47

(العشاء)


جورج؛

يشعر بالسعادة حيث انه واخيرا تم القبض على المجرم وابنته بخير، حسنا ربما الآن هو الوقت المناسب ليحاول اخراج زوجته من عزلتها، لقد بدأت انطوائية وتفقد ثقتها بنفسها، وهذا عكس ما كانت عليه تماما.

بعد ان ترك ميليسا تذهب بصحبة جاك الى المقهى الفرنسي الذي تفضله ميليسا، حيث انها تحب الحلويات الفرنسية، توجه هو فورا الى المنزل ليبلغ سوزي على نتائج المحكمة، فهي مؤكد بإنتظار اي خبر.

لم يتصل بها وقرر العودة الى المنزل ومشاركتها هذا الخبر الذي يثلج الاعصاب.
وصل واتجه فورا الى غرفتهم، فتح الباب وكانت زوجته تقف بجانب النافذة المقفلة تحيط جسدها بيديها بطريقة وقائية وكأنها تحمي نفسها، اقترب منها ووضع يديه على كتفيها حيث مكان الحرق ليظهر لها انه لا يهتم لأمر الحروق وهو يتقبلها كما هي تماما.

ولكنها ابتعدت فورا، وكأنها تتجنبه، لم يأخذ موقف وكتم حزنه لإبتعادها الدائم عنه في قلبه، لا يريد ان يظهر لها انه يفهم انعدام ثقتها بنفسها، انها حتى اعتزلت صديقاتها وحياتها الاجتماعية.

قال لها يحاول التخفيف عنها: "ألن تسأليني ماذا حدث في المحكمة؟"
ابتسمت سوزي وقالت: "لقد تابعت الاخبار عبر صفحات التواصل الاجتماعي."

جورج: "اجل، الشكر للرب لقد تخلصنا منه."
التفتت مجددا ناحية النافذة وتنظر للبعيد ولكن نحو اللاشيء وقالت: "هل انت واثق منه هو، حسنا انا كنت شبه متأكدة ان الفاعل إمرأة."

ضحك جورج وامسك بيدها يقودها نحو السرير حيث جلسا وقال لها: "لا، لقد اثبتت الادلة ادانته، كل الادلة التي في منزله تشهد ضده."

لم تعلق سوزي بل اكتفت بالصمت فقال لها وهو يبعد خصلة من على وجهها: "لماذا كل هذا العبوس، انتي حزينة جدا هذا الاسبوع، هل حدث شيء انا لا اعلمه؟".

نظرت نحوه بكل الحب الذي في قلبها وقالت: "لا، لا يوجد، انا فقط ..."
ثم سكتت.

"لدي لكي مفاجأة، كنت اود ان اطلعك عليها الليلة على العشاء بصحبة الجميع، ولكن سأخبرك الآن." قال جورج وعيناه مملوءة بالتسلية.

نظرت له بفضول فقال: "سنسافر انا وانتِ الى الجراح انطوان ماكس، انه جراج تجميل مشهور جدا، وبقرب المسشفى خاصته يوجد منتجع سنمكث فيه الى ان تتماثلي للشفاء الكامل."

اتسعت عينيها وقالت: "يا الهي ان هذا الجراح يجب ان تقوم بالحجز عنده قبل عدة اشهر لكي تحصل على موعد، انه جراح مشاهير هوليوود."
قال جورج: "اجل."
لم تستطع كبت ابتسامتها السعيدة وقالت: "كيف حصلت على هذا الموعد القريب، لابد ان جدوله ممتلئ بالفعل."

قال جورج بفخر وتبجح وهو يمزح: "عزيزتي، ان زوجك هو جورج جراي، احد اغنياء البلاد، والمال يشتري كل شيء واي شيء قابل للشراء."

عادت لها تلك الابتسامة الحزينة وقالت: "لا داعي لأن تسجن نفسك معي لعدة اشهر حتى اتماثل لشفاء، سآخذ معي إحدى الخادمات."

نظر لها بعمق والحيرة تكسوا ملامحه ثم وكأنه قد فهم مقصدها فإبتسم لها بتفهم وقال: "لا لن يحصل، سأبقى معكِ حتى نعود الى المنزل، سأعوضك على اولى سنوات زواجنا من الفراق والحزن."

ضحكت ضحكه وكأنه من يسمعها منذ سنوات وقالت: "لابد انك تمزح! الآن تفكر في التعويض؟ انا في الخمسين من عمري وانت على مشارف الستين."

جورج: "وان يكن فقلوبنا لا تزال شباب، فقلب المحب لا يشيخ."
قالت سوزي: "سأقرص نفسي لابد انني احلم، منذ متى وانت رومانسي."
جورج: "لست كذلك، انا فقط احاول ابعاد الحزن عنا."


على طاولة العشاء؛

حان موعد العشاء واجتمعت الاسرة حول مائدة الطعام، جورج وسوزي وكريستيان وميليسا وسارة وآدم.

كان جميعهم سعيدين واخيرا بعد الاحزان الاخيرة التي مروا بها.
ماعدا ميليسا التي يلتف حولها الحزن والاسى.

بدأ كريستيان في الحديث قائلا: "سننتقل انا وسارة الى منزلنا، لقد هدأت الامور، وعلينا ان نستقر."

ابتسم جورج: "اجل يجب عليكما ذلك، اليس كذلك عزيزتي سوزي." قال ذلك وهو موجه حديثه الى زوجته.
نظرت سوزي نحو كريستيان وسارة وقالت مبتسمة بحنان لهما: "اجل، وانا سعيدة من اجلك يا بني، انت محظوظ فسارة فتاة طيبة وتحبك كثيرا."
رفع حاجبه وقال ممازحا: "وانا؟ اليست هي محظوظة بي."
ضحك جميعهم وحينها لاحظ جورج ان ميليسا هادئة على غير العادة فقال لها: "ما بها أميرتي؟".

نظرت له مبتسمة وقالت: "انا فقط متعبة لقد كان يوماً طويلاً."
سوزي: "اجل يبدو عليكِ الارهاق يا ابنتي."
سارة: "لا بأس سأحاول غدا ان نخرج سويا قبل ان ابدأ في عملي، فربما يتغير مزاجها."

جورج وهو يقطع اللحم الذي أمامه ويقول: "جيد لكِ، عليكِ ان تبني لنفسك كيان وظيفي، وانتِ ذكية وتستطيعين ذلك."
سوزي: "اجل، وكما تعلمان انتما الاثنان لديكما غرفتكما هنا تستطيعان الاقامة معنا متى شئتما."

سرحت سارة بأفكارها قليلا وهي تذكر تلك الايام حيث لم تجد لها مأوى ولو حفرة او كهف، ومشردة في الشوارع، اما الآن فهي تنعم بالاقامة والوظيفة الاستقرار، شكرت الله في سرها كثيرا وحمدته."
قطع حبل افكارها جورج وهو يقول ونحن ايضا لدينا اعلان، نظروا اليه جميعا وقال: "سنذهب انا ووالدتكم للإقامة في منتج سانت بولو، وهو تابع لمشفى الطبيب المشهور انطوان ماكس لتتعالج ولدتكم لعدة اشهر هناك."

صرخت ميليسا من الفرحة، فقد كانت دائمة الانشغال على والدتها وخصوصا انها تعتبر نفسها السبب فيما حصل، قفزت متجهة نحو والدتها واحتضنتها، ثم قالت موجهة الحديث الى والدها: "ان هذا الطبيب من الصعب الحصول على موعد لديه، ان مشاهير العالم يتهافتون عليه."

قال آدم: "هل استطيع ان آتي معكما فأنا ايضا لدي جرح في ساقي بسبب الكشاف."
ضحك عليه جميعهم وعبث كريستيان بشعره وهو يقول له ضاحكا: "نحن الرجال لا نصوم بالتجميل، وصدقني يافتى ان جرح في ساقك سيزيدها جمالا عندما تكبر."

نظرت نحوه سارة وقالت: "ماذا؟ هل تشجعه على ان يقوم دائما بإيذاء نفسه."

بعد العديد من الاحاديث والمشاكسات فيما بين الجميع، انتهى العشاء وتوجه كل واحد الى غرفته.


جاك؛

في صباح اليوم التالي وبعد ان هدأت اعصابه قرر التوجه الى ميليسا في المنزل قبل ذهابها الى الشركة.
اخذ باقة من الازهار مع فطور فرنسي من المقهى خاصته، مزين في علبة جميلة، وانطلق الى منزل آل جراي.

سيقوم اليوم بالخطوة الاولى، ربما هو متسرع قليلا ولكن يجب عليه ذلك، فهي لم تترك له خيار.

رن جرس الباب ففتحت له الخادمة، ونظرت بدهشة الى باقة الازهار الضخمة والى العلبة، ثم ابتسمت وقالت قبل ان يتحدث: "سيد جاك، تفضل الى حجرة الضيوف وسأخبر الآنسة بحضورك فورا."

توجه نحو الغرفة وكان المنزل يسبح في الهدوء، وضع باقة الازهار على الطاولة وبجانبها علبة الافطار الفرنسي.

دقائق ودخلت ميليسا بحضورها اللافت، وقف هو عند دخولها، لما يشعر وكأنه لم يرها منذ مدة.
اما هي فنظرت له اولا ثم الى باقة الازهار والعلبة، وقالت: "صباح الخير، تفضل اجلس."

رد عليها تحية الصباح بعد ان قدم لها باقة الازهار، ثم ببعض عبارات الاعتذار انهى كلامه.

كانت تنظر له نظرات ثاقبة، وهي ترفع حاجبها وقالت: "انك شخص مزاجي جدا، وانا لا احب المزاجيين."

قال وهو يبتسم: "اعذري تصرفي فأنا أعلم انني كنت فظا معكِ."
قالت ميليسا: "لا بأس."

عم الصمت بينهما قليلا ثم اخذ جاك يفتح العلبة وقال لها: "هذا افطار صباحي، احضرته من المقهى خاصتي."
نظرت له بإبتسامة وقالت: "حسنا ها قد بدأت تربح النقاط الايجابية، لنتناوله فأنا جائعة."
جاك: "ألن نتناوله مع العائلة؟".

ميليسا: "لا لقد خرجوا جميعا منذ الصباح الباكر، والداي ذهبا الى المطار وكريستيان وسارة وآدم ذهبوا لتفقد المنزل الجديد."

جاك: "اه". هذا كل ما قاله.
طلبت من الخادمة تجهيز طاولة الطعام، فأخذت الخادمة العلبة وتوجهت إلى المطبخ، وبعد عدة دقائق عادت لتخبرهم ان المائدة جاهزة.

اثناء تناولهم للإفطار قال جاك: "اريد ان آخذك لتناول العشاء هذه الليلة في منزل اسرتي."

غصت ميليسا بلقمتها واصابتها كحة مستمرة، شربت الماء ونظرت له بذهول وقالت: "ماذا، هل انت جاد؟".
جاك: "اجل اريدك ان تقابليهم" ، كان وكأنه يتحداها ولم تفهم لما يفعل ذلك فقالت له: "الا تعتقد ان هذه الخطوة سابقة لأوانها؟".

جاك: "انا لا اسير الا خطوات ثابتة، افعل هذا على ارض الواقع كما افعله في ميدان الملعب."

ارتفعت زاوية فمها في ابتسامة ثم قالت: "حسنا، انا موافقة."
اطال النظر اليها، كان يخالجه شعور غريب، انه لم يفعل هذه الخطوة سابقاً ابدا الا مع سيرينا.

وقف وقال برسمية شديدة وكأنه ليس نفس الشخص الذي كان يحادثها منذ قليل: "الى اللقاء اذا".

دائما ما تقف سيرينا حائلا بينه وبين اي علاقة، كل ما يتذكرها يصيبه الجفاء ولا يستطيع التقرب من سواها.


ميليسا؛

ارتدت ثياب العمل بعد ذهاب جاك، حاولت انتقاء ثيابها بعناية، فهي تريد ان تظهر بعد هذا الغياب عن الشركة بأحسن مظهر لها، وان تبدوا عليها القوة والصلابة.

ما ان دخلت من باب الشركة حتى توالت عليها التهاني للإمساك بالمجرم، كل ما كانت تسمع كلمة. مجرم ينقبض قلبها، مايكل ليس بمجرم، وهي ستحاول ان تشهد معه في جلسة الاستئناف.

وصلت الى مكتبها وعندما دخلت وجدت باقة من الازهار مكتوب فيها "عودة طيبة، جاك".

ابتسمت وناولتها الى سكرتيرتها وطلبت منها ان تضعها في الماء.
بدأت العمل ومر النهار سريعا، حتى جاء موعد نهاية الدوام.

نزلت الى جراج السيارات في الطابق الذي تحت الارض، توجهت نحو سيارتها فوجدت على السيارة علامة غير واضحة وكأنها علامة إكس او ما شابه، ولكن لا تبدو كذلك ايضا، لم ترد ان تهلع، اخذت رقم المفتش واتصلت به واخبرته بذلك، فطلب منها ان تقوم بتصويره وترسله اليه.

فعلت ما طلبه منها، ولكن عندما رأى المفتش الصورة قال لها ان هذا يبدو وكأنها اظافر قطة او احد الاطفال لعب بألعابه على السيارة وأخذ يطمئنها.

بعد ان طمئنها المفتش واخبرها ان تتصل به في اي وقت وان شكت في اي شيء، حتى لو كان منتصف الليل، ركبت سيارتها وذهبت الى صالون التجميل، حيث قامت بتصفيف شعرها.

عادت إلى المنزل وارتدت ثيابها بعناية، وعند الموعد تماما جاء جاك ليصحبها الى العشاء.

"تبدين هادئة جدا."

قال لها جاك ذلك وهم في الطريق، وهي لم تشأ ان تخبره عن شكوكها حول خدوش السيارة، خصوصا بعدما اخبرها المفتش انه لا يوجد شيء لتقلق حوله.

"فقط متوترة قليلا للقاء اهلك."

وصلوا واخيرا الى منزل العائلة، كان منزلهم جميل وكبير، وهم ايضا عائلة كبيرة، متكونة من ابنتان وثلاث شباب وجاك هو رابعهم.

اخذ جاك يعرفهم على الجميع، كان جميعهم ودودون معها ماعدا اخته المتزوجة مارينا، لم تتحدث اليها كثيرا بل فضلت ان ترهقها بالنظرات، وان كان جاك قد لاحظ ذلك فهو لم يتحدث.

تبادلوا اطراف الاحاديث وكانت سهرة لطيفة لعائلة لطيفة حقا.

انتهت الزيارة وأوصل جاك ميليسا الى المنزل، عندما دخلت وجدت كريستيان يقف امام الباب وينظر نحوها بغضب بارد وتوجه بالحديث نحو جاك قائلا: "اين كنتما ؟"

كانت ميليسا ستجيب ولكن جاك سبقها قائلا: "في منزل عائلتي، لقد اخذت ميليسا لتتعرف اليهم."

لم يتفوه كريستيان بأي كلمة وانما دخل متوجها الى الطابق العلوي وتركهم.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي