54

(الكوخ)


الحياة اختبارات وابتلاءات لتمحصنا وتُنَجِّدَنا، لكي نختر الطريق التي سنسلك، تفاعلنا مع مصائبنا وردات فعلنا حولها هي من تشكل شخصياتنا وانفسنا!

جاك،

لم يكن الامر بالنسبة له وكأن شخص قد تعرض للتشهير وعرض مشاكله على الملأ. لا، فالامر بالنسبة اليه كان يفوق ذلك بمراحل، شعوره بالذنب ناحية ميليسا وندمه عما فعله معها، اصبح يشعر ان لا مبرر له لما فعل واسنغلاله لها بهذه الصورة المقززة.

والآن والعم بن يطالبه بأن يحكي له عن كل شيء! انه يشعر بالخجل الشديد ولا يعلم ماذا سيفعل، نظر الى عيني الشيخ المسن الذي لا يزال ينتظر في هدوء، ولمحة من الطمأنينة والهدوء والتسامح تمر فوق ملامحه.

اخذ جاك نفسا عميقا، ثم تنهد. ابتسم العم بن وربت على كتفه وقال له: "لا بأس ان كنت غير مستعد، نستطيع تأجيل الامر الى متى تستطيع التحدث وافراغ مكنون قلبك!

بدأ العم بن في الوقوف، اذ ان الوقت متأخر بالنسبة له وصد جاء موعد نومه. ولكن جاك قاطعه وجعله يعود الى موضعه في الجلوس حين تحدث وقال: "لقد تقدمت لها من اجل الزواج، وكان حفل خطبتنا البارحة وقد تم افساده!"

شعر جاك وكأن عمرا قد مر على حفل الخطبة، او انه كان في بعد آخر وليس البارحة فقط، صحيح ان اعتزال البشر يجعل حياتك اسهل ومشاكلك اصغر.

انصت العم بن بإهتمام الى حديث جاك وهو يقص عليه ما حدث في حفل الخطبة، وما فعله مايكل خطيب خطيبته السابق، واتهاماته له حول المكائد ومحاولة قتل ميليسا، والمشاكل التي واجهته في عمله بعدها، ورد فعل خطيبته حول كل هذا!

"وانت كل ما فعلته هو الهروب!" قال العم بن بهدوء.

نظر له جاك بإستغراب، فلطالما كان العم بن يوصيه بأن يعتزل كل مايتعبه او يؤذيه، ان يبتعد على البشر فهم لا يستحقون. والان يطالبه بالمواجهة!؟

"الا تدافع عما يخصك حتى لا يتم سلبه منك!" لم يعرف جاك بم يجيب فظل صامتا.

كان العم بن يقصد بذلك ميليسا، وقد فهم جاك مقصده، ولكن كيف سيدافع وهي ترمي الاتهامات في وجهه!

"انت تحبها" لم يكن سؤال من العم بن بل كان تصريحا لشيء يبدو واضح للجميع ما عدا جاك، فهو يعتقد ان قلبه قد تم دفنه يوم دُفنت سيرينا!

لم يجب جاك وانما حاول تغيير الموضوع فهذا لا يفيده، هو هنا من اجل ان ينسى لا من اجل ان يناقش شيء يبدو انه سينتهي قريبا، مؤكد ان ميليسا يتفسخ خطبتها به.

وتتالت الايام على جاك بهذا المنوال، في النهار يقوم بمساعدة العم بن وتبادل الاحاديث وتجهيز الطعام، وفي الليل يستلقي خارجا يحكي للنجوم همومه ومشاكله.

اليوم هي آخر يوم له عند العم بن، سيعود بعدها الى مواجهة العالم.

قرر فتح هاتفه والاتصال بوكيل اعماله ليرى ما حدث، وأول ما فتحه وصلته كومة من الرسائل، ولكن لا شيء من ميليسا!

اتصل بوكيل اعماله وما اخبره به جعله لا يستطيع التنفس من حجم الصدمة!

حيث قال له: "أسف لقول ذلك، ولكن لقد تم تجميد عضويتك يا جاك حتى اشعار آخر، لن تستطيع اللعب في اي نادي او مباراة"

ان رياضة كرة السلة هي حياته، متنفسه والمكان الذي يصبح فيه على طبيعته تماما هو الملعب.
كان يشعر احيانا انه خُلق من اجل ممارسة كرة السلة!

لا يزال يسمع الوكيل يتحدث، ولكنه لا يسمع حقيقة ما الذي يقال، اخذ هاتفه وبكل غل هشمه على جدع الشجرة امامه عندما رماه نحوها.

كان العم بن يراقبه من نافذة المطبخ التي تطل على جانب من جوانب الشجرة!
وقف جاك مكانه مصدوما مما سمع، ثم لا شعوريا توجه ناحية الغابة وهو يركض، كان قد خسر سابقا ما حبه الاول وهو سيرينا، والآن خسر حبه الثاني وهو كرة السلة، كان يمارسها منذ طفولته، وهو لاعب مشهور عالميا، يصعب عليه طرده من اللعبة بهذه الطريقة!

ركض مسافة لا بأس بها، حتى شعر بالتعب والاعياء، وقف ثم انحنى يضع يديه فوق ركبتيه وهو يلهث، نظر حوله ولم يتعرف على المكان، بدأ بالمشي كل مرة في اتجاه عله يعرف طريق العودة، ولكن لم يكن هناك اي اشارة او معلم تدله على الطريق، حتى احس انه يدور في حلقة مفرغة!

بدأ الظلام يغطي المكان، والعطش تمكن منه الى جانب الجوع، فكر بسخرية ربما بعد كل هذا سيموت بهذه الطريقة المأساوية!

استلقى على ظهره وبدأ يحدث النجوم ويطلعها على اسراره، ولا ديري في اي نقطة تحول كل شيء وتغير اسلوب حديثه وتغير لمن يتحدث.

"ألست تسمعني! لم فعلت كل هذا بي، هل لأني مقصر! ان انك فقط لا تحبني."

مع سكون الغابة ووحشة المكان لم يجد أنسا له الا ان يناجي الرب، صحيح انه لا يذهب إلى الكنيسة الا نادرا، ولكن على الاقل لديه ايمان في قلبه.

في البداية كان حديثه هادئا وكأنه يهمس لنفسه بخجل، ولكن كل ما تفاعلت مشاعره زاد انفعاله وعلى صوته.

هو موقن انه يسمعه ويراه، حتى وان كان لا يتحدث اليه، فما الحاجة للحديث! فالحديث للبشر الضعاف لكي يوصلوا شعورهم الى بعضهم البعض فقط!

وقف وبدأ يصرخ: "لما انا؟ لما نزعت كل شيء مني! لما لا تُميتُني وعندها ارتاح"

على صراخ جاك أكثر وعبر عن كل ما يجوب في دواخله، كان وحيدا تماما ومعزول لا صوت لبشري، ولا هاتف ولا اي وسيلة تواصل، كان في خلوة تامة لا يؤنسه فيها الا حديثه هذا ونواحه وهو يناجي الرب.

ظل فترة زمنية لا بأس بها وهو على هذه الحالة، يفرغ ما في جوفه من مشاعر واحاسيس، الى ان اصابعه الاعياء وخر جالسا على الارض وهو يهمس والدموع على عينيه كشلال عاصف لا يتوقف: "ساعدني ارجوك، انر لي بصيرتي ووجهني، ولا تأخذ مني من احب وما احب." وكان يقصد ميليسا وكرة السلة.

انكمش على نفسه ووضع رأسه بين ركبتيه وهو يشعر بأنه قريب وان دعائه أستجيب، فمن كان يدعوا من قلبه بيقين يشعر بتلك الراحه والسكينة بعد الدعاء وكأنها علامة او بشارة على استجابة الدعاء.

ولكن دموعه لم تجف، لا يذكر انه قد بكى قبلا، الا في وفاة سيرينا.

جاءه صوت بعيد ونور خرج من بين ظلمة الليل الكاحلة، نور اعمى عينيه وقد اعتادتا على الظلمة، خيل اليه شيخ بلحية بيضاء وملابس كلها بيضاء اللون يتقدم انه، خفق قلبه وفكر هل مت وصعدت روحي الى السماء!

اغمض عينيه من شدة الضوء وشعر بيد على كتفه والضوء قد خف قليلا، وجاءه الصوت قائلا: "جاك، لقد وجدتك اخيرا، لقد كنت قلقا عليك، هل انت بخير؟
كان صوت العم بن، فتح عينيه بعد ان ابعد العم بن المصباح من على وجهه، كان بحالة يرثى لها والدموع انهار على وجنتيه، شعر بالارتباك والخجل، ماذا سيظن به العم بن الآن، كان يبكي لأنه خائف؟

هو لم يشعر بالخوف اطلاقا، يعلم ان الغابة لا يوجد بها اي حيوانات مفترسة، وانه في الصباح سيجد طريقه، ولكن الآن كيف سيبرر ذلك للعم بن.

ولكن الشيخ المسن لم يسأل، وانما مد له يده وقال: "انا خبير في هذه الغابة بعد أن تهت فيها عدة مرات."
اتجهوا عائدين الى الكوخ، والغريب ان جاك توجه هذه الليلة الى غرفته ونام نوما عميقا حتى الصباح!

في صباح اليوم التالي، عندما استيقظ من نومه تتالت عليه ذكريات مصائب اليوم السابق، لقد تم تجميد عضويته في اتحاد كرة السلة، قرر انه سيشرب حتى يثمل وينسى كل هذا!

توجه نحو المطبخ ولم يجد العم بن، بدأ يبحث في المطبخ عن زجاجة للخمر او اي مشروب كحولي، بحث مطولا ولكن لم يجد.
دخل العم بن من الخارج وهو ينظر له باستغراب ويقول: "ماذا؟ هل فقدت شيء ما؟"
جاك بنفاذ صبر: "ابحث عن اي مشروب كحولي، اريد ان اشرب."
قال العم بن بصوت حاد وربما لأول مرة يسمعه جاك: "لا لن تفعل، لن تسلك هذا الطريق لتحل مشاكلك، عليك بالمواجهة لا الاختباء."

قال هذه الكلمات وتوجه نحو موقد الغاز حيث يضع البيض المسلوق على الموقد من اجل الافطار.

اعد العم بن طاولة الافطار، وكان جاك جالس على احدى الكراسي واضعا يديه فوق رأسه الموضوع على الطاولة امامه.

"تناول افطارك".

قال العم بن ذلك وهو يضع طبق الطعام امام جاك، ثم بدأ كل منهم بتناول افطاره في صمت!

كان العم بن يشعر بم يشعر به جاك، فقد مر بضروف مشابهة واقوى حتى من ضروف جاك، واحيانا يشكر ربه ان هذه الضروف قادته الى ما هو عليه ولم بتحول الى انسان لا يرحم، فلم يكن ينقصه لا النفوذ ولا المال لذلك. ولكنه اختار الطريق الاخرى الاكثر اثمارا.

طريق مكللة بالنور والطمأنينة، حيث روحه ترفرف بين جنباته في راحة وسكينة ونفسه مطمئنة ثابتة، وهو يشكر صاحب هذا الفضل والمن عليه صبح مساء!

انه يرى ان جاك معدنه طيب وروحه اطيب، فالارواح الطيبة تعرف بعضها، ولكن مشكلته انه مضرب، نفسه ليست مطمئنة وانما شديدة الاضطراب. وهذا لانه ام يجد النور بعد، ولم تدخل قلبه السكينة!

مر النهار كالمعتاد على العم بن، ولكن جاك كان بائسا محطما وهو يرى حلمه يتحطم الى قطع صغيرة امامه، حلمٌ ظل عمره كاملا وهو يبنيه، فما اصعب من ان تتحطم احلامك امام ناظريك. غلى قلبه وهو يفكر في طريقة ليسدد بها ضربة موجعة الى مايكل وينتقم منه، علّ ذلك يبرد نار قلبه!

كان وجهه شاحب فاقد للحياة يتأمل كل ما حوله يسير في طبيعته، من طيور تبني اعشاشها وازهار تنمو وتتفتح، وليل ونهار يتعاقبان في رقصة ازلية لا ينتظران من نام ولا من افاق!

اما هو فحياته توقفت، صحيح انه غني ولكن كرة السلة كانت روحه ومتنفسه، انها هو وما يكون، وان فقدها يفقد هويته.

ظل طوال النهار يفكر بهذه الطريقة والعم بن ينظر له بحزن، احيانا يحضر له كوب من الشاي او القهوة واحيان اخرى بعضا من عصير البرتقال او الليمون على امل ان تهدأ اعصابه قليلا.

جاك طفل متبنى، فقد توفي والداه وهو طفل رضيع، وقد تولى عمه تربيته منذ ذلك الحين ونسبه اليه، ولم يشعر في اي يوم من ايام حياته انه ليس ابنهما، فقد كانت زوجة عمه في حنان الام وارضعته مع ابنها.

ولكن عندما كبر ووصل الى السن القانونية، اخبره عنه الحقيقة حتى يعطيه اموال ابيه البيولوجي، حينها عالمه اهتز كثيرا، كان والده البيولوجي ووالده بالتبني نسخة من بعضهما، وهو جاك كان نسخة والده البيولوجي، وللمفارقة كان هو الوحيد الذي يشبه كثيرا والده بالتبني، حيث ان اخوته الذين هم في الاساس ابناء عمومته يشبهون والدتهم!

ومنذ علم انه ليس ابن ابيه، تغيرت شخصيته كثيرا، حتى ندم والده انه اخبره الحقيقة، زاد اصراره لتكوين هوية له، وزاد تعلقه بكرة السلة، كان كل ما يشعر بالحساسية والضيق يتوجه الى كرة السلة، تخيل ان يكون والداك في النهاية ليسا بوالديك وانك مجرد ابن او ابنة متبناة لهم، فمهما كان حبهم واهتمامهم سيكون ثغرة ما قد تغيرت!

اكتشفه مدرب فريق الجامعة، ولاحظ اهتمامه المكثف بكرة السلة، وعندها بدأت الابواب تتفتح امامه رويدا رويدا، وكان جد مجتهد ومثابر، ولكن ان فقد حبه وشغفه الآن!! لمن سيتوجه في ضروفه الحالكة هذه، فاللعب ضمن الفريق والمنافسات والمباريات تزيد من حماسه واصراره، فليس كرة السلة التي يتم لعبها منفردا!

شارف الليل ان يحل، وكان جاك شديد الاكتئاب لدرجة انه لم يلحظ سعال العم بن المتكرر الذي ازداد بشكل كبير، كان فقط يلاحظ حركاته التي يقوم بها بشكل متكرر على طول اليوم، وذاك الكتاب الذي يمسكه صباحا ويهم بالقراءة فيه بلغة غريبة!

قرر جاك الذهاب الى اقرب محل ليحضر بعض الشراب، عله يؤنس نفسه به وينسيه مصابه، وكان يحتاج الى نصف ساعة ليصل إلى المحل ونصف ساعة اخرى لكي يعود.

كان عائدا في الطريق بعد ان اخذ حاجته من المحل والظلام قد حل، وصل وركن سيارته ثم اخذ حاجياته ودخل الى الكوخ، وكان الكوخ يسبح في الظلام والهدوء على غير العادة في مثل هذا الوقت!

بحث في الغرف ولم يجد العم بن، واستغرب ذلك!! اين يمكن ان يذهب في مثل هذا الوقت و شاحنته لا تزال امام الكوخ مركونة، وايضا ان كان رأى ضوء السيارة عندما اتى لكان لحقه ودخل!

خرج يبحث عنه في الخارج، اشعل ضوء المصباح اليدوي وبدأ البحث، ثم على بعد بضع خطوات من الشجرة الكبيرة وجده ملقى على الارض، ركض نحوه مسرعا ودقات قلبه تخفق بشدة، هل يمكن ان يرحل العم بن ويتركه الآن وهو في اشد الحاجة اليه!

وصل بجانبه وجثى على ركبتيه، وفورا وضع يده على نبض العم بن، كان نبضه مستقرا فتنفس جاك الصعداء ارتياحاً. يبدو انه مغماً عليه!

اسرع الى سيارته واخذ من درج السيارة زجاجة العطر الخاص به، وعاد مسرعاً الى العم بن، وهو لا يعلم ان العم بن يعاني من ذات الرئة!

وضع قليلا من العطر على يده وبدأ يشممها الى العم بن، بعد مدة قصيرة بدأ بالسعال، ففرح جاك ولكن السعال لم يتوقف!

بدأ العم بن يشير الى الكوخ بيده، فحمله جاك وهو يحاول ان يسرع نحو الكوخ، وضعه ارضاً وهو يقول والحيرة طاغية على ملامحه لان السعال لا يتوقف: "اخبرني ماذا افعل؟"

اشار نحو خزانة الادوية المعلقة على الحائط، اتجه جاك مسرعاً نحوها، وجد فيها مجموعة من الادوية جمعهم جميعا في يديه واتجه بهم عائدا إلى العم بن.

وضعهم بجانبه فمد العم بن يده واخذ اثنين، وناولهم الى جاك، كان احدهما حبوب وكتوب على العلبة "حبة تحت اللسان" اخذ ووضعها في فم العم بن، والدواء الآخر كان عبارة عن زجاجة بخاخ وضع فوهتها في فم العم بن واخذ يخرج رذاذها بالضغط عليها.

بعد قليل كان العم بن يشعر بالراحة وطلب من جاك ان يأخذه الى الخارج، جلسا سويا بصمت الذي طال وقطعه اخيراً جاك قائلا: "لم اعلم انك مريض".

ابتسم العم جاك وقال: "من منا ليس مريض يا بني؟ ولكن لكل من مرضه الخاص!"

فهم جاك مقصد صديقه العزيز، عم الصمت مجددا في الاجواء الى ان تحدث جاك مرة اخرى وقال: "هل هو خطير؟"

لم يجب العم بن حتى ظن جاك انه قد نزع سماعة اذنيه، ولكن عندما نظر له وجده لا يزال يردتيهما.
قال جاك: "اقصد مرضك، هل هو خطير؟"

اجاب العم بن هذه المرة على الفور قائلا: "لا انه ليس خطير يا بني، فروحي سليمة ووجدت طريقها الصحيح".

نظر بخوف أبوي ناحية جاك وقال: "ولكن انت هو من مرضك خطير يا بني".

سعل قليلا بصوت قوي وقال: "انا خائف عليك انت، فروحك مضطربة وغير مستقرة، وانا اشعر بذلك".

تحدث جاك بتسرع وهو يقول مبتسما رغماً عنه: "انا بخير، فقط احتاج يومان هنا وسأعود كما السابق!"

"لماذا كنت تبكي ليلة البارحة في الغابة، لقد قلقت عليك عندما تأخرت وخرجت للبحث عنك، كنت حزين جدا وخفت عليك"

بعد ان قال العم بن هذه الكلمات سعل مجددا بشدة، ثم ما ان خف سعاله اكمل وهو يقول: "من المؤكد انك لم تخف من الظلام والغابة والوحدة، لذا لا تحاول ايجاد اي حجج"

كان صوت العم بن هادئ جدا ومريح بالنسبة الى جاك، وكذلك نظراته كانت كلها نظرات تشبه نظرات والده حين يبدأ في نصحه، لا ضير من البوح عن مكنونات القلب احيانا خصوصا لمن نشعر بحبهم الصادق لنا، فقال جاك بإستسلام: "كنت اخاطب الرب، لا اعلم في تلك اللحظات الضعيفة من حياتي شعرت بحاجتي اليه، شعرت انني يجب ان اتوجه اليه بعد ان خذلني بنو البشر"

التمعت عينى جاك بالدموع على غير المتوقع، لعن في قلبه، فمنذ متى وكان حساس الى هذه الدرجة!

وعلى نحو مفاجئ، ربت العم بن على كتف جاك وهو يقول: "انا اعلم ذلك يا بني، لقد عشت قبلك كل هذا!".


ثم نظر بعيدا يستذكر حكايته ويقصها على جاك، واثناء حديثه، تارة يصمت وتارة يمسح دموعه، وتارة يسعل وتارة اخرى يشرب الماء.

قص له من قبل سبب التحول في حياته، فاجعة موت اسرته، ولكن الآن بدأ يحكي له ماذا حدث بعد تلك الفاجعة، وكيف استطاع العيش بعدهم دون ان يصاب بالجنون او يصبح مجرماً منتقما.

بعد ان تم القاء القبض على من تسببوا بمقتل عائلته، توقع ان تهدأ نفسه، ولكن للأسف روحه بقيت معذبة لفراق من تحب، ولم يعد يستطيع العيش بين البشر بشكل طبيعي كما كان يفعل سابقاً، فقد اصبح حساس جدا!

ظل يزور قبورهم شبه يوميا ان لم يكن في حالة سكر، الى ان ذهب في يوم من الايام الى المقبرة ووجد شاب في العشرين من عمره يجلس بجانب قبر وهو مستكين، وعندما تحدث اليه علم ان والدته توفيت منذ ثلاثة ايام، فصدم انه متماسك وحتى انه اخذ يهدئه هو الذي توفيت عائلته منذ اشهر.

ولكن كا ما قدمه اليه قناته على اليوتيوب، وطلب منه ان يدخل اليها ويتابع مقاطع الفيديو التي عليها، وايضا يتابع التعليقات ففيها بعض من قصص الناس الغريبة التي ستجعل مصيبته اخف على نفسه!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي