75

(العلاقات الغامضة)


العجوز ناردين؛

كانت تقف أمام العنوان الذي بحثث عنه مطولا، تطلب منها الأمر مدة طويلة لتصل إليه، لقد مر على سجن نيكولاس وصديقيه شهر أو يزيد.

طرقت الباب ولكن لا إجابة، وقفت مطولا ولكن لم يكن هناك أي إجابة، قررت الذهاب ثم العودة ولكن الباب فتح أخيرا، كانت فتاة شديدة النحولة ورغم جمال ملامحها إلا إن شحوب وجهها أخفى ذلك الجمال.

"من أنتِ؟" قالت الفتاة وهي تنظر حول المكان بتوتر.

ابتسمت لها العجوز ناردين وهي تقول: "كما ترين أنا عجوز ولن أستطيع أن أؤذيكي، هل تسمحين لي بالدخول؟"

فكرت الفتاة قليلا وهي تقيم المرأة التي أمامها، ثم تنحت جانبا لتسمح لناردين بالدخول.

جلستا على الاريكة متقابلتين، جالت ناردين ببصرها في المكان، كانت صور للفتاة منتشرة في أرجاء غرفة الجلوس، كانت تبدو جميلة جدا.

-"هل أنتِ عارضة أزياء!؟".
-"أجل!".
-"تبدين جميلة جدا في صورك هذه!".
-"شكرا لك، يا سيدة."

كانت ناردين تحاول سبر أغوار الفتاة، تبدوا غريبة الشكل مختلفة عن الصور، ففي الصور تبدوا مشرقة ومملوءة بالحياة، أما الآن وهنا فيلفها السواد بملابسها والكحل الذي حول عينيها.

"هل تشربين شيء ما!"
إنه أمر غريب أن تعرض الضيافة فتاة مثلها، وهذا شجع ناردين على التحدث والخوض فيما أتت من أجله.

"شاي، اذا كان لا يتعبك!"
ابتسمت الفتاة ثم توجهت إلى داخل شقتها الصغيرة جدا.

جلست ناردين تتأمل المنزل، يبدوا إن الفتاة تعاني من ضائقة مادية، وأيضا يبدوا أن لديها مشاكل فهي تأخرت في فتح الباب وأيضا كانت متوترة حينها وتراقب المكان.

عادت الفتاة ووضعت كوب الشاي أمام ناردين، والتي ارتشفت منه رشفة ولم تستطع إكمال الباقي، كان مذاقه مريع.

-"والآن، هل لي أن أعرف من انتِ ولم أتيتِ لزيارتي؟"

ابتسمت ناردين بلطف، حتى تمهد للفتاة ما تريد قوله لها، لا تريد لما قد قررت فعله أن يفشل، يجب أن تنجح في إقناع هذه الفتاة بأي شكل، وربما هي الآن قد عرفت الطريقة الصحيحة لكي تقنع الفتاة بما تريده منها....

--

فيفيان؛

كانت جالسة في السيارة وهي غاضبة للغاية من تصرفات ستيف، ولكن أيضا تشعر بالتوتر من قيادته للسيارة بهذه السرعة.

صرخت عندما تجاوز شاحنة بطريقة متهورة.
"ستيف! إنتبه هل تريد قتلنا!"

نظر إليها وقال بصوت عال: "ماذا؟ هل تخافين؟"
وبالرغم من خوفها لطريقته الغير معهودة للقيادة إلا إنها لزمت الصمت حتى ركن السيارة أمام منزله!

وما إن ركن السيارة حتى أسرع قافزا منها، وأما هي فعقدت يديها فوق صدرها علامة على رفض النزول!

دار حول السيارة وفتح بابها ثم قال: "انزلي"
رفعت رأسها في علامة للرفض، فمد كفه وهو يصر على أسنانه ويقول مجددا: "فيفيان، انزلي!"

صرخت في وجهه: "لن أنزل ولو اضررت لعمل جريمة اليوم!"

وما إن نطقت هذه الكلمات حتى سحبها من ذراعها لتقف أمامه!
ثم وعلى نحو مفاجئ حملها على كتفه وصرخت هي ثم قالت: "أنزلني أيها المعتوه!"

لم يأبه لم تقوله، ركل باب السيارة بقدمه وإتجه إلى المنزل، كان بعض المارة في شارع المنزل من الجيران يشاهدونهم وهم مبتسمين، يعتقدون أنه فقط زوج يحمل زوجته! لدرجة أنهم تجاهلوا ركلها وصراخها عليه بأن ينزلها.

طرق على الباب بقدمه بقوة، لا يستطيع أن يفلت إحدى يديه فستهرب، فتحت الخادمة الباب وتفاجأت ووقفت متنحه وهي تنظر إلى سيدها وزوجته.

قال ستيف بنفاذ صبر: "تنحي جانبا، أريد أن أمر!"
-"لا، لا تفعلي" قالت فيفيان.

إلا إن الخادمة اعتذرت من ستيف وتنحت، فتوجه ستيف فورا إلى الطابق العلوي، وكانت فيفيان تركله بقدميها حيث أنه مثبت يديها الاثنتين بيديه.
فتح باب الغرفة ورماها على السرير في غرفتهما وقال: "الآن سنتناقش حول

--
ميكائيل؛

أحس بالعجز مرة حين فقد الإتصال بسارة وآدم قبل سنوات عند بداية سفرهما، والآن يشعر به مجددا بعد أن سمع بسجن آدم في قضية قتل!

كانت سارة منهارة على الهاتف فأسرع إليها في أول رحلة تحصل فيها على تأشيرة وتذكرة، عمها قد توفي فلم تعد علاقتها بأهل عمها كما في بدايتها، ليس إنهم متخاصمين ولكن كل على خاله.

هو يعلم أنه سندهما بعد الله، وهو كان مطمئن عليهما مع كريستيان، فهو رجل يعتمد عليه وأيضا يحب سارة كثيرا.

زاد إحساسه بالعجز عندما شاهد آدم في الزيارة، لا يمكن أن يسمح بأن يسجن آدم، الذي هو في قلبه أخ صغير له وليس ابن اخت فقط.

لحق سارة وكريستيان بعد ظهر اليوم إلى مكتب المحامي، وبدا الجو متوترا وخصوصا وأن المحامي مصاب بكدمة في عينه، ولكن الأمر سار جيدا وأخبرهم أن في هذه المرة مستعدون أكثر ولكن للأسف ليس هناك أداة قوية.

كما وعدهم أنه سيفعل كل ما بإستطاعته، وأخبرهم أيضا أن براءة جيف وآدم ستتحقق في هذه المرة حسب الأدلة التي معه، وهذا إن لم يستجد شيء جديد! ولكن للأسف نيكولاس لا يملك أي أدلة ومن أن يحصل له على حكم مخفف فقط!!

قرر ميكائيل إنه لن يعود إلى تركيا إلا وآدم بصحبته، سيفعل كل ما يستطيع ليعيش هذا الشاب حياة جيدة، لقد قاسا الألم والحرمان منذ طفولته.

ولكن ميكائيل يكره شعور العجز، هو رجل اعتاد على أن يكون قياديا وآمرا، وأن يجد الحلول ودائما ما كان في موضع قوة!

جاءت سارة وجلست بجانبة، أمسك يدها بحنان وهو يقول: "لن أترككِ حتى يخرج آدم من السجن"

ردت عليه بصوت مكسور وحزين: "ربما يستغرق الأمر خمس سنوات"

-"آمل من الله ألا يحدث ذلك" قال ميكائيل ذلك وهو يسحبها لتتكئ رأسها على صدرها.

هو يعلم أنه لن يعوضهم مكان أبيهم أبدا، فلا يأتي شخص مكان شخص آخر أبدا، ولكن يحاول كل ما بوسعه لكي يشعروا أن لديهم سند يتكئون عليه كل ما مالت بهم الدنيا.

"كان عليك أن تحضر ملاك والأطفال" قالت سارة.

فرد عليها ميكائيل بإبتسامة شوق وحنين على وجهه قائلا: "لقد حضرت والدتها وأبن عمها صديقي فؤاد وزوجته للسياحة في تركيا، ووالدتها ستبقى معها في المنزل بينما فؤاد وزوجته سيبقيان في فندق."

تنهد وقال: "لم أشأ أن احرمها من لحظات مع والدتها مع إنها أصرت على أن ترافقني من أجلك، هي لم تلتقي بوالدتها منذ أربع سنوات."

كان ميكائيل لا يزال لا يستطيع الدخول إلى وطنه، ويبدو أن ذلك يؤثر فيه بشكل كبير، فقد كان شخص وطني ويحب وطنه كثيرا، ولكن تلك الحرب اللعينة قد خلطت الحابل بالنابل.

انضم إليهما كريستيان والتوأمان بعد أن كانوا يسبحون في المسبح مع والدهم.

--

ستيف؛

وقف مبتسما برضى وهو ينظر إلى زوجته السابقة بإنتصار!

"والآن هل نتناقش؟" قال مستفزا إياها، فاحمر وجهها من الغضب.

قذفته بالوسادة وقالت: "أيها المخادع المغرور!"

أمسك الوسادة الطائرة في الهواء وقال وهو ينظر إلى ساعة يده: "ربما علينا العودة إلى الإجتماع مع المحامي والبقية!"

ضحكت ضحكة خشنة وقالت: "الآن تذكرت المحامي أيها الوغد المغرور، ألا تدري إنه أمل ابنك!"

قال بتعجب: "ألذلك لم توقفيه عند عنده!"

صمتت فيفيان ولم تجب وفهم ستيف انها بالفعل فعلت ذلك، جلس بجانبها ومسح على شعرها ثم قال: "أنا لا أريد سوى الأفضل لنا!"

نظرت نحوه وقالت: "إنه أملنا وأنت أعضبته)

ابتسم لها ابتسامة شريرة بينما عاصفة قوية مرت في عينيه وهو يقول: "تزوجي بي مجددا، وأنا سأذهب فورا لأقدم اعتذاري له!"

فتحت فمها بمفاجأة ثم ابتسمت وقالت: "حسنا، إن كان هذا عرض زواج 'فنعم' ستيف"

أمسكها لتقف على قدميها ثم احتضنها وبدأ يدور بها في أرجاء الغرفة.
ضحكت وقالت: "يا مجنون"

وما لبثت أن ضحكت حتى بكت فورا وهي متشبثة برقبته وتقول من بين دموعها: "ستيف كيف لي أن أضحك وأفرح وابني في السجن."

رفع رأسها لتنظر في عينيه ويقول: "واجبي أمام ابني أن أحافظ على والدته وأنا سأفعل ذلك"

--

كلوديا؛

لم تسمع أي خبر أو معلومة عن زوجها وكأنه يتعمد عدم وصول أخباره إليها، شعرت باليأس وقد بدأ مرض الوحم يظهر عليها ويجعلها ضعيفة جدا وشاحبة، خصوصا إنها لا تأكل جيدا بسبب نفسيتها.

جلست في الشرفة لكي تتنعم قليلا بالهواء النقي، رن هاتفها ووجدت إنها سارة أخت آدم صديق إبنها، فتحت الخط فورا فهي تطلعها أول بأول عما يقوله المحامي.

"غدا أول جلسة في قضية الاستئناف" وما إن سمعت كلوديا هذه الكلمات من صوت سارة حتى نزلت دموعها!

يا إلهي كم تحتاج إلى زوجها الآن، أيعقل أن تذهب إلى المحكمة دون دعمه الصامت لها!

عم الصمت قليلا ثم قالت سارة بصوت متوتر: "أظن إن من واجبي إخبارك يا كلوديا أن توماس يحضر جميع اجتماعاتنا مع المحامي، هو الذي يصر على ألا تحضري"

هنا صدمت كلوديا كثيرا ولكنها تثق تماما في كلام سارة فالفتاة دائما صادقة لأبعد حدود.

"رأيت من واجبي كامرأة مثلك أن أخبرك، خصوصا ردت فعله تلك عندما قام ستيف زوج فيفيان ب....."

وقصت سارة ما حدث لكلوديا وكيف كانت ردت فعل توماس.

فهمت كلوديا كلام سارة الذي بين السطور، توماس يتصرف بغرابة، وهو لا يتحدث لزوجته ويطلب منهم ألا يزعجوها بأن يطلبوا منها الحضور فهي متعبة، وأيضا يعلمون أنه لم يعد يعود إلى منزله.

شعرت كلوديا بالضيق والوحدة بعد أن أقفلت سارة الخط، لا تعلم لم يفعل زوجها ذلك، قلبها مملوء بخزن شديد، وضعت يديها على بطنها في حماية وشعور الخوف من القادم يسيطر عليها.

فجأة رن هاتفها لتجد رقم غريب يتصل، ترددت قليلا ثم أجابت، أجابت ويديها ترتعش وصوتها مهزوز وعيناها مزغللة بالدموع، أخذت نفس عميق ثم قالت: "هذه كلوديا من معي".

الصوت الذي أجابها لم يكن الصوت الذي توقعته، والذي تعرقت بسببه.

"مرحبا سيدة كلوديا، أنا الطبيب فريدريك هدرسون"

عاد صوتها لطبيعته ولم تعد ترتعش وقالت: "مرحبا سيد هدرسون."
-"فقط ناديني فريدريك لو سمحتي!"
أعادت قولها لتقول: "مرحبا فريدريك!"
-"في الحقيقة لقد اتصلت بكِ لكي أطمئن عليكِ، إذا لم تأتي مجددا إلى المستشفى"

ابتسمت وهي ترفع حاجبها: "هل تهتم بكل مريض عابر هكذا!"

سكت فريدريك قليلا ثم قال: "لا، لا أفعل ذلك في الحقيقة لأن ليس كل مريض يشغل عقلي ويجعلني أفكر به وبصحته طوال الوقت!"

ارتبكت كلوديا ولم تعرف بم تجيب ولكنها قالت في النهاية بلهجة رسمية: "سيد هدرسون، أنا ممتنة كثيرا لإهتمامك ولكن أنا امرأة متزوجة!"

ضحك هو وقال: "أنا اعلم لقد ذكرتي ذلك سابقا، أنا لا أريد شيئا إلا أن نلتقي مساء بعد الغذاء ونشرب كوب من القهوة سويا، في الحقيقة شخصيتك النفسية جعلتني أرغب في معرفتك."

بعد أن قال كل هذا الكلام، ويبدو إنه استنزف منه الكثير من الجهد بسبب التوتر، تنهد بصوت مسموع.

قالت كلوديا بحزن: "أتمنى ذلك صدقا، فأنا لم أخرج لشرب القهوة مع صديق منذ فترة طويلة."

ابتسم فقد بدأ يدخل مدخله، فأول خانة يريدها الآن هي خانة الصديق هذه ثم ينتقل بالتدريج، فدائما خانة الصداقة تكون ممتازة كبداية.

أكملت كلوديا وهي لا تعلم ما يجول في فكره وقالت:
"ولكن فريدريك، أنت لا تعرف ظروفي فأنا اليوم سأذهب لكي أحضر جلسة محكمة الاستئناف لإبني!"

تفاجأ بهذا التصريح، فلم يتوقع أبدا أن لديها إبن كبير في عمر يدخل فيه للسجن.

بدأت تحكي له كيف دخل ابنها للسجن وأنه برئ.

"حسنا إذا، سأرافقكِ للجلسة."

فاجأها فريدريك بهذا التصريح، ولكنها رفضت سريعا، فهي تعلم تصرفات توماس، لن يدع الأمر يمر بسلام أبدا، وهناك الصحافة والإعلام، لا لا، لن تجازف أبدا.

اقفلت الخط وهي متوترة فقد قارب موعد الجلسة، ولا تريد أن تتأخر.

اختارت ملابسها بعناية ثم أخذت حمام سريع وإرتدت ثيابها، كانت شبه جاهزة عندما سمعت قرعا على باب غرفتها.

"تفضل!"

كانت الخادمة وهي مرتبكة، وابلغتها رسالة من توماس كان قد نقلها لها عن طريق الخادم وهو يطلب منها ألا تذهب لحضور جلسة المحكمة.

تفاجأت بصدمة، كيف يطلب منها أمر مثل هذا، هل جن!؟ قررت أن تتصل به فهذا سخيف جدا، وليس إنها لن تذهب، بل ستذهب ولن يوقفها شيء، هي فقط تريد أن تعرف أسبابه لأن تصرفاته أصبحت لا عقلانية!

ولكن كالعادة وجدت هاتفه مقفل!
لن تطلب رقمه الجديد من الخادم بالطبع، ولكن شيء ما لفت إنتباهها من إشعارات تطبيقات الأخبار.

وكأنها تلامحت صورة زوجها!
فتحت الإشعار سريعا، لتجد صورة توماس في أحد أخبار صفحات النميمة على تطبيق إخباري، كان في الصورة توماس جالس في مطعم يتناول الغداء مع امرأة!!

ماذااا!!؟

يتركها هنا تنتظر عودته واتصاله، هنا اعترفت لنفسها بأنها كانت تترقب اتصالا منه!

استفزها كثيرا وقررت أن تنتقم لنفسها، فبعد كل شيء كان هو دائما من يفسد علاقتهم.

طلبت رقم الطبيب فريدريك، وأجابها الآخر فورا.
طلبت منه أن يرافقها إلى المحكمة، فالضغط التوتر سوف يكون شديد هناك، وتخاف أن يحدث أمر ما معها وهو طبيب سيساعدها حينها إن لم يكن لديه مانع!


--

توماس؛

اقفل المكالمة في ذلك اليوم من والده وهو سعيد بشيئان، أولهما حمل كلوديا، وأقسم أنه سيكون الأب الذي تتمناه لأبنائها والزوج الذي تتمناه لنفسها.

وثانيا، إنها بذهابها لوالده والصراخ وفقدان أعصابها، أثبث له أنها تحاول إصلاح ما يمكن إصلاحه من علاقتهم ولكن بإسلوبها.

حتى إن والده بدا متفاجئا ونادما خصوصا إلى ما آلت إليه الأمور، ولم ينكر دوره السلبي في كل هذا، بل واعتذر أيضا!!

كان في المقام الأول كل ما يفعله الآن من أجلها لكي تعيش الحياة التي رغبت بها.

لم يعد يذهب لطبيبه النفسي السابق، بل أصبح يذهب لطبيبة نصحه بها شخص ما من أجل ابنه جيف، فلا أحد يعلم بالإضرابات النفسية التي يعيشها توماس.

وحينها قرر الإبتعاد حتى تشتاق إليه ويعود إليها وقد تخلص من تلك الإضطرابات، لم يتحمل تلك النظرات التي رمقته بها في ذلك اليوم، لم يرى منها كتلك النظرات طوال حياتهما سويا، ولكن هو يعلم أنه تجاوز كل الحدود، فالأم تتحمل كل شيء إلا أذية أطفالها.

كان يتصل بشكل متكرر في كل يوم ويسأل الخادم عنها، ويرسل لها بالأموال حتى لا ينقصها شيء، إنه يعلم حتى ماذا تناولت على الإفطار والغذاء!

كانت الطبيبة جيدة جدا في عملها، ويشعر أنه تحسن كثيرا بسبب العلاج والأدوية.

كان ذاك اليوم جالس يتناول طعامه في نفس المطعم وبالصدفة كانت معالجته النفسية أيضا هناك فإنضمت له، وحينها تناقشا مطولا عن كلوديا، واخبرته معالجته إن عليه أن يتواصل مع زوجته، فالبعد بين الزوجين شيء خطير جدا.

حسنا قرر أن يصلح ذلك بعد المحكمة اليوم، لقد أتم فترة علاجه العصيبة وهو مستعد لمواجهة الحياة بالقليل من التعقل، وأيضا سيستمر في علاجه تحت دعم من زوجته الحبيبة التي إشتاق لها كثيرا!

طلب من الخادم منذ قليل أن يخبر كلوديا أن لا تذهب إلى المحكمة، فهو علم أن لديها هبوط في الضغط والدم بسبب الحمل، ولا يريد لها أن تتأذى هناك أو يضايقها الصحفيين، سيذهب إليها بعد المحكمة فورا، سواء خرج معه جيف أم لم يخرج.


--


كان الجميع متوترا جدا، وعلى أعصابهم، ستبدأ الجلسة بعد نصف ساعة، بدأو في الدخول إلى قاعة المحكمة، ستيف وفيفيان وسارة وكريستيان وتوماس وميكائيل كانوا جالسين بالفعل في القاعة انتظار المحامي.

ثم دخل المشرف براون وجيفان وبعض من أصدقاء الفتيان، وجد جيف وجدته وعماته وأيضا أقارب فيفيان وستيف وكلوديا.

وفي نهاية القاعة جلست عجوز ذات شعر أبيض بعكازها، إنها العجوز ناردين تجلس بصمت وحزن!

دخل القاضي وعم الهدوء وطلب من الحراس إغلاق باب القاعة، وفي آخر لحظة والجميع جالسون وقبل أغلاق الباب بثواني دخلت كلوديا بصحبة الطبيب فريدريك!

نظر نحوها الجميع في إستغراب حول مرافقها!

ولكنها رفعت رأسها وإستمرت في السير نحو المقدمة وجلست في الصفوف الأمامية ومعها الطبيب فريدريك بالطبع!

كان توماس فاغر فاه يرمش فقط، نكزه ستيف بمرفقه وقال له وهو يغمزه: "أرنا ما الذي ستفعله أيها الصنديد!".

قام كريستيان بنهر ستيف وأخبره أن هذا ليس بالموقف الجيد أمام القاضي.

كان توماس مصدوم من هذا الرجل الذي بصحبة زوجته! ولماذا خالفت أمره وجائت إلى المحكمة!

ولكن هذا كان اختبار حقيقي إن كان علاجه في ضبط النفس قد نجح أم لا!

كان ينظر نحو الطبيب ونار الغضب تكاد تحرق الطبيب بمجرد النظرات فقط!

قال الطبيب لكلوديا بهمس: "أعتقد ذلك الرجل الذي يجلس في الوسط هو زوجك!"

نظرت كلوديا ناحية توماس ثم أشاحت ببصرها عنه سريعا، إنها لا تطيق حتى رؤيته، أو هذا ما تحاول غرسه في عقلها الباطن!

أضاف فريدريك بمرح: "إنه يكاد يأكلني بعينيه، أعتقد أن سيهجم علي في أي لحظة"

قالت كلوديا في سرها 'أيها المسكين فريدريك لا تعلم ما ينتظرك'.
لأول مرة في حياتها تقوم كلوديا بعمل شيء شرير، إنها تحاول الإنتقام وهي تعلم جيدا أنها نجحت بالفعل في الإنتقام من توماس، ولكن توترت عندما فكرت في عواقب هذا الانتقام! ربما تكون تسرعت!

ولكن قُطع حبل أفكارها حين طرق القاضي بمطرقته وأمر بإدخال السجناء!

رفرفت قلوبهم بشوق وحنين إلى أبنائهم كن سارة وكلوديا وفيفيان يبكين بصمت ودموعهم تغرق عينيهم.

أما الرجال فيحاولون السيطرة على مشاعرهم.

في إنتظار دخول الفتيان.

أول من دخل كان جيف وآدم إلى قفص الاتهام، ثم ثواني ودخل بعدهم نيكولاس، نظر نيكولاس نحو صديقيه بشوق ثم ضم الثلاثة بعضهم البعض في مشهد مؤثر عن الصداقة الحقيقية.

نظر توماس عن كتب فلوح له جيف بيده، وهذا أعطى لتوماس علامة إيجابية، كانت عيون الأهالي جميعا متعلقة بأبنائهم ويدعون بصمت أن ينالوا برائتهم!

وكانت ناردين تراقب من بعيد بصمت وهي تبكي، نظر نيكولاس في الأرجاء بحثا عليها بعينيه حتى رآها، كانت تنظر نحوه وهي تبكي، لوح لها نيكولاس بيده وعلى وجهه شبه ابتسامة حزينة.

رفعت يدها قليلا ولوحت إليه بدورها، ولم يلاحظ ذلك إلا فيفيان وستيف اللذان لم تفارق عيناهما وجه إبنهما ولو لثانية منذ دخوله.

طرق القاضي بمطرقته ليعلن عن بدء الجلسة.......
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي