73

(الطعم المر لفقدان الحرية)

أغلى ما عند الإنسان هي حريته، فإن فقدها فقد كل معاني الحياة والوجود.

ومشيئة الله وقدره ساري على كل خلقه، سواء آمنت به أم لم تؤمن فقدره عليك ستعيشه لا محالة، وإن حاول الجميع إخراجك من أمر وإجتمعوا، فلن يخرجك منه سواه!

كان كل شخص يركض في إتجاه، الكل يحاول إيجاد حل للثلاثي المظلوم القابع في السجن.
ولكن جميع الأبواب موصدة، فربما الحل يأتي من حيث لا نحتسب. من باب غفلنا عليه ولم نطرقه، او ربما فقط أننا لم نطرقه جيدا!!

خرجت سارة من المقهى وهي منهارة وغاضبة في نفس الوقت، تلعن نفسها على غبائها، ذلك الغبي القذر حاول التحرش بها لولا لطف الله بها ووجود السائق الذي هب للدفاع عنها.

هي لم تخبر كريستيان عن حضورها لهذا المكان، ولكنها توقعت أن تجد شيء مفيد وأن يمر الموضوع سلس بسلام!

هي متأكدة الآن أن السائق سيخبر كريستيان، ولكن لن يهمها فهي عليها فعل ما يجب فعله، لن تقف مكتوفة الأيدي وهي تشاهد أخاها يقضي خمس سنوات من حياته داخل قضبان السجن ليتحول إلى خريج سجون ومجرم بدل من بريئ ومتهم!

عادت إلى المنزل ووجدت كما توقعت كريستيان في المنزل وفور أن دخلت انفجر غاضبا في وجهها، وكانت هي أيضا غاضبة بسبب ما حصل معها وأنها لم تستطع إيجاد أي خيط في النهاية.

"سأدخل لأنام".

هذا كل ما قالته بعد أن قال كريستيان كل ما لديه وأخرج جام غضبه.
ولكن ما إن خطت خطوتين إلا وأمسك بذراعها وهو يكز على أسنانه من الغيظ ويقول: "لا تفعلي ذلك مجددا، لا تعطيني ظهرك وأنا أتحدث معكِ".

هي تعلم أنه عصبي وكل هذه الأمور وعادة ما تقدر ذلك، ولكنها الآن لا تستطيع تحمل حتى نفسها.
انتزعت ذراعها من يده واتجهت إلى غرفتها وأقفلت الباب بعنف.
إرتمت على سريرها حتى دون أن تغير ثيابها ولا حتى أن تنزع حذائها، فقط سقطت في نوم عميق فقدته منذ عدة ليالٍ.

وبعد عشرة دقائق دخل كريستيان إلى الغرفة ليجدها في سابع حلم، انخمد غضبه وابتسم ابتسامة جانبية ثم توجه إليها ونزع من قدميها حذائها.
ثم نزع لها معطفها وهي لم تشعر بسبب قلة النوم والتعب لعدة أيام وليالٍ.

أخذ الغطاء ووضعه عليها ثم خرج.

--

كان المنزل كئيبا وهادئا جدا، حتى زوجها الذي كان يصدر صوت ضوضاء وصراخ في المنزل اختفى منذ البارحة ولم تسمع منه أي شيء، ربما عليها أن تتصل به.

لا لن تفعل، عليها الرحيل وتركه، كان يجب أن تتخذ هذه الخطوة منذ زمن، ولكن للأسف تأخر الوقت فقد ضاع ابنها وضاع زواجها، كانت تعتقد أنها تحافظ عليهم هكذا ولكن تبين إنها كانت تفعل العكس تماما.
واستمرت كلوديا في جلد الذات!

وقفت ونظرت إلى نفسها في المرآة، هل هذا حقا ما تريد أن تكون عليه، جالدة لذاتها وكارهة لنفسها، نظرت إلى داخل إنعكاس عينيها في المرآة وأخذت تحدثها، هي يجب أن تكوني ضعيفة، هل ستستسلمين الآن بعد أن هدم كل ما سعيتي إلى تحقيقه.

ثم إتخذت قرار مفاجئ وأخذت هاتفها الجديد بدل الذي إنكسر سابقا واتصلت برقم زوجها، إلا إن الرقم كان مقفلا!
ظلت على طول النهار تتصل ولكن نفس الشيء لا يجيبها سوى المجيب الآلي!

إنها تعد الأيام لكي يسمحوا لهم بزيارة ابنها، والآن غاب زوجها أيضا!

--

في إحدى الحدائق العامة كانت جالسة بجانب زوجها السابق وأيديهما متشابكة، جالسان بعد ساعة كاملة من الهرولة سويا.

"سنطلب من الآباء الآخرين أن يوقعوا على طلب الإستئناف لكي نقدمه إلى المحامي" قال ستيف ذلك فردت عليه فيفيان بخوف ظاهر في صوتها قائلة:
"أنا خائفة أن هذا من ألا ينجح الأمر، لا أستطيع تحمل خيبة الأمل مرة أخرى!"

حضنها وأمسك كتفيها وهو يقول: "ما دمنا سويا سنتجاوز الصعاب، لا يجب أن نؤذي بعضنا البعض كما فعلنا سابقا."

أومأت فيفيان إيجابا موافقة على رأي زوجها.
أمسك ذقنها لتنظر إليه وقال وهو ينظر إلى عينيها مباشرة: "ألا تعتقدين أننا يجب أن نعيد زواجنا، لا يجب أن يعرف نيكولاس أننا تطلقنا!"

أبعدت عينيها عنه وتجنبت النظر إليه ثم وقفت وقالت وهي تنظر إلى ساعة يدها: "علينا ألا نتأخر عن المحامي لنعرف منه الخطوة التالية!"

ففهم ستيف أنها تتهرب منه فلم يشأ أن يضغط عليها.

--

الإصلاحية؛

دخل كل من آدم وجيف إلى زنزانتهما وهما خائري القوى، لم يعلما أن القصر أيضا يعطونهما أعمالا شاقة، ولكن الحارس أخبرهم أن هذا درس تأديبي فقط، ولن يجعلوهما يحملون الأحجار مرة أخرى.

فمن يخالف الأوامر بعد ذلك سيتمنى أن يحمل الأحجار بدل من العقاب الذي سيقوم به.

استلقى كل منهما على سريره كالجثة الهادمة لا يقويان حتى على رفع رأسيهما.

سمعا صوت باب الزنزانة يفتح وألقى الحارس لهما صينية بها طعام، كان بالإسم طعام إذ لا شكل ولا لون ولا رائحة له.

"فاتتكما وجبة العشاء! هذا كل ما تبقى!"

على الرغم من الجوع الذي يشعران به إلا أنهما لم يستطيعا تحريك ساكنا من أجل الوصول ناحية الصينية.

بعد أن خرج الحارس الذي رمقهما بنظرة شماتة وكأنه يعرفهما أو عدو لهما منذ قرون. نظرا إلى بعضهما البعض وانفجرا بالضحك!!.
لا يعلمان لما يضحكان، لا يوجد ما هو مضحك إلا أنهما لم يستطيعا التوقف عن ذلك.

عاد الحارس وضرب على الباب بعصاته الحديدية وقال بصوته الجهوري: "هل تصمتان أم إنكما تريدان تجربة العقاب سريعا"

سكتا وهما ينظران إلى بعضهما بعيون ضاحكة ثم قال جيف: "دعنا نأكل يا صديقي، علينا أن نعتاد من الآن فهم خمس سنوات وليس خمس ساعات!"

نزل الإثنان على الأرض وبدأ بالأكل ولكن لم يستطيعا تناوله!

ناما بعمق على عكس الليلة الماضية، فقد أهلكهما التعب.

أصوات قرع قوية جدا تصل إلى مسامعهم ولكن لا يستطيعون فتح عيونهما، إزداد القرع حدة وفجأة كان الماء البارد فوق رؤوسهم.

كان الصباح قد حل ومن شدة تعبهما وارهاقهما النفسي أيضا، لم يستطيع عقلهما الاستيقاظ.
كان الحراس كل صباح يوقظون المساجين ويرتبونهم في صفوفهم ليذهبوا إلى الحمام لكي يغسلوا وجوههم ويغتسلوا.

وقفا كل من آدم وجيف مفزوعين بسبب الماء،  كانا كالقط تحت الأمطار، تعالت أصوات ضحكات المساجين من المراهين الذي في الممر أمام يمشون نحو الحمام وشاهدوا ما حصل.

"استمروا في السير أو سوف أعاقبكم جميعا" قال الحارس يخاطب المساجين.

توجه جيف وآدم نحو الحمام مع البقية وهما مبتلان تماما.
وقفا ينتظران دورهما وثيابهما الجافة بيد أيديهم.
دخل آدم أولا، كان الحراس يدخلون بالثلاثة أشخاص حيث إن الحمام مقسم إلى ثلاثة دورات مياه.

دخل إلى الحمام وفي يده ثيابه، اغتسل وارتدى ثيابه الأخرى والتي هي عبارة عن زي السجن الذي يرتدي مثله الجميع.

أنهى إغتساله تحت إستعجال مفرط من الحراس، فتح باب دورة المياه وكان الشابان اللذان دخلا معه في إنتظاره وسكبا فوق رأسه دلو آخر من الماء!

من الصدمة وقف آدم جامدا في مكانه لعدة ثواني، تم تصاعد الغضب لديه فقال أحد الشابين بصوت عال يحاول أن يسمع الحراس:
"اوه يا إلهي هذا الشاب الجديد قد دلق الماء على نفسه

نظر إليهم آدم بغضب تم إندفع يهجم عليهم.
وما إن سمعوا الحراس أصوات الضجيج حتى دخلوا مسرعين، وجيف إجتاز الحارس ودخل مسرعا ليرى ما الأمر مع صديقه!

ودون أن يسأل أو يعرف أي شيء اندفع قابضا بكلتا يديه على رقبة أحد الفتيان اللذان يهاجهان صديقه آدم!

وإحتدت المعركة بين الأربعة وتدخلت الشرطة بعصيها وضربت كل واحد منهم على ركبتيه من الخلف فجثوا على ركبهم جميعا.

أوقفهم الحراس وأقتادوهم نحو الساحة وأوقفوهم في منتصفها.
كان جيف وآدم يقطران من الماء.

جاء آمر السجن ووقف أمامهم بغضب وقال: "ألا يفوت يوم بدون مشاكل"

ثم أشار نحو آدم وجيف وقال: "وأنتما! ألستما جديدين هنا! متى لحقتما لتفعلا كل المشاكل؟ ألم يعلمكما المجلس التأديبي بالأمس شي!"

قال آدم في حنق: "هما من بدأ لقد كنت خ....."

أسكته الحارس خلفه بنكزة من عصاه على كتفه.
فقال الآمر: "انتم معاقبون أربعتكم، ستقومون اليوم بتنظيف حمامات السجن جميعها."

احتج الفتيان آخران ولكن ما إن رمقهم الآمر بنظرة غاضبة حتى سكتا.

توجه الأربعة نحو الحمام الأول بعد أن غير كل من آدم وجيف ملابسهم.
قال الحارس: "لا افطار لكم اليوم، ستنتظرون حتى يأتي موعد الغذاء!"

كان جيف وآدم بالفعل جائعين.

بدأ الأربعة في تنظيف الحمام الأول في صمت، كان متسخ للغاية، أحس آدم بأنه سيستفرغ فأسرع نحو دورة المياه وبدأ سيتفرغ الفراغ، فلا شيء في جوفه!

ضحك عليه الحارسان وقال أحدهما: "لا تقلق فستتعود أيها الشاب اليافع!"

بعد مرور حوالي الساعة والنصف كانوا قد أكملوا تنظيف نصف الحمامات، فأعطاهم الحارس إستراحة لربع ساعة يرتاحون فيها.

جلس الأربعة في الساحة في الهواء المنعش بدل هواء الحمامات المقرف!

"لا أعلم سبب قيامكما بذلك، انتما من عرضنا لهذا الموقف كله!" قال آدم في غيظ إلى الشابان الجالسان بالقرب منه ومن جيف.

نظر له الشاب كان أسمر البشرة وطويل، بدت نظراته متردده ثم قال بعد تفكير: "انتما الإثنان من عائلات غنية وكان يجب أن نعرفكما أن المال هنا لن يميزكم علينا!"

نظر جيف بغير تصديق: "ما هذا الهراء، تبلوننا بهذا العقاب المقرف بسبب أمر غير منطقي؟"

قال الشاب الأسمر وهو يدعى جمال: "سنرى مستقبلا إن كان منطقي أو لا، إن تهمتي فقط السرقة من أجل أن أطعم إخوتي الصغار، وانتم ما تهمتكم؟ ضرب شاب مسكين لأنه لم ينظف حذائك جيدا!"

كان واضحا أن الشاب مغلول جدا.

قال جيف بشبه ابتسامة: "بل جريمة قتل!"

نظر له الشابان في صدمة، فأعجب الأمر جيف فضيق عيناه وأكمل قائلا: "تهمتنا قتل تاجر مخدرات خطير!"

جاء الحارس وأخبرهم أن الإستراحة قد انتهت وعليهم العودة إلى تنظيف بقية الحمامات.

همس آدم لجيف وهم متجهون إلى بقية الحمامات:  "لماذا قلت لهم ذلك! هل تريد أن تلصق لنا التهمة، أم إن حياة السجن قد أعجبتك؟"

ابتسم له جيف وفي عينيه نظرة غريبة وقال: "بل هذا سيمنعهما علينا مجددا وسيمنع البقية أيضا!"

أومأ آدم ثم إبتسم بعد أن فهم مقصد صديقه، وكان خوف الشابين الآخرين منهما واضح.

قال لهم جيف: "كيف علمتما اننا من عائلة غنية؟"

قال جمال: "لقد أخبرنا بذلك الحارس، فقد قال سوف يأتي إليكم شابان غنيان وسوف يجعلونكم تحت اقدامهم بسبب أموال عائلاتهم."

قال جيف: "اممم، فهمت، وانت تكره الاغنياء، أليس كذلك؟"

ومن بعد تلك المحادثة القصيرة تغيرت معاملة جمال وصديقه إلى جيف وآدم، وحتى معاملة أغلب الفتيان القصر داخل السجن، كانوا يظنون أن جيف وصديقه آدم قاما بالفعل بقتل تاجر مخدرات خطير!

وإستمرت وتيرة السجن على هذه الطريقة لعدة أسابيع لاحقة، وما يهون على آدم وجيف سجنهما هوا وجودهما سويا، وما يقلقهما بشدة وجود نيكولاس وحيدا، لا يعلمون عليه أي خبر.

ولكن ما يطمئنهما إن اليوم بعد شهر من السجن والعقوبات سيأتي أهاليهم لزيارتهم وأخيرا، كم يشعرون بالشوق والحنين لهم.

ندم جيف على عدم محاولته التقرب من والده أو فهمه، لقد أتته فرصة لكي يساعد والده ولكنه رماها عرض الحائط في أول إختبار حقيقي.

كانا ينتظران الثواني وهي تمر بفارغ الصبر، وعندما وصل موعد الزيارة كانا سعيدين للغاية.

جاء الحراس يقتادون المساجين الذين لديهم زيارة إلى حجرة الزيارة في صفوف وأيديهم مغغلة بالأصفاد.

جاء الحارس وفتح الزنزانة وقال: "لديكما زيارة إنهضا!"
في الحقيقة لم يكن بحاجة ليطلب منهما النهوض، هما في الأساس كانا على أهبة الإستعداد.

نطف قلب كلاهما شوقا، وصلا إلى حجرة الزيارة التي كانت كبيرة للغاية وممتلئة بالمساجين وأهاليهم، إقتادهما الحارس نحو طاولات أهلهم التي كانت متجاورة ولكن بينها وبين كل طاولة أخرى مسافة تسمح بالخصوصية في الحديث.

كان آدم وجيف يبحثان بعيناهما في كل الوجوه عن أهلهم، تلك الوجوه المألوفة التي لطالما أحبوها.

إلتقت عينا آدم بأخته سارة التي كانت عيناها متزغللة بالدموع، وكان كريستيان برفقتها والمفاجأة إن خاله ميكائيل أيضا معهم، إختنق آدم بدموعه وإحمر وجهه ما إن رأى خاله، كان يعشق خاله منذ الطفولة ويعتبره قدوة له وأخ وليس خال!

وجيف رأي طاولة تجلس عليها والدته وحيدة، والده غير موجود!
هل حدث مكروه لوالده؟ العديد من الأفكار التي تولدت في رأس جيف قبل أن يصل إلى طاولة والدته.

"لديكما نصف ساعة فقط، وسأنزع لكما الأصفاد ولكن إن أسأتما التصرف فستحرمان من الزيارة القادمة وبالاضافة إلى أن الحمامات تنتظر!"
قال الحارس ذلك بعد أن وصلا بجانب طاولات أهلهم، إتجه كل واحد منهما إلى ذويه.

وقفت سارة بسرعة واحتضنت آدم بشوق وخوف وهي تتفقده بعيناها في كل مكان خوفا من أن يكون قد تعرض لمكروه ما.

وقفزت كلوديا تحتضن إبنها وحيدها وفلذة كبدها، قبلته على خديه ورأسه وهي تقول: "كيف حالك يا بني هل أنت بخير؟"

كان السؤال يشع من عينيه إلا إنها تجنبت الإجابة بالرغم من إنها فهمت.

بعد أن شبع آدم من حضن أخته الحنون، إستلمه فورا خاله ميكائيل وهنا بكى آدم، نزلت دموعه غصب عنه، كان يحاول كبحها ولكنها تغلبت عليه، اجهش في البكاء وهو بين يدي خاله الحنون عليه.

لم يكن آدم يريد أن يبتعد عن خاله إلا إن خاله أبعده وهو يقول: "لقد كبرت جدا."

وأما جيف بعد أن جلس بجانب والدته قال: "أين هو؟"
أشاحت والدته ببصرها بعيدا وهي تقول: "إنه مشغول، أعمال العائلة تشغله و...."

"أمي! لو كنتي تحاولين تغطية شيء ما فهذا لا ينفع، فقط أخبريني الحقيقة.

أما عند آدم فقد كان سعيد برؤية خاله ومجيئه إلى أمريكا من أجله.
وسعيد أيضا بوقوف كريستيان في جانبه فهذا يعني له الكثير.
تبادلوا أطراف الحديث في انسجام كان التغير في شخصية آدم ظاهرا لهم، يبدوا أكثر تعقلا وإرتكازا، حتى إنه يبدو أكبر سنا!

"أشعر أنه مضى أكثر بكثير من شهر مذ رأيتك آخر مرة!"
قال كريستيان ممازحا فرد عليه آدم: "أما أنا فأشعر أنه دهر"

أما على الطاولة الأخرى فكان التوتر سائدا، وكأن مكتوب ومقدر على هذه العائلة التوتر والقلق.

"لا يريد رؤيتي، أليس كذلك؟" قال آدم.
فنزلت دموع كلوديا كالشلال وهي تقول بحزن: "والدك لم يعد إلى المنزل لثلاثة أسابيع تقريبا"
مسحت عينيها من الدموع بعصبية وأكملت: "أنا لا أعرف أين هو! هو فقط يرسل لي أمواله اللعينة وكأنني لا أحتاج سوى إلى المال!"

ابتسم آدم إبتسامة جانبية وهو يقول: "سامحيه يا أمي، هو لا يعرف كيف يعبر عما في قلبه إلا هكذا!"

رفعت بصرها إلى إبنها بتفاجئ مما قد قاله، وقالت بعدم تصديق: "انت تقول ذلك!؟"

أومأ برأسه إيجابا وهو يخبرها أنه في وحدته ولياليه الطويلة هنا فكر مطولا، ولا يزال أمامه الوقت ليفكر أكثر، إن والده يستحق فرصة ثانية، فهو نتاج والد نرجسي لم يعلم إبنه سوى حب الذات ومقت الآخرين.

وإن كان توماس قد أحب زوجته وإبنه ولو بطريقته الخاصة والغريبة، فهذا إنجاز يدل على أنه أفضل بكثير مما هو عليه، فقط يحتاج للتشجيع والتسامح ليظهر جانبه الجيد!

تفاجأت كلوديا من تفكير ابنها الذي بدأ يميل للصقل والنضوج، فما المصاعب إلا لتصقل أرواحنا وتنمي قدراتنا وتغرس فينا الثقة.

انتهت الزيارة وتقدم الحراس وألبسوا المساجين أصفادهم وقادوهم إلى زنازينهم، أمام أنظار الأهالي المفطورة قلوبهم على فلذات أكبادهم.

--

نيكولاس؛

بدت الأيام بالنسبة له متشابهة جدا، وبداية اليوم كما نهايته لا جديد فيها.

هذه الأيام صعبة جدا بالنسبة له، اذ يبدو إن الجسم يبحث عن ولو ذرة مخدرات، كان الأمر مرهقا ومتعبا له، وخصوصا بعد أن فقد الأمل في الحياة، فالحرية أساس وإن ضاعت صرنا أموات ولكن لنا روح.

جاء موعد خروجه إلى الساحه، أمسك دفتر التلوين وأخذه معه ليلون ويملأ وقت فراغه في ذلك الوقت.

كان الجميع كالعادة منهمك يلعبون رياضة ما، ما عداه هو كان يرفض اللعب مهما حاول معه المشرفون.

هنا في مركز إعادة التأهيل لا يستطيع المساجين تكوين صداقات، إنه أمر ممنوع بين المساجين، حتى لا يندمج المدمنون مع بعضهم وربما يساعدون بعضهم البعض في الحصول على بعض الممنوعات.

كانوا يزودونهم بكل ما يحتاجون إليه، من كتب، أدوات رسم، مجلات وجرائد، دفاتر وأقلام، وأي شيء مفيد يمكن أن يؤنس وحدة المسجنونين.

"لا زلت لا تلعب مع أحد، أليس كذلك؟"

نظر نيكولاس ناحية صاحب التعليق فوجده ذلك الشاب الذي إلتقاه أول مرة هنا، لم يلتقيا مجددا في الساحة حيث كان التبديل بين المساجين للخروج إلى الساحة يومي.

ولكن إلتقيا عدة مرات في حلقات النقاش التي تقيمها المدربة.

"لا!"
هذا كل ما قاله نيكولاس.

مد الشاب يده ناحية نيكولاس الذي نظر ناحيتها بإستغراب، فقال الشاب: "أنا أتحداك في لعبه أم إنك تخاف الخسارة!!"

رغم إن نيكولاس فهم مقصد الشاب فهو يستفزه، إلا إنه أمسك في يد الشاب الذي سحبه ليقف، فقال نيكولاس: "قبلت تحديك! لست أنا من يخشى التحدي."

ضحك الشاب وقال: "جيد، كنت أعتقد إنك أخرس!"

ابتسم نيكولاس إبتسامة جانبية وتوجه نحو الملعب، هذا الفتى حقا طويل اللسان ولكن نيكولاس قرر مجاراته.

وقف الشاب أمام الملعب وهو يحدث زملائه ويقول: "نيكولاس سيلعب معنا، دعونا نلعب في فريقين، وعلى كل فريق أن لا يدخر جهدا من أجل الفوز!"

قال البقيه: "هاااي!"

كان جميعهم بنيكولاس ستة أشخاص فقط، وتقسموا إلى فريقين كل فريق ثلاثة أشخاص، بدئوا يلعبون وبالرغم من إن نيكولاس لا يجيد كرة السلة التي يلعبونها الآن إلا إنه إستمتع بوقته، في الأساس جميعهم مبتدئين فيها.

مرت الثلث ساعة سريعا وجاء الحارس وهو يخبرهم بأن استراحتهم قد انتهت.

مد الشاب يده إلى نيكولاس مصافحا وهو يقول: "لقد إستمتعت باللعب معك، أرجوا أن تستمر في ذلك فهو سيساعدك كثيرا في التخلص بوتيرة أسرع من الإدمان."

ابتسم له نيكولاس شاكرا وتوجه كل واحد نحو زنزانته!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي