71

(الجريمة)


قد تتغير مسارات سفينة حيواتنا على حين غفلة، لا ندري ما يخبئه القدر لنا.

"أحتاج إلى النقود الآن، إنهم يهددونني، عليا أن أسدد ديوني."
قال كلارك ذلك وهو يتلفت حوله يمنى ويسرى وكأنه يخشى أن يراه أحد ما.

"وما شأني أنا!؟" قال نيكولاس.

ابتسم كلارك ابتسامة جانبية وقال: "هل نسيت ذاك الدين، عليك أن تسدده في أقرب فرصة"

همس نيكولاس بغيظ قائلا: "ولكنني أعطيتك الإسوارة بدلا رهناً!"

أشار اللئيم بإصبعه قائلا: "لا يكفي يا عزيزي، عليك مساعدتي، انظر إلى منزل هذه العجوز لابد أن لديها ثروة هنا"

دفعه نيكولاس بيديه إلى الخلف وقال: "لا تفكر في هذا الموضوع مجرد التفكير أيها الوغد!"

بصق كلارك نحو الاسفل وقال: "أنت غبي يا هذا، لو عرفَت من أنت لكانت أبلغت عنك الجهات المختصة"

وبدأ يخبره ما سيفعلونه معه إن عاد إلى المركز بعد أن هرب! وقال له كل ما يلزم هو أن يمهد لدخوله هو وصديق له لكي يسرقوا الأشياء الثمينة ويعده أن لا يحدث للعجوز أي شيء!

كانت ناردين تقف خلف الباب وتستمع، وضعت يدها على فمها في ألم تحاول أن لا تصرخ. ولكن ما سمعته تاليا جعلها تبكي من أعماق قلبها.

"سأحضر لك مالك غدا، فقط أمهلني للغد، ولكن أرجوك جهز لي الإسوارة."
قال نيكولاس.

رد عليه كلارك بحنق: "إذا لن تمهد لنا الطريق!"

ابتسم نيكولاس وقال: "لم يقف أحد في حياتي إلى جانبي مثلها، ولن أرد لها الحسنة بالإساءة أبدا"

كما تشاء لوح كلارك بيده في عدم إكثرات وذهب مبتعدا عن المنزل وهو يؤكد على نيكولاس ضرورة إحضار المال غدا وإلا سيأتون بحثا عليه هنا!

أسرعت ناردين نحو غرفتها حتى لا يراها نيكولاس، ولكن بسبب خطواتها الثقيلة لم تستطع أن تدخلها قبل أن يراها آدم وجيف، اللذان جاءا ليبحثان عنهما حيث تأخرا.

نظرا كل من جيف وآدم إلى بعضهما باستغراب، ثم رأو نيكولاس يدخل من باب المنزل وهو متكدر.

"ماذا هناك؟ من كان على الباب؟" سأل آدم

نظر نيكولاس بحزن وقال: "شخص ما يحاول ابتزازي!"
جيف: "ماذا؟ ولكن ماذا يريد؟"

قص عليهم نيكولاس ما دار بينه وبين كلارك علَّى صديقيه يجدان له حل ما، ولكنه تفاجأ عندما أخبراه أن الجدة ناردين كانت هنا عندما جاءا ويبدو أنها سمعت كل شيء!

وبدون أي تفكير أسرع نحو غرفتها وصديقيه خلفه، فتح الباب ووجدها جالسة على سريرها ممسكة بصورة مؤطرة تتأمل فيها وتلامسها بأصابعها المجعدة.

لم تكن تبكي فقط نظرات الحزن التي في عينيها دخلت مباشرة إلى قلب نيكولاس.
جلس أمامها على الأرض وقال: "لم أقصد ما فعلته، كنت محتاجا جدا، أرجوك سامحيني."

لم يسمع منها أي إجابة، فقال يحاول تبرير نفسه:
" اعلم أن الثقة إن كسرت من الصعب أن تلتئم!"

ثم سكت لم يعلم ماذا يقول ونكس رأسه نحو الأسفل، مدت العجوز ناردين يديها الناعمتين الدافئتين المجعدتين كأيدي الجدات الحنونات وامسكت وجهه ورفعته لينظر اليها وقالت:

"كانت أكبر منك بحوالي السبع سنوات، في الرابعة والعشرين من عمرها، انهارت بعد وفاة والدها، حاولت جاهدة أن أحتضن فقدها لوالدها ولكنني كنت أقل حكمة من الآن! سعيت إلى أن أوفر لها حياة مادية كريمة حتى لا تشعر بغياب والدها".

نزلت دموع ناردين وهي تتذكر وتقص على نيكولاس وأصدقائه تلك الأيام البائسة التى مرت عليها عندما اكتشفت إدمان ابنتها على المخدرات.

نظر لها نيكولاس بتفاجئ، هل تعلم بموضوع تعاطيه للمخدرات!؟ لقد كان أشد من حريص على ألا تشك به أبداً.

قرأت ناردين ما يجول في ذهنه من نظرات الارتباك في عينيه فقالت مبتسمة بتسامح: "صدقني يا بني، خبرتي على ابنتي وحسرتي على فقدانها بتلك الطريقة يجعلني أميز المتعاطين!"

قال نيكولاس بحزن: "لم استقبلتي شخص مدمن في منزلك سرقك! لما لم تطرديني وحسب"

"إنك فتى جيد، وأريد مساعدتك علَّى ضميري يرتاح قليلا من ذنب إهمالي إلى ابنتي!"

وهنا أخرجت العجوز ناردين مبلغا من المال وطلبت منه أن يذهب ويسدد دينه إلى ذلك الشاب، ثم يعود إلى منزله ويبدأ في رحلة علاجه ليتعالج من هذا السم.

التف الفتية الثلاث حولها وكأنها النور وهم فراش محلق حولها!

استمعت تباعا لكل مشكلة واحد فيهم، ونصحتهم ما عدا جيف بدا لها إنه لا يقبل النصيحة، ولكن قلبه نظيف جدا.

ذهبوا واتصلوا بأهاليهم بعد ذلك وهم مستعدون للحوار، وكأن القدر يخبرهم أن ما يحدث في حياتكم لن تتخيلوه أبدا! فما سيحدث تاليا أشد غرابة من السابق!

جاء يوم جديد، وهو موعد عودة نيكولاس الى اهله، وأيضا آدم ذاهب ليحضر حفل في منزل اخته سارة.
أما جيف فقرر البقاء عدة أيام أُخَرْ في منزل العجوز ناردين!

ولكن قبل أن يتوجهوا إلى وجهاتهم ذهب نيكولاس إلى شقة كلارك حتى يعطيه ماله ويمحوا هذه الصفحة من حياته نهائيا!

أصر صديقيه آدم وجيف على مرافقته، خرج هذه المرة نيكولاس بدون قبعة ولا كمامة، لم يعد يريد التخفي، يريد أن يتحرر!

وصلوا إلى الحي الموحش ثم صعدوا إلى شقة كلارك، ولكن الغريب أنهم وجدوا باب الشقة مفتوح.

"يا إلهي ما هذا المكان، إن رائحته نتنة جدا!" قال جيف.
"دعنا نسرع ونخرج من هنا!" قال آدم.

تقدمهم نيكولاس ودفع الباب المفتوح ودخل وهو يقول: "كلارك أين أنت، لقد أتيت حسب الموعد!"

ولكن ما إن دخل الثلاثة حتى تفاجئوا بكلارك ملقى على الأرض وهو غارق بدمه ويلفظ أنفاسه الأخيرة.

اقترب منه نيكولاس وهو يقول: "يإلهي، كلارك هل تسمعني؟" وحاول نزع السكين المغروس في قلب كلارك.

أمسك كلارك بيد نيكولاس وكأنه يريد قول شيء ما: "اخ-ر-جو-ا"

كان كلارك في تلك اللحظات علم إنها نهايته، وسيتورط نيكولاس في الموضوع.

رأى نيكولاس إسوار الجدة ناردين الذي كان يتدلى من جيب كلارك، فأمسكه.

خرجت روح كلارك في تلك اللحظات فصرخ آدم: "دعونا نخرج من هنا بسرعة!"

ولكن نيكولاس سحب هاتف آدم وقال: "دعونا نتصل بالإسعاف."
صرخ به جيف وهو يسحبه نحو الخارج ويقول: "هل أنت غبي دعنا نهرب سنتورط!" 

خرج الثلاثة يهرولون بفزع خارج المبنى، إلا إن الشرطة كانت أمامهم، و شاهدوا ملابس نيكولاس الملطخة ببعض من دم كلارك.

"المكان محاصر، ارفعوا أيديكم فوق رؤوسكم"
كانت الشرطة تراقب شقة كلارك منذ عدة أيام، يريدون القبض على الذي يموله، ولذلك قام الشخص الممول بقتل كلارك قبل أن تستطيع الشرطة إيجاد مكانه.

نظر الثلاثة نحو بعضهم بفزع فصرخ الشرطي بهم بصوت عال: "قلت ارفعوا أيديكم فوق رؤوسكم!"

امتثلوا لأوامر الشرطة وكانت هناك كاميرا تلفزيون تصور الحادثة تحت طلب من الشرطة ليوثقوا للعامة لحظة إلقاء القبض على شبكة التجارة بالمخدرات.

"إن الشاب مقتول يا سيدي" قال شرطي ذلك لرئيس الشرطة وهو يخرج من المبنى الذي فيه شقة كلارك.

نظر نحوهم رئيس الشرطة وقال: "فتشوهم واحتجزوا كل ما بحوزتهم واعتقلوهم".

كانت الصدمة على وجوه الثلاثة لا يمكن تفسيرها، إلا أن الصدمة في أماكن أخرى كانت أشد وطأة!


الخبر المفجع؛

العجوز ناردين جالسة بجانب النافذة التي تطل على الشارع وبجانبها يرقد القط العجوز، ممسكة بكوب الشاي وهي تتأمل الناس المارة، كعادتها السابقة قبل أن يحضر نيكولاس للإقامة عندها قبل حوالي الشهر.

فجأة انقبض قلبها وتسارعت دقاته، وانسكب منها كوب الشاي حتى إنه تناثر على القط المسكين فهرب يموء من سخونته.

أحست إن شيء ما سيء سيحدث!


اما سارة فقد كانت تجهز للحفل بسعادة هي وميليسا، والتوأمان يلعبان مع إبنة ميليسا.

كانتا تسترجعان الذكريات والمواقف المضحكة لهم الثلاثة، سارة وميليسا وآدم.
الأجواء كانت في غاية الروعة وكل شيء جاهز.
جلسوا في غرفة المعيشة في انتظار كريستيان وجاك أن ينتهيا من تركيب الزينة.

بعد لحظات انظم الرجلان لهما وأمسك جاك بجهاز التحكم في التلفزيون.
بدأت سارة تسكب الشاي الموضوع على الطاولة أمامها ريثما وصل آدم وصديقه جيف.

ميليسا بتأفف: "لا تقل أنك ستشاهد مباراة الآن، أنت مدمن عليهم"
أخذ جاك يتناقش مع ميليسا ولم ينتبها على التلفاز، رأى كريستيان ما جعله ينصدم ويخطف جهاز التحكم من يد جاك وهو يقف فجأة ليزيد في صوت التلفزيون ويقول: "أصمتوا!".

انتبه إليه ثلاثتهم ثم نظروا نحو التلفاز، توقف قلب سارة عن الخفقان لثانية، كانت آدم على التلفاز ومعه صديقاه والشرطة تعتقلهم، والمذيعة التي تنقل الأخبار تقول: "تم إلقاء القبض الآن على ثلاث فتيان قاموا بقتل تاجر المخدرات الشاب كلارك!"

نظر الجميع الى بعضهم البعض في صدمة، وسارة التي كانت تسكب الشاي ظلت تسكبه لا شعوريا حتى فاض من الكوب، أمسك منها جاك الإبريق وهو يلفت نظر كريستيان إليها ويقول: "كريستيان!"

إلتفت إليها كريستيان وتوجه نحوها، كان وجهها شاحب وكأن الروح قد فارقته.

ربما تكون فارقته حقا للحظات لتذهب وتطمئن على روح حبيب قلبها آدم وعادت.

امسكها كريستيان من كتفيها، ثم قال لها: "دعينا نفهم أولا، الأخبار في الشاشات غالبا ما تكون مغلوطة."

أومأت إليه إيجابا وهي لا تزال تحت تأثير الصدمة!

أما في منزل عائلة نيكولاس، فقد قاما والديه بتجهيزات من أجله، كل شيء مما يحبه نيكولاس هو جاهز، حتى إنهم قرروا أن يتزوجا من جديد دون أن يخبرا نيكولاس أنهما تطلقا من الأساس!

دخلت فيفيان إلى غرفة نيكولاس وهي سعيدة للغاية، ودخل خلفها سميث، كانا قد جهزا له كتب وأفلام وكل الأشياء التي حبها ابنهما الوحيد!

كانت فيفيان تتحدث بسعادة وسميث ينظر إليها بحب وسعيد لعودة ابنه وأخيرا وأيضا لسعادة زوجته وعودة حيويتها وحبها للحياة.

جائت الخادمة مسرعة وهي تلهث ثم قالت: "سيدتي، يجب أن تأتي لتري هذا، إن نيكولاس في الأخبار على التلفاز."

نظر الزوجان بحيرة إلى بعضهما ثم انطلقا مسرعين نحو غرفة المعيشة، كانت الأخبار على التلفاز حول جريمة قتل وصورة نيكولاس وأصدقائه الاثنان متصدرة في جزء من أعلى الشاشة وهم مكبلين بالأصفاد!

من هول الخبر لم تستطع فيفيان الوقوف على قدميها فجلست على الأريكة خلفها، مسح سميث بيديه الاثنتين على رأسه بقوة وهو يقول: "ما هذا اللعنة."

ثم إلتفت إلى الخادمة ليصرخ فيها قائلا: "احضري لي مفاتيح سيارتي بسرعة!"

هبت فيفيان على قدميها وهي تلبس معطفها الذي نزعته عندما دخلت إلى المنزل منذ دقائق بعدما عادت من التسوق من أجل نيكولاس.
خرج الاثنان متوجهان نحو مركز الشرطة.

وأما كلوديا فقد استيقظت متأخرة اليوم، كانت لا تزال في سريرها وصوت توماس في الحمام.
امسكت هاتفها لتتصفح مواقع التواصل الاجتماعي قليلا ريثما يخرج زوجها من الحمام.

وما إن تصفحت قليلا حتى ظهر لها عنوان وتحته فيديو!
كان عنوان الفيديو (ثلاثة من المراهقين يقتلون تاجر مخدرات شاب في شقته!)
وعندما فتحت الفيديو لم تصدق عينيها!
وجدت في الفيديو لحظات الإمساك بابنها جيف وصديقيه، وهم خارجون من شقة في مبنى ما!

لم تستوعب الأمر في أول وهلة حتى أنها أعادت الفيديو مرة أخرى، إلا أنها أدركت إن إبنها متهم في جريمة قتل!!

بدأت تصرخ لا إراديا، لأول مرة تنهار بهذه الطريقة فقد كانت دائما هي الصبورة الحكيمة التي تفكر قبل أن تقدم على أي تصرف.

أخذت تحطم كل شيء أمامها، وسمع توماس الأصوات وهو تحت الماء، فجأة بدأت تطرق عليه باب الحمام ولا يفهم ما تقوله إلا إنه أدرك أنه شيء خطير!

خرج مسرعا بعد انهى إستحمامه بشكل سريع، وجدها تحوم في الغرفة وتكسر كل شيء في طريقها!

وما إن رأته حتى قالت: "جيف، علينا أن نسرع إلى جيف."

وقالت العديد من الكلمات التي بدت له غير مفهومة في تلك اللحظات، ثم رن هاتفه وكان أحد أفراد العائلة والذي أخبره أن يفتح موقع إحدى القنوات الإخبارية على الإنترنت!

ابتعد عن زوجته وهو يتخطى الأشياء المحطمة في الغرفة ويتجه حيث ترك هاتفه على الطاولة التي بجانب السرير، وقام بفتح إحدى القنوات الإخبارية على الإنترنت ووجد ما أوقفه مصدوم لثواني، حيث أن صدمته قتلتها مفاجأة شيء ما ضرب رأسه من الخلف، كان شيء صلب مما تسبب في جرح بسيط لرأسه.

إلتفت ليجد أن زوجته كلوديا ترميه بكل ما تصل إليه يداها من فوق طاولة الزينة، وتشتمه بسباب لم يسمعه منها طيلة أيام حياتهما سويا.

جاء الخادم وزوجته على الأصوات والضوضاء فقد توقعوا أن توماس فقد أعصابه مرة أخرى!

إلا أنهم عندما دخلوا صدموا مما شاهدوه، كانت كلوديا قد مشت لتقف أمام زوجها ووجهت إليه صفعة صدم على إثرها توماس، وفتح فاه من الصدمة، ولكنها لم تتوقف عند هذا الحد بل انهالت عليه بالصفعات وأحيانا تقوم بدفعه من صدره.

والغريب أن توماس وقف ساكن لها ولصفعها المتتالي له على وجهه.
"أنت السبب، بسببك إبني إبتعد عن منزله، عن أمانه، إن حدث لإبني شيء سيء تأكد من إنني لن أتهاون في الإبلاغ عنك، سأنتقم منك."

كانت تقول العديد من الكلمات الجارحة من قلب أم محروق على ابنها، خائفة عليه حد الموت، غريزة الحماية في الأمومة مرتفعة لأعلى درجات الحماية التي يمكن لأي بشري أن يشعر بها.

فأمهاتنا غريزيا ترتفع عندهم غريزة الحماية عند تعرضنا لأي خطر، وكذلك الأباء!

حاول الخادم وزوجته إمساك كلوديا وما إن استطاعت زوجته احتضانها وتهدئتها قليلا، حتى خرج توماس مسرعا متوجها نحو مركز الشرطة.

إرتدى ثيابه وأخذ مفاتيحه وخرج. وأما كلوديا فارتدت هي ايضا ثيابها ثم قادت سيارتها نحو المركز خلف زوجها.

مركز الشرطة؛

كان الجميع متجمعون أمام المركز، والصحافة تصور وتزيد تركيزها على جيف حيث أنه وريث لعائلة من أشد العائلات شهرة وثروة في البلاد.

كانت سارة لا تقوى على الوقوف وتستند على زوجها كريستيان وجاك وميليسا خلفهما.
ولحق بهم جيڨان ما إن سمع الخبر في راديوا السيارة حيث كان متوجها إلى عمله، فأدار مقود السيارة فجأة واتجه نحو المركز!

وأما فيفيان وزوجها فقد كان كل واحد منهما يستند على الأخر وعيناهما تتراقص في كل مكان علهم يستطيعون الدخول إلى داخل المركز، فالحشد الغفير الذي تجمع لتغطية الحدث حال من قدرة إدخال أهالي المتهمين إلى الداخل.

كانت كلوديا تحاول إختراق صفوف المصورين والصحفيين، حتى تعرف عليها أحدهم وقال بعلو صوته: "السيدة كلوديا، والدة جيف!!"

وكأنها كانت إشارة لإنطلاق وابل من الأسئلة التي لا حصر لها.

- "هل ابنك متهم؟".
- "هل هو مدمن مخدرات؟".
- "ابنك تاجر مخدرات، أليس كذلك؟".
- "لم قام ابنك بقتل الشاب؟".

كانت تحاول المرور ولكن بلا فائدة، ورغم صمتها وعدم الرد حتى ولو بحرف واحد، إلا إن المتجمهرين لم يتركوا لها مجالا لكي تمر.

رأها توماس عندما استدار يبحث عنها قبل أن يدخل من باب المركز.

عاد مسرعاً نحوها، وفجأة أحست كلوديا بذراع قوية تحيط بكتفيها، لتلتفت فتجده توماس!

أخذ يبعد الصحفيين إلى أن وصلوا إلى أمام باب المركز حيث مدير المركز بدأ بإدخال الأهالي فردا فردا.
حتى المشرف براون ما إن سمع الخبر جاء مسرعا، إلا أنه منع من الدخول هو وجيڤان.

دخل الباقون وقادوهم حيث مكتب مدير المركز، نظرت كلوديا تبحث عن ابنها ولكن عينيها اصطدمتا بعيون والد زوجها.

أشاحت ببصرها بعيدا عنه فهو سبب كل ما يحدث في حياتها من أمور سيئة!
"لا تبالي بوجوده، سيأتي الفتية الآن."

احضر الشرطي الفتيان الثلاثة يقتادهم يمشون خلف بعضهم وأيديهم في الاصفاد، منعوا دخول أي صحفي منعا للشوشرة.

ما إن دخلوا حتى أسرعن الثلاثة، سارة وفيفيان وكلوديا نحوهم وخلفهم ازواجهم.

بدا أن الفتيان الثلاثة مذعورين، حتى جيف الذي كان مسبقا يظهر بمظهر المتماسك، كان منهارا، ولا يقولون إلا: "لم نفعل شيء، لقد وجدناه ملقى على الأرض!"

كانوا يترثرون بعديد من الكلام المفهوم والغير مفهوم، ولا يصمتون أبدا.

بعد أن تفقدوا أبنائهم قال مدير المركز: "أيها الشرطي أعد المتهمين إلى الحجز حتى حضور المحامين"

وهنا تهسترت الأمهات لا يردون ترك أبناهم، وكان كل واحد فيهم يصرخ ويقول: "أنا بريئ!"

ولكن القانون هو القانون، حتى وإن كان المقتول أشد المجرمين على وجه الأرض، والقاتل أطيب بشري وخلص البشر من شروره، إلا إنه لابد من أن يحاسب!

وتتالت الإجراءات القانونية اللازمة، وعين الأهالي أفضل محاميين يعرفونهم حتى ينقذوا أبنائهم، هم واثقون أن أبنائهم لا يمكن أن يفعلوا أمرا كهذا إطلاقا!

أول ليلة للفتيان داخل السجن كانت أصعب ليلة عليهم وعلى أهاليهم.


ناردين؛

عندما تأخر جيف عن العودة، فقد أخبرها أنه سيعود إلى منزلها، وضعت الطعام الذي أعدته من أجله في الثلاجة وجلست لتشاهد التلفاز مساءً، فوجدت صور الفتيان الثلاثة متصدرة عناوين أغلب القنوات الإخبارية، وأنهم قتلوا شاب ما في شقته.

صدمت من الخبر، وجلست تفكر بعقلها الحكيم ربما تستطيع إيجاد حل ما، فهي تعلم تمام المعرفة أن ثلاثتهم لا يمكن أن يؤذوا نملة، لا أن يقتلوا شخص ما!

توجهت إلى الغرفة التي كان بها نيكولاس وجلست على السرير، تذكر عندما كانت هذه الغرفة لابنتها، تخيلت ابنتها تتحرك فيها في الأرجاء فقالت ناردين وهي تحدق في الفراغ: "سأساعدهم قدر ما أستطيع عل ذلك يرضي ضميري، ولا أعود أرى طيفكِ في كل مكان يلاحقني!".

الوحدة وتأنيب الضمير جعل ناردين تعيش في قوقعتها الخاصة، لا تختلط بأي أحد، مكان ترفيهها الوحيد هو الحديقة العامة، حيث ترى العائلات منسجمة ومتآلفة مع بعضها البعض!

كان الجميع يتجاهل وجودها فمن يرغب في التحدث او الاهتمام بعجوز غطت التجعيد والسنون ملامحها.

إلى أن جاء نيكولاس ذاك اليوم في الحديقة وأشعل مصباح حياتها من جديد، وكأنها حصلت على الحفيد الذي لطالما تمنته!

وجاء دورها لكي تساعده، قررت أن تفعل ذلك بكل ما تستطيع، وأول شيء ستذهب إلى ذاك الحي حيث حدثت جريمة القتل، علها تجد خيطا ما يساعد هؤلاء الفتية الأبرياء في النجاة من المصير الذي ينتظرهم.

أخذت قطها السمين العجوز واتجهت نحو غرفتها لكي تنام حتى تستيقظ باكرا وتحاول عمل شيء مفيد من اجل نيكولاس وصديقيه.


وفي مكان آخر كان هناك من يراقب الأخبار بكل شماته، وابتسامة حقد تظهر على شفتيه........
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي