36

(طيف من الماضي)

جلس جاك وهو سارح بأفكاره حول الماضي البعيد، قبل حوالي الخمس سنوات عندما كان في 26 من عمره، كان معجب بفتاة تمارس كرة التنس للمحترفين، اسمها سيرينا وكانت تتدرب معه في نفس النادي، فتاة مملوءة بالحياة وحب الحياة.

تعرف عليها وتوطدت علاقتهم كثيرا، حتى انه كان سيطلب يدها في اليوم الذي قتلت فيه.
كان لها قاعدة جمهورية كبيرة، وآخر تقرير للشرطة كان ان احد المعجبين المهووسين قام بمطارتها وتهديدها عدة ايام ثم قام بإتلاف فرامل السيارة.

جن جنون جاك لذلك الخبر حينها، فقد جهز لها الخاتم والمكان الذي سيطلب يدها فيه، انهار عدة اشهر وكانت صورتها تلاحقه.

شفي أخيرا من جروحه، فالانسان ينسى ويتناسى ليعيش!
ولكن في ذلك اليوم لذكرى وفاتها كان في المقهى الفرنسي خاصته الذي افتتحه منذ عدة سنوات، ووجد فتاة تشبه سيرينا كثيرا، بشعرها الاشقر وطولها وبشرتها البيضاء.
تجلس في المقهى بصحبة رجل ما، ومن دون شعور منه لحقها الى خارج المقهى عندما خرجت بصحبة الرجل.

ولكنها عادت إلى المقهي وعندما خرجت كانت تنظر ناحية سيارة مرافقها وهو يبتعد بكل ذهول، يبدوا انه ذهب وتركها.

من ذهولها اصطدمت به، حاول مساعدتها في ايصالها الى منزلها ولكنها رفضت بشدة، فقام بعمل خطة صغيرة مع سائقه، وذلك بأن يستأجر سيارة اجرة لبضع الوقت ويقوم بإيصالها الى منزلها ويحضر لها عنوانها.

عاد بأفكاره الى الواقع، عليه ان يحاول مساعدتها، يبدوا انها تتلقى تهديدا بالقتل، والمفتش اخبره ان الموضوع جدي جدا وليس به مزاح، فالقاتل لم يترك مجالا لها للنجاة، ولولا حظها وفطنتها لكانت في عداد الاموات.

لن يسمح لذلك بأن يحصل، سيفعل كل ما يستطيع لمساعدتها، عل هذا يساعده في التكفير عن ذنبه لعدم حمايته لسيرينا.

اخذ هاتفه واتصل بها سيقوم بعزيمتها على الغذاء، ويأمل ان توافق، عليه ان يتناقش معها حول اذا ما كانت تشتبه بشخص ما او قام احد بإرسال تهديد آخر.

ميليسا؛

لكم تشعر بالشوق والحاجة إلى سارة، حيث ان سارة حكيمة للغاية، ولكنها لا تريد ان تثير قلق اخيها كريستيان وسارة، فهما قد قاسيا الامرين ومن حقهما فترة نقاهة بعيدا عن كل المشاكل.

كانت مستلقية في سريرها تحدق الى السقف، وانفضت من سرحانها عندما ارتفعت نغمة رنين هاتفها واخرجها من خيالها.

نظرت الى الرقم ولم تعرفه، ربما يكون الشخص الذي حاول قتلها، لا تريد ان تجيب فهي تشعر بالخوف، ولكن في آخر رنة قررت ان تجيب وفتحت الخط بتوتر واعصاب مشدودة.
قالت: نعم؟ من معي؟
جائها صوت مألوف من الطرف الآخر، ولكنها تظاهرت بعدم معرفة هوية المتصل فقال لها: انا جاك.
ميليسا: اوه جاك، مرحبا.
جاك: كيف حالك الآن؟

تجاذبا اطراف الحديث حتى اندمجا فيه مطولا، واخبرها انه سيقوم بمساعدتها لمعرفة من حاول قتلها.
فقالت تمازحه: ربما تكون انت الفاعل، وتعمل بنظام ابقِ عدوك تحت عينيك.
ضحك عليها بصوت عالٍ وقال: اتعلمين لو كنت اريد ذلك لكنت فعلته، ولكن من حسن حظك إنني من الجانب الطيب من جوانب البشرية.
وبعد مكالمة طويلة نسبيا سألها فيها ان كانت قد تلقت اي تهديدات اخرى سابقا او بعد الحادثة، قام بتوديعها وتمنى لها ليلة سعيدة.
وما ان اقفلت الخط وجلست حتى رن الهاتف مجددا 
فتحت الخط وهي تضحك وتقول: ماذا هل نسيت شيئا؟
جائها صوت غليظ جدا من المتحدث على الطرف الاخر من الخط، يبدوا صوتا معدل بتقنيات وادوات تعديل الصوت حتى لا يتم التعرف على المتحدث.
قال الصوت: يبدوا انك لا تأخدين الامر على محمل الجد، تمرحين وتستمتعين بوقتك.
ارتجفت ميليسا وجف حلقها من الخوف.
قالت بصوت متلعتم: من؟ من انت؟ وما الذي تريده مني؟
ضحك المتصل بصوت بشع وقال: لا يا عزيزتي، لن اخبرك بطلباتي فليس لي واحدة، كل اهدافي ورغباتي هي ان تموتي.
انعقد لسانها ولم تعرف بم تجيب، ضحك المتصل ضحكة مستفزه واقفل الخط.
اخذت تنظر الى الرقم وهي مصدومة ولم تفكر مطولا عندما اخذت هاتفها واعادت الاتصال بجاك، الذي قام بدوره بتسجيل الرقم ليبحث عنه بمساعدة صديق له يعمل في بريد الاتصالات.

كان صوتها يرتجف وقصت له ما قاله المتحدث بذلك الصوت بالتفصيل.
ايعقل ان يكون هناك اناس لا يتمنوا شيئا في الحياة سوى موتك! هذا ما كان يحير ميليسا، من هذا الذي يريد بشدة قتلها.

بعد ان اقفلت الخط من جاك اتصلت مباشرة بمايكل، ستستنبط منه المعلومات، مؤكد انها ليست صدفة اتصاله بها في نفس اليوم الذي تعرضت فيه الى حادث متعمد كاد ان يؤدي بحياتها بعد انقطاع وغياب حتى قرابة العام او يزيد.

يبدوا مايكل سعيد جدا بإتصالها، على عكسها هي تماما.
ولكن للأسف مايك فهم اتصالها بشكل خاطئ، لقد فهم انها تهتم لأمره، وهذا ما لن يحصل ابدا.
فصفحتة طويت بالنسبة لها، ولن يحصل معها على فرصة ابدا.

نامت تلك الليلة بتوتر وكوابيس تلاحقها طوال الليلة، كانت تركض في كابوسها ويركض خلفها شيء ضخم لا تبدو واضحاً، يطاردها بشراسة وهي تلهث من التعب، كان الحلم وكأنه واقع.
ثم سمعت اصوات تقول تضحك من حولها وتقول: لن تكون المحاولة الاخيرة، لن اتوقف ابدا، ومن المؤكد ان في احدى هذه المحاولات ستكون نهايتك.

استيقظت والعرق يتصبب منها وتشعر وكأنها تختنق، رمت الغطاء ارضا ونهضت من السرير بخطوات سريعة متوجهة نحو الشرفة، فتحت باب الشرفة على عجل ووقفت على درابزينها تستنشق الهواء ولتتركه يدخل عميقا ويتغلغل في رئتيها، كانت حرفيا تشعر بالاختناق.
وبعد لحظات شعرت تحت قدميها الحافيتين بسائل لزج، كانت الشرفة مظلمة فلم تستبين ماهية السائل، فلم يكن ينيرها الا ضوء خفيف من اضواء الحديقة، اتجهت الى مفتاح تشغيل المصباح الكهربائي، وعندما انيرت الشرفة دوت منها صرخة تلقائية مجلجلة.

كانت بالشرفة نهر من الدماء في خط مستقيم، ورأس قطة ملقاة على الأرضية ، ومكتوب على الحائط ليلة سعيدة ايتها الاميرة!

وعلى صوت صرختها استيقظ جميع سكان المنزل من خدم وحارس الامن والسائق والطباخة وعلى رأسهم والديها.

دخلت والدتها وصدمت وصرخت من الفزع هي الاخرى، فتقدم والدها وحضن ابنته للتهدئة من روعها، فقد كانت ترتجف بشدة من الصدمة والخوف مثل ورقة في مهب الريح.
سوزي قالت: ولكن ما هذا؟
قال جورج والد ميليسا: اين سام حارس الامن؟
تقدم سام وقال: انا هنا يا سيدي، ولكن لم الحظ احد يدخل الى المنزل.
جورج: اتصل بالشرطة حالا يا سام، ولا يدخل احد منكم الى الشرفة حتى تأتي الشرطة وتقوم بعملها.

كان جورج قيادي بطبعه وهذا ماورثه كريستيان منه. فجورج رجل حكيم يجيد التصرف وتبدو الحكمة واضحة عليه من مظهره الخارجي، فهو طويل القامة ذو بنية جسدية تبدو قوية رغم كبره في السن فهو في بداية الستين من عمره، يرتدي نظارة طبية ودائما انيق.

جلست ميليسا على سرير غرفتها وهي ترتجف ولكن لا يوجد ردة فعل لها سوى دموع منسكبة على خديها.
جلسى كلتا والديها معها كل على جانب، جورج يحتضنها ويربت على شعرها ووالدتها تمسك بيديها.

قال جورج: لا تخافي يااميرة ابيكِ، انتي في حمايتي ولن يحصل اي مكروه لكِ، وسأتأكد بنفسي ان من قام بهذا العمل ان ينال جزاءه، فهو ان كان مزاح فهو مزاح سيء.
لطالما كان جورج اقرب الى ابنته ميليسا من والدتها سوزي، فهو دائما يحنو عليها ويقوم بنصحها ومساندتها، على عكس كريستيان الذي كان الاقرب الى سوزي.

جاءت مجموعة من رجال الشرطة الى منزل آل جراي، وبعد معاينة المكان واخذ عينات من الدماء التي في الشرفة، خرج جميعهم الى غرفة الجلوس، وكانت ميليسا بحالة سيئة اثارت استغراب والدها، حيث ان من الممكن ان يكون الامر مجرد مزحة من بعض اصدقائها البليدين، ورغم ذلك فهو سيقوم بمعاقبتهم.

توجه المفتش من مركز الشرطة بالقول الى ميليسا: آنسة جراي، هل تعتقدين ان من قام بهذا العمل هو نفس الشخص الذي اقدم على محاولة قتلك في قضية حادث السيارة؟
تفاجأ والديها ونظرا مباشرة لها.
فقالت وهي تمسح انفها: لا اعلم.
قال جورج بصدمة: محاولة قتل؟
سوزي بصدمة اكبر: وقضية؟
جورج: هل ان افهم ما الذي تتحدثان عنه؟ واي محاولة قتل تقصد ايها المفتش.
نظر المفتش ناحية ميليسا وصمت قليلا ثم قال: يبدو ان الآنسة ميليسا لم تخبركم، منذ بضعة ايام تعرضت الآنسة جراي الى محاولة القتل عمدا عن طريق فك براغي عجلة القيادة بسيارتها.

سوزي صرخت تقريبا: يا الهي.
جورج: ماذا؟ ولم قد يحاول احد ما بمثل هذا العمل؟ الى ماذا توصلتم في القضية؟
ثم استدار ناحية ميليسا والتي ذهبت اليها الآن سوزي لتحتضنها، نظر اليها بغضب وقال: ولم انا لا اعلم بذلك؟
ميليسا بعبرات البكاء: انا آسفة يا أبي، لم اشأ ان اقلقكم.
توجه جورج بالحديث الى المفتش وقال: ايوجد اي مشتبه بهم؟
المفتش: لا للأسف سيد جورج، فالانسة ميليسا لم تعطنا اي اسماء، وقالت ان ليس لديها اي عداوة مع اي شخص وهي لا تشتبة بأي أحد.
سوزي: اجل، ابنتي ليس لها اي عداوات فهي انسانة مسالمة وطيبة.
جورج: ولكن يبدو انه لديها يا عزيزتي سوزي، لدرجة انه يحاول قتلها!
المفتش: اتمنى ان تتعاون معنا الانسة ميليسا وهذا لأجل مصلحة سلامتها الشخصية.
ميليسا: انا اقسم انني لا املك عداوات، لا اعلم من ربما قد يفعل ذلك معي.

دخل رجل من رجال الشرطة وقال موجها حديثه إلى المفتش: سيدي، هذا تقرير نتيجة عينة من تحليل الدماء التي في الشرفة.
اخذ المفتش منه الورقة وبدأ بقرائتها.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي