64

(الطبيب النفسي)



ما ان تغرق في وحل مشاكل الحياة حتى يبتعد عنك كل من حولك، لا يبقى الا النخبة الذين يحبونك كيفما كنت ويتقبلونك، حتى انهم يؤازرونك ويشدون من عضدك في مُصابك، هؤلاء... مهما حدث فقط لا تخسرهم!

كان الجو بالنسبة للجميع كأنه حلم ولا يمت للواقع بصلة، بإستثناء نيكولاس فهو يشعر انه في كابوس او جاثوم ولا يستطيع ان يستيقظ او يتحرك.

بعد ان شاهد جميعهم ذاك الفيديو شعر انه عارٍ ولا شيء يستره، فما ابشع ان تفضح شخص امام اقرب الناس اليه وبحضوره!

قال هامسا ورأسه للأسفل وهو يستمع الى شجار والديه وهما يقذفان بالاتهامات الى بعضهما البعض: "انا آسف."

ربما هي فعلا كلمة اسف لا تداوي جرحا ولا ترجع ثقة، الا انها تظل محاولة بائسة لغريق متعلق بقشة!

قرر والداه ارساله فورا الى مركز اعادة تأهيل ومعالجة المدمنين.

كان صديقيه متأثران من اجله كثيرا، عادا الى غرفتيهما وهما حزينان.

واما نيكولاس فقد اتجه به والديه الى افضل مركز اعادة تأهيل ومعالجة المدمنين في المدينة، وكانت والدته منهارة وتكاد يغمى عليها من البكاء.

بقي عدة ايام في المركز وكانت مرحلة حاسمة في حياته وصعبة، وربما من اصعب ايام حياته.

اما عند جيف فقد جاء اليه والديه الى المدرسة وحاولا اصلاح علاقتهما به، فبعد ان سمع كلاهما بأن نيكولاس مدمن على المخدرات خشيَ ان يتأثر ابنهما بذلك فهو صديق مقرب جدا من نيكولاس!

كانوا جالسين في غرفة جلوس المنزل بعد ان جاء السائق واخذه من المدرسة، هو لا يريد ان يكون هنا هو لا يحب ان يكون هنا.

المنزل يعني للبعض السكينة والامان، اما له هو فهو يعني السجن والكبت والاختناق، لا يعلم ماهي الراحة التي يتحدث عنها الجميع عندها يكونون في منازلهم، هو لم يعد يشعر بذلك منذ زمن بعيد!

"هل سمعت اي اخبار عن نيكولاس؟" قالت كلوديا بتعاطف.

هز رأسه نفيا وقال: "لا احد يخبرنا اي شيء."

كان والداه يجلسان في الاريكة المقابلة له متجاوران وكأنهما يقومان بالتحقيق مع محكوم ما!!

اجلى والده توماس صوته وقال: "ما رأيك ان تبدأ انت ايضا نقطة تحولية في حياتك."

ضيق جيف عينيه وهو يقول: "وضح."

ابتسم توماس وهو يتأمل ابنه، انه نسخته المصغرة، نفس الملامح نفس لون الشعر الاسود نفس. العيون الكثيفة الرموش ونفس الطول والبنية تقريبا، ونفس الاعصاب فكر توماس بحزن.

اجابت كلوديا نيابة عن زوجها وقالت: "بني، لقد تحدثنا مع الطبيب نيديكس وهو يصر على رؤيتك."

استرخى جيف واسند ظهره الى ظهر الاريكة ورفع حاجبه الاسود العريض وقال: "ومن هذا الطبيب نيديكس؟ وماذا يريد مني؟"

قالت والدته بحنان: "انه طبيب نفسي، هو فقط سيستمع اليك ويخبرك الاسباب التي تجعلك سريع الغضب!"

قال جيف بإستهزاء: "هل هذا هو طبيبه؟" واشار نحو والده.

وصمت والديه يشير الى انه نعم، انه بالفعل كذلك، فأكمل جيف يقول: "كم انت ساذجة يا امي، الم تعلمي اني التقطت جينات هذا الرجل، ولن يسعني التخلص منها!"

انتفض والده من الغضب اراد ان يقف ويتجه نحو جيف وتأدذبه الا ان كلوديا امسكت يده وسحبته نحوها، تريد ان تذكره انهم هنا لوضع قواعد لحياتهم وليس من اجل الشجار.

بقي توماس صامتا ويجاهد ان لا ينشب شجار بينهما، ان ابنه جيف يحاول استفزازه بكل الطرق الممكنة.

كلوديا: " اعتقد انه عليك ان تقابل هذا الطبيب يا بني.""

ثم قال جيف ما صدم والديه كليا .......

(ذكريات وحنين)


جالس في غرفته في منزل اخته سارة وزوجها كريستيان.

هو ابدا لا يشعر بأنه منزله بالرغم من اقامته به منذ سنوات، دائما ما يشعر انه دخيل، بالرغم من كل ما يقدمانه كل من سارة وكريستيان.

ربما هي مشاعر المراهقة، او ربما شوق دفين لذكريات غابرة لطفل صغير يلهو ويلعب في منزل دافئ به والدين محبين، ام تحضنه بحنان واب يلاعبه وكأنه اهم طفل في العالم.

رائحة الطعام ملمس غطاء السرير، ورائحة والدته التي لن ينساها مهما مرت السنون والعقود، لأخته سارة بعض من رائحتها ولذلك هو متعلق بها كثيرا ولكن هذا فقط لا يكفي.

تنهد واغمض عينيه ويتخيل صوت والده وضحكات والده، اخرج هاتفه وفتح على الصور، كانت الصورة الوحيدة التي لهما معه، تأملها بتدقيق وكبر الشاشة ثم لمس تفاصيلهما وقال: "لما لم تأخذاني معكما في ذلك الوقت."

ان مشاعر المراهق قوية وعنيفة دائما، كثورة زجاجة المشروب الغازي اثناء فتحها، وكلم كبر ونضج نضجت مشاعره.

فهو في مرحلة المراهقة، حساس متأثر بكل ما حوله، خصوصا وانه لم ينعم بطفولة كطفولة البقية، فكل من شوهت طفولتهم تأثرت بقية حياتهم.

آدم تشوهت طفولته بسبب الحرب وموت والديه استقراره وآمانه، وخروجه من بيئته المألوفة بشكل مفاجئ، اختفاء اخته سارة زرع بذرة شك في قلبه ان الجميع سيرحل عنه.

الصعوبات التي تأثر بها عند طفولته اثرت على انسجامه مع الآخرين، ولكنه عندما التقى بجيف شعر لا إراديا بتآلف روحه معه، وكذلك الامر مع نيكولاس، فهذه الارواح الثلاتة انسجمت مع بعضها، فالارواح تتآلف مع شبيهاتها.

فكلا الشابين مرا بطفولة سيئة ولكن بظروف مختلفة، فجيف صدمته اكبرى في سلوكيات والده والذي كان يعتبره بطل له ويحبه حد العشق أثرت كثيرا على شخصيته، ففي عقله اللاواعي كان يقلد والده من حبه العميق له.

اما نيكولاس فكان الفتى الذي تربى في احضان الخادمات بدل الام، منهن من تعطف عليه، ومنهن من ترهبنه، كان يشتاق لوالديه ولكن لا يجدهما فهما دائمي الانشغال، تربى على ان يكون غائب في عالمه الخاص!

اخذ آدم يفكر في كل ما حدث ويحدث له، كل هذه الامور زرعت الشك في قلبه، حتى صلاته لم تعد كما السابق! بل اصبح احيانا كثيرة يتغافل عليها، وقد لاحظت اخته سارة ذلك وبدأ قلقها المفرط في الزيادة خصوصا بعد ان سمعت بموضوع نيكولاس.

حتى انه سمعها تعرض على كريستيان ان يأخذه لعمل تحاليل له والتأكد من انه لا يتعاطى شيئا، هو سمعها بالصدفة وهو متأكد ان ذلك كان بسبب خوفها وحبها له، ولكنه لم يستسغ الامر، يذكر رد كريستيان حين قال لها:
"اهدئي سارة، ارجوك اهدئي لا يوجد شيء بآدم، ولا يجب ان تذكري هذا الكلام امامه ابدا"

ضم يديه في قبضتين، يجب ان يغير واقع حياته، اخذ يفكر ثم قرر ان يتم عمل ما كان يجب عليه ان يتمه، امسك هاتفه واتصل.

جيف؛

"سأذهب الى الطبيب نيديكس."

نظر والداه الى بعضهما بصدمة، لم يتوقعا اي تجاوب منه، حتى انهم توقعوا ان الامر سيأخذ منهم اشهر الى ان يقتنع هذا ان اقتنع في الاساس.

قال جيف: "ماذا؟ اليس هذا اقتراحكما؟ مظهركما يقول انكما لا تريدان مني ذلك!"

سارعت كلوديا في الاجابة اذ يبدو انها ابتلعت صدمتها اولا: "اجل، ولكن توقعنا ان ترفض، ولكن اذا كان هذا قرارك ما رأيك ان نذهب اليوم الى الطبيب؟"

جيف: "ولم هذه السرعة؟"

رد توماس بإبتسامة جانبية: "تخشى ان تغير رأيك!"

رأى جيف التحدي في عيني والده فقرر قبوله وقال: "لا لن افعل، لن تغير رأيي."

كان توماس قد قال ما قاله فقط لكي يستفز ابنه لكي لا يغير رأيه، فهو يعرف تمام المعرف ان ابنه مثله لن يتراجع في تحدٍ!".

بعد عدة ساعات كان جيف ووالديه يقفون امام عيادة الطبيب نيديكس.

في الاول دخل والديه ليتحدثا مع الطبيب اول فجلس هو ينتظرهم في حجرة الانتظار!

شعر بالملل فأمسك هاتفه وبدأ يراسل آدم، اما نيكولاس فقد كان ممنوع عليه استخدام الهاتف.

بعد عدة دقائق خرج والداه من حجرة الطبيب وحفزته والدته للدخول.

نهض يمشي بثقة حتى وصل امام باب حجرة الطبيب، تردد قليلا قبل ان يدخل فنظرت له والدته، ثم حفزته بإبتساة وحركة بسيطة من رأسها.

فتح الباب ودخل نظر نحو الطبيب نيديكس وظل ممسك بيد الباب.

"ادخل" قال الطبيب نيديكس.


نيكولاس؛

الامر صعب عليه للغاية، ولا يكاد يستطيع ان يتحمل، الا انه لا يملك اي خيار، لقد مرت عليه ايام جد صعبة ولكن للاسف فالقادم أسوا!

نظر نحو باب غرفته وهو يفكر ويمعن التفكير!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي