67

(انفصام في الشخصية)



إعادة احياء ذكريات من الماضي عن غير قصد ذكريات حاولت جاهدا نسيانها، تكون اصعب بمراحل من الحدث عند حدوثه بحد ذاته!

تصبح تلوم نفسك وتقول ياريتني فعلت كذا وفعلت كذا، فعودة الذكريات الغير محببه الى عقولنا يجعل جرعة تأنيب الضمير ترتفع!

كانت تمشي بلا هدى وصورة نيكولاس وهو يحقن الابرة في ذراعه لا تفارق عينيها، وتخالط هذه الصورة صور عدة من الماضي، انها تعرف هذه الحقنة جيدا، تعرفها جيدا جدا!

انسكبت الدموع من عينيها بعد ان جلست في كرسي في الحديقة العامة، تذكر تلك الزهرة التي اذبلها هذا السم رويدا رويدا، الى ان انطفأت في النهاية والى الابد.

مظهر نيكولاس وهو يحقن جرعته كان كمظهر طفلتها الحبيبة تماما، كانت تحقن بهذه الطريقة، حاولت مساعدتها كثيرا ولكن كل محاولاتها بائت بالفشل، صحيح ان الامر مر عليه دهر من الزمن ولكن ناردين لا تزال تشعر بألمه وكأنه حدث البارحة.

ابنتها توفت بسبب هذا السم القاتل، بسبب جرعة زائدة وجسدها كان قد فقد كل حيويته ومعادنه وفيتاميناته، فلم يصمد وخرجت روحها، انها دائما تدعوا الرب بأن يغفر الى ابنتها.

نظرت الى هاتفها وجدت انها تأخرت، جففت دموعها ونهضت متجهة الى محل المواد الغذائية، اشترت الفواكه والخضروات وكل ماهو صحي ومفيد، ستحاول مساعدة هذا المسكين، ولكن عليها ان تعرف قصته اولا.

انهت مشترياتها وتوجهت إلى المنزل، اخذت نفسا عميقا وفتحت باب المنزل، كان هادئ جدا، اتجهت الى غرفة نيكولاس ووجدته نائما، كعادته في كل يوم ينام في نفس التوقيت.

اتجهت الى المطبخ وجهزت الطعام مع الكثير من الخضروات، وجلست على اريكتها مرتدية نظارتها وتقرأ كتاب ما، وقطها يلعب بجانب قدميها.

بعد ساعتين استيقظ نيكولاس ودخل الى غرفة المعيشة فوجدة العجوز ناردين جالسة في مكانها المعتاد.

لعب قليلا مع القط ثم جلس لجانبها يمازحها فلاحظ انها يبدو مختلفة.
قال لها والحيرة تبدو عليه: "ماذا هناك جدتي، هل هناك امر ما؟".

نظرت له بتفاجئ وقالت: "جدتك؟"
كان ينظر لها بحنان وقال وهو يمسك يدها: "اجل جدتي، انا لم اعرف اي من جدتاي، فأحدهما متوفية والاخرة متزوجه من رجل آخر غير جدي وتعيش في الجزء الآخر من الكرة الارضية."

ابتسمت له بحنان وقالت: "كانت لي ابنة، لو عاشت لكان لها ابن من عمرك!"

قال نيكولاس وعلامات التأثر بادية عليه: "يسعدني ان اكون حفيدك فأنا لم اعرف حنان الجدة يوما!"

ثم تذكرت امره وقالت: "ايها الحذق ستشغلني عن سؤالي، الن تعود الى اهلك اظن انهم مشغولون عليك!"

تظاهر بالحزن فهو يعلم انها تحبه، وقال: "ماذا جدتي! هل مللتي مني؟"

ابتسمت له بحنية لقلب ام مملوء بالحنان ولكن كان لا يجد لمن يعطيه، ثم قالت وهي تتلمس وجهه بيديها المجعديتين وتتأمله بعينيها المنتفختين من الكبر وقالت: "أمَلُّ منك؟ انت من اخشى ان يمل من رفقة عجوز خرفة احدى قدميها في القبر!"

ضحك نيكولاس محاولا ان لا يجعلها كئيبة، ثم قال لها: "انا اتضور جوعا هل ستتركي حفيدك جائع!"

آدم؛

كان آدم طوال هذا الاسبوع يقوم بمهام كلفه توم بالقيام بها، وهي مهام عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث زوده بحسابات على هذه المواقع وطلب منه جلب معلومات تخص بعض الاشخاص، بحجة اما ان يكونوا اشخاصا مهمين يساعدون في ازدهار اعمالهم، او اشخاصا عاديون يحتاجون الى المساعدة.

وكانت المكافآة المالية له جيدة جدا، ولكن آدم لم يكن يهتم بالجانب المالي كثيرا، كان يريد ان يثبت انه فعل شيء جيد، يريد ان يثبت لأخته انه رجل يعتمد عليه.

ولكن رغم انشغاله بدراسته وهذا العمل الجديد، الا انه مشغول كثيرا على صديقه نيكولاس، كل يوم ينتظر ان يتصل به هو او بجيف ولكن لم يفعل، حتى ان فيفيان والدة نيكولاس تتصل يوميا تسأل عن ابنها وصوتها حزين يرثى له.

اقترح هو وجيف على والدي نيكولاس ان يضعوا اعلانا في وسائل التواصل وفي الجرائد وفي والتلفاز وفي كل مكان، اعلان بصورة نيكولاس ان كان اي شخص قد صادفه او رآه.

ونال هذا الاقتراح اعجاب فيفيان وسميث، وبدأ فعلا بالعمل عليه.

وقف آدم من على جهاز الحاسوب المحمول الخاص به وهو يفكر في جيف لقد ذهب بصحبة والديه الى العيادة النفسية ولم يحضر حتى الآن!


عائلة نيكولاس؛
رأت ا
كان الجو مشحون جدا، كالبالونة المنتفخة جدا وعلى وشك الانفجار، هكذا كانت العلاقة الحالية بي فيفيان وزوجها سميث.

كانوا قد نشروا صورة نيكولاس في عدة اماكن ولكن لم يصلهم شيء.

"كيف تستطيع العمل وابنك مختفي!؟"

كانت هذه فيفيان تعاتب زوجها المنكب فوق اوراق العمل، عمل يحاول دفن نفسه فيه حتى لا يجن من كثر التفكير فيما ربما قد يكون حدث الى ابنه نيكولاس.

"اعمل لكي تجدي كيف تبحثي عن ابنك، كل شيء يريد المال!"

كانا حزينان ولكن كل واحد فيهم يعيش حزنه لوحده، ويقوم بإنتقاذ الآخر.

اتجهت اليه كالمجنونة وامسكت ياقته وقالت: "انا لا اريد عملك، انا اريد ابني، اذهب واحضر لي ابني."

كانت تبكي وتصرخ بهستيريا، نزع يديها من عليه ووقف منتفضا، يكره ذاك الشعور الذي ترميه به وتشعره انه لا يفعل شيء، او انه عاجز.

تجاهلها واتجه نحو الباب ليخرج، ولكنها لحقته مصرة ووقفت امامه تضربه على صدره بقبضتيها بكامل قوتها وهي تقول: "اذهب ولا تعد الا وهو معك!"

من غله دفعها وكانت هي خائرة القوى فسقطت على الارض وبدأت تنتحب وتقول: "اريد ابني، اين انت يا نيكولاس، هل انت بخير ام لا، نائم ام جائع!"

ظلت على هذه الوضعية الى ان غلبها النعاس ونامت.
عندها اتصلت الخادمة بسميث واخبرته ان زوجته مستلقية على الارض، عاد مسرعا الى المنزل الذي لم يبتعد عنه في الاساس، فقد ظل جالسا امام باب البيت!


جيف؛

جلسة اخرى عند الطبيب ضمن جلسات عدة، بدا جيف معتاد على زيارة الطبيب وبدا انه اكثر تفتحا في الحديث معه عن نفسه من ذي قبل.

"احتاج الى مساعدتك!" قال الطبيب.

نظر جيف بإستغراب نحو الطبيب وكرر كلام الطبيب قائلا: "تحتاج الى مساعدتي!؟"

قال الطبيب وعلى وجهه ملامح الجدية,: "اجل احتاج اليك لكي نساعدك والدك"

لاحظ الطبيب علامات الدهشة والاستغراب على وجه آدم فقال له موضحا: "انت اتبعت التعليمات جيدا، وانا ارى تحسنا ملحوظ عندك، ولكن للأسف ليتني استطيع قول نفس الشيء عن والدك."

كانت لهجة الطبيب تدل على حرصه على مساعدة جيف ونيكولاس.
قال جيف بحزم: "وما المطلوب مني؟"

سيفعل اي شيء ليسعد والدته، سيفعل اي شيء لكي يشفى توماس ولا يؤذي والدته!

اخذ الطبيب يشرح له وضع والده، واخبره انه يعاني من انفصام في الشخصية نتيجة لصدمة حصلت له عندما كان صغير ربما.

عليك ان تكون اكثر صبرا وحكمة، صحيح انك الصغير هنا في كل هذا، لكن يقع على عاتقك المساعدة، انا شرحت الى والدتك الوضع منذ مدة طويله وقد قررت هي خوض غمار هذه التجربة ومحاولة مساعدته.

حينها شعر جيف انه تقع على عاتقه مسؤولية كبيرة
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي