35

(زهرة بين الزهور )


اليس التهديد اصعب من الفعل، تعيش ايامك وانت تنتظر الاسوأ ليأتي، ولكن لا تعلم ماهو!

كانت ميليسا ترتجف ولكن تحاول الشد من عزيمتها حتى لا يلاحظ السائق ذلك، فالتهديد بالقتل أمر بشع،  يجعلك تعيش على اعصابك متوترا، لا تستطيع ان تثق في أحد من حولك.

تتحدث مع والدتها وترفع صوتها حتى يصل الى مسامع السائق، الذي كانت تراقبه من المرآة التي امامه وتراقب عيناه حيث ما نظر.
- انا في الطريق العام واركب سيارة اجرة والسائق في حوالي الخمسين من عمره واعتقد انني سأصل المنزل بعد حوالي الخمسة عشر دقيقة، وان تأخرت يمكنك الاتصال بي مجددا فأنا لن أتأخر عليكِ.

كانت والدتها تستمع اليها وهي مذهولة! ما بها ميليسا ولم تتحدث هكذا.
- ميليسا؟ ما بكِ يا ابنتي، هل هناك خطب ما؟
- لا يا امي لن اتأخر انا أعدك.

كان السائق يستمع وهو مصدوم، ما بها هذه الفتاة هل هي مجنونة!؟
وبعد عدة دقائق كانت قد وصلت إلى المنزل. لم تصدق عينيها وهي تنظر عبر النافذة، هو لم يختطفها او يحاول قتلها!؟ لا بد انه قد لاحظ مكالمتها مع والدتها ولا يريد ان يتم الشك به ان اصابها مكروه.

اعطته اجرته ودخلت الى المنزل.
واما السائق فقد اتصل بذلك الشاب مباشرة وقال عندما رد عليه الطرف الآخر: مرحبا، سيد جاك، لصد قمت بإيصال الانسة.
يستمع إلى تعليمات جاك ثم يقول: لقد فهمت سيدي، اجل اجل، وسأفعل سأرسله لك فورا.

دخلت ميليسا الى المنزل بعد يوم مملوء بالارهاق والضغط، وجدت والدتها جالسة على الكنبة في غرفة الجلوس وهي  تصدر التعليمات الي الخادمات بكل تذمر.
عندما رأت ميليسا تقف عند الباب ابتسمت وقالت: تعالي واجلسي معي يا ابنتي لقد مللت الجلوس وحدي.
ميليسا: اين ملاك وزوجها ميكائيل؟
سوزان: لقد سافروا الى تركيا، انهم يوصلون لكِ سلامهم الحار.
ميليسا: كنت اتمنى ان اودعهم، واين آدم؟
سوزان: لقد جاء جيڤان وأخذه معه في رحلة كشافية، قال ان سارة لديها علم.
اتكأت ميليسا على ركبة سوزي، مما اشعر سوزي بالاستغراب! فهما لم تكن بينهما هذه الرابطة القوية التي تكون بين الام وابنتها.
لقد لاحظت شحوب ابنتها منذ ان دخلت من الباب، ولكنها اوعزت ذلك الى ارهاق العمل، خصوصا انه اول يوم لها في العمل وتتحمل تغطية غياب كريستيان عن الشركة.
مدت يدها بتردد نحو رأس ابنتها الذي في حجرها، تقرب يدها تارة وتبعدها تارة اخرى، ثم تدريجيا خللت أصابعها في شعر ابنتها وبدأت تمسد لها رأسها.

كم كانت ميليسا بحاجة الى حنان والدتها، تشعر انها بدأت تنسى همها، فمنذ الصباح بعد ذلك الحادث اصبحت تشعر انها بحاجة إلى حضن والدتها.

قالت سوزي بحنان بالغ وصوت رقيق وهادئ: هل انتِ بخير يا عزيزتي؟ تبدين شاحبة.
لا تريد ميليسا ان تخبر والديها عما حدث معها حتى تأتيها الشرطة بخبر يقين.
ابتسمت وقالت: انا بخير يا امي، اين ابي انا لم اره!
سوزي: انه عند الطبيب، فكما تعلمين لقد تعرض منذ مدة الى ذبحة صدرية، وبالامس يبدو ان بعض الاعراض قد عاودته ثانية.
اعتدلت ميليسا في جلوسها وقالت: لما لم تخبريني لكنت ذهبت معه إلى المشفى!
سوزي: اوه، انتي تعرفين والدك دائما ما يكابر ويقول انه بخير، لم يدعني اخبر احد.

قررت ميليسا الذهاب إلى غرفتها بعد ان جلست لفترة بصحبة والدتها تتبادلان بعض الاحاديث.
استحمت من ارهاق وتعب هذا اليوم ونامت، حتى انها لم تنزل لتتناول افطارها.

في صباح اليوم التالي شعرت ميليسا ان مزاجها قد استقر قليلا، فمع كل صباح جديد نعيشه تخف مشاكل الايام السابقة بالنسبة لنا.

جلست تتناول الافطار مع والديها. فهذه عادتهم التي لم ينقطعا عنها ابدا. فمنذ ان كبرت وبدأت تفهم الاشياء من حولها علمت ان وجبة الإفطار والعشاء شيء مقدس الى والديها يتناولانه سوية ولا يتغيب احدهما عنه الا لظروف.

استمتعت بإفطارها فيبدو ان والديها اليوم بمزاج جيد، فهما سعيدان جدا لسعادة كريستيان وزواجه من سارة رغم تغير معتقداته وديانته الا انهما قاما بدعمه ومساندته.

بعد ان مزحوا قليلا حول كريستيان وحول انه قد تغير كثيرا بسبب الحب، واطمأنت على صحة والدها، توجهت الى الشركة وقد اوصلها السائق.
وحين طلبت من الخادمة ان تخبر السائق ان يجهز السيارة سألها والدها عفويا عن سيارتها، ولكنها لم تشأ ان تقلقه فقالت انها في التصليح، وهذا ما اخبرت به والدتها بالامس عندما سألتها.

دخلت من باب الشركة لتجد جميع الموظفين والموظفات ينظرون اليها مبتسمين ويتبادلون الهمسات والغمزات، كانت تمشي وتبادلهم الابتسام ولا تعرف ما الامر الذي يجعلهم يبتسمون لها بهذه الطريقة!

وصلت الى المكتب وعندما فتحت بابه، ذهلت مما رأت، ان حجرة المكتب مملوءة بالازهار، حرفيا الازهار في كل مكان، فوق طاولة المكتب، فوق الارضية، على الكنبة والكراسي.

دخلت مبهورة تلمست بثلات الازهار بأصابعها، ثم رفعت زهرة اليها تشتمها، وفي احدى الباقات الكبيرة وجدت بطاقة مكتوب عليها "يا زهرة بين الزهور، اتمنى ان تنال هذه الزهور اعجابك، مايكل".
وما ان انهت قراءة الجملة حتى جاء صوت من على الباب افاقها من ذهولها: "اعتقد ان هذه لا قيمة لها الآن".
نظرت ناحية الصوت فوجدته ذاك الشاب الذي التقته امام المقهى بالامس.
قالت بإستغراب وهي تنظر الى باقة الازهار البيضاء التي بين يديه، ازهار بيضاء مغايرة تماما عن الازهار الحمراء التي تملء حجرة المكتب: انت؟ ماذا تفعل هنا؟ وكيف عرفت مكان عملي؟
قال وهو يتقدم نحوها: جراي اليس كذلك؟ اسمك مليسا جراي؟
ضيقت ميليسا عينيها وهي تنظر له وقالت: ماذا؟ هل تراقبني؟
احست انها اربكته.
قال: في الحقيقة، اعتقد انني كنت وقحا قليلا معك بالامس وربما اكون قد ازعجتك.
ثم لوح لها بباقة الازهار قائلا: وجئت لأقدم لكِ الاعتذار.
ميليسا: الاعتذار؟ وكيف عرفت مكاني يا سيد......
ابتسم لتشدقها وقال: ماذا هل انا في تحقيق مع المحقق كونان؟
ميليسا: هذا ظريف، ولكن كيف عرفت مكاني.
قال: ان الرجل الذي اوصلك بالامس هو سائقي الخاص، قمت بالاتصال به واخبرته ان يستأجر سيارة ليوصلك، وعندما علمت اسمك سألت عنك فأخبروني انكِ تعملين هنا.
طال الصمت قليلا وهي تفكر في كل ما قاله.
فمد يده مصافحاً وقال: بورتشيني، انا جاك بورتشيني وكنت اظن ان الازهار تنسي النساء في المشاكل.
ومسح بيده على مؤخرة عنقه واكمل: ولكن يبدو انني كنت مخطئ!
اخذت منه الازهار وقالت: الان تذكرت اين رأيتك، فأنت لاعب كرة السلة المشهور!
ابتسم لها فهو لم يصادف شخص لم يتعرف عليه فورا من قبل، فهر رياضي مشهور جدا.
قالت وهي تشتم الزهور: هل انت متأكد ان هذه الزهور غير مسممة او بها شئ ما؟
جاك: ماذا؟ هل انت دائما هكذا ام فقط معي انا.

شعرت ميليسا انها قد بالغت كثيرا، وانه دورها لتقدم له اعتذار.

ميليسا: شكرا لك حقا سيد جاك، لقد كنت انا ايضا بالامس فضة معك ارجوك ان تتقبل اعتذاري، وارجو ان تفضل بالجلوس
وبينما توجهوا إلى الاريكة، اتصلت السكرتيرة لتقول: آنسة ميليسا ان مفتش من الشرطة يود رؤيتك.
ارتبكت فالمكان يعج بالازهار وايضا جاك هنا ايضا، فقررت اخذه الى غرفة الاجتماعات، ولكن المفتش لم يمهلها بل دخل فورا.
نظر حوله بإستغراب ثم ابتسم وقال: هل هو عرض زواج؟
خجلت ميليسا وقالت: لا، بالطبع لا، ان السيد جاك صديق، وهو كان يهم بالمغادرة.
نظر لها جاك بطرف عينه وقال: لست في عجلة من امري، تفضل ايها المفتش.
غضبت كثيرا كيف يمكنه التصرف هكذا والتحكم في مجريات الامور وهو في مكتبها وشركتها.
قال المفتش: لن أؤخركما، لقد ظهرت نتائج التحقيق يا آنسة جراي، للأسف انها محاولة قتل عن سبق اصرار وترصد.
شحبت ميليسا وارتعشت قدميها، من سيقوم بمحاولة قتلها، ليس لها عداء مع احد.
لاحظ جاك شحوبها وقال: وكيف تم ذلك ايها المفتش؟
لقد تم فك براغي عجلة السيارة جميعها ما عدا واحدة والتي تم حلها لتسقط ما ان ترتفع سرعه قيادتكِ للسيارة، والحمد لله انكِ نجوت بإعجوبة.
جاك: وهل هناك مشتبه به؟
المفتش: ارجوا ان تجيب الآنسة ميليسا على هذا السؤال.
ميليسا: لا اعلم، ليس لدي اي عداء شخصي مع اي احد في الحقيقة.
جاك: من مرسل هذه الازهار؟ هل هو شخص تعرفينه؟
ميليسا: اجل، انه خطيبي السابق


بعد مرور النصف ساعة اصبحت لوحدها في المكتب، تفكر بما حدث، انه كابوس حقا ولكن عليها معرفة ما وايجاد حل.
اخبرها المفتش انهم ان يدخروا جهدا وسيجدون الفاعل في اقرب وقت.

اتصلت بمسؤول الامن في الشركة وطلبت منه ان يقوم بأخذ الازهار ورميها بعيدا.
رن هاتفها ووجدت انه مايكل، لم تكن لها النية في الاجابة عليه، فهو احد المتهمين بالنسبة لها.

اجابت عن الاتصال على مضض، سألها هو ان كانت الازهار قد اعجبتها، كانت تريد استنباط شيء من حديثه معها، فحاولت اطالة المكالمة وأخبرته انها تجد الازهار جميلة جدا وتشكره على لطفه الكبير معها.



وفي هذه الاثناء كان جاك يُجري اتصالاته من اجل البحث في هذه القضية.
فقد إستأذن منها فور ان خرج المفتش.
فكر في عقله من يا ترى يحاول ايذاء ملاك مثل هذه!؟

من اول ما التقى بها امام المقهى لفتت نظره، كانت تبدوا تائهة ووحيدة، واراد حينها التعرف عليها فقط، اما الان فهو يريد مساعدتها.

اول شيء قام بفعله هو انه حدد موعد مع المفتش، حتى يناقش معه تفاصيل اكثر.
مؤكد ان الفاعل شخص يريد الانتقام منها!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي