيها الشاب، فعندما كنت في سنك فعلت ما هو أسوء!"

في هذه اللحظة جاءت سارة وقالت: "ماذا كريستيان؟؟ هل هذه دعوة له ليتمادى!"

ضحك ثلاثتهم عليها.
ثم أخرج كريستيان هاتفه من جيبه وفتح شيء ما وسلمه إلى آدم، بدا أن جميع الموجودين يعلمون ما محتوى هذا الفيديو.
حثه كريستيان وقال: "هيا افتحه"
قال آدم: "أنت اصبحت تتحدث مثل اختي سارة!"

فتح آدم الفيديو وصدم مما رآه، كانت أخبار على إحدى القنوات الإخبارية، ويعرضون فيديو به لحظة القبض على توم، ووصفوه بأنه تابع إلى إحدى المنظمات التي تقوم بغسيل الأموال.

فتح آدم فمه بصدمة فهو أحد أعضاء هذه المنظمة، قال أول سؤال خطر في باله: "هل سيقبضون عليّ مجددا الآن؟"

ابتسم له كريستيان ابتسامة مطمئنة وقال: "الفضل يعود لجيفان، هو ساعدني في معرفة العديد من الأمور، وقام المحامي برفع قضية عليهم بالنيابة عنك تم تبرئتك بصفتك تحت السن القانوني وأيضا..."

-"وأيضا ماذا؟"
-" الفيديو الذي سجله جيفان والصوت عندما وجدك في المطعم كان دليلا على أنك خدعت من قبل هذا الشخص."
  
قام آدم وعانق كريستيان وكأنه أخوه الكبير فعلا، لقد كان ممتنا حقا لكل ما فعله ويفعله من أجله.

ثم أعلن ميكائيل أن طائرته غدا صباحا ليعود إلى تركيا، وأخبر آدم أنه ينتظر مجيئه بعد انتهاء الامتحانات مباشرة، ليقضي معه الصيفية في تركيا.

وقف آدم واتجه إلى القبلة وركع ركعتي شكر..

فقد علم أنه كان بعيدا عن الله وعليه التقرب والثقة بالله وحده، وقرر أنه لن يتهاون في دينه مجددا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي