6

تكون وحيدا مكسورا محتاجا، فيأويك وينجدك ويحميك، حتي تقر عينك وتطمئن روحك.
ثم يختبرك ليمحصك ويعلمك، يضعك امام اختيارات واختبارات، أَأَنت من الشاكرين الحامدين ليزيدك من فضله، ام كنت ممن فُرجت همومهم فنسوا الله فنسيهم.

متى يتعلم الانسان ان اكبر عدو له هي غرائزه واهوائه ومن اتبع اهوائه فقد ظل.
طبيعيا جدا ان يكون لك غريزة فبعضها جميل كالامومة والحب الجميل، فلكل مخلوق غرائزه.
واما الاخر فعلينا ان نتحكم فيه ونحذره كي لا يتحكم فينا، ويضلنا عن سواء السبيل، وقد رزقنا الله عقلا لنميز بينها.

فغريزة الجوع مثلا تولد السمنه، وغريزة الحب تولد الزنا، وغريزة القتل تولد الجريمة، وغريزة الغيرة تولد الحسد، وغريزة الجمال تولد العري والتصنع.
وقد ربح من وازن واتزن واحكم العقل..
................

العشاء

اجتمع الجميع في غرفة الجلوس في انتظار وصول الضيفة، التي اتصلت بكريستيان قبل موعد العشاء بساعة فقط، لتخبره انها لا تستطيع الحضور لان سيارتها تعطلت وان كان يرغب في ان تحضر عليه ان يأتي ويأخذها.
انطلق كريستيان ليحضرها، فيبدوا ان خطته تسير بشكل جيد، اذ يبدو انها ابتلعت الطعم، " كم انتن غبيات ايتها النساء" قال كريستيان في سره بحقد.

اما باقي العائلة فقد جلسوا في غرفة استقبال الضيوف في اتم اناقتهم استعدادا لإستقبال الضيفة المجهولة بترقب.
سوزي وميليسا بدون وكأنهن شقيقتين، يبدو أن ميليسا ورثت جمالها من والدتها، التي بدت في غاية الجمال والاناقة، وميليسا لم تكن اقل قدرا منها.
كل شيء كان جاهز، والجميع منخرط فالحديث عن مواضيع متعددة.
دخل كريستيان وإمرأه جميلة متأبطة ذراعه، ذات شعر كستنائي مصفر وبهيئة طويلة وكأنها عارضة أزياء. ملابسها لا تكاد تخفي شيئا حسب وجهة نظر سارة بالطبع، وأما مساحيق التجميل وضعت بعناية فائقة وعطر يصل مداه إلى حيث تجلس سارة.
ذهل الجميع، وكانت الصدمة تبدو على وجوههم، لم يتحدث احد وكأن الطير فوق رئوسهم من شدة الصدمة، الى ان تحدثت الفتاة نفسها وقالت : مرحبا، يبدو ان لا احد كان يتوقعني.
كان كريستيان مكتفي بالصمت.
سوزي بعدائية : فالحقيقة اجل لم نكن نتوقع حضوركِ انتِ.
فيرونيكا ابتسمت : وهل هذا يعني انه غير مرحب بي؟
ثم نظرت الى كريستيان، فتدخل الاب ومد يده صافحها وقال : مرحبا بكِ، تفضلي بالجلوس، نحن فقط لم نكن نتوقع ان نراكما سويا مجددا.
جلس الجميع ماعدا كريستيان الذي قال ان لديه مكالمة مهمه وسيعود حالا.
كان الجو متوتر ومشحون، وكُنّ النساء الثلاث ميليسا وسوزي وفيرونيكا في اتم اناقتهن.
"وكأنهن احدى نجمات هوليوود" قالت سارة في نفسها.
عاد كريستيان ويبدو ان التوتر الذي اخفاه بشكل ممتاز كما اعتاد ان يخفي مشاعره دائما، قد خف.

كانت المرة الأولى التي ترا بها سارة كريستيان بشكل مباشر وجيد، احست بالخجل الشديد من نفسها، لم يكن مجرد شاب، انه رجل راشد حيث يبدو في الثلاثين من عمره، ذي شخصية قوية جدا وهيئة قوية، حتي انها قالت لنفسها كان يستطيع تحطيم يديها عندما ضربته بالمقلاة.
كان الخدم يطوفون حولهم يقدمون الشراب.
سوزي بعدم صبر وعصبية تحاول اخفائها: اذا هل عدتما سويا؟
فيرونيكا امسكت بذراع كريستيان الجالس بقربها وقالت: في الحقيقة اننا نفكر في مسئلة الطلاق بأكملها. وامسكت بأصابع كريس واكملت: يبدو اننا نؤذي انفسنا بسبب هذا البعد لا نساعدها. كانت عينيها تشع حبا.
كان أدائها ممتاز فعلا حسب مافكر به كريستيان، انها تستحق ان تصبح ممثلة، كيف صدقها قبلا لا يعلم!

تكاد سوزي تستشيط غضبا وهي ترا ابنها يوافق فيرونيكا علي قولها.
فيرونيكا: لا يجب ان تؤدي اصابعك هكذا بعد الآن.
شعر كريستيان بالغثيان من كلامها المنمق.
آدم يجلس وسط سارة وميليسا ولكن لم يكن يستمع لأحاديثهما الجانبية، كل تركيزه كان فالجالسة الجديدة قبالتهم، فقال : إن اختي سارة هي من ضربت كريستيان على اصابعه بالمقلاة، كانت تعتقد انه سارق يريد التهجم عليها. وضحك آدم بصوت عالي واكمل : فإنهالت عليه بالضرب.
نظر الجميع ناحية سارة، التي تلون وجهها وتضرعت داخلها لله ان ينقذها من لسان آدم.
أضاف آدم : لقد سمعت سارة وميليسا تتحدثان عن ذلك اليوم، عندما ذهبنا لنأكل اللحم كمكافئة لي وكانت سارة تقول انها تشعر بالخجل من نفسها، ........
امسكت سارة وميليسا سويا بفم آدم لتغلقانه.
كان يندفع بالكلمات وكأنه صنبور فتح وكُسر!

رفع كريستيان أحد حواجبه وهو ينظر لسارة، تأملها كانت تلبس قميص فضفاض جدا بأكمام طويله ورقبة عالية وبنطلون طويل، شعرها اسود كسواد الليل تضعه في كعكة اعلى رأسها، يناقض بصراحة لون بشرتها شديدة البياض لدرجة الشحوب تقريبا.
قال: ولكني لم اسمع اعتذارا حتي الآن.
فيرونيكا هنا كان لابد ان تتدخل: ولكن من هذه الفتاة، لم تعرفونا على بعض بعد!
ميليسا نظرت بتحدي لفيرونيكا واكتفت بقول: صديقتي.
سوزي احست بالفرح لان آدم قال ما قد قاله وأدحض من غرور تلك المغرورة فيرونيكا.
فقالت سوزي: ان سارة وآدم عزيزين على العائلة، وهما ضيوف ميليسا الغاليين.
سارة لم تكن تريد ان تكون محط الانظار والاهتمام، قالت في نفسها تعاتبها "لماذا لم أصر على البقاء في غرفتي وحسب".
سارة قالت بصوت آمر: آدم الى غرفتك.
آدم بعفوية: ولكن لم اكمل بعد حديثي ياسارة، لقد كان اللحم في المطعم .....
قاطعته سارة: فورا والان.
نهض آدم وذهب إلى غرفته.
سوزي: عزيزتي سارة، لم كل هذا الانفعال انه مجرد طفل يحب التحدث.
ميليسا نظرت لوالدتها بصدمة، هل يصدر هذا الحديث من والدتها حقا. رمشت عدة مرات تنظر لوالدتها غير مصدقة!!
تجاهلت سارة الجميع وفعلت ماكان يجب عليها فعله من الاول.
نظرت مباشرة إلى كريستيان الذي يبدو مسترخي وقالت وهي في جدية تامة : انا آسفة حقا يا سيد كريستيان، لقد فزعت كثيرا ليلة البارحة، لم اقصد مابدر مني، ربما كانت ردة فعلي غير مألوفة لديك.
وسكتت قليلا، ثم قالت مرة اخرى : ولكن هذا ماسيحصل اذا ما اي احد حاول وضع يدٌ علي فأنا أسفة.
فهم الجميع مقصدها ماعدا فيرونيكا التي التقطت الكلمات بشكل خاطئ بسبب سذاجة سارة.
سوزي وميليسا كانتا سعيدتين بسبب سوء الفهم من جانب فيرونيكا، وقد كان واضحا على ملامحها التي تحولت من الاسترخاء الى الغضب.

كريستيان نظر الى داخل عيون سارة، تلك العيون الواسعة الشديدة السواد في مقلتيها وبياض الصُّلبة كأنه ثلج صافي نقي، ثم اكتفى بقول : لا بأس.

فمرآة الانسان عيناه، قد يلون ويغير أي من تعابيره وردات فعله امام الناس، الا صدق العين فهي مرآة للروح، فهنيئا لمن كان للغة العيون قد تفطّن وتفقّه.

سوزي : هيا، الى طاولة العشاء.

فيرونيكا قالت انها تريد الحمام لتصلح مكياجها، وسارة اعتذرت لتطمئن ان آدم قد نام وسوف تعود.

اما الباقي فقد ذهبو الي غرفة الطعام الذي كان شهي ولذيذ.

سارة بعد ان إطمأنت على آدم، خرجت لتعود الى غرفة الطعام مكرهة، لقد احست ان هذا العشاء قد طال كثيرا، ولم تعد تريد الجلوس في جو تنفره نفسها.
ثم سمعت صوت فيرونيكا من احد الغرف تتحدث وكأنها تصرخ على شخص ما.
تقدمت لترى اذا ما كان هناك شيء خطير، يبدو انها تتحدث عبر الهاتف، ولكن سارة لم تركز على ماتقوله فيرونيكا.
التفتت الاخيرة لترى سارة واقفة عند الباب، فإرتبكت واقفلت الخط وقالت: هل هناك شيء ما؟
سارة بعفوية: لقد سمعتك تتحدثين و.....
لم تكمل سارة حديثها حتى جاءت ميليسا تستعجلها.

نزلن ثلاتتهن الى غرفة الطعام، كان الجو متوترا فيها فقد دار هناك حديث بين سوزي وابنها.

بدأو في تناول الطعام، تم تقديم طبق من وجبة خضروات لسارة حُضّرت خصيصا لها.
وتم إرسال لآدم عشائه الى جناحهم.

سوزي: الم تكتفي من حميتكِ الغذائية يا عزيزتي سارة، اظن انني سمعت آدم قال انكم اكلتم اللحوم اليوم؟
سارة بتوتر غير ملحوظ: لقد كانت فقط حافزا لآدم، مازلنا حقا نأكل الطعام النباتي، فلم تنتهي حميتنا بعد.
لاحظت فيرونيكا مشروب سارة كان عبارة عن عصير برتقال طبيعي، فأحبت أن تغيظها وقالت: اوه لا تشربين المشروبات؟ هل انتي تحت السن القانونية ؟

كان يمكن لسارة ان تفعل ماتشاء، متى ماتشاء، تشرب الكحول وتلبس ماتلبسه نساء الغرب، ولكنها كانت تملك قلبا يشع حبا لله، تذكره في كل لحظة، تخافه من كل زلة.
ان الله هو نورها ونصرها وقوتها، وتخشى غضبه وتطمع في رضاه.
ردت ميليسا بدفاعية: وما شأنكِ انتِ يافيرونيكا، ان سارة لا تشرب الكحول هذه الفترة، هل هي مشكلة كبيرة؟
يبدو ان الوضع اصبح غير مريح الى فيرونيكا، خصوصا سلبية كريستيان وعدم مبالاته بها، وهي التي اعتادت ان تكون دائما مركز الاهتمام.

قطع والدهم الحديث لتغيير الموضوع وقال : سارة، لقد اخبرتني ميليسا منذ قليل انكِ تبحثين عن عمل. ثم نظر في اتجاه كريستيان واكمل : لقد اخبرت كريستيان ان يبحث لكِ عن عمل في إحدى الشركات التابعة لنا.

ثم اخذ الحديث يتناول عدة مواضيع متفرقة، حاولت فيرونيكا خلالها ان تتصيد بعضا من التفاصيل والمعلومات عن سارة.

لم تكن سارة متألقة كما تفعل فيرونيكا والمرأتين الاخرتين على الطاولة، ولكن كان لها حضور بهي، شخصيتها القوية رغم بنيتها النحيفة قليلا، كانت ثابتة لا تهاب المواجهة وجدية في اغلب تصرفاتها. فهذا ماكان يلزمها لتحاول بناء قوة من ضعفها.
ان تخلق من ضعفها قوة، وهذا لم يكن خيارا متاحا لها لتقبل او ترفض، بل انها قد اجبرت على ارتداء ثوب القوة ويبدو انه يليق بها!

لكن بعض النفوس الخبيثة التي يملك اصحابها في قلوبهم مرض، يكرهون النفس الطيبة المطمئنة، يحقدون ويحسدون دون سبب يذكر، يتمنون أذية الغير فقط لحصولهم على السلام النفسي!

انتهى العشاء اخيرا وصعد كل شخص إلى غرفته، وذهب كريستيان ليوصل فيرونيكا الى منزلها.......

....................

سارة / كريستيان

تنفس الصبح، واشرق نور يوم جديد بعد ظلمة ليل كانت على البعض طويلة.

استيقظت سارة فجرا على عادتها وصلت صلاتها، ارتدت ثيابها ونزلت لتتمشى في الحديقة الخلفية، تتأمل حياتها وتحمد ربها على ثباتها حتى الآن.

فكل نعمة نحن فيها هي من عند الله، وان كان ايمانا فهو من فضله، وان كان سلامآ فهو من عنده.

وضعت السماعة واستمعت إلى سورة الانشراح، علّ قلبها ينشرح، استغرقت تتأمل وتتدبر معانيها، كم تحب الاستماع الى القرآن فالصباح الباكر جدا.

فعندما يكون اليوم في أوله تحس وكأنك الوحيد في هذا الكون، وكأنك تتناغم مع الطبيعة والاشجار والطيور وهي بدورها تفهمك وتتفهمك.
تتنفس هواء جديد لم تلوثه انفس الشر بعد، ترى نور الشمس ينبلج من بين ظلمات الليل، فيزيد يقينك بالانفراج وتنشرح روحك محبة للناس والحياة.

اما كريستيان فكان ليله طويل جدا، احس انه لا يعاني من مشكلة الطلاق حقا، انما هي عذر ليسمح لنفسه بالغضب. شماعة يعلق عليها سخطه وعدم رضائه عن حياته!
هاهو يقابل فيرونيكا البارحة وادرك انها لم تعد تعني له شيئا، والغريب انه مستعد للتنازل حتى يتم الطلاق.
تذكر عندما اوصلها البارحة وحاولت التودد اليه لينسى قصة الطلاق، كم اشمئزت منها نفسه.

اذا ما الذي يغضبه، ما الذي يجعل النوم يجافيه، نظر من خلال ستائر النافذة ورأ سارة تمارس رياضة المشي مثل صباح الامس، وتبدو وكأنها خارج الزمان والمكان.
لم يعرف لم قرر النزول والذهاب اليها، ولكنه وجد نفسه يمشي بملابسه الرياضية بجانبها.
ربما هي روح لروح تحدثت واستأذنت وأُذن لها!

كانت تمشي مغمضة العينين والسماعات في اذنيها وتردد شيئا ما.
قال لها: صباح الخير
فزعت سارة، كانت حرفيا تتأمل معاني السورة بقلبها وعقلها وكأنها تسبح في عالم آخر، ولم تنتبه لوجود احد قادم نحوها.
كريستيان: انا اسف لم اقصد ازعاجك. سكت ثم قال مبتسما : ولكن يبدو انني لا انفك ارعبكِ.
لوحت سارة بيدها اشارة الى انه لا شيء مزعج، بعد ان استعادت انفاسها عقب الفزعة، ثم قالت :لا عليك انا فقط كنت مشغولة بالاستماع ولم اكن حقا اركز فيما حولي.
احست انها اصبحت قرمزية اللون، تتجنب النظر في عينيه.
كريستيان: اسف حقا لقطع ذلك عليكِ، هل استطيع المشي معكِ.
استنكرت سارة سؤاله ولكنها لا تريد حقا إثارة اي جدل او مشاكل فقالت بإبتسامة متكلفة: بالطبع.
كريستيان: اريد الاستماع الى ماكنتِ تستمعين له!
سارة : عفوا؟
كريستيان : انا اعلم انه طلب غريب، ولكن عندما رأيتك من النافذة وأشار الى نافذة جناحه، بدوتِ وكأنك في عالم وزمان مختلفين. اريد تجربة ذلك حقا!
ثم اكمل قائلا: هل استطيع؟!
فهمت سارة مقصده، يبدو انه يعاني ايضا من بعض المشاكل. ولكن ان اعطته هذا ليسمعه سيدرك انها مسلمة وكانت ميليسا قد اخبرتها ان تخفي ديانتها!
عندما استغرقت وقتا للتفكير قال كريستيان : لا بأس يبدو انه شيء شخصي.
سارة مدت له هاتفها وسماعتها، وكانت تتجنب ملامسة اصابعها لأصابعه هذا ما لاحظه كريستيان!

إرتدى السماعة ثم شغل الصوت.
سكنت سارة وحبست انفاسها ترقبا تنتظر النتيجة.

عم المكان هدوء غريب وكأن كل شيء سكن بالنسبة لكريستيان، لم يعد يسمع ماحوله، حتى زقزقة العصافير التي كانت تصدح فوق اشجار الحديقة قد سكنت.
وسارة احست ان كل شيء سكن وامسك انفاسه ينتظر ترقبا معها.
وقد كانت هذه أول مرة في حياة كريستيان التي يستمع فيها للقرآن، والمفارقة انه لا يدرك انه كذلك.

ترك السورة تتكرر عدة مرات.
كان لا يفهم ولكنه يحس.. لا يدرك مايقال ولكنه يشعر به.. روحه تلك التي بين جنباته رفرفت بخفة وشوق.. وكأنها وجدت ينبوع الحياة.. ترياق الهموم.. لابد انه هو فعلا.
كان القارئ شيخ صوته عذب جميل، من حلاوة صوت تلاوته حتى تعيد الاستماع وكأنك تسمع صوتا يُهْمَسُ لك من الجنة.
بعد عدة دقائق من المشي المتواصل، وقف كريستيان ونزع السماعة ومد لها بالهاتف.
كريستيان : شكرا لكِ حقا، انه صوت جميل ينسيكِ في هموم الحياة، هل لكِ ان ترسليه لي؟
فكرت سارة يبدو انه لم يعرف انه قرآن.
سارة : بالطبع سأخبر ميليسا ان ترسله لك.
فهي لا تريد ان يأخذ رقمها او حسابها على مواقع التواصل الاجتماعي.
كريستيان قال وكأنه مدرك لما جال بفكرها : كيف تصنعين ذلك؟
سارة بعدم فهم: اصنع ماذا؟
كريستيان: ذلك الطوق الذي يحيط بكِ وتمنعين اي احد من تجاوزه، لدي فضول حقيقي لأعرف كيف، حتى انكِ تفعلين ذلك بكل بساطة!!
سارة: انا فالحقيقة لست مهتمة بم تهتمون به.
كريستيان رفع احد حاجبيه وعقد يديه فوق صدره بإهتمام وقال: لم افهم بعد!
سارة تنظر الى كل اتجاه ماعدا كريستيان: ان امور العلاقات لا تهمني، او انني فقط أراها من منظور آخر لا يمكنك النظر منه. ما اقصد قوله ان اهتماماتنا ليست متشابهة.
امعن النظر اليها، ملابسها واسلوبها الحذر هدوئها وسكونها يثير اهتمامه ليعرف عنها أكثر، مجرد فضول...
اما هي فلم تنظر في عينيه قط، قالت وهي تستأذن منه : عليَّ الذهاب لتجهيز اخي، سيتأخر عن مدرسته.
كان سيقول شيء ما ولكنه تراجع وقال : حسنا أراكِ لاحقا.
نظر اليها وهي تبتعد، احس انها ليست مجرد فتاة غريبة الاطوار، يبدو انها تخفي أمرا ما.

قد تقذف لنا الأمواج بنفايات وقاذورات البحار لتنظف جوفه، ولكنها احيانا في لحظات ثمينة تمن علينا وترمي لنا بعض من كنوزه وأسراره.
هكذا هي الحياة خلقها الله لتقذف لنا بهمها وتعبها وشقائها، ولكنه لم يخلق خلقه وعباده لينساهم، بل ارسل لهم كنوزا لترشدهم سبل السلام.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي