65

(اختفاء نيكولاس)

يتلفت يمنى ويسرى وهو يسارع في خطواته لا يرغب في ان يراه احد، كانت العطلة الاسبوعية وقد كذب على اخته التي اصبحت أسئلتها تخنقه.

"اين ذاهب؟ ماذا تفعل؟ مع من تتحدث؟ لما لم تنم؟" وغيرها من الاسئلة التي يرى آدم ان سارة تحمله فوق طاقته بها.

ها قد اخذ قراره اخيرا وسيلتقي بتوم، وصل الى المقهى الذي اتفقا ان يلتقيا به، ولكنه تلفت يمنى ويسرى ولم يجد احد! جلس على احدى الطاولات ينتظر، سحب هاتفه من جيبه وبدأ في الاتصال، وما ان رن عند الطرف الآخر حتى اجاب: "ها انا امامك."

رفع آدم بصره ليجد توم داخل من باب المقهى، رفع يده يحييه من بعيد، واقفل الخط.

جلس توم امام آدم وقال: "انا مشغول جدا ايها الفتى، عليك ان تخبرني بسرعة بم تريد!؟"

قال آدم: "اريد ان نكمل في الموضوع، اريد ان انضم اليكم!"

ضيق توم عينيه وهو ينظر نحو عيني آدم بتركيز وقال: "هل انت متأكد؟"

أومأ آدم برأسه فأشار توم الى رجل يقف امام باب المقهى ويبدو انه حارسه الشخصي، اسرع اليه فحدثه توم في اذنه وخرج الرجل.

بعد دقيقتين بينما هما يشربان قهوتهما عاد الرجل وفي يده حقيبة اوراق وضعها امام سيده.

فتح توم الحقيبة واخرج ورقة وقدمها الى آدم وقال: "هذا هو العقد، اقرأه ووقع" قال ذلك وهو ينظر نحو ساعة يده لشير الى انه مشغول.

امسك آدم الورقة وقرأها، فكر في نفسه وحدثها قائلا 'لا يبدو ان هناك اي شيء مريب في هذه الاتفاقية'.

اخذ قلم الحبر الذي ناوله اياه توم وملأ بياناته الشخصية ثم وقع على الورقة بيد مرتجفة.

وما ان انهى حتى ابتسم توم ابتسامة جانبية واخذ الورقة وقال: "اتود ان تأتي معنا الآن لتتعرف على العمل؟".

نظر آدم الى ساعته وقال: "اعتقد ان لدي بعض الوقت اذا كان الامر لن يأخذ وقتا!"

"ستكون جولة تفحصية لا اكثر!"

خرج الاثنان وورائهم الحارس الشخصي، توجهوا نحو سيارة توم والتي كان يقودها بنفسه اليوم وليس بالسائق.

بعد حوالي النصف ساعة وصلوا أمام مبنى كبير، نزل آدم من السيارة ينظر الى المبنى الخارجي الضخم.

"انه يبدو كشركة!" قال آدم بتساؤل.

رد توم: "اجل فالمنظمة لها اعمالها لكي تمول نفسها واعمالها الخيرية والتطوعية."

كان هذا الكلام مقنع بالنسبة لآدم ودخل بصحبة توم الذي قاده الى المصعد وقال له: "سنقوم بجولة بسيطة داخل المبنى وقسم عملي ولكن المدير غير موجود حاليا."

بالطبع آدم لن يقابل المدير ابدا، بل هو الرأس الاعلى والبقية يحركهم كما يشاء، ومن الصعب ان يقابله اي احد!

جال آدم مع توم في الاقسام، كان يبدو شغلا طبيعيا لشركة كبيرة.

كان توم في الاساس لا يعمل في هذه الشركة، وانما هي تتستر وتمول اعمالهم.

بعد ان انتهت الجولة خرج آدم واستقل سيارة اجرة لكي يعود الى منزل سارة، كان قد جاء الى زيارتها بالامس وغدا سيعود إلى المدرسة.

جاء بعد ان اصرت ان تزوره بعد ذلك الشجار الذي نشب بينهم.

كان آدم مراقب وهو يمشي ولا يعلم انه مراقب، وصل الى منزل اخته، وجدها قد اعدت له كل ما يحب من انواع الطعام، حضنها وقبل جبينها، هو يعلم بحبها الكبير له ولكن فقط لا يحب اسلوبها في التدخل في شئونه!

بعد عدة دقائق دخل كريستيان الى المنزل وجلس الجميع يتناولون الطعام، وبعد ان انتهوا قال كريستيان بنبرة لم يسمعها آدم في صوته:

"اخبرتني سارة انك خرجت هذا الصباح، الى اين ذهبت؟"

تفاجأ كل من سارة وآدم، حتى سارة التي كانت تتحدث مع توأميها وتحثهم على تناول طعامهم، توقفت وهي منتبهة الى زوجها، لم يسبق له ان تدخل في شئون آدم الخاصة!

جيف؛

جالس على كرسي المرضى في غرفة الطبيب النفسي، الطبيب نيديكس رجل كبير ويبدو من مظهره انه في عمر الاربعين اكبر من والده بعدة سنوات.

"هل تحب والديك؟"

كان سؤال غريب بالنسبة لجيف، ولم يتوقعه من الطبيب حتى، وجيف احتار بم يجيب، ولكن بعد عدة دقائق وجد نفسه انه بدأ يحكي للطبيب عن كل حياته مع والديه.

كان سؤال بسيط في ظاهره ولكن الطبيب كان ذكي! فقد ضرب اللب مباشرة ليخرج كل ما في جوف جيف من خبايا واسرار لطالما احتفظ بها لنفسه.

"حسن جدا." قال الطبيب الذي كان يستمع لجيف ويدون ملاحظات في مذكرته الالكترونية.

انتهت الجلسة التي احس جيف بعدها بشعور غريب لم يألفه من قبل، وهذا بعد ان اخبر الطبيب بكل مخاوفه وما يثقل كاهله!

خرج من حجرة الطبيب ولاحظ امر غريب، كانت والدته نائمة وهي مستندة على كتف والده.
ام يألف من والده الا الشدة، او هذا ما اراد دوما رؤيته به، ليسهل عليه امر كرهه.

وقف امام والده الذي كان يبدو هائما في افكاره وغائب في عالم التفكير. يبدوا متوترا وقلقا فيما يفكر به.

"لقد انتهيت!" قال جيف لوالده الذي لم يشعر بوجوده امامه الا عندما تحدث.

قال توماس بتوتر: "هل كل شيء على ما يرام؟"

ابتسم جيف ايضا بإرتباك فما قاله في الداخل لا يريد لأي احد ان يعلمه خصوصا والده: "على ما اعتقد!"

توماس: "هل تريد العودة الى الجلسة الاخرى؟"

اومأ جيف ايجابا برأسه، تنهد توماس براحة وقال: "هذا مؤشر جيد."

تسائل جيف هل كان والده يرفض الذهاب الى الطبيب النفسي لذلك هو متوثر الآن؟ وكان يخشى انه لن يعود الى الطبيب!!

بعد ان ايقظ توماس كلوديا خرجوا متجهين بالسيارة الى مطعم ما لكي يتناولو الغذاء، كان يحاول توماس ترميم ما يمكن ترميمه في علاقته بأسرته.

ولكن تسير الرياح عكس ما تشتهي السفن بالطبع! فما سيحدث لاحقا ربما سيجعل هذه العائلة الصغيرة تغرق في الوحل اكثر!

نيكولاس؛

"ما هذا اللعنة عليكم؟ لم تعذبونني، لا استطيع التحمل!"

كان يشعر بأن جسده يكاد يأكل نفسه، لا يستطيع تحمل هذا الوضع حقيقة، لم يكن لديه العزم ولا الدافع.

وكل ما يبدأ في هذه المرحلة من الهستيريا والصراخ، كانوا يقيدونه في السرير ويحقنون له حقنة منومة!

هو حقيقة لم يكن يريد الاقلاع عن تعاطي المخدرات، كانت تعطيه شعور جميل واحساس بالراحة، يهرب من شعوره بالاهمال، يهرب من كل ما يؤرقه او يزعجه.

وبعد عدة ساعات افاق من مفعول الابرة المنومة، جلس يشاهد التلفاز المعلق في سقف الغرفة، وهو وسيلة الترفيه الوحيدة، وكانت البرامج فيه عبارة عن برامج توعوية.

دخلت الممرضة وهي تبتسم وتقول: "بطلنا افاق، كيف حالك الآن!"

خطرت في عقله فكرة بعد ان رآى في مأزرها مفاتيح معلقة. ولكن عليه ان يكون فطنا.

استأذنها ودخل الى الحمام، ادخل اصبعه في فمه وتظاهر بأنه مريض ولذلك تقيأ ما في جوفه على ارضية الحمام.

بدأت الخادمة تطرق عليه باب الحمام عندما سمعت صوته، فتح لها الباب وتظاهر بالاعياء والتعب وقال لها: "انا متعب كنت اتقيأ!"

كانت كل ملابسه ملطخة بالقيء وارضية الحمام كذلك.

"اريد الذهاب الى السرير ساعديني"

تراجعت الممرضة الى الخلف كي لا يلطخها بالقيء، فمن يتحمل القيء ورائحته المقرفة!

"عليك ان تغير ثيابك اولا ثم استلقي لأنادي الطبيب، سأخرج وانت غير ثيابك."

هز رأسه وهو يقول: "لا لا، اريد ان استحم اولا رائحتي مثل النفاية، ولكن الحمام قذر ارجوكم نظفوه اولا."

وضعت الممرضة اصابعها على انفها وقالت: "حسنا، اجلس على الكرسي ولا تصعد الى السرير، سأحضر الخادمة فورا لتنظف الحمام من اجلك."

خرجت الممرضة وكان نيكولاس يدعي انه لا يستطيع رفع رأسه، ولهذا كانت مسرعة دون ان تغلق باب غرفته خلفها.

ما ان خرجت من باب الغرفة حتى قفز مسرعا نحو القميص الذي جهزه بجانب الباب، غير قميصه لواحد نظيف وخرج يركض مسرعا من الغرفة.

يركض بين الممرات يحاول تجنب المارين به وهو يضع قبعة البايسبول التي احضرتها له امه في زيارتها السابقة، وكمامة على وجهه حيث ان اغلب الناس يضعونها خوفا من الاصابة بعدوى مرض الكورونا المنتشر في البلاد.

عادت الممرضة وبصحبتها عاملة النظافة، دخلت مسرعة وهي تقول: "ارجوا ان تنظفيه بسرعة المسكين يريد ان يستحم. نظرت حولها في الغرفة فلم تجد احد، اسرعت الى الحمام ظنا منها انه يتقيأ مجددا، ولكن لا أثر له!

صدمت ونظرت بفزع نحو الباب......

آدم؛

"تمشيت قليلا وعدت" قال ذلك بصوت عادي جدا لا يظهر شيء محاولا اخفاء ما في نفسه.
ثم اكمل يقول: "هل هناك خطب ما كريستيان؟"

ابتسم كريستيان ابتسامته الجانبية التي تدل على المكر وقال: "لا ابدا، فقط اطمئن خشيت ان تكون سارة ازعجتك ثانية."

قال كريستيان ذلك وهو ينظر ناحية زوجته بإبتسامة  فقالت هي: "لا، لن ازعج اخي الصغير بأسئلتي ثانية ابدا!"

مر الوقت وجاء اليوم التالي الذي اصر فيه كريستيان على ان يوصل آدم الى المدرسة الداخلية بنفسه.
نزل آدم وتوجه الى صفه، وتظاهر كريستيان بأنه راحل، ولكن ما ان تأكد من ان آدم قد دخل، نزل من السيارة ودخل الى المدرسة متوجها ناحية مكتب المدير.

وبعد عدة دقائق كان قد خرج شبه مرتاح، فقد اخبره المدير ان آدم شاب متفوق بأخلاق عالية جدا، رغم صديقيه اللذان احدهما مدمن مخدرات والاخر مصاب بنوبات غضب وعنف الا انه ليس مثلهم، فهو هادئ ومسالم ومتميز في دروسه، حتى انه من الاوائل.

ولكن ما اخبره به الحارس الذي عينه لمراقبة آدم لا يبشر بالخير، فمن ذاك الرجل الذي اخذه لتلك الشركة وما علاقته بآدم.
عليه ان يحد اجابات بأسرع وقت فهو يعلم ان آدم يخبئ شيء ما وعليه ان يعرفه!

واما آدم فجلس في الصف وعقله في مكان آخر، سيتصل به توم بعد دوام المدرسة ليكلفه بأولى مهامه وعليه ان يكون مستعدا.......

جيف؛

هذه المرة لم يوصله السائق ولا سيارة الاجرة الى المدرسة، كان والده هو الذي اوصله، كانا صامتين طوال الطريق ولم ينبس احدهما ببنت شفة.

كان توماس يحاول فتح حوار مع ابنه ولكن لا يعلم فيما سيتحدث، يخشى ان ينقلب هذا السكون الى عاصفة، فدائما ما كان ينتهي حوارهما بشجار، وكلوديا ليست معهما لترطب الاجواء، فقد اصرت عليه ان يذهب مع ابنه لوحدهما.

هو يعلم انها تفعل كل ما بوسعها لإنقاذ عائلتها من التشتت، وسيفعل هو المثل، وان كان ذلك بتجنب الحوار حاليا مع ابنه.

وصلا امام المدرسة وركن والده السيارة، نزل جيف من السيارة واقفل الباب والتف ليذهب نحو الباب، ولكنه سمع صوت والده يناديه، التفت اليه فقال توماس بإرتباك: "انتبه على نفسك!".

وقف جيف متفاجيء فليس من عادة والده الاهتمام، ابتسم بإرتباك ثم قال: "افعل انت ايضا!"

دخل جيف وقلبه ينبض يا الهي لم يتعرق هكذا هل كان يتحدث مع والده ام مع حبيبته!!
لو يخبر احد بهذا سيظنه مجنون.

ولم يكن توماس اقل تعرقا وتوترا منه، فكلاهما لا يستطيعان ولا يعرفان كيف يتعاملان مع المشاعر.

جلس جيف في صفه وهو ينتظر بفارغ الصبر ان تأتي استراحة الغذاء، يريد ان يتصل هو وآدم بوالدة نيكولاس فيفيان للإطمئنان عليه.

جلس كل من آدم وجيف في كرسي الحديقة وهما يتصلان بي فيفيان والدة جيف، فتح الخط وشغل آدم مكبر الصوت.

ولكن ما ان انفتح الخط حتى سمعوا صوت بكائها، وقفا وهما مستغربان.

"سيدة فيفيان، ماذا هناك؟ انا آدم."

"هل حصل مكروه ما لنيكولاس؟" قال جيف.

قالت من بين عبراتها وشهقاتها بصوت يكاد يكون مفهوم: "نيكولاس هرب من مركز معالجة المدمنين."

فجأة سمعا صوت سميث والد نيكولاس: "مرحبا ايها الشابان، ان كنتما تعلمان مكان نيكولاس يجب ان تخبراننا حالا وفورا، هذه ليست مزحة."

آدم: "كيف سنعلم مكانه انه لا يملك حتى هاتف لنتواصل به معه"

قال سميث: "لا اعلم، ربما خطة منكم، من يعلم ما يخرج من مراهقين هذه الايام، قد يكون ارسلكم لتتصلوا في هذا الوقت بالذات لكي تعلموا الاوضاع."

تفاجأ الفتيان ولكن قطعت فيفيان حديث زوجها وقالت: "ان زوجي يا يقصد، نحن فقط منهارون، انا اثق بحبكما لنيكولاس، اذا تواصل معكما ارجوكما تحدثا الينا فورا."

بعد ان انتهت المكالمة نظرا الى بعضهما بتفاجئ، لا يمكن ان يكون الامر حقا هكذا، الى اين ذهب. كانت العديد من الاسئلة تدور بينهما وقررا ان ينتظرا منه مكالمة، لابد ان يتصل بهما فهو لا يملك اي احد لمساعدته.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي